نواكشوط – «القدس العربي»: أعلن الميثاق الوطني الموريتاني للتناوب السلمي على السلطة، أمس، عن «بدئه التحضير لمشاورات حول خارطة طريق لتنسيق وتوحيد جهود المعارضة للمراحل المقبلة من أجل فرض تناوب سلمي واحترام للدستور خلال الانتخابات المرتقبة».
ويضم الميثاق الذي بدأ نشاطاته في إبريل/ نيسان الماضي، مجموعة من الشيوخ والوزراء السابقين والإعلاميين والعسكريين المتقاعدين غير الناشطين في الأحزاب السياسية، تجمعهم معارضة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وحيّا الميثاق في وثيقة سياسية وزعها أمس «قرار المعارضة الموريتانية المتعلق بالمشاركة في الانتخابات المرتقبة، وعلى توجهها نحو التصدي لمحاولات النظام البقاء وحده في الساحة والسيطرة على كل خيوط اللعبة الديمقراطية ومآلاتها»، داعيًا « الطيف الموريتاني المعارض كافة للالتحاق بهذه الخطوة وتثمينها وتقويتها».
«كما ننبه إلى أن الوطن اليوم يدخل منعطفًا بالغ الخطورة، في ظل قيادة نظام يغمض عينيه عن إشارات المرور، ويصم أذنيه عن نصائح العقلاء، وهو ما يتجلى في القضاء على فصل السلطات، وتراجع دولة القانون والمؤسسات، والغياب التام للعدالة، (بقرينة عدم التعاطي مع الطعون القانونية التي تقدمت بها الجهات المخولة قانونيًا حول تعيين لجنة الانتخابات)، والاستمرار في تحضير انتخابات استعجالية بصفة أحادية وبضغط الآجال، بحيث لا تضمن مشاركة المواطنين كافة، ولا تضمن أي تنافسية حرة ولا حماية لإرادة الناخبين، لعدم إبعاد الإدارة والجيش والمال السياسي والمؤسسات العمومية عن التأثير على النتائج»، يقول قادة الميثاق.
وتضيف الوثيقة «أمام تخلي السلطات عن مسؤولياتها في مواجهة كارثة الجفاف، وسكوتها المذل على وضعية أهلنا في المناطق المنكوبة، فإننا في الميثاق الوطني للتناوب السلمي على السلطة، ندعو كافة المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ورجال الأعمال وكل الخيرين والشرفاء، إلى الإسراع في مساعدة الشعب الموريتاني لتجاوز هذه المحنة العصيبة».
وأكد قادة الميثاق «أن موريتانيا تشهد هذه الأيام مجاعة مخيفة هي الأخطر من نوعها منذ الاستقلال، شاملة مناطق من البلد إثر موجة جفاف ماحقة سلبت المواطنين ثروتهم الحيوانية والنباتية، خاصة النخيل، وتسببت في نضوب المصادر المائية وحولتهم إلى فقراء بائسين في كنف نظام لا يتألم لمآسي مواطنيه».
يضيف الميثاق «وإن أكثر ما يحز في النفس هو أن الدولة ظلت قادرة على تلافي الوضع، فهي تملك الوسائل اللازمة لذلك، كما أنها على دراية تامة بأن المنمين والفلاحين سيتضررون خلال السنة الجارية قبل سقوط الأمطار، كما دقت المنظمات الدولية والأحزاب الوطنية والصحافة ناقوس الخطر مطلع السنة الحالية، وحذرت من حدوث مثل هذه المجاعة».
وأضاف قادة ميثاق التناوب: «لكن أخطر ما في الأمر أن السلطة قامت بمخادعة الشعب، خاصة المنمين والفلاحين، بإعلانها عن إعداد خطة استعجالية لمواجهة الوضع من أربع مكونات هي: مكونة المواد الغذائية، ومكونة الأعلاف، ومكونة الصحة الحيوانية، ومكونة المياه، وكذا إعلانها رصد(41) مليار أوقية لهذه الخطة الاستعجالية، لكن هذه الخطة لم ينفذ منها واحد في المئة، بل قامت السلطات بالمضاربة في أسعار القمح من خلال شرائه من السوق، حيث تضاعفت أسعاره ورفعت عليه التعرفة الجمركية بعدما وصل الحدود، وعلى بعض المواد الغذائية الأخرى، وتركت المنمين في انتظار علف غير موجود أصلاً، فلا هي وفرت مياه الشرب، ولا هي وفرت فرص عمل للأسر في مواجهة الجفاف، ولا هي وزعت مواد غذائية مجانًا، ولا وجهت دعوة للمجتمع الدولي، ما يعني أن السلطة قد تخلت عن مسؤولياتها اتجاه الوطن والمواطنين بصفة كاملة في هذه المحنة. ومما عمق من ذلك أكثر، إغلاق المستشفيات العمومية شهرين من الزمن بسبب تعنت السلطة أمام الإضراب المشروع للأطباء في وقت كان من المتوقع زيادة الأمراض بسبب الجوع وسوء التغذية».
ويضيف قادة ميثاق التناوب: «ومن المفارقة أن السطلة بدلًا من تعبئة كل موارد الدولة لهذه الكارثة الوطنية، تلهت في تحضير القمة الأفريقية، حيث أظهرت فاعليتها وجديتها وقدرتها المالية وسخاءها في الإنفاق على التحضير لقمة أفريقية لا تملك لها بنية تحتية ولا يتوقع منها الخروج عن الروتين وليست ذات أولوية، وفي وقت عصيب بالنسبة لبلد مندرج ضمن الخمسة بلدان الأفقر في العالم».
وأضاف قادة الميثاق: «لقد كانت المسؤولية والوطنية تحتمان إرجاء هذه القمة إلى وقت آخر، لكن محمد ولد عبد العزيز فضل الاستمرار في سلوكياته الغريبة في تسيير البلد وموارده، يحركه في ذلك ترف الدعاية وحب جمع المال والتربح على حساب خزينة شعب فقير، فبدلاً من حشد طاقات البلد لمواجهة هموم المواطنين قام بدفعه لعملية هي الأكثر عبثية في تاريخ البلد، وهي التعبئة للانتساب لحزب السلطة مستخدمة في ذلك كل وسائل الإغراء والضغط والنعرات القبيلة والأحاسيس البدائية، نتج عنه سباق غير معهود نحو الحزب وانقسام وتشظ أثّر على السكينة والتفاهم الاجتماعي، وصرف فيها الكثير من أموال الشعب الفقير المنكوب، ما عرقل العمل الحكومي لشهر وقسم الشعب إلى أحلاف متناحرة» .
وجاء تأسيس ميثاق الوطني للتناوب السلمي على السلطة ردة فعل على فشل التفاوض السري بين النظام والمعارضة الذي أعلن عنه في إبريل الماضي، والذي انعكس بخيبة كبيرة على الرأي العام الموريتاني.
ويرى مؤسسو ميثاق التناوب وفقا لما ورد في بيانهم التأسيس «أن موريتانيا تتجه إلى وضع غير محسوب العواقب بفعل نهج قيادته الحالية، حيث أخضعت على مدى عشر سنوات لسياسةٍ ارتجالية قصيرة البصيرة والأهداف، كبدت البلد أضرارًا جسيمة بالنسبة للإدارة والاقتصاد والمجتمع، ففقدت الإدارة سمتها الرئيسية من معيارية واستمرارية، كما لم يستفد البلد من الفرص المتأتية من الطفرة في سوق المعادن بين عامي 2008م و 2014م، وهي الطفرة التي تم استثمار عائداتها في مشاريع دعائية، غير ذات أولوية وقليلة المردودية بالنسبة للاقتصاد والمجتمع، وكذلك في تشييد امبراطورية شخصية واسعة تجارية وخدمية محسوبة للرئيس، مع الإقصاء الممنهج والصريح لرجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، ما أثر سلبًا على جو المنافسة ومناخ الأعمال».