من الشعانبي إلى بنقردان: الجماعات المسلحة تبحث عن مستقر جديد في تونس

حجم الخط
0

تونس- من أيمن جملي: شكلت اشتباكات بنقردان الأخيرة جنوب شرقي تونس، نقطة فاصلة في الانتشار الجغرافي للجماعات المسلحة في البلاد، انطلاقًا من التضاريس الوعرة في جبال الشعانبي (غرب)، وامتدادها إلى الجبال المتاخمة، وصولًا للحدود التونسية الليبية، ومرورًا بعمليات منفردة وسط العاصمة تونس، ومحافظات ساحلية أخرى.
منذ مطلع فجر الإثنين الماضي، وتتواصل عمليات الكر والفر، بين مجموعة، قدرتها السلطات بـ 50 مسلحًا، (أغلبهم من التونسيين)، وقوات الأمن والجيش في مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا، والمناطق التي تجاورها، قُتل فيها 49 مسلحًا، و12 بين قوات الجيش والأمن، و7 مدنيين، ولم يتم بعد الإعلان رسميًا عن انتهاء العمليات، بحسب وزارتي الداخلية والدفاع.
وفي أول تعليق حكومي على الحادثة أعلن الحبيب الصيد – ولأول مرة- أن هدف الهجوم من قبل المسلحين كان إقامة «إمارة داعشية» (نسبة لتنظيم داعش) على الأراضي التونسية.
وأوضح الباحث التونسي سامي براهم، أن «كل العمليات التي تقوم بها التنظيمات المسلحة، هدفها محاصرة القيروان، (شمال شرقي تونس)، ووضع موطئ قدم فيها، لأنها وفقًا لأدبياتهم عاصمة دولة الخلافة».
وتبعد القيروان نحو 160 كيلو مترًا عن تونس العاصمة، وتاريخيًا يعود سبب أهميتها إلى دورها الاستراتيجي في الفتح الإسلامي، فمنها انطلقت حملات الفتح نحو الجزائر، والمغرب، وإسبانيا، وأفريقيا.
وبحسب براهم، «هناك 3 مراحل في فكر تنظيم أنصار الشريعة (انضم أغلب قياداته لداعش لاحقًا)، يمكن تقسيمها: أولًا، مرحلة الإعداد والبحث عن الحاضنة الاجتماعية من خلال العمل الدعوي، وقد فشلت في هذا باعتراف قياداتها، ليتم لاحقًا الدعوة للالتحاق بجبهات القتال».
وفي 2011 انتشرت ظاهرة الخيام الدعوية، التي أقامها تنظيم أنصار الشريعة أساسًا، وعمل على استقطاب أنصار له من خلال حلقات التكوين الديني.
وتابع الباحث في مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية (حكومي)، ”ثانيًا، مرحلة النكاية والإنهاك من خلال القيام بعمليات انتقام تستهدف الأمن والجيش، لإنهاك وإضعاف الدولة. وثالثًا، مرحلة البحث عن نقطة ارتكاز والبحث عن موطئ قدم، فهم يراهنون على حد ما على التعاطف الشعبي، ويتصورون أنه بمجرد السيطرة على ثكنة عسكرية في بنقردان، سيجدون تعاطفًا، وهذا يمكن أن يتحقق في جزء منه من خلال أنصارهم، والخلايا النائمة، والمهمشون، والأميّون، فهم يستثمرون في المناطق التي تغيب فيها الدولة”، وفقًا لبراهم.
واستشهد بتصريح للقيادي التونسي في ”داعش» بو بكر الحكيم، لمجلة ”دابق” (تصدر شهريًا عن تنظيم داعش)، عندما سئل عن أهداف العمليات المسلحة التي يقوم بها التنظيم أجاب ”لإثارة مناخ التوحش».
وبخصوص هجوم بنقردان، أكد براهم أنه وقع التشهير بالتونسيين خلال الضربة التي استهدفت صبراته (مدينة ليبية على حدود تونس)، وهو ربما ما دفع لاستعجال خطة كانت مبرمجة لفترة لاحقة . وكانت غارة جوية أمريكية استهدفت في 19 شباط/فبراير الماضي معسكرًا للتدريب تابعًا لتنظيم داعش في صبراته، وأسفرت عن مقتل 49 شخصًا، بينهم القيادي التونسي في تنظيم أنصار الشريعة نور الدين شوشان (لم تؤكد السلطات التونسية مقتله بعد).
ويخلص براهم، إلى أن «كل العمليات المسلحة كان مخططًا لها ومدروسة منذ 2011، عندما كانت السلطات في تونس منشغلة بالانتقال الديمقراطي، إثر ثورة يناير 2011، وانهيار نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي».
وبدأت العمليات المسلحة بتونس في 18 آيار/مايو 2011، قتل فيها العقيد الطاهر العياري، والرقيب أوّل وليد الحاجي، في منطقة الروحية بولاية سليانة (شمال غرب).
تبع ذلك، مواجهات خلال عامي 2013 و2014، بين قوات الجيش التونسي، ومجموعات مسلحة متحصنة في جبل الشعانبي (تضم قيادات من تنظيم أنصار الشريعة، وكتيبة عقبة ابن نافع)، التابع إداريًا لمحافظة القصرين، قرب الحدود الجزائرية، في يوليو/ تموز الماضي، قبل أن يعلن الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، في منتصف نيسان/أبريل2014 ، جبل الشعانبي، وبعض المناطق المتاخمة له، منطقة عمليات عسكرية مغلقة.
وفي آب/أغسطس2013 التحق عدد من قادة تنظيم أنصار الشريعة، الذي حظرت نشاطه السلطات التونسية، والمسؤول عن الاغتيالات السياسية في البلاد، بمعسكرات تدريب لـ «داعش» في ليبيا، ثم سوريا، بعد أن ضيّقت السلطات الأمنية والعسكرية عليه الخناق في كل من الشعانبي والمناطق القريبة منه.
وقتل أبرز قيادات تنظيم «كتيبة عقبة بن نافع» المسلح، وهما خالد الشايب، المكنى بـ «لقمان أبو صخر» في 29 مارس/آذار بمنطقة السند (غرب)، ومعه 8 مسلحين، فيما قتل مراد الغرسلي في 10 تموز/يوليو2015.
وفي 7 نيسان/أبريل 2015، قُتل 5 عسكريين في جبال مغيلة بمنطقة ”عين زيان”، وتبنى العملية تنظيم «أجناد الخلافة’».
ورغم أن الهجوم كان في موقع جديد بالجبال، إلا أن محللين ذهبوا آنذاك إلى القول بأن الجماعات المسلحة أعادت، بهذا الهجوم، عملياتها إلى مربعها الأول في المناطق الجبلية غير اللآهلة بالسكان، بعد أن حاولت في الفترة الأخيرة نقلها إلى المدن الداخلية وقلب العاصمة.
وفي 26 حزيران/يونيو 2015 عرفت محافظة سوسة الساحلية، لأول مرة عمليات مسلحة داخل العاصمة، باستهداف السياح والأمنيين والجيش، حيث قتل نحو 57 سائحًا، و13 أمنيًا، في 3 عمليات منفصلة تبناها لاحقًا تنظيم الدولة.
وفي تحليله لحادثة بنقردان، قال الجنرال المتقاعد من الجيش التونسي أحمد شابير، ”الإرهاب بدأ فعليًا في تونس منذ 2011 من خلال عملية مدينة الروحية التابعة لولاية سليانة (وسط تونس)، وهي كانت نقطة بَيّنت وأن تونس مستهدفة من الإرهاب الذّي أصبح تهديدًا حقيقيًا».
وفي آيار/مايو 2011 تبادل مسلحون إطلاق النار مع وحدات الجيش والحرس، ما أسفر عن إصابة 3 عسكريين بالرصاص توفى أحدهم، فيما قتل اثنان من المهاجمين وهرب الثالث..
وتابع شابير، الذي شغل خطة مدير عام الأمن العسكري منذ 2009 إلى 2011، «في أحداث بنقردان نسق وحجم العملية الإرهابية هو ما تغير، ولكن التهديد بقي نفسه فهذه الجماعات الإرهابيّة لا تتحرك بوازع سياسيّ وإنما يقف وراءها الجانب المخابراتي، من خلال جهات تقوم بالتمويل والتسليح وتقديم المعلومات، فهي لا تملك قدرة ذاتيّة على ذلك، ولا يمكن أن تحقق ما تقوم به الآن من عمليات لولا القدرات المادية واللوجستية التي تعتمدها».
وأضاف أن «اختيار بنقردان ليس اعتباطيًا، فكلنا يتذكر جيدًا ما حصل سنة 1980 في مدينة قفصة (جنوب تونس)، وكان فيها شيء من عدم الرضا على السلطة، حاولوا حينها استغلال ذلك حتى تتوفر لهم حاضنة شعبية، ولعل ما يحدث في بنقردان جاء نتيجة تضييقات على عمليات التهريب، ما ولّد امتعاضًا لدى بعض المواطنين، الذّين أرادوا استغلال ذلك علّها تكون دافعًا لتكوين حاضنة شعبيّة».
وفي كانون الثاني/يناير 1980، وفي مدينة قفصة شنت مجموعات مسلحة من المعارضين التونسيين ذات «توجه عروبي» هجومًا مباغتًا، وتمكنوا من السيطرة على أغلب المراكز الأمنية في المدينة، إلا أن دعواتهم للسكان إلى التمرد ضد النظام فشلت وتصدت قوات الجيش والأمن لهم، وأجهضت مخططهم بالسيطرة على المدينة.
«التحاليل كثيرة ولا أعتقد أن هناك رابطًا كبيرًا بين أحداث صبراتة، وما وقع في بنقردان لأن التنظيمات تشتغل بطريقة أفقية وليست عمودية، والقاسم المشترك بين هذه العناصر هو المشروع”، بحسب المسؤول العسكري السابق.
ويحذر شابير مما يصفه بـ «الوضع الخطير»، قائلًا، «نحن وقفنا في حلقة مفرغة، محاربة الإرهاب تتطلب تمويلًا، وهو ما سيؤثّر كثيرًا في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والتنموي للبلاد، وإذا تم ذلك فإن المشاكل الاجتماعية ستتفاقم».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية