نيويورك ـ «القدس العربي»: افتتح يوم 19 كانون الثاني/ يناير الجاري في قاعة كلية «متروبوليتان» في منهاتن معرض فني حول تشكل الجالية السورية ونموها وازدهارها في مدينة نيويورك منذ عام 1880 ولغاية العقد الأول من القرن العشرين. والمقصود في الجالية السورية هنا أبناء سوريا ولبنان وفلسطين من المسيحيين الذين كانوا أول من هاجر بجواز سفر تركي للعالم الجديد الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية. ويستمر المعرض لغاية 24 اذار/مارس 2017. ومن المساهمين في إقامة المعرض «المتحف العربي» في بلدة ديربورن في ولاية ميشيغان.
اختار المهاجرون الأوائل منطقة شارع «واشنطن» في ما يسمى «منهاتن السفلى» قرب ما سمي لاحقا منطقة الوول ستريت ومركز التجارة العالمي حيث بني فيما بعد البرجان الشهيران اللذان دمرا في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. وأطلقت «نيويورك تايمز» على المنطقة «قلب العروبة في نيويورك» بينما كان السوريون يطلقون عليها «حارة أو مستوطنة السوريين».
وعن أسباب الهجرة تقول السيدة يعقوب في افتتاح المعرض إن السبب الرئيسي هو أن المسيحيين الشوام كانوا قد التقوا بالمبشرين والمدرسين والبعثات الأجنبية ودرسوا في مدارس أجنبية مثل «الكلية البروتستانتية السورية» التي سميت فيما بعد الجامعة الأمريكية في بيروت. فهؤلاء قد استهوتهم فكرة السفر والمغامرة والانتقال إلى عالم جديد غني. وهناك سبب آخر طرحه أول مهاجر سوري وهو يوسف أربيلي لدى وصوله جزيرة إليس في منهاتن التي كانت تستقبل المهاجرين، فقال في مقابلة «نحن مسيحيون وقد تعرضنا لاضطهاد كبير على أيدي الأتراك العثمانيين». لكن قد لا يكون هذا الكلام دقيقا، فالتاريخ يؤكد أن الدولة العثمانية لم تمانع من سفر المسيحيين العرب فهي لم تجندهم للحروب العديدة التي كانت تخوضها. لكن العزف على نغم التعصب الديني العثماني كان يترك أفضل الأثر عند الأمريكيين كما تقول ليندا. لكن موجة النزوح من المدن والقرى الشامية كانت منتشرة، فقد كتب أحد المررخين أن بلدة زحلة (اللبنانية الآن) قد شهدت نزوح 2000 مواطن عام 1898 من مجموع سكانها الثمانية عشر ألفا. لكن هناك مصدرا تشير إليه الكاتبة نقلا عن مهاجر مغربي اسمه حسن بن علي يقول إن المدينة عام 1889 كان فيها 600 مسلم وهم «يخططون لبناء أول مسجد خوفا من تحولهم أو تحول أولادهم للديانة المسيحية».
يضم المعرض صورا ولوحات ونماذج عن النشاط العربي في المنطقة في تلك الأيام. وتقول ليندا يعقوب، أحد أحفاد العائلات السورية الأصلية، ومؤلفة كتاب: «غرباء في الغرب» إن المهاجرين الأوائل الذي وصلوا مع بدابة عام 1880 اختاروا أن يكونوا باعة متجولين يبيعون البضائع نقدا أو بالتقسيط. وما هي إلا مدة قصيرة حتى افتتحت أول بقالة سورية أطلق عليها «السمانة السورية الأصيلة» لصاحبها سليم فرج الله زلوم وشركاه. وكتب عليها «كل أنواع السمانة السورية الفاخرة من مأكولات ومشروبات نستجلبها رأسا وهي من أجود الأصناف وخالية من الغش». ثم افتتح عدد من محلات الحلوى والمطاعم. وهناك إعلان لراقصة سورية اطلق عليها لقب «سفينة سوريا» والإعلان يشير إلى ساعات العرض في الكباريه. أما الصورة الجميلة التي تلفت الأنظار فهي صورة أعضاء «الرابطة القلمية» التي تجمع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني. وقد أنشأت الجالية السورية أول صحيفة بالعربية إسمها «الهدى» وأخرى «كوكب أمريكا» ثم أصدروا كتيبا يحمل أسماء أصحاب الأعمال وأنواعها لتسهيل التعامل والتواصل فيما بينهم. وكان مرتب الموظف في «كوكب أمريكا» عام 1890 يصل إلى 40 دولارا في الشهر. أسس المجلة الاخوان إبراهيم ونجيب أربيليو ومعهم صديق أرمني اسمه أرتين بيتركيان عام 1892 وظهر منها العدد الأول المثبتة صورته في المعرض بتاريخ 15 نيسان/أبريل من السنة نفسها.
