مهمة دي ميستورا بين المماطلات الإيرانية والسورية والتعقيدات على الأرض

حجم الخط
2

لندن – «القدس العربي»: في النظرة الأولى، يبدو تحالف النظام العلماني القومي العربي في سوريا مع الحكومة الدينية القومية الفارسية في إيران تحالفا غير معقول، لكن تتمتع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية بإحدى التحالفات الأكثر استقراراً في منطقة الشرق الأوسط على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية الواضحة. وتسببت الحرب الإيرانية العراقية وأحداث لبنان وملف حزب الله بالتقارب بين إيران وسوريا بشكل كبير، وأصبحت سوريا بوابة تصدير ثورة الخميني إلى لبنان والعالم العربي كله. وكان حافظ الأسد أول رئيس عربي هنأ آية الله الخميني بانتصار ثورته واعترف رسمياً بالتغيير السياسي في إيران، وأرسل للخميني مصحفاً مرصعا بالذهب.
وفي عام 2011، وصف آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، احتجاجات الربيع العربي بـ «الصحوة الإسلامية» التي استلهمت روحها وقوتها من الثورة الإسلامية في إيران. لكن فور وصول موجة الاحتجاجات إلى سوريا، اعتبر كبار المسؤولين الإيرانيين ومنهم آية الله علي خامنئي الثورة السورية مؤامرة أمريكية – صهيونية ووصف الثوار بالإرهابيين وعملاء الاستكبار.
ودعمت إيران النظام السوري بشكل كبير من خلال إرسال آلاف المقاتلين الشيعة من إيران والعراق وأفغاستان وباكستان وقوات الحرس الثوري. وحاولت عبر الطرق الديبلوماسية أن تعرقل أي حل سياسي لصالح المعارضة السورية ونجحت في كثير من هذه المحاولات.
وفي تموز/يوليو الماضي، رحبت الجمهورية الإسلامية بتعيين ستيفان دي ميستورا لمنصب المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية، وأكدت مرضية أفخم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن استعداد إيران للتعاون معه لنجاح مهمته في سوريا نظراً «للواقع على الأرض في سوريا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة»، وأعربت عن أملها في نجاح مهمة دي ميستورا نظراً لإنجازاته في العراق وأفغانستان وإعادة السلام والاستقرار لسوريا.
وقبل إعلان المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة بشأن الأزمة السورية بشكل رسمي عن اقتراحه الجديد حول إنشاء مناطق خالية من العنف لإرسال المساعدات الإنسانية إلى بعض المدن السورية وعلى وجه التحديد مدينة حلب، صرح أمير عبد اللهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني في شؤون الدول العربية والأفريقية، في لقائه مع دي ميستورا، أن إنشاء مناطق عازلة داخل سوريا تعتبر انتهاكاً لسيادة الحكومة السورية وستعقد الأوضاع أكثر.
هذه التصريحات لنائب وزير الخارجية الإيراني وتصريحات مشابهة أخرى، تظهر المعارضة الضمنية الإيرانية لهذا الاقتراح الجديد. ويعتقد المحللون الإيرانيون أن دي ميستورا جاء باقتراح إنشاء مناطق خالية من العنف في بعض المدن السورية، بعد الانتصارت الأخيرة لجيش النظام في أطراف مدينة حلب وتضييق الحصار عليها، وأن الحكومة التركية والدول الغربية وبعض دول الخليج العربي تقف خلف هذا الاقتراح لمنع تقدم جيش النظام في ضواحي المدينة. ويرى المحللون المقربون من الجهاز الديبلوماسي الإيراني أن الهدف الرئيسي من الاقتراح الجديد للمبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية بشأن الأزمة السورية، هو اعطاء الفرصة لقوات المعارضة السورية أن تستعيد مواقع استقرارها وحصولها على الدعم اللازم. ويقول هؤلاء المحللون إن جميع المعطيات تظهر ليس فقط فشل الاستراتيجية العسكرية ضد النظام السوري، بل الانتصارات الأخيرة والمقبلة للجيش في مدينة حلب ستقلب الكثير من المعادلات على الساحة السورية. ولهذا السبب يعتقد الإيرانيون أن طرح فكرة «الحل السياسي تبدأ من حلب» من قبل أعداء النظام السوري هي مجرد خطوة مؤقتة لتفادي تقدم قوات الجيش في هذه المدينة.
وفي السياق نفسه، صرح علي حيدر، وزير المصالحة الوطنية في النظام السوري، أنه يوجد فرق بين مقترح دي ميستورا ومشروع تركيا وفرنسا لإنشاء مناطق آمنة وعازلة، وأن خطة المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية غير واضحة، بسبب عدم تبين التفاصيل. وأشار علي حيدر إلى لقاءات دي ميستورا مع مسؤولي النظام وأكد أن هناك فرقا كبيرا بين «مناطق خالية من العنف» و»المناطق التي يتم وقف إطلاق النار فيها» في اللغة الديبلوماسية والسياسية، وأن التفاصيل تحتاج لدراسة دقيقة، وقال «إذا يكون هذا المقترح الجديد خطوة أولى للمصالحة الوطنية، يمكن أن يتطابق مع سياسات سوريا».
ونظراً لتصريحات المسؤولين الإيرانيين والسوريين، يبدو أن إيران وسوريا تحاولان عبر التركيز على تفاصيل كيفية تطبيق المقترح الجديد، اخراج مشروع تركيا وفرنسا لإنشاء مناطق عازلة من مجموعة الحلول المطروحة على الساحة، وتحويل مقترح دي ميستورا إلى «خطوة أولى لتطبيق سياسات النظام في حلب».

محمد المذحجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد الأحمد:

    ايران بمنطقها الضيق وأطماعها الإمبرطورية تضر بنفسا اولا وأخيرا وسوف تنكفىء خاسرة على المدى البعيد لانه لا يجوز معادة شعب باكمله ومن اجل سفاح قاتل بلا دين ولا خلق. لن تنجح ايران في سوريا ولبنان وسوف ترتد استثماراتها واستراتيجيتها ندما وخيبة عليها

  2. يقول ماجد الشامي:

    السخرية هو ترك دولة إرهابية طائفية مثل إيران لتتحكم بمصير الشعب السوري بغالبيته السنية و العالم يتفرج.يجب أن يتوحد العالم كله ضد إيران .

إشترك في قائمتنا البريدية