موريتانيا: الإعلام السمعي البصري الخاص يحتضر أمام مشكل التمويل

حجم الخط
0

نواكشوط ـ «القدس العربي»: دق عدد من المشرفين على إذاعات وقنوات موريتانية خاصة، ناقوس الخطر للتو إزاء ما يعتبرونه بداية «احتضار الإعلام السمعي البصري الخاص في موريتانيا الذي أقرت الجمعية الوطنية الموريتانية قانون تحريره يوم 3 يوليو/تموز 2010 منهية احتكار الدولة لمجال البث الإذاعي والتليفزي، ومحولة الإعلام الحكومي إلى «إعلام عمومي».
فقد توقفت إذاعتا «نواكشوط الحرة» و«موريتانيد» الخصوصيتين عن البث بينما تحاصر المصاعب المالية القنوات والإذاعات الخاصة الأخرى.
وضمن تجليات هذا الإنهيار، أعلن محمد محمود ولد أبو المعالي رئيس المكتب التنفيذي لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الخصوصية في موريتانيا ومدير إذاعة «نواكشوط الحرة» المتوقفة، عن استقالته قبل أيام.
احتضار الإنجاز
وعرض الصحافي البارز الحسن ولد مولاي علي مدير إذاعة «التنوير» الحرة في تدوينة له تحت عنوان «إنجاز يحتضر!!»، الأزمة التي يواجهها القطاع الخاص السمعي البصري، فأكد «أن تحرير الإعلام السمعي البصري في موريتانيا، أتاح، رغم ما اكتنف العملية برمتها من ارتجالية وقصور وتقصير، تعددية فريدة لا عهد للمجتمع بها منحت المتلقي خيارات متعددة، والأهم من ذلك أنها مكنت الجميع من التعبير باللغات التي يحسنونها، عن مواقفهم وآرائهم المتعلقة بالبلد وأهله، ماضيه، وحاضره ومستقبله فضلا عن أن هذا التحرير منح الواجهة الديمقراطية لبلدنا مصداقية ووجاهة عز نظيرها في ديمقراطيات العالم الذي ننتمي إليه، كما منحنا موقعا متقدما في حرية الصحافة والإعلام، طبقا للتصنيفات المعتبرة».

مشاكل بنيوية

«لكن القطاع السمعي البصري الخصوصي، يضيف ولد مولاي علي، واجه منذ اليوم الأول مشاكل بنيوية حقيقية، تمثلت في إعراض المستثمرين عن الولوج إليه، الأمر الذي اضطر الحكومة إلى الاستنجاد ببعض التجار المقربين لإنقاذ الموقف، واضطرها أخيرا إلى منح رخص أخرى لعدد من الهواة، ولما لم يكن من الوارد أن تجنى الأرباح من المؤسسات الإسمية الوليدة، خاصة مع ضيق السوق، وغياب القانون المنظم للإعلان التجاري، وغيبة الدعم العمومي للقطاع. ورد المستثمرون من التجار أيديهم في أفواههم، فلم يجدوا بدا من التوقف عن الإنفاق بلا عائد، على مؤسسات تقدم خدمات عمومية بحتة، وهكذا بدأت الهيئات الناشئة طريق الانحدار والتراجع، في اتجاه الانهيار الكامل، حيث اختفت حتى الآن محطتان إذاعيتان، وما تزال البقية تغالب المصير المجهول».

