من «أزمة خليجية» إلى تصدع إقليمي

حجم الخط
21

أفضت الوساطة التي تقوم بها تركيا لحلّ «الأزمة الخليجية»، تدريجياً، إلى بوادر خلاف سعودي ـ تركيّ بعد ما لقيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو من صدود في ردود الرياض على اقتراحاته.
فردّاً على تعبير الرياض عن تحفّظها على القاعدة العسكرية التركيّة في قطر كانت تركيّا قد اقترحت، وكتعبير عن حسن النيّة والتوازن الإيجابي بين الطرفين، أن تقوم ببناء قاعدة تركيّة في السعودية.
الرياض قرّرت أن تردّ مؤخرا على الاقتراح القديم بإعلانها أنها «لا يمكن أن تسمح لتركيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها» وأن «قواتها المسلحة وقدراتها العسكرية في أفضل مستوى» بل إن هذه القدرات، بما معناه، تفيض عن حاجة المملكة وتشارك في الخارج «بما في ذلك قاعدة أنجرليك في تركيا»!
تصريحات السعودية كان قد سبقها قيام الرياض باحتجاز اثنين من الصحافيين المرافقين لوزير الخارجية التركي، مما حوّل جزءاً من مهمّة جاويش أوغلو، المفترض أن تكون للوساطة بين الرياض والدوحة، للتوسط لإطلاق سراح الصحافيين المحتجزين!
محاولات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للتقريب بين وجهات النظر واحتواء الأزمة وتأكيداته على حكمة الملك السعودي وقدرته على إنهاء الأزمة تناظرت مع مقاربات مماثلة لوزير خارجيته العقلانية التي طالبت أطراف المقاطعة لقطر في السعودية والإمارات والبحرين بتقديم «الدليل على الاتهامات لقطر بالوثائق» و»تخفيف حدة المواقف».
المقاربات العقلانية التركية التي تركّز على وحدة الصف العربيّ والإقليمي جوبهت بردود فعل عصبيّة لا يقوم مرتكزها على أن قطر دولة ذات سيادة واجتهاد سياسي يتّفق في الأسس العميقة مع جيرانه بل على أنها الأخ الأصغر ضمن العائلة الخليجية الذي يجب «تأديبه» و«تطويعه» ليعود إلى «الصواب» ولو كان هذا يتعارض مع مصالحها الجغرافية ويتجاوز حقوقها السياسية ويهدد أمن أرضها ورفاهية شعبها.
لم يكن مستغرباً، والحال كذلك، أن يصرّح أحد مستشاري الرئيس التركي، إييت كوركماز، في برنامج تلفزيوني السبت الماضي أن «دولاً ضخمة وكبيرة تسير خلف قبيلة واحدة، وهذا أمر لا يقبله المنطق الإنساني»، وأن يلمّح إلى أن «الربيع يمكن أن يظهر قريبا في دول جديدة».
الأسباب المعلنة التي دفعت السعودية للدخول في «داحس وغبراء» معاصرة هي، في الحقيقة، متناقضة وغريبة، ولعلّ المطلوب الحقيقي فيها لا يمكن أن يتطابق بين الرياض وأبو ظبي، ومن ذلك، مثلا، تسليم ليبيا لحفتر، ومصر للسيسي، والضفّة وحماس لدحلان الخ…، فهناك مناطق لا يمكن التطابق فيها، السعودية والإمارات في اليمن وسوريا كما في كل البلدان المذكورة، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة مع إيران التي هي في ازدهار اقتصادي مع الإمارات بينما هي في أقصى درجات هبوطها مع السعودية.
التصعيد السعودي لم يلغ مفعول الوساطة التركيّة فحسب بل أظهر عداء واضحاً لأنقرة نفسها وهو أمر تم نسخه ولصقه مع الدول العربية والإسلامية الوازنة كما حصل مع المغرب الذي قوبلت دعوته لحلّ الأزمة سلميّا إلى ظهور مفاجئ لتقارير إخبارية في قنوات محسوبة على الرياض وأبو ظبي تصف المغرب بالدولة المحتلّة وتنظر إلى جبهة تحرير بوليساريو كحكومة للجمهورية الصحراوية.
الثلم الذي بدأ عمليّاً بمحاولة إخضاع قطر، تحوّل عمليّاً، كما رأينا في الحالة التركية والمغربية، وفي انعكاسات ذلك على مجمل البلدان العربية، إلى صدع إقليمي كبير، وبدلاً من التوحّد ضد إيران، كما تريد السعودية، أو حفترة المنطقة العربية، كما تريد الإمارات، فإننا نتجّه، في المنطقة العربية، و«الشرق الأوسط»، إلى تصدع كبير يفتح الطريق أمام إيران… وإسرائيل.

من «أزمة خليجية» إلى تصدع إقليمي

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلحرمة محمد:

    شعار فرق تسد الدي انتهجته السعودية ولا زالت في المنطقة العربية سوف يعود عليها بالخسران المبين ان عاجلا ام اجلا فلا تحسبن الله غافل عما يفعل الظالمون.

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية