لندن ـ «القدس العربي»: وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون منفذ هجوم سوسة في تونس بالشرير. وقال إن القاتل المبتسم الذي خبأ الكلاشينكوف في مظلة «يعبر عن الشر الذي نواجهه وهو الشر الذي واجهناه في جبل سنجار بالعراق، وفي مراكز التسوق بكينيا وفي مكاتب مجلة باريس وفي مدارس باكستان». وتحدث عن هجوم ليون والكويت وعمليات القتل في عين العرب/كوباني.
وأكد كاميرون في تعليق نشرته صحيفة «دايلي تلغراف» و»لكننا لن نخاف وسنضيف لصدمتنا وحزننا كلمة ـ عزيمة».
وتحدث رئيس الوزراء عن أهمية الدفاع «عن طريقة حياتنا. ولهذا فردنا سيكون ردا شاملا في البيت والخارج». ففي الداخل تحدث عن أهمية مساعدة عائلات الضحايا.
مواجهة الدعاية
على صعيد العالم «فسنعمل معا ونبني قدراتنا لمواجهة الإرهاب. وقد يستخدم «تنظيم الدولة» البربرية في القتل، ولكنه حديث في استخدامه تقنيات الدعاية حيث يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي كسلاحه الأول.
ولهذا السبب يجب أن نعطي الشرطة الأدوات التي يحتاجونها لقطع شأفة السم. وسننظر في طرق للعمل مع دول مثل تونس لمحاربة الدعاية على الإنترنت».
وأكد كاميرون على أهمية مواجهة «تنظيم الدولة» من مصدره في العراق وسوريا وليبيا حيث يقوم بحياكة المؤامرات.
مشيرا إلى أن هذه الأماكن التي تغيب عنها الدولة المركزية تمثل المكان المناسب لازدهار «التنظيم». وقال كاميرون إن المقاتلات البريطانية قامت بشن أكبر عدد من الغارات فوق العراق بعد الولايات المتحدة. وتقوم طائرات التجسس والرقابة البريطانية التي تحلق فوق سوريا بدعم بقية الدول في عملياتها هناك. وأضاف أن بريطانيا تعمل مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة لدعم تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا.
أما الأمر الآخر والذي يراه كاميرون مهما فهو «مواجهة الأيديولوجية المسممة التي تدفع لعمليات مروعة كتلك التي شاهدناها يوم الجمعة. وتنبع هذه الأيديولوجية من سرد متطرف يقوم باختطاف الإسلام. وتقول إن الغرب سيئ والحرية خطأ. وتقول إن النساء في موقع دوني والمثلية شر. ويقول للناس إن القواعد الدينية تتفوق على حكم القانون وأن الخلافة هي أفضل من الدولة الوطنية».
ولا يمكن هزيمة هذه الأيديولوجية قبل أن نفضح طبيعتها وما تقوم به من إقناع الشبان للسفر والقتال مع الجهاديين «فعندما هاجم المسلح في تونس أناسا أبرياء كانوا يقضون وقتا مع عائلاتهم فإنه هاجم كل ما نقف من أجله.
ويجب أن نكون أقوياء حتى ندافع عن قيمنا- سلام وديمقراطية وتسامح وحرية. ويجب أن نكون غير متسامحين مع التعصب ونرفض أي شخص يوافق على رواية المتطرفين الإسلاميين». ويرى أن الهجمات التي قام بها تنظيم «الدولة» في شهر رمضان الذي يراقب شعائره ملايين المسلمين وشن هجوم باسم الإسلام هو إهانة لكل المسلمين. ويؤكد كاميرون أن المواجهة ليست بين الإسلام والغرب، كما يريدنا أن نفهم «تنظيم الدولة» بل «هي بين متطرفين يريدون ازدهار الكراهية وبين بقية العالم الذي يريد للحرية أن تزدهر».
معضلة مسلمي بريطانيا
كرر كاميرون حديثه عن الأيديولوجية الكريهة ما سبق وصرح به قبل فترة داعيا مسلمي بريطانيا للرد على المتطرفين.
وهي تصريحات أدت لحالة من عدم الارتياح بين المسلمين في بريطانيا الذي يجدون أنفسهم بعد هجمات الجمعة التي راح ضحيتها 15 بريطانيا أمام موجة جديدة من النقد.
ففي صحف اليمين انطلقت أصوات تقول إن فكرة» الإسلام كدين سلام هي أسطورة خالصة» كما ورد في مقال في صحيفة «التايمز» للكاتبة اليهودية ميلاني فيليبس.
ومن هنا تساءلت المعلقة بصحيفة «إندبندنت» ياسمين البهائي براون حول الكيفية التي يرد فيها المسلمون على الاعتداءات الأخيرة. وقالت «كانت جمعة سيئة» مشيرة للهجمات والتي شوهت صورة الدين الذي ينظر إليه «بالمسمم». ونقلت ما كتبه قارئ «لا يوجد شيء اسمه إسلام سلام».
وترى أن هذه الاتهامات غير عادلة . ومع حدوث أي اعتدء يصبح من الصعب الإجابة عليها. «فمن الصعب أن تكون مسلما هذه الأيام». وفي الوقت الذي تقبل فيه بفكرة ما فعلته القوى الغربية من دمار وسببت من مآسي ودعمت الديكتاتوريات في مناطق الجنوب والشرق من العالم ولا تزال تلعب دورا في دعم الديكتاتوريين الذي فرضوا رؤيتهم على شعوبهم، إلا أن دولا مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا استطاعت الخروج من أسر الماضي وبناء اقتصـادات قوية، فيما بقي العالم الإسلامي متخلفا وحانقا ومضطهدا لشعوبه وبدون أمل.
ويقتل المسلمون المسلمين أكثر مما يقتل منهم اليهود والمسيحيون. وفي الغرب يعتبر المسلمون الأفقر وعادة ما يعيشون في غيتوهات. ومع أن حياة بعض المسلمين تتغير ببطء إلا أن الشعور بالتخلف والفقر عن بقية المجتمعات تجعل الكثيرين منهم يتجهون نحو التشدد. وتعتقد أن المسلمين الذين يعيشون هذه الاوضاع لم يكونوا ليؤثروا على من يريد من أبنائهم الإنضمام للجماعات الإرهابية مثلما لم ينجح أئمة المساجد بتغييرعقول هؤلاء. وتدعو الكاتبة المسلمين إلى الانضمام للمعركة الأوسع ضد القوانين التي تنزع الحريات الأساسية منهم، خاصة مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب.
وتقول إن المسلمين منذ 9/11 غمروا أنفسهم في غيتو ثقافي عقلي وابتعدوا عن الحياة العامة، وحان الوقت لكسر الجدران.
ودعت لتوقف النقاش حول النصوص الدينية وأي منها يدعو للعنف، فكل الكتب الدينية فيها نصوص تدعم العنف. وتذكر ان نظام التمييز العنصري السابق استخدم العنف لتبرير سياساته اللإنسانية مثلما استخدمت «طالبان» و«القاعدة» وتنظيم «الدولة» ممارساتها. وتؤكد الكاتبة على أهمية الفردية وتدعو للتخلص من عبارة «المجتمعات» التي تشير إلى تميز وهوية خاصة. وتعتقد أن الغرب ينظر للمسلمين باعتبارهم أناسا مليئين بالكراهية وتغيير الرأي هذا لا يتم عبر التظاهرات ولكن من خلال تحالف يضم الجميع مثل التحالف الذي نشأ عندما أعلن بوش وبلير الحرب على العراق.
ثقل التاريخ
ومع أن الهجمات الأخيرة لا يمكن تبريرها بأنها مدفوعة بالقتل الذي حدث في غزة العام الماضي، فالقتل هو قتل إلا أن للهجمات أرضية تاريخية يعتقد روبرت فيسك أنها تساعد على فهم ما حدث يوم الجمعة. فهو يرى في تصريحات ديفيد كاميرون بأنها عودة «لنحن» و «هم» رغم أن حكومة كاميرون لا تزال تدعم الحكام المستبدين في العالم العربي.
وكتب فيسك في صحيفة «إندبندنت» أن حمام الدم العام الماضي في غزة ليس مسؤولا عن مذبحة الشاطئ في تونس، مع أن كاميرون دعم «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» ضد الهجمات التي لا تميز والتي تمارسها حماس من غزة، وذلك عندما كان يحاول الحصول على الصوت اليهودي في نيسان/أبريل في الحملة الانتخابية. و في الوقت نفسه فلا مبرر لقاتل. فلا يليق بشخص يريد أن يكون «فارسا إسلاميا» ويقاتل «أعداء» كالذين استهدفهم: سياح يستحمون في البحر، مصلون في مسجد بالكويت ورب عمل فرنسي. ويذكر أن خلفية القتل هذا يقف وراءه من العنف والقتل الذي مورس على العالم الإسلامي.
ويقول «من تذكر في نهاية الأسبوع مقتل 8.000 رجل وطفل أبرياء قبل 20 عاما؟ نعم لقد حدث هذا في أوروبا، في مكان اسمه سبرينتشا. وكانوا مسلمين ولم يلم أحد الكنيسة الأرثوذكسية التي ينتمي إليها القتلة، مثلما لم نحمل الكنيسة الكاثوليكية مسؤولية قتل جماعي ارتكبها رجال ميليشيا مسيحية كاثوليكية وحلفائها الإسرائيليين حيث ذبحوا 1.700 مدنيا فلسطينيا في مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982. وبالتأكيد كان أؤلئك القتلة يحملون صورة السيدة العذراء في كعوب بنادقهم مثلما كان شعار القاتل في سوسة قرآني». ويقول إن تذكره «لمذبحة سبرينتشا نابع لأنها حدثت في يوم ميلادي. أما صبرا وشاتيلا فلأنني كنت هناك وشاهدت الجثث. ولأنني كنت أغطي حروب البلقان والتطهير العرقي وعمليات الاغتصاب الجماعية للنساء المسلمات فقد نسيت أثر كل هذا العالم الإسلامي. فبعد كل رحلة كنت أعود من سراييفو وأجلس على الشاطي أقلب في العناوين المهيجة في الصحافة العربية، فقد كنت هناك وغطيت الحرب».
أما السبب الآخر فهو انشغاله بإعداد دراسة عن التعذيب والمذبحة في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية. وكشف البحث عن حجم الغضب الذي يتركه العنف الموجه ضد المسلمين.
فمن خلال البحث في الصحف والخطابات التي نشرت في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عثر فيسك على عالم من الغضب الذي لا يمكن وصفه.
ويرى أن هذا العنف بالتأكيد لم يكن وراء نشوء الإسلاميين الجهاديين ولكنه وضع حجر الأساس لظهور «نزعة حب الموت» والعالم الذي نشأوا فيه. قد يبدو كلام الكاتب كليشيه معروفة لكن الغائب الحاضر هو العدل.
فالغرب يتحدث مع سكان المنطقة بطريقة فوقية بدلا من العمل على تحقيق العدالة لسكان المنطقة المهانين والمسحوقين. وفي النهاية لا يريد بل يريد صلاحيات أمنية جديدة لمكافحة الإرهاب.
وطالما لم يرفع الظلم عن الناس فالغضب سيستمر ومعه ستخرج جماعات تستثمره، كما نرى اليوم مع «تنظيم الدولة الإسلامية» الذي يملأ الفراغ في الدول الفاشلة وسط تردد الدول الغربية بالتصدي له.
قوة «تنظيم الدولة»
ففي الحلقة الأخيرة من تقييمه لصعود «الخلافة» يقول باتريك كوكبيرن في صحيفة «إندبندنت» إن تنظيم «الدولة» يستفيد من سبع حروب تندلع اليوم في حدود العالم الإسلامي وتمتد من جبال أفغانستان وباكستان في الشرق إلى نيجيريا في الغرب وتمرعبر العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال.
ويرى أن الصعود السريع لـ تنظيم «الدولة» منذ عام 2011 نابع من قدرتها كقوة قتالية تجمع العقيدة القتالية المتطرفة والخبرات العسكرية والعنف. ويضاف إلى نجاحه أن «تنظيم الدولة» يواجه حكومات ضعيفة فاسدة وبجيوش لم تعد موجودة.
ويلاحظ أن قوة ومدى تنظيم «الدولة» ظهرت الأسبوع الماضي في الثلاث عمليات التي غطت ثلاث قارات مع أن مقاتليه ارتكبوا فعلا أسوأ في عين العرب/كوباني إلا ان الأخير لم يحظ بالتغطية المناسبة مع أن ضحاياه أكثر. ويرى أن عدم التعامل بحساسية مع قتل الأكراد ليس خطأ من الناحية الأخلاقية ولكنه يعبر عن العمى السياسي. ويعتقد أن تشبيه هجمات الجمعة بهجمات لندن عام 2005 أو نيويورك عام 2001 هو أن هجمات اليوم مدعومة من «دولة نصبت نفسها كخلافة» والتي تملك جيشا قويا وتسيطر على مناطق أوسع من بريطانيا. ويقول إن الغرب والولايات المتحدة يريدان تجنيب سكانهما التركيز على هذا التطور الخطير لأنه يكشف عن فشلهما بهزيمة وإضعاف تنظيم «الدولة» أو حتى احتوائه.
ويشير إلى أن قوة التنظيم الجهادي لا تكفي لتفسير انتشاره السريع أكثر من أي تنظيم من تنظيمات «القاعدة» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن هناك عنصر مهم وسام يتعلق بقدرة «تنظيم الدولة» على استغلال الحقد والكراهية الدينية والخلافات الطائفية خاصة بين السنة والشيعة.
فمنذ نشوء تنظيم «القاعدة» في العراق عام 2003 عقب الغزو الأمريكي تبنى زعيمه أبو مصعب الزرقاوي سياسة لاستهداف الأماكن الدينية المقدسة عند الشيعة.
ولا يزال الوضع قائما اليوم. ويضرب الكاتب باليمن مثالا حيث لم يكن يعاني من مشاكل طائفية مع أن نسبة الشيعة الزيديين تصل إلى ثلث السكان. لكن تنظيم «الدولة» أعلن عن حضوره في البلد عبر شريط فيديو يظهر ذبح جنود يمنيين. ورغم انه جاء متأخرا لليمن إلا انه وتنظيم «القاعدة بشبه الجزيرة العربية» ينشآن في ظل النزاعات الطائفية. ففي ليبيا حيث يختفي العامل السني- الشيعي ركز التنظيم هجماته على العمال المسيحيين الأقباط. ويرى أن استهداف الشيعة ليس مدفوعا بالكراهية ولكن يهدف منه إشعال حرب طائفية كتلك الي اندلعت في العراق ما بين 2006- 2007. ونفس السيناريو يتكرر في اليمن.
ولا يقلل الكاتب من خطر تنوعات «القاعدة» في سوريا ـ «جبهة النصرة» والتنظيم اليمني، فهذان يرتكبان عنفا ضد الأقليات، كما حصل مع الدروز في بلدة قلب اللوز. ويرى أن قوة «تنظيم الدولة» وتفوقه على الجماعات الأخرى التابعة لـ»القاعدة» نابع من عامين الأول قوته التنظيمية والثاني ضعف معارضيه.
وكان هذا الضعف الذي ظهر بانهيار الجيش العراقي في الموصل العام الماضي وبالرمادي الشهر الماضي ومقاتلي البيشمركة في آب/اغسطس 2014 هو ما أعطى تنظيم «الدولة» بعد الحسم. وقد تكرر نفس الأمر في العالم الإسلامي حيث يخلق انهيار الدولة المركزية كما في الصومال فراغا يسارع الجهاديون لملئه.
ويرى أن التدخلات الأجنبية تواطأت في خلق أوضاع الفراغ والضعف كما في العراق 2003 وليبيا 2011 واليمن في الأشهرالماضية.
وما أصبح يعرف «بالصوملة» يتكرر بشكل كبير وتعلم العالم من أن الدولة الفاشلة صارت موضوعا للخوف أكثر من الشفقة.
ويعتقد في نهاية تقييمه أن ملامح الشبه التي يطرحها البعض بين «تنظيم الدولة» والوهابية ليست حقيقية. فلو كانت هناك ملامح شبه إلا أن ما يطبقه «التنظيم» ويفعله هو تعبير «وهابية محدثة».
qal
إبراهيم درويش