نواكشوط ـ «القدس العربي»:دعت مؤسسة المعارضة الديموقراطية في موريتانيا أمس «لحوار شامل وصريح وعاجل يفضي لقيام دولة مؤسسات في موريتانيا، تكون، بعيدة عن الفردية والتحكم، ضامنة لتوفير جو التناوب السلمي بدل تكريس مبدأ احتكار السلطة».
جاءت هذه الدعوة خلال مؤتمر صحافي عقدته أمس هذه المؤسسة الدستورية التي يقودها إسلاميو حزب التجمع، وعرضت أثناءه تقريرها السنوي للعام 2016 الذي تضمن انتقادا شديدا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا.
ودعا التقرير «القوى السياسية المعارضة لتناسي خلافاتها وللعمل الجاد من أجل أن تكون سنة 2019 سنة مفصلية في تاريخ الديمقراطية الموريتانية، كما دعت المؤسسة في تقريرها السنوي «الحكومة لإشراك جميع الفاعلين الأساسيين في وضع إستراتجية تضمن تعزيز الوحدة الوطنية وحسن التعايش بين مكونات الوطن».
وأوصى كذلك «بوضع آلية فعالة لامتصاص البطالة من خلال فتح فرص حقيقية للتوظيف تعتمد على الشفافية مع إنشاء مشاريع حقيقية مدرة للدخل لاستيعاب العاطلين عن العمل».
ودعا التقرير في استخلاصاته «لزيادة الدعم المخصص للصحافة المستقلة وللأحزاب السياسية ولمؤسسة المعارضة الديمقراطية، كما ألح على «مساعدة الحقل الإعلامي الوطني حتى يتمكن من لعب الدور المنوط به في كشف الحقائق وتثقيف المواطن».
وطالبت المؤسسة «بانتهاج سياسات صارمة وسريعة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يواجهها المواطنون من خلال خفض أسعار المواد الغذائية وخفض أسعار المحروقات، والعناية بالفئات الهشة التي أصبحت قاعدتها تتسع في الفترات الأخيرة»، حسب استنتاجات التقرير.
وأكدت في الجانب السياسي من التقرير «أن الأزمة السياسية مستمرة في استفحالها حيث تتسع الهوة بين الفرقاء يوما بعد يوم في ظل تمنع النظام تارة وفشله تارة أخرى في إقامة حوار جدي وشامل يضمن انتشال البلاد والخروج بها إلى بر الأمان، في تنكر واضح منه، يضيف التقرير، لمنطق الشراكة الوطنية وتجسيد الحد الأدنى من متطلبات الفعل الديمقراطي، وفي انتهاج مستمر لسياسات أحادية تقوض العمل الديمقراطي وتهدد التلاحم والوئام الوطنيين».
وأكد تقرير مؤسسة المعارضة الديموقراطية «أن فلسفة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ورؤيته السياسية ترتكزان على الأحادية وإقصاء الفاعلين السياسيين شركاء الوطن، سواء تعلق الأمر بمؤسسة المعارضة الديمقراطية كشريك سياسي منحه القانون الحق في تمثيل المعارضة، أو تعلق الأمر بالأحزاب والتجمعات السياسية المعارضة». «لقد ظلت القطيعة السياسية، يضيف التقرير، هي السمة الأبرز للمشهد السياسي الوطني، رغم محاولات تنظيم الحوارات المتعددة التي لم تنه القطيعة ولم تحل الأزمة السياسية، نتيجة مقاطعة أطراف من الطيف المعارض لمختلف الحوارات استشعارا منها لعدم الجدية وغياب الضمانات المطلوبة والتنازلات المطمئنة، وحتى الحوار الذي شاركت فيه أطراف سياسية معارضة أظهرت ظروفه وأجواؤه والمراحل التي سبقت تحضيره وتلكؤ النظام في تطبيق العديد من مخرجاته، عن حالة من الارتباك السياسي والتنكر لروح الشراكة الوطنية التي يجب أن يتسم بها الفعل السياسي لأي سلطة».
وانتقد التقرير بشدة ما سماه «عمق القطيعة واتساع الشرخ تعامل النظام مع مؤسسة المعارضة الديمقراطية وتنكره للدور السياسي الممنوح لها قانونا، حيث اتسمت علاقته بالمؤسسة بالتجاهل والإقصاء، حيث بدأ ذلك بالتأخر المتعمد لتسليمها مبكرا في بداية المأمورية، قبل تجاوزه ودوسه على القانون الذي يمنحها صدارة المشهد السياسي الوطني»، حسب الوارد في التقرير.
وتوقف التقرير مطولا أمام واقع الحريات وموضوع المظالم حيث انتقد تعاطي الحكومة مع ملف الحريات الذي تجسد في توقيف البرامج ومضايقة بعض الصحافيين، واحتكار الإعلام الرسمي من طرف النظام وأنصاره ومنع القوى المعارضة من ولوجه»، وهي أمور اعتبرها التقرير «عاكسة لزيف الحرية في هذا المجال، كما توقف التقرير عند حرية التجمع منتقدا التعامل الحكومي مع طلبات الترخيص للأحزاب السياسية ومؤكدا «حدوث تراجع كبير في الملف الحقوقي حيث استمرت الانتهاكات الصارخة وتم قمع العديد من التظاهرات السلمية»، حسب التقرير.
وفي الجزء المتعلق بالحكامة ومحاربة الفساد، أكدت مؤسسة المعارضة في «أن مظاهر الفساد في ظل النظام الحالي بادية للعيان من حيث الحظوة والامتيازات التي تمنح للمقربين في الصفقات، وفي الاستثمار وفي التراخيص، وفي منح العقارات، وفي بيع ممتلكات المجال العمومي ، إضافة لغياب المساءلة وضعف الهيئات الرقابية وعدم فاعليتها».
وأكد التقرير «أن الوضعية المعيشية لسكان موريتانيا تزداد سوءا، بفعل عوامل متعددة بينها التدهور المستمر للقدرة الشرائية للمواطنين وعدم قدرتهم على تحمل أعباء الظروف المعيشية الصعبة والارتفاع المذهل والمطرد للأسعار وإصرار السلطات على عدم خفض أسعار المحروقات».
وفي الجزء المتعلق بالحالة الاقتصادية، أكد التقرير «أن المعطيات تشير لتراجع المعدل المزعوم للنمو لهذا العام حيث من المتوقع أن تصل نسبته 4.1في المئة وفق توقعات صندوق النقد الدولي، وينضاف لذلك لزيادة الديون الخارجية التي وصلت إلى 93% من الناتج المحلي الخام، وهي نسبة من أكبر معدلات الاستدانة على مستوى القارة الإفريقية».
« فرغم توفر البلاد على مقدرات هائلة، وطفرة اقتصادية في السنوات الأخيرة مكّنت الحكومة من الحصول على موارد كبيرة، يضيف التقرير، لا يزال الوضع المعيشي صعبا والفقر يضرب بأطنابه أكثر من ثلث السكّان، كما تنتشر البطالة خصوصا بين الشباب ذوي المؤهلات العلمية، وتزداد وضعية التعليم سوء، ويتواصل تدهور الخدمات الصحية، إضافة إلى غياب شبه تام لمختلف الخدمات في الوسط الريفي وشبه الحضري وانهيارها في الحضر».
وفي المجال الأمني ذكر التقرير «أن سكّان المدن الموريتانية يعانون من غياب للأمن الحضري وانتشار العمليات الإجرامية في ظل ضعف القوى الأمنية وفشلها في انتهاج سياسية أمنية ردعية تمنع قيام الجريمة، وتوفر الأمن والسكينة للمجتمع رغم التبجح بالإنفاق الكبير في هذا المجال.»
وتم إنشاء مؤسسة المعارضة الديمقراطية في موريتانيا عام 2006، ويضم مجلسها قوى المعارضة الممثلة في البرلمان.
وتشكل مؤسسة المعارضة الديموقراطية، التي يتولى الإسلاميون رئاسة مجلس إشرافها، إطارا سياسيا للتوازن بين الأغلبية والمعارضة، وينص قانونها على لقاءات منتظمة وتشاور دائم بين رئيسها ورئيس الجمهورية.
ويتمتع زعيم المعارضة بامتيازات مادية ومعنوية هامة، ويحتل رتبة وزير في النظام البروتوكولي الرسمي للدولة.
وأصدر مجلس الوزراء الموريتاني عام 2012 قانونا تنظيميا جديدا لمؤسسة المعارضة الديمقراطية في موريتانيا، ونص هذا القانون في الأساس على طريقة اختيار زعيم المعارضة الديمقراطية، ضمن التزام الحكومة بنتائج الحوار الوطني الذي جرى بين الأغلبية الحاكمة وبعض أحزاب المعارضة عام 2011.
واشترط القانون الجديد أن يكون زعيم المعارضة مجمعا عليه من طرف أحزاب المعارضة الممثلة في البرلمان، وأن يكون من حزب له أغلبية نواب المعارضة في البرلمان، كما اشترط القانون الجديد، في من يتولى زعامة المعارضة الديمقراطية، أن يكون منتخبا كنائب أو شيخ أو عمدة أو مستشار بلدي.
عبد الله مولود