لندن ـ «القدس العربي»: في تعليق لمحلل الشؤون الأمنية في شبكة أنباء «سي أن أن» ومؤلف كتاب «الولايات المتحدة الجهادية: تحقيق الإرهاب الداخلي في أمريكا» بيتر بيرغن على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منع اللاجئين السوريين دخول الولايات المتحدة وصفه بأنه خطأ كبير.
وقال إنه لا توجد أدلة تؤكد أن من بين هؤلاء إرهابيين قادمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرا إلى أن اللاجئين السوريين هم أنفسهم ضحايا فارين من دولة إرهاب الديكتاتور بشار الأسد والمنظمة الوحشية غير الدولة تنظيم «الدولة» (داعش).
وكان ترامب قد وقع يوم الجمعة أمرا تنفيديا أدى لفوضى في المطارات العالمية واعتقال عدد من الذين وصلوا مع أن المؤسسة القضائية اعتبرت ما قام به الرئيس الأمريكي غير دستوري وأمرت بالإفراج عن المعتقلين في نيويورك.
ويشمل القرار حملة الجنسيات المزدوجة ومن هم من أصول صومالية وليبية وعراقية . وبرر ترامب قراره بأنه محاولة «لإبعاد الراديكالية الإسلامية الإرهابية عن الولايات المتحدة الأمريكية».
وبالمقابل قال بيرغين إن هذا القرار لن يحقق أي شيء «فلا توجد أدلة عن وجود إرهابيين بين اللاجئين السوريين الذين دخلوا الولايات المتحدة الأمريكية»، مضيفا أن «كل الأعمال الجهادية الإرهابية القاتلة التي نفذت في الولايات المتحدة منذ 9/11 قام بها مواطنون أمريكيون أو من يقيمون في البلاد بطريقة شرعية ولم ينفذ أي منها لاجئ سوري» و»يجب أن لا يكون هذا مثارا للدهشة لأن الولايات المتحدة لم تقبل إلا عددا قليلا من اللاجئين السوريين مع أن الحرب الأهلية تعتبر الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية وأدت لتدفق حوالي 5 ملايين لاجئ من سوريا». ولم تستقبل الولايات المتحدة سوى 15.000 لاجئ سوري أي ما تصل نسبته إلى 0.2% من اللاجئين الذين فروا من بلادهم، وكان معظمهم من النساء والأطفال.
وعلق ساخرا أن أي إرهابي تابع لتنظيم «الدولة» يفكر بعقله لن يحاول اختراق صفوف اللاجئين والدخول للولايات المتحدة. وحتى العدد القليل من اللاجئين الذين حصلوا على موافقة فإنهم لم يدخلوا إلا بعد إجراءات دقيقة ففي شهادة لآن ريتشارد، المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية أمام وزارة الأمن القومي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 قالت فيها إن كل لاجئ سوري يحاول الحصول على إذن لدخول الولايات المتحدة يتعرض للتدقيق من مركز مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية ومن مكتب التحقيقات الفدرالي «أف بي أي» ومن وزارة الأمن القومي والخارجية والدفاع.
ويطلب منهم تقديم معلوماتهم «البيومتريكية» وتصوير القرنية وتقديم تفاصيل دقيقة عن حياتهم. كما وتجرى معهم مقابلات مطولة.
وتتم مقارنة المعلومات التي يقدمها هؤلاء بقاعدة البيانات المتوفرة لدى الحكومة للتأكد من أنهم لا يشكلون تهديدا على الولايات المتحدة.
ولا يحصل أي لاجئ على إذن بالدخول قبل عامين وربما أكثر. وفي السياق نفسه قال ليون روديريغوز، مدير خدمات المواطنة والهجرة بشهادة أمام وزارة الأمن القومي في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أنه من بين 10 ملايين لاجئ يحاولون الدخول إلى الولايات المتحدة كل عام «يتم التدقيق أكثر في اللاجئين ويتعرض اللاجئون السوريون للفحص المتشدد الأكبر».
ومقارنة مع هذه التشديدات لا يتعرض السوريون الهاربون إلى أوروبا لأي تدقيق رغم أن حجم المهاجرين أضخم منه إلى أمريكا.
ويتفق معظم المحللين على أن الخطر الإرهابي الذي يتحدث عنه ترامب لا ينبع من مهاجرين، أطفالا ونساء، هم أنفسهم ضحايا الإرهابيين.
المسلمون هم ضحايا «داعش»
وترى ليزي ديردن في «إندبندنت أون صاندي» أن منح الأقليات الدينية أولوية لدخول الولايات المتحدة، يتجاهل أن معظم ضحايا وحشية تنظيم «الدولة» هم مسلمون.
وأشارت منظمات الإغاثة الإنسانية إلى أن الكثير من الرجال والنساء والأطفال الذي يأملون بالبحث عن حياة جديدة في أمريكا يفرون من الإرهاب الذي يزعم ترامب أنه يقاتله وهي مفارقة من الصعب تصديقها.
وجاء منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة بعد أسبوع حافل من القرارات التي قلبت الوضع السياسي الأمريكي رأسا على عقب وأنهت إرث الرئيس السابق باراك أوباما.
وقال ترامب في تصريحات لشبكة الإذاعة المسيحية «سي بي أن» إنه يدعم منظور منح الأولوية للأقليات المسيحية المضطهدة. وعندما سئل إن كان يعني منحها وضعا خاصا أجاب «نعم». وزعم أن المسيحيين القادمين من سوريا لم يكن بإمكانهم الدخول للولايات المتحدة مقارنة مع المسلمين.
ونقلت الصحيفة عن رناد منصور، الزميل الباحث في مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشاتام هاوس ـ لندن قوله إن عدد اللاجئين المسيحيين الذين قبلت طلباتهم للهجرة إلى أمريكا لا يقارن بعدد المسلمين والأرقام المتوفرة تناقض مزاعم الرئيس.
وقال «صحيح أنه تم اضطهاد المسيحيين وأجبرهم تنظيم الدولة على ترك منازلهم» و»لكن تم استرقاق الإزيديات وبيعهن وقتل الرجال».
وحذر منصور من أن الخطاب الناري الذي يستخدمه ترامب وأمره التنفيذي يخدم الخطاب نفسه الذي يتبناه تنظيم الدولة والجماعات الجهادية الأخرى.
و»يلعب على فكرة صدام الحضارات والذي يحتاج إليه الجهاديون العالميون للقول إن الأمريكيين ضدهم والغرب ضدهم».
ومن هنا فما يقوم به ترامب هو تأكيد ما يقولونه. وتقول الصحيفة إن العدد الأكبر من ضحايا تنظيم الدولة في العراق وسوريا وليبيا ونيجيريا هم مسلمون. فقد اعتبر مؤشر الإرهاب العالمي العراق من أسوأ الدول التي تأثرت بالإرهاب بعدها أفغانستان ونيجيريا والباكستان وسوريا.
وتقول إنه لا توجد أرقام واضحة عن عدد المسلمين والجماعات الدينية الأخرى الذي قتلوا على يد «تنظيم الدولة» إلا أن حقيقة كون الغالبية في هذه الدول مسلمة، تعني أن الضحايا معظمهم مسلمون.
وفي عام 2011 جاء في تقرير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية « في الحالات التي تم فيها تحديد هويات الضحايا الدينية فإن نسبة الضحايا المسلمين كانت ما بين 82-97% من الضحايا».
عار أمريكا
وتعلق الصحافية المعروفة جانين دي جيوفاني في «نيوزويك» أن سياسة «الفحص المتطرف» لمنع «الإرهاب الراديكالي الإسلامي» هي سياسة تقوم على الخوف وليس الحقائق «وهذا يعني أن المساعدين الذين أنقذوا حياتي في الشرق الأوسط في العقود الماضية لن يسمح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة، البلد الذي حلموا به».
وقالت إنها تشعر بالخجل من كلام ترامب وهو يوقع الأمر الرئاسي لمنع المسلمين « لا نريدهم هنا» و»سنسمح فقط لمن يدعم ويحب شعبنا».
وذكرت قصصا عن رجال قدموا خدماتهم للصحافيين الأجانب رغم ما تلقوه من تهديدات، ومنهم ياسر قاطي، طبيب البيطرة الذي عمل في مكتبها ببغداد وقتل بانفجارسيارة ملغومة الأسبوع الماضي مخلفا وراءه طفلتين، في الثانية والرابعة من عمرهما.
وأضافت إنها حاولت مع آخرين جلب أخيه حيدر وعائلته إلى الولايات المتحدة. فإن كان جدتها الإيطالية التي هربت من الفاشية الإيطالية في العشرينات من القرن الماضي ووجدت ملجأ في أمريكا فلماذا لا يسمح لحيدر.
تصميم وإرادة
وتقول في الأسبوع الماضي راقبت يسرى مارديني التي سبحت ثلاث ساعات لكي تنقذ قاربا كان محملا بالمهاجرين الخائفين قرب اليونان عام 2015، وهي تحضر للألعاب الأوليمبية في طوكيو عام 2020.
وتضيف إن مراقبة هذه اللاجئة الشابة وهي تحضر بتصميم وتركيز كان مثيرا. فبعد أقل من عام على هروبها من سوريا كانت تتنافس تحت علم الأمم المتحدة في أوليمبياد ريو دي جانيرو. واليوم فهي تسبح كل يوم وتعلمت اللغة الألمانية والإنكليزية في عام.
وتحلم بالسفر إلى أمريكا ولن يتحقق هذا. وتشير جيوفاني لقصص أخرى، منذر طالب طب الأسنان من دمشق وعبدي من الصومال الذي حماها من حركة الشباب الإسلامي. وقال لها يوما «الحياة قصيرة ولكنها في الصومال أقصر».
وشاهد شقيقه وهو يموت أمام ناظريه ولا يريد مصيرا كهذا بل يريد التعلم والسفر إلى أمريكا ولن يستطيع.
وتقول «بعد كل هذا فالحظر الذي فرضه ترامب هو مخجل خاصة أمام الناس الذين قدموا لنا خدمات، وهذا يعني المنع على كل جندي سوري وعراقي قاتل ضد تنظيم الدولة ويحظر على المترجمين الذين عملوا مع القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان».
وتضيف أن الخطر الحقيقي النابع من برنامج «الفحص المتطرف» أنه يضع الجميع في سلة واحدة «الإرهاب الراديكالي الإسلامي» لأنهم كلهم مسلمون. و»هذا يشمل كل عائلة سورية قابلتها كمستشارة للأمم المتحدة عام 2014».
وتقول إن ترامب وقع الأمر في اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست ولم يلحظ مفارقة في أمره أو خطرا، مشيرة إلى مادلين اولبرايت، وزيرة الخارجية السابقة والتي فرت عائلتها من تشيكوسلوفاكيا السابقة حيث كتبت على صفحتها في «فيسبوك»، «إنه إجراء قاس ويمثل تحولا مذهلا عن القيم الجوهرية الأمريكية. ولدينا تقاليد نفخر بها لتوفير الملجأ للهاربين من العنف والإضطهاد»، مضيفة أن «علينا أن نعمل الكثير لا القليل لمساعدة من هم في الشرق الأوسط».
وتعلق جيوفاني إن قرار ترامب هو أول أمر في خطوة تشريعية من خطابه التنفيري والذي يقوم على «نحن» و «هم». وتقول إن ترامب تجاهل أن معظم الهجمات الإرهابية هي من تنفيذ الداخل «وفي فرنسا حيث أعيش 8 من كل 10 هجمات إرهابية كان منفذوها مواطنين فرنسيين وبلجيكيين، ولم يأت أي منهم من قائمة الدول السبعة التي حظرها ترامب».
وتعلق أيضا «هي مسألة أخلاقية، فأن تكون قائدا للعالم يجب أن تكون محل مساءلة أخلاقية. وقلنا «لن يحدث أبدا» بعد الهولوكوست وسنساعد الهاربين من الاضطهاد، وبتوقيع واحد محا ترامب واحدا من أهم المبادئ الأخلاقية للبلد».
جبان
ويعتبر بهذه المثابة قراره جبانا وخطيرا. ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» الآثار والمعاناة التي تسبب بها قراره بعد ساعات على عائلات كان لديها كل الأسباب للهروب من المذبحة والديكتاتورية في بلادها والسفر إلى بلد فيه أمل.
وقالت «احتجز أول الضحايا لهذه السياسة المتعصبة والجبانة والتي تحمل في داخلها الهزيمة الذاتية، يوم السبت في المطارات الأمريكية بعد ساعات من توقيع الأمر الرئاسي والذي أطلق عليه اسما سخيفا «حماية الأمة من الإرهابيين الأجانب ومنع دخولهم الولايات المتحدة الأمريكية».
وقالت إن قاضية فدرالية أصدرت قرارا يمنع ترحيل القادمين إلى بلادهم، مع أن مستقبلهم ومستقبل من يشملهم الأمر الرئاسي لم يحدد بعد.
وأضافت أن مصير اللاجئين تأثر بالجدار الإستعراضي لدونالد ترامب في الخطوة الأخيرة من سنوات انتظار كي يدخلوا أمريكا.
وسيؤثر هذا الحظر على حياة مئات الألوف من المهاجرين ممن وافقت السلطات على دخولهم البلاد ومنحوا التأشيرات للإقامة فيها. ولم يفت الصحيفة التذكير بأن الأمر صدر في يوم الهولوكوست العالمي والذي كشف عن قسوة الرئيس وعدم مبالاته بالتاريخ وبالدروس الأمريكية العميقة وقيمها.
وترى الصحيفة أن الأمر يخلو من منطق، فهو يحاول استحضار هجمات إيلول/سبتمبر كمبرر ويستثني الدول التي جاء منها المهاجمون الذين شاركوا في الهجمات «ليس مصادفة، دول عدة تدير عائلة ترامب أعمالا تجارية فيها».
ومع أن الوثيقة لا تذكر دينا بعينه إلا أنه تحدد معيارا غير دستوري من خلال منع المسلمين ومنح مسؤولي الحكومة الصلاحية لكي يسمحوا بدخول الأشخاص من أتباع الديانات الأخرى.
وقالت الصحيفة إن لغة الأمر تحمل نبرة عدائية للأجانب ومعادية للإسلام والتي برزت أثناء حملة ترامب للرئاسة الأمريكية. وقالت إن شعاراته هذه شوهت حملته الانتخابية وهي ليست أمريكية، مع أنها أصبحت الآن سياسة أمريكية.
وجاء في الأمر «يجب على الولايات المتحدة التأكد من السماح بدخول البلد للأشخاص الذين لا يحملون مواقف معادية لمبادئها الرئيسية التي قامت عليها»، ويقدم بهذه الطريقة فكرة زائفة وهي أن كل المسلمين يمثلون تهديدا.
ويزعم الأمر بأنه يحاول حماية أمريكا من الأشخاص الذين يرتكبون أفعال عنف ضد النساء ومن يقومون باضطهاد الناس بناء على عرقهم، جنسهم أو اختيارهم الجنسي.
وتعلق الصحيفة «رئيس تفاخر بالاعتداء الجنسي على النساء ونائبه الذي دعم سياسات تمييزيه ضد المثليين يجب عليهما الخوف من هذا المعيار».
وتقول إن عدم صواب هذه السياسة تستدعي الناس المسؤولين في إدارته والكونغرس لوقفها حالا.
فرحة المتطرفين
وهناك سبب أهم يستدعي وقفها وهي أن الأمر «خطير جدا، فسيفرح المتطرفون بهذا الأمر ونشره، ويعطي مفهومهم مصداقية وهي أن الولايات المتحدة في حرب مع الإسلام ولا تستهدف الإرهابيين فقط. ولا يريدون شيئا غير أمريكا خائفة مولعة بالقتال ومتهورة. فما سيفعله هذا الأمر هو تسريع جهودهم لضرب الولايات المتحدة واستفزاز رد فعل من رئيس يسهل استفزازه وغير مجرب».
وتقول إن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط سيتساءلون عن حيوية التعاون معها والاعتماد عليها في وقت يقوم مسؤولوها الكبار بالتشهير بدينهم. وسيجد العراقيون والأفغان الذين يخاطرون بحياتهم ويتعاونون مع القوات الأمريكية مبررا لإعادة النظر في العلاقة مع دولة تقوم بقصف بلادهم ولكنها خائفة من السماح لمواطني بلادهم الدخول إلى أراضيها. وقالت الصحيفة إن الجمهوريين في الكونغرس الذين صمتوا أو دعموا الحظر بشكل تكتيكي عليهم الاعتراف بأن التاريخ سيتذكرهم كجبناء.
وترى أن شخصا واحدا في موقع يؤهله للتأثير على ترامب ويجبره على وقف هذه السياسة، جيمس ماتيس، وزير الدفاع والذي كان يعي مخاطر فرض حظر على المسلمين التي تم اقتراحها في أثناء الإنتخابات وقال إن حلفاء الولايات المتحدة تساءلوا إن «لم نعد نؤمن بالعقل» وقال «هذه الأمور تسبب ضررا كبيرا لنا وترسل موجات صادمة للنظام الدولي».
وتقول إن صمته مثير للقلق ويجب أن لا يسمح ماتيس وغيره من المسؤولين البارزين ربط أسمائهم بهذه المهزلة.
وبعملهم هذا فإنهم يشوهون سمعة سيرتهم المهنية ويتخلون عن دورهم ويصبحون متواطئين ويعرضون حياة إخوانهم الأمريكيين للخطر.
إبراهيم درويش