دمشق – «القدس العربي» : بينما قُتل مدنيان وأصيب 24 آخرون بجروح، أمس، في غارات جوية شنتها مقاتلات للنظام السوري على مناطق سكنية في محافظة إدلب (شمال) رغم كون إدلب إحدى مناطق خفض التوتر. دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان له أمس، لإجراء تحقيق في الغارات الجوية التي استهدفت محافظة إدلب شمال غربي سوريا، فيما أكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأممية مقتل 45 مدنياً بسبب الهجمات الأخيرة على إدلب. تزامناً بدت روسيا وكأنها تضغط علـى أنقرة بدماء السوريين لفك تقاربها مع واشنـطن في سوريا وتهـدد بنسـف مفاوضات «أستانة».
وحسب البيان فإن «الأمين العام للأمم دعا لإجراء تحقيق شامل بكل الهجمات وعلى وجه الخصوص الادعاء بأن هناك ضربة ثانية على خدمات الطوارئ التي وصلت إلى مكان الحادث لتحديد المتورطين».
وكانت المقاتلات الحربية السورية والروسية، شنت الأحد، هجمات جوية عدة طالت مدناً وبلدات عدة، وقتلت 25 مدنياً، وذلك بعد أيام من مجزرة ارتكبتها مقاتلة روسية في بلدة «زردنا» بريف إدلب، الخميس الفائت، راح ضحيتها 45 مدنياً، بينهم أطفال ونساء، في حين نفت الدفاع الروسية، مشاركة المقاتلات الروسية بالمجزرة، متهمة المعارضة السورية المسلحة بالوقوف وراءها، جراء اقتتالها الداخلي.
نسف أستانة
في حين دعا منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا القوى الكبرى «بانوس مومسيس» للتوسط من أجل التوصل إلى تسوية عبر التفاوض لإنهاء الحرب وتجنب إراقة الدماء في إدلب. وقال في إفادة صحافية في جنيف، يوم أمس الإثنين، «نحن قلقون من نزوح 2.5 مليون شخص صوب تركيا… ليس هناك مكان آخر ينتقلون إليه في سوريا».
من جانبه، قال المتحدث العسكري الرسمي باسم قاعدة حميميم العسكرية الروسية «أليكسندر إيفانوف» أمس: «القوات الروسية ملتزمة باتفاقية خفض التصعيد المبرمة في مقاطعة إدلب السورية، مع التأكيد على أن محاربة تنظيم جبهة النصرة الإرهابية لا يخالف بنود الاتفاق، كما أن معظم الضحايا المدنيين الذين سقطوا في المقاطعة المذكورة كانوا نتيجة الصراعات العسكرية بين التنظيمات الإرهابية المتواجدة هنالك».
القيادي في المعارضة السورية «مصطفى سيجري»، رأى أن «الهجمات الإرهابية الروسية» على إدلب سببها إتفاق منبج، وبدء العمل في خارطة الطريق، وهذا التقارب التركي- الأمريكي، يعتبر تهديدا حقيقيا لمشروع روسيا الإجرامي ويضر في مصالحها.
وتحاول روسيا أن ترسل رسائل للحلفاء الأتراك بأنها تمتلك أوراقاً للتصعيد، وانها ستنقلب على اتفاق أستانة رغم تصريحاتها المراوغة التي عبرت عن «استمرارها والتزامها بالاتفاق، والظهور بمظهر الراضي عن عودة الأمريكيين إلى الملف السوري وبتوافق وتفاهم مع الاتراك». مضيفاً ان الموقف من روسيا كدولة احتلال وواجب المقاومة، مبدأ ثابت لن يتغير، لافتاً إلى ان المعارضة ستعمل على بناء تحالف حقيقي وراسخ مع