ريف حلب ـ «القدس العربي» : لمجرد إعلان مجلس قيادة الثورة السورية رفضه لمبادرة ديمستورا حول تجميد القتال بحلب، بدأت مباشرة أعمال تصعيدية عسكرية لقوات النظام في ريف حلب الشمالي، تجلت في الزحف والتوغل باتجاه بلدات جديدة في محاولة للسيطرة عليها، وصولا إلى بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين من قبل فصائل الجيش الحر وبعض الفصائل الإسلامية كجبهة النصرة.
ورغم أن الهجوم الأخير الذي هدف للسيطرة على رتيان وحردتنين وباشكوي وتل مصيبين، باء بالفشل أو في أحسن الاحتمالات لم يحقق الهدف المطلوب، إذ تمكنت من خلاله قوات النظام من السيطرة على «باشكوي» فقط، كما تكبدت خسائر بشرية فادحة من قتلى وأسرى بلغ عددهم المئات، إلا أن النظام ما زال يصر على التوغل في الريف الشمالي ليقطع أوصال محافظة حلب ويعزلها تماما، فسيطرة النظام على هذه المواقع تعني فصل ريف حلب الشمالي عن الحدود التركية، كما تعني حصارا مطبقا على حلب المدينة لتغدو أشبه بالغوطة الشرقية المحاصرة في ريف دمشق.
إصرار النظام كإصرار دي ميستورا على تنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار في حلب، وعندما يصر النظام على مشروع كهذا فهذا يعني أنه وصل إلى نقطة الإرهاق العسكري، فقد عرف عن نظام بشار الأسد، وعلى مدى سنوات الثورة السورية، رفضه لأية مبادرات لإيقاف القتال، بل كان كل ما يطرحه يدرج ضمن اصطلاحات «الاستسلام» وفقط، إلا أننا نشهد ردات فعل عسكرية عكسية فمحاولات التوغل وبسط السيطرة على مواقع جديدة تترافق بالموافقة على «مبادرة ديمستورا» فنلاحظ أن النظام يضغط عسكريا بغية الوصول لتسوية سياسية تناسبه في حلب، فهو يدرك تماما أن الانتصار السياسي سيكون للأقوى على الأرض.
وفي لقاء أجرته «القدس العربي» مع قائد تجمع كتائب «أبو عمارة» بحلب مهنا جفالة والملقب «أبو بكري» قال «في أكثر من مبادرة سعت إليها دول أو مفوضون أو غيرهم كانت تحمل شروطا لا تناسب الواقع على الأرض وهي قاسية على جميع السوريين، وتأتي متناسبة مع العمليات العسكرية للنظام، هناك إشارات استفهام عديدة من حيث توقيت العمليات العسكرية ومن حيث حملات رمي البراميل، نحن نرى بعدا كبير بين تلك المبادرات وما يحدث على الأرض».
المعارض السوري الدكتور عطا كامل العطا، قال «إن المعارك التي جرت مؤخرا في حلب كبدت النظام خسائر فادحة، وشكلت ضربة لمبادرة ديمستورا برمتها، كما أن تصريحات ديمستورا الأخيرة والتي أكد من خلالها أن بشار الأسد يعتبر جزءا من الحل في سورية، أفقدته المصداقية والحيادية».
وأضاف «لقد اعتقد النظام أنه من خلال موافقته على مبادرة ديمستورا سيفرض الوقائع على الأرض ويرسم حدودا جديدة له ليليها اتفاق لتجميد القتال، لكن المفاجأة له كانت أن قلب الثوار شمال سوريا المعادلة تماما، وبذلك فشل ما كان يخطط له، من تجميد للقتال يشابه ما حدث في حمص أو في مناطق أخرى، كان لتجميد القتال فيها مفهوم آخر من وجهة نظر النظام».
وتعيش مناطق ريف حلب الشمال حالة حذر وترقب، بل قد نصفها بحالة من الرعب، فالسيطرة على تلك البلدة الصغيرة «باشكوي» قد تعني تمدد النظام لبلدة قريبة منها تدعى «تلمصيبين» ومنها سيشرف النظام على مناطق واسعة محيطة وسيكون طريق حلب غازي عنتاب في مرمى نيرانه، وهذا ما يشكل هاجسا مستمرا لدى ثوار الشمال، أما مقاتلو النظام داخل البلدة آنفة الذكر فيعيشون حالة رعب مشابهة وقد تكون أقسى من حالة الثوار، إذ أن أي محاولة توغل للثوار داخل البلدة من أجل تحريرها قد تكون نتيجتها مئات القتلى والأسرى من قوات النظام المتمركزة.
وحسب المصادر الميدانية فقد أعد الثوار من الفصائل كافة العدة لاقتحام كهذا، كما يتوعد النظام بوصول أرتال مؤازرة ضخمة بقيادة «سهيل الحسن»، ويعتقد أن معارك عنيفة قد تنتظر حلب في هذه البقعة بالتحديد، فلن يسمح الثوار بمحاصرة حلب أو الوصول إلى نبل والزهراء المواليتين واللتين أصبحتا معسكرا إيرانيا، فيما لن يتنازل النظام عن هذين الهدفين، ولا حل سوى معارك «كسر عظم» ينتج عنها طرفان أحدهما منتصر والآخر مهزوم، ولا حل وسط في الأفق بعد أن دفنت مبادرة ديمستورا، ولم يصلِّ عليها أحد.
محمد اقبال بلو