فجأة تسمع بورشة رواية تبعد عن بيتك بمسافة خطوات، تبدأ وتنتهي وأنت لا علم لك بها تماما.
تقام الورشة أحيانا وبعض من تعرفهم مشاركون فيها، يأتون ويذهبون من دون أن يتعب أحدهم نفسه لإخبارك. يأتي بعضهم ويتصل بك في آخر يوم ليعتمد عليك في تنقلاته بعد الورشة، أو للتعرف على المنطقة، أو لتحتفي به على أساس أنه «صديقك».
ورشات رواية، ورشات للتمثيل والإخراج وأخرى للتصوير، تقام هنا وهناك، بعضها يقيمه كُتّاب درجة «عاشرة» مع احتراماتي للجميع، ومبالغ خرافية تدفع من طرف المبهورين بوهج الكتابة.. شبّان في بداية الطريق منهم الموهوب ومنهم الحالم.. بعضهم يتصل بك بإلحاح غريب لتعطيه أسماء روائيين وسينمائيين، يفتح الحديث وكأنّه يناقشك في موضوع ما، يسأل عن أرقامهم وأنت بكل طيبة تفتح أجندتك وقلبك وتعطيه ما يريد، ثم فجأة تقرأ في إحدى الجرائد أنّه نظم ورشة وتَوَاصل مع كل من اقترحتهم، وتبنّى مشروعا أنت خططت له وأنت غذيته بأفكارك.
ظاهرة الورشات بقدر ما هي صحيّة بقدر ما تشير إلى بداية زمن «المتاجرة» بالأفكار في عالمنا العربي. لقد همس لي أحد النقاد الكبار أنّه على مدى تاريخ جوائزنا الأدبية، هناك على الأقل عشرة كتاب نالوا جوائز مهمة بأعمالٍ أفكارها مسروقة ومحتواها مسروق ولغتها أيضا مسروقة، وقد فوجئت حين حدثني عن تفاصيل بين روايات عربية مشهورة وروايات أجنبية قام أصحابها بأخذ محتواها لأنهم واثقون من أن القارئ العربي محدود اللغة والاطلاع.. ثم هؤلاء أنفسهم، مع جيل آخر من «نصّابي» النخبة، اكتشفوا أن جهل جمهورهم يمكن استثماره في قطاعات أخرى.
الجهل إذن ميزة من الميزات الطيبة في عالمنا العربي، وكلما وجد بكميات أكبر ارتاحت فئة من النّاس رأسُمالها الأول استغلال ذلك الجاهل الذي يتميز، بالإضافة إلى جهله، بكمية كبيرة من الغرور على أنّه العارف والضليع بأمور الدين والدنيا.
وفيما تهمل جامعاتنا تدريس «الكتابة» كفن من أرقى الفنون الإبداعية، كما في جامعات العالم الكبرى، تنتشر اليوم دكاكين الأدب، وتبيع البضاعة السحرية التي توهم الزبون بأنّه مشروع كاتب. زبون في الغالب يبدأ كتابة نصوصه بجرائم خطيرة في حق اللغة العربية. زبون يتخطّى مراحل كثيرة في مسيرة تكوينه، أهمها تكوينه اللغوي ويقفز لمرحلة الإبداع، ذلك لأن الموهبة الحقيقية ضاعت وسط الكم الهائل من الرّداءة التي يكتظُّ بها السُّوق.
قصص مضحكة كالتي تعج بها برامج المواهب الغنائية التلفزيونية، تعج بها ورشات الكتابة، البعض يروي تلك القصص من باب التنكيت في المقاهي والجلسات الخاصة، لكنها أشياء مؤلمة، يستحيل أن تُضحك من لديه ضمير، خاصة حين يعرف أن هذا «الزبون» المغفّل دفع مبلغا كبيرا حتى يستفيد من الورشة.
أمور كثيرة تطفو على سطح رأسي الآن وتساؤلات كثيرة بشأن هذه الفوضى العارمة التي نعيش فيها، والتي يتخبط فيها المشهد الثقافي أيضا… مثلا « محترف نجوى بركات» الذي أسسته الروائية منذ سنوات، لماذا لا أصادف أناسا لم يسمعوا به ولا مرة؟ لماذا يلجأ كاتب شاب لورشة رواية شبه مجهولة الهوية ولا يبحث عبر شبكة الإنترنت عن الاحتمالات التي توفر له تكوينا جيدا؟
محترف نجوى بركات بلغ اليوم سن النضج حقا وأصبح يعطي ثماره، خاصة في مرحلة تعاونه مع الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) والصندوق نفسه تشرف عليه مجموعة من الكتاب الذين استثمروا هبات الجهة الممولة بشكل جيد. وهذا من نوادر ما يحدث في عالمنا العربي، لأن هبات كثيرة قدمت من أجل إنشاء مؤسسات ثقافية، لكن المشرفين عليها مثلهم مثل تجّار هذا الزمن، يلجأون لكل وسائل الغش، لتكون الحصة الأكبر من تلك الهبات من نصيبهم. هبات ذهبت أدراج الريح مع أنها خصصت منذ البداية للأدب والترجمة والفن بكل أنواعه، لأنها وقعت بين أيد غير أمينة.
تجربة «آفاق» التي أنتجت وتبين اليوم مسارها الجاد والجيد، ينقصها مزيد من الترويج، إذ لا أظن أن ما كتب عنه في العديد من الجرائد والمواقع الإلكترونية يكفي، الترويج الحقيقي اليوم في عالمنا العربي هو نافذة الفضائيات، ذلك أننا مجتمعات تعشق الفرجة بالدرجة الأولى.
أقول ذلك لأني التقيت أصدقاء من بيروت يجهلون تماما وجود الصندوق! بعضهم يعرف نجوى بركات كروائية مهمة، ولكنه يجهل أن لديها محترف رواية منذ سنوات. وإن كنت أجد مبررات لمن يعيش في بيروت لأنها مدينة مكتظة بالأحداث من كل نوع، وتسرق اهتمام من يقيم فيها بمشاكلها اليومية وأحداثها التي تتجدد وتتنوع بشكل غريب، إلا أنني أعتب على من يقضي ساعات أمام الإنترنت ويبحث عن كل شيء، ثم ينسى أن يبحث عن شيء يهمه بشأن طرق كتابة الرواية مثلا، فيستسهل الطريق ويدخل ورشة روّج لها البعض من أجل الربح لا غير، أو يختار الطريق الأسهل للنشر، يدفع المبلغ نفسه الذي قد يدفعه للورشة لدار نشر ويصدر كتابه، طبعا لن يهمه أبدا إن كان الكتاب جيدا أو غير جيد، فبعض هؤلاء ينظمون حفل توقيع للأحباب والأصحاب، وسط بروباغندا عائلية وينتهي الأمر عند هذا الحد.
نجاح «آفاق» بالنسبة لي مع تعاون الروائية نجوى بركات لم تماثله نجاحات أخرى، والمؤسف أن هبات مالية كبيرة صرفت في هذا المجال، هبات هائلة قدمت من جهات خليجية، ولكن للأسف وقعت في أيدي الفئة الغلط من النخبة، فئة النصّابين الذين يشتغلون على مصّ المال الخليجي، ثم يغطون أفعالهم باتهام الخليجي نفسه على أنّه مغفل.
حرقة في قلبي أن أسمع من البعض اتهام الخليجي على أنه أفسد «الكون» بأمواله، فيما يعرف القاصي والداني أن ما ينقص المثقف هو رأسمال محترم لينهض بمشاريع تخرج مجتمعاتنا من نفق العتمة الذي نعيش فيه منذ عقود.
اتهام الخليجي الطيب بنواياه، وكرمه يبدو علّة أخرى نعاني منها، إن لم أقل إنها عقدة تحوّلت مع الأيام إلى حقد، وإلا كيف نفسّر تعاطف الخليجي الواهب لأمواله لمن يشكي ويبكي لأن قطاع الثقافة مهمل ومنسي، فيمنحه ما يريد ليعمل ويحقق انجازاته على أرض الواقع، ثم فجأة بعد فترة نسمع أن المشروع فشل وخسر، وبعدها نرى من كانوا مسؤولين عنه وقد تغيرت حياتهم 180 درجة، وكل درجة تقاس بكمية الدولارات التي وضعها في جيبه سهوا وهو يدير مشروعا ثقافيا؟
بعين الحقيقة يبدو الأمر مؤسفا ومحزنا، أن يتحوّل خريج الجامعات إلى نصّاب مثله مثل تجّار أي قطاع آخر في عالمنا العربي العظيم، حيث الغش سيد الإدارة والاستثمار، وحيث السرقة هي الهدف من استيلاد أي مشروع.
وبعين الحقيقة أيضا نحن المهرّجون الذين يُضحِكون الناس ويَضحكون على أنفسهم في الوقت نفسه، مهرّجون بألوان فاقعة وأثواب برّاقة وعتمات لا نهاية لها في أعماقهم، تغطيها القطع النقدية التي يرشقون بها وهم يهرّجون.
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
متألقة يادكتورة بروين حبيب ؛ حفظك الله…وأنت تدافعين عن الشرعية الأدبية العربية المعاصرة.نعم السرقات الأدبية والفنية ( تقودها مافيات ) باسماء كبيرة.
وهذه هي الأخطر…لأنّ الاسم ( الكبير) حينما يسرق الفكرة أوالمضمون وحتى النصّ…لا يصدّق الناس أنه سارق.لأنه يحتمي بالشهرة.فيكون من الصعوبة الإدانة.
من جهة أخرى :
إنّ أفضل حماية للنصوص : اللغة.يجب أنْ يكون المعيارللنصّ سمواللغة ؛ لأنّ اللغة العربية لا يمكن ( سرقتها ) إلا لمنْ أجادها نظريّة وتطبيقاً وبلاغة.والجيل الجديد من الشبان فاقدوا القدرة على إجادة اللغة العربية.مهما فعلوا من ديكورات للمطبوعات.
بالنسبة للرواية ؛ الحل بتأسيس ( اتحاد الروائيين العرب ) شرط الانتماء إليه أنْ
يكون العضوقد أصدررواية باللغة العربية ؛ لا تقل على مائة صفحة.اقترح أنْ تتولى
كتارا القطرية ذات الاهتمام بالرواية العربية المعاصرة ؛ تأسيس اتحاد للروائين العرب على هامش مسابقة كتارا للرواية العربية في دورتها الثانية القادمة بقطرالخير
وفي هذا الاتحاد يتم ( تسجيل ) الأعمال والنصوص الجديدة للأعضاء قبل نشرها ؛ كحماية فكرية للكاتب من السرقة ( المبكرة ).مع التقدير.
مؤسف لما وصل اليه مستوى العقل العربي . فهذه الظاهرة الاجتماعية تواجدت مع عصرالسرعة والذي هدفهم هو كمية الانتاج والرواج والشهرة والمال . العتب أيضا على دور النشر التي توافق على نشرالاعمال الهابطة السوقية والتي هي إساءة لها وإساءة للكاتب العربي وللكتاب العربي وللحضارة العربية . فمتى سنلحق بالامم المتحضرة ثقافيا …