ثمن المحافظة

وزاد ولد مولاي علي قائلا «..إن الإنجاز الذي تحقق بتحرير القطاع السمعي البصري، هو ملك للجميع، بلا شك، لكن الفضل فيه يعود إلى المؤسسات الإعلامية ومن أنشأها وكان إنشاؤها مكلفا جدا، وبلا مردود مادي على أصحابها، ذلك ثمن الإنجاز وقد تحقق، ورفد الخزانة العامة بعشرات الملايين، دفعت رهانا مقبوضة عن الرخص، لكن المحافظة على هذا الإنجاز تتطلب هي الأخرى ثمنا، فمن يدفع ثمن إنقاذ القطاع السمعي البصري؟ سؤال طرحه المعنيون على أنفسهم خلال الإعداد للأيام التشاورية الخاصة بالصحافة. فقد سهرت لجنة السمعي البصري الليالي ذوات العدد مع خبراء في الميدان، لتقدم جردا للمشكلات التي تهدد القطاع بالتوقف، وتقديم مقترحات عملية ومنصفة بالحلول المتاحة، وهو ما تم نقاشه وإغناؤه خلال ورشة السمعي البصري، وتضمن خلاصته التقرير المرفوع للحكومة… ثم توقفت العربية في انتظار ردة فعل الحكومة، والتي طال انتظارها»، حسب تعبير مولاي علي.

خسارة عامة

«انتظار رأي الحكومة فيما قدم إليها هو سيد الموقف، يضيف ولد مولاي علي، وعسى أن لا يطول هذا الانتظار كثيرا، فقد بدأت مؤسسات القطاع تتساقط – تباعا- كأوراق الخريف، وهي خسارة لأطراف العملية – جميعا- يمثلها تهاوي مكتسبات غالية أخذت منا الكثير الكثير!».
وخلص الحسن مولاي علي إلى استنتاج مؤسف مداره «أن القائمين على الإذاعات الحرة لا يملكون وهم يشهدون في موقف حزن وأسى على العزيزتين: موريتانيد، وإذاعة نواكشوط، اللتين افتقدنا صوتهما الرخيم، لا يملكون إلا أن يقولوا لهما، باسم المؤسسات التي ما تزال تقاوم وتأمل الاستمرار: «أنتما لنا فرط، ونحن بالأثر… نسأل الله لنا ولكما العافية».

معركة البقاء

وفي توصيف آخر للأزمة أوضح الصحافي السالك ولد عبد الله «أن الدفعة الأولى من الإذاعات والتلفزيونات المرخصة منذ تحرير الفضاء السمعي البصري عام 2010، قريبة جدا من انتهاء الوقت المحدد لرخصتها، خمس سنوات من العمل عجز بعضها عن الاستمرار ومواكبة الركب لأسباب نعلمها وأخرى قد لا نعلمها، فيما تحارب الأخريات من أجل البقاء».
وقال «بقاء هذه المؤسسات مرهون بتجديد هذه المؤسسات لرخص العمل إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، فديونها ثقيلة ومتراكمة ودخلها ليس بالكثير، ربما لا يغطي رواتب العمال – الهزيلة جدا- فما بالك بالماء والكهرباء وشركة البث».

كارثة الديون

«بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة، يضيف ولد عبد الله، لديها بطاقة صفراء إذ تم توقيف بثها سابقا لعجزها عن دفع بعض ديونها والحكومة رفعت يدها عن هذه المؤسسات وأوقفت صندوق دعم الصحافة الخاصة، بعد ما كان يساعدها قليلا عن فك الحصار عليها من خلال تسديد بعض الديون وتركتها تقف لوحدها وكأني بلسان حال النظام يقول «لن ندعم تلك المحطات فمن استطاع أن يواصل فليفعل ذلك لوحده وبمجهوده الخاص، ومن لم يستطع فليغلق أبواب مؤسسته ويستريح».
وقال «رجال الأعمال الذين يملكون هذه المؤسسات ليسوا على استعداد للاستثمار فيها، فهذه المؤسسات وليدة وتحتاج لضخ مالي يجعلها تقف على رجليها في المستقبل، إلا أن رأس المال جبان، ورجل الأعمال الموريتاني لا يفهم في الاستثمار على المدى البعيد، فالربح عنده إما أن يكون عاجلا أو لا يكون».

