من البغدادي إلى ترامب

حجم الخط
10

تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) يُهزم عسكرياً في العراق، لكنه ينتصر في كل مكان. من واشنطن حيث تأتي تعيينات ترامب لمعاونيه لتأكيد المؤكد عن عنصرية الادارة الامريكية الجديدة، وفرنسا فرنسوا فيون، إلى القصير حيث استعرض حزب الله دباباته في وسط البلدة التي هَجَّر سكانها إلى لبنان، مروراً بتركيا الاردوغانية، وايران الملالي، ولبنان الذي يبني جداراً للفصل في مخيم عين الحلوة، وصولاً إلى الجنون الاسرائيلي الذي يريد منع رفع الأذان في القدس وبقية مناطق داخل الداخل الفلسطيني، ويفرح بعصبة اللاساميين المحيطة بالرئيس الامريكي المنتخب، معلناً أن اللاسامية والصهيونية وجهان للعملة نفسها.
هذا العالم الجديد الذي يتدحرج إلى هاوية الشعبوية الفاشية بدأ ذات يوم في الولايات المتحدة، حين تفتقت عبقرية زبغنيو بريجينسكي، الذي كان مستشار الأمن القومي للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر عن امكانية اغراق الاتحاد السوفياتي واستنزافه في افغانستان بالتحالف مع السعوديين وباكستان، يومها ولدت حركة المجاهدين الأفغان، التي خرج منها الطالبان والقاعدة، ومن رحم القاعدة خرجت دولة البغدادي…
هل كان المهاجر البولوني، واستاذ العلوم السياسية، يعرف أن اللعب بالدين والعنصرية، سوف يقود العالم إلى هذا المنزلق الرهيب؟ أم أنه كان يعتقد بأن ذكاء الرجل الأبيض وتفوقه سوف يجعل من الشعوب وعقائدها دمى في لعبته؟
وعندما سئل بريجنسكي عما اذا كان نادماً على لعبته الأفغانية، في حوار مع شبكة سي. ان ان. ارتسمت على شفتيه ابتسامة ذكاء، وأجاب أن اسقاط الاتحاد السوفياتي كان الهدف الذي نجح في الوصول إليه، وهو هدف يستحق هذه اللعبة.
ذكاء بريجنسكي تحوّل إلى بلاهة في 11 أيلول/سبتمبر، عندما ضربت القاعدة في نيويورك وواشنطن، وابتداء من تلك اللحظة أصيب الغرب الأمريكي بالعماء، من غزو أفغانستان إلى احتلال العراق، وانفتح الجحيم الأصولي على مصراعيه، في الصراع الوحشي بين الأصوليتين السنية والشيعية في المشرق العربي، وبدأت اللغة الشعبوية العنصرية تحتل الغرب، وارتفع نجم بوتين، ديكتاتور الديمقراطية الروسية، الذي يحلم باستعادة أمجاد القياصرة على خراب سورية وجثث ابناء شعبها.
حين حقق المليونير الامريكي مفاجأة الفوز في الانتخابات الرئاسية، بدأ الانقلاب العالمي يتخذ شكله الملموس، على ايدي مجموعة العنصريين التي تحيط بترامب، والتي تستعد للدخول إلى البيت الأبيض.
لقد انقلبت اللعبة على صانعيها، هذا هو لؤم التاريخ و»كلبيته»، فالذي أشعل الحرائق بذكاء مصنوع من الجهل والغباء، قذف العالم إلى جنون الإسلاموفوبيا، التي سرعان ما اتخذت شكل عنصرية فالتة من عقالها، لأنها تمفصلت على الأزمة الاقتصادية، وعلى ايقاعات عولمة تخلخل البنى التقليدية القائمة، وفي حمى انفلات الرأسمالية المتوحشة، وهو اليوم يدفع الثمن.
الترامبية هي الترجمة الملموسة لانتصار المجاهدين الأفغان، وورثائهم على المستوى العالمي، من خطاب الجبهة الوطنية الفرنسية الذي بات سيد خطاب اليمين التقليدي الفرنسي، إلى ترامب وجماعته، الذين يعيدون امريكا إلى ما قبل حركة الحقوق المدنية، ويفرضون خطاباً أبيض يسعى إلى تأجيج العنصرية بأشكالها المتعددة، إلى انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، إلى آخره…
الخليفة البغدادي ليس صانع هذه اللحظة التاريخية، بل هو أحد نتائجها، ومن الغباء الافتراض بأن المشرق العربي الذي يتفكك اليوم ويتشظّى يقود العالم إلى هاويته. كل ما في الأمر، هو أن السحر الذي صنعوه في حمّى الحرب الباردة، أطلق في بلادنا العنان لأصوليات كانت موجودة على الهامش، فانتقلت إلى المتن، لتلتقي بالأصولية الايرانية التي نجحت في الاستيلاء على الثورة الشعبية ضد ديكتاتورية الشاه.
من جهة أخرى، صار طابخ السم آكله، كما تقول العرب، فالغرب، الذي تقوده الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، على وشك أن يصير بلا قيادة، بعد فوز ترامب، كأن خطاب الثورتين الأمريكية والفرنسية دخل في سبات عميق، أمام صعود المكبوت العنصري والديني من جديد.
لعبوا بصراع الحضارات، وصنعوا عدواً جديداً هو الاسلام، فاذا بالواقع ينقلب عليهم. فالعنصرية ضد المسلمين تنتقل إلى عنصرية داخلية لا تطاول المسلمين وحدهم بل تشمل كل الأقليات غير البيضاء. كراهية الآخر تنقلب إلى كراهية للذات ودعوة إلى اعادة تشكيلها على أسس عرقية، لن تكون ثمارها إلا فوضى عالمية كبرى، سوف يكون الغرب أول من يدفع اثمانها الباهظة.
واللافت أن اللاسامية تطل برأسها من جديد في الولايات المتحدة، ولكن ليس عبر استبدال اليهود بالمسلمين، انها مسيانية، تتحالف مع اسرائيل ضد اليهود! هذه هي احدى خصائص الترامبية، وهي مسألة تفتح جراحا لم تندمل بعد في المجتمعات الغربية، وتنذر بكوارث في المشرق العربي.
يستحق ابو بكر البغدادي مصيره البائس، فهو ينتصر لحظة هزيمته، شأن لاعبي الاحتياط جميعاً، الذين يلعبون في الوقت الضائع، وعندما ينزل اللاعبون الأساسيون إلى الساحة يفقدون ادوارهم، ويصيرون مجرد متفرجين.
أين بلادنا من هذه اللعبة التي تفرض قواعدها الجديدة على العالم؟
هل نحن مجرد متفرجين على موتنا؟
هل همجية القصف الروسي لحلب، ووحشية التطهير الطائفي في سورية هي نهاية مطاف حلم الحرية والديمقراطية الذي انفجر في العالم العربي مع الثورة التونسية؟
أم أن هذا الألم السوري الفلسطيني اليمني الليبي المصري… سوف يقودنا إلى بناء وعي جديد ينقذ أرواحنا وبلادنا من الخراب؟

من البغدادي إلى ترامب

الياس خوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    بعض الكنائس الفلسطينية رفعت الأذان والبعض الآخر مستعدة لرفعه إحتجاجاً على منعه من قبل الصهاينة الغزاة
    ليت مسيحيي العالم مثل المسيحيين الفلسطينيين وليت مسلمي العالم مثل المسلمين الفلسطينيين
    فعلاً هذا شعب الجبابرة – ليتنا نتعلم منهم !
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامر راشد روسيا الإتحادية:

    لكل وطن جرح وشاعر وثورة ثم قائد إلا نحن لدينا قائد ثم جروح و شعراء وثورات.الإنسان العربي حين يثور يبحث عن أقرب رجل دين ليقود الثورة و يكون صلة الوصل مع الله.فقدنا إحترام الأمم حين تركنا رجال الدين يكتبون لنا وصفات سحرية من نحترم ومن لا نحترم.مافائدة أن تثور في هذا العالم و لست قادراً على تغيير أي شيء في هذا العالم.الإنسان العربي الوحيد الذي لايخطط للمستقبل لأنه لايملك الحاضر.ماذا فعل العرب لقادتهم حتى يجعلوهم ارقاماً على لوائح الصليب الأحمر و حقوق الإنسان وهم كانوا يوماً رقماً مثلهم.كل شيء في متناول الإنسان العربي إلا أشياء بسيطة الحرية الكرامة العزة الوطن ومثيلاتها.في كل الجرائم هناك ضحية وجاني إلا الجرائم التي ترتكب بحقنا تأيد دائماً ضد مجهول.لو رأيت آلاف المؤتمرات عن السلام و رأيت آلاف المعتقلين لأنهم مخربون و رأيت اسياط على ظهور الرجعيين و رأيت الحليم حيران لن أغير رأيي أن الإنسان العربي هو المتهم والمظلوم في وقت واحد.في كل دول العالم أجهزة الدولة تتطور إلا في الدول العربية يتطور فقط أمن الدولة حتى أصبح له فضائيات و برامج إعلامية وأحياناً ينتج إعلانات و تتخلف باقي أجهزة الدولة.العربي الوحيد الذي يسأل عن طائفة جاره و أخته لم يزرها من سنوات.إسرائيل لها خطوطها و أمريكا لها خطوطها و أوروبا لها خطوطها و روسيا لها خطوطها و أحنا ماألنا غير المخيمات.الشعوب العربية لا تمانع طريقة الإحتراف في الأندية علها تشتري زعيم أجنبي بعقد مدى الحياة.المواطن العربي الوحيد الذي يموت في المعتقل قبل أن يعرف تهمته.من قال ليس هناك وحدة عربي هناك وحدة بالجلد والتعذيب و الإغتصاب هناك وحدة بمجالس العزاء هناك وحدة ثكلى وأرامل وأيتام.ليست مشكلة الإنسان العربي مع الموت و إنما مشكلته أنه يفقد الأحبة أمام عينيه ولايعرف أحياء هم أم أموات ويبقى وحيداً بين حيرة الإنتظار وفقد الأمل.لدينا ثورات و شهداء وإقتصاد ينهار و يبقى الزعماء العرب ياجبل مايهزك ريح.المواطن العربي الوحيد الذي يدرس الحرية و الإشتراكية نظرياً أما دروس العملي لها متوقفة لعدم توفر الأجهزة.لكل دول العالم أرقامها القياسية ونحن لنا أرقامنا أكبر عدد قتلى أطفال في يوم واحد أكبر سنوات إعتقال سياسي دون تهمة أكبر حالات إختفاء طلاب جامعيين أعلى نسبة تصويت في إنتخابات أكبر نسبة وفيات من الهجرة إلى أوروبا و أكبر منسف و أكبر قرص فلافل وصحن حمص.

  3. يقول سعادة - فلسطين - الصين:

    الياس خوري لا يكتب بقلمه ، بروحه . مثل حي وناصع لمصطلح انطونيو جرامشي ” المثقف العضوي”

  4. يقول Ali H Alhamad:

    نأمل أن يقودنا إلى وعي جديد. على الرغم من أنّ الحرب التي طالت، طال تأثيرها عقولنا الباطنية، وأُصبنا بشيء من الوحشية الداخلية.

  5. يقول رؤوف بدران- فلسطين:

    مقال عميق… وعميق جداً , وتحليل صائب…وصائب جداً , واستنتاج لاحداث سوف تتحقق , وهذا يثبت ما حذرنا منه سابقاً ومصداقية قولنا بأن ” الحكمة ليست باشعال الحرائق , انما بدراية اتجاه الريح ” .
    وبالنهاية لا بد من التذكير ان من اعان ظالماً بُليَّ به والسلام

  6. يقول عادل:

    في عالمنا العربي ما إن نخرج من مشكلة حتى نقع في ماهو أسوء منها. لكن من يظن ان نيران الحرب الدائرة في المنطقة لن تطاله فهو واهم. فاللعب بالتركيبة الجغرافية للسكان والتهجير القصري لايولدان الا مزيدا من الدمار. والتاريخ خير معلم لمن يريد الاتعاظ.

  7. يقول سوري:

    أنا من حلب ولحلب
    بين قصف وقصفْ
    وحمَامُ الشّعار بين رف ورفْ
    رغيف برائحة البارود
    ودم صبي عليه جفْ
    انا الذي تهز كياني كلمة وطن
    هزة إعصار لفنن
    ماذا بقي من الكلام و للكلام
    وفوق جسد سورية كثرت الأعلام
    واحلباه،
    يا عروسة الشام
    يا ابنة القدود والحرير
    هل تُسمع صرخةُ أبي الطيب من به صمم
    لا تفلح عرب ملوكها عجم

  8. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

    لا أبداً لن تكون حلب أو غيرها من المدن نهاية مطاف حلم الحرية إنها نقطة عبور صعبة ولنا الله ومالنا غيرك ياالله

  9. يقول خليل ابورزق:

    التقسيم الاصطناعي للامة وزرع اسرائيل في المنطقة هو سبب كل المآسي و عدم الاستقرار في العالم كله
    الكارثة بدأت منذ انحسار نفوذ الدولة العثمانية في اواخر القرن التاسع عشر و قضم اجزاء العالم العربي و منع قيام قوة بديلة في الشرق ووضع الخاتم على ذلك بسايكس بيكو وزراعة اسرائيل

  10. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    ما أجمل مقالك يأ أستاذنا الكبير الياس خوري… شكراً جزيلاً عليه… أما أروع تعبير قرأته في مقالك (وفيه جميع الحقوق محفوظة لك) هو: ” بوتين… ديكتاتور الديمقراطية الروسية ” !!!!

    أنا (كطالب دكتوراه في بريطانيا) عايشت ثنائي كارتر و برجنسكي وما فعلاه في أربعة سنوات من أدارة كارتر(الرئيس الأميريكي التاسع والثلاثون) للفترة 1977-1981 فيما يتعلّق بزعزعة أركان الأتحاد السوفييتي (سابقاً ) والذي سقط نحو الهاوية خلال نهاية أدارة ريغان الثانية عام 1989 و مجئ غورباتشوف للسلطة.

    كما وعايشت خلال حياتي العملية والوظيفية حربي صدام مع أيران والكويت ثم ” أنزلاق ” العرب والمسلمين الى ” الهاويه العربية – المتأسلمة ” منذ ظهور طالبان (الملاّ عمر) ثم بن لادن ثم الظواهري ثم الزرقاوي (القاعدة) ثم البغدادي حالياً !!!

    يا أستاذنا أنا على يقين تام من أن المشكلة أن لم تكن ” كلها ” فعلى الأقل ” نصفها ” يعود لضياع الدين الأسلامي الحنيف ومقاصده من قبل من يدّعون أنهم مسلمين ( ولذلك أورت كلمت متأسلمون) !!! وعودتهم ” لعصر الجاهلية الأولى ” يستحلّون دماء بعظهم البعض ولا حول ولا قوة ألا بالله العلي العظيم !!!

إشترك في قائمتنا البريدية