أما «الهدى» فقد أنشأها نعوم مكرزل عام 1898 في فيلادلفيا ثم نقلها صاحبها إلى نيويورك عام 1903 واستمرت المجلة لغاية عام 1971. وأسس الاخوان نيقولا وإبراهيم مقصود أول مطبعة عربية في نيويورك عام 1902. ويحصي القائمون على المعرض 44 إصدارا (نشرة، مجلة، صحيفة) باللغة العربية بين عامي 1892 و 1930.
على هامش المعرض التقت «القدس العربي» مع السيدة ليندا يعقوب، المتكلمة الرئيسية في الافتتاح والمتحدرة من أصل سوري وصاحبة كتاب «غرباء في الغرب» وأجرت معها الحوار القصير التالي بعد أن أنهت حفل توقيع كتابها لزوار المعرض.
○ هل لك أن تتفضلي وتعرفي القراء على ليندا يعقوب؟
• اسمي ليندا يعقوب وأعيش في نيويورك وأحمل شهادة الدكتوراه في علم الآثار في الشرق الأدنى. ولدي عدة مؤلفات منها كتاب عن إيران. أجدادي الأربعة كلهم من سوريا. جدي من الأب وصل من سوريا عام 1981 ومن جهة الأم وصلوا إلى هذه البلاد عام 1897. كنا نعيش في بروكلين وكان عندنا محلات تجارية. جدي من الأب كانت لديه شركة استيراد وتصدير وجدي للأم كان بائعا متجولا ويتعامل مع شركة سويسرية. وأنا أحد المؤسسين لدار النشر «الكلمة».
○ وماذا عن كتاب «غرباء في الغرب»؟
• هذا هو أول كتاب نشر عن الجالية السورية في نيويورك ونشأتها وتاريخ وصول المهاجرين العرب إلى هذه البلاد. والمقصود بسوريا بلاد الشام حيث كانت كتلة جغرافية واحدة تحت الحكم العثماني.
○ لماذا كان غالبية المهاجرين من المسيحيين العرب؟
• لأنهم كانوا قد انفتحوا على الغرب، واحتكوا بالبعثات الغربية التي كانت منتشرة في ما يدعى اليوم لبنان وفلسطين وسوريا. فتكونت لديهم معرفة جديدة وجيدة حول الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بالتحديد. وكانت هذه هي الجهات المستهدفة من قبل أوائل المهاجرين العرب من سوريا الكبرى.
○ ولماذا اخترتم كلية «متروبوليتان» لإقامة المعرض؟
• لأنها تقع في قلب ما كان يسمى الحارة السورية أو الحي السوري قرب شارع واشنطن. فإقامة المعرض هنا إنما يربط العلاقة بين محتوى المعرض وهو تشكل الجالية السورية في نيويورك والمنطقة التي احتضنت أوائل المهاجرين السوريين. فالعلاقة بين الزمان والمكان أمر مهم ومثير لأنك إذا خرجت من باب المعرض واتجهت مسافة شارع واحد إلى الشرق تستطيع أن ترى شارع واشنطن والبنايات الثلاث الباقيات منذ تلك الفترة.
○ ومن المسؤول عن تنظيم المعرض؟
• الحقيقة أن الجهد الأكبر يعود الفضل فيه للمتحف العربي في ديربورن والذي نظم مثل هذا المعرض في العاصمة الأمريكية من قبل. ويستمر المعرض قرابة ثلاثة شهور. وللعلم فسوف يتم وضع قطعة فنية مجسدة لتخليد ذكرى جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني في هذه المنطقة. وهناك مسابقة بين ستة فنانين لاختيار القطعة الفنية المعبرة أكثر عن الجالية السورية المبدعة التي أضافت الكثير لنسيج الحياة الثقافية والفنية لهذه البلاد وخاصة نيويورك.
هناك أيضا لجنة محلية منبثقة عن جزيرة إيليس القريبة من هنا والتي كانت تستقبل المهاجرين لتسجيلهم ثم توزيعهم داخل نيويورك أو خارجها.
عبد الحميد صيام
نعم، هؤلاء هم السوريون الشوام الحقيقيون الذين غامروا مهاجرين الى هذا البلد وسجلوا صفحات بيضاء من حيث إسهاماتهم التجارية والثقافية والعلمية وفي كل مناحي الحياة الامريكية. والكثير من أمثال هؤلاء، ولو تغيرت الأسباب، ممن يمنعهم ترمب من دخول الولايات المتحدة هذه الأيام. فتأملوا في ذلك رعاكم الله.