إعادة التأسيس

وأكد السالك عبد الله «أن مديري مؤسسات الإعلام السمعي البصري الخاص، لم يدخروا أي جهد في شرح مطالبهم وما قد يخرجهم من عنق الزجاجة أثناء الأيام التشاورية لإصلاح الصحافة التي نظمت مؤخرا في فندق الأجنحة الملكية وبرعاية رسمية، وبتعهد رسمي بتنفيذ مخرجاتها في القريب العاجل».
وقال «لا نأمل أن تندثر هذه المؤسسات، بقدر ما نريد أن يعاد تأسيسها من جديد بنفس جديد ورؤية جديدة، تصون حق العامل وذوق المستمع والمشاهد وتعمل بحيادية ومهنية، وتبتعد عن استغلال الطاقات وعدم احترام المتلقي».

انشقاقات وخلافات

وأدت هذه الأزمة لبروز انشقاقات بين أعضاء اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الخصوصية في موريتانيا، حيث أعلنت إذاعة «كوبني « الخاصة و«قناة «شنقيط» الخصوصية في بيان مشترك أمس «أن ما يسمى باتحاد الإذاعات والتلفزيونات بموريتانيا لم يتأسس أصلا بحكم أن ملاك القنوات المخولين شرعا وقانونا لإنشاء أي تنظيم مهني أو تجاري لرعاية مصالحهم، لم يجتمعوا أصلا ولم يتشاوروا ولم يتخذوا أي قرار بهذا الخصوص حتى يتم تعيين رئيس أو إقالة آخر».
وأكد البيان «أن الظروف الصعبة التي تواجهها وسائل الإعلام السمعية البصرية والتي أدت إلى حد الآن إلى إغلاق محطتين إذاعيتين مع ما تعانيه باقي المؤسسات الإعلامية من أزمات مالية وصعوبة في الولوج للمعلومة، أمر يستوجب ضرورة تعاون لا مناص منه بين هذه المؤسسات والسلطات العمومية لتمكينها من مواصلة أداء رسالتها على الوجه الأكمل وحتى لا تضمحل تلك الصورة التي رسمها العالم عن الحرية الإعلامية وحرية التعبير في موريتانيا».

تعدد الاتحادات

«وتجسيدا لذلك، يضيف البيان، فإن حماية الفضاء السمعي البصري من مستنقع التشرذم والانقسام من خلال تعدد التنظيمات من اتحادات ونقابات ومسميات مختلفة يصارع بعضها البعض لفائدة جهات مختلفة، ينبغي أن يكون ضمن أولويات الجميع حتى نبرز المثل الأسلم للعمل المثمر والجاد».
وحذرت إذاعة «كوبني» الخاصة و«قناة «شنقيط» الخصوصية «جميع الجهات الرسمية وغيرها من مغبة التعامل باسم القنوات السمعية البصرية مع اتحاد لا يمثل شرعية ولا يملك الصفة لتمثيل القنوات»، مع توجيههما دعوة «للعاملين في الحقل ومستثمرين لإنشاء إطار تنظيمي يفضي إلى تطوير العمل الإعلامي وتذليل العقبات التي قد تعترضه مع رعاية مصالح العاملين فيه والمستفيدين من خدماته».
يذكر أن تحرير الفضاء السمعي البصري في موريتانيا مر بمطبات كثيرة قبل أن يصادق البرلمان الموريتاني يوم 3 تموز/يوليو 2010 على القانون رقم: 2010-045، القاضي بتحريره وذلك في جلسة شهدت نقاشات ساخنة لمضامين القانون بين ممثلي الأغلبية والمعارضة داخل البرلمان.
وأعدت حكومة الرئيس السابق علي ولد محمد فال مشروع قانون تحرير الفضاء السمعي البصري عام 2006، وتم عرضه لأول مرة على البرلمان في العام 2008، في عهد الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله حيث وافق عليه مجلس النواب، وتحفظ مجلس الشيوخ على بعض مواده، وبقي مشروع القانون رهين محبسه إلى أن أقره البرلمان عام 2010 بشكل نهائي، تحت ضغوط ومطالبات وإلحاحات القوى الإعلامية والسياسية.

موريتانيا: الإعلام السمعي البصري الخاص يحتضر أمام مشكل التمويل

عبد الله مولود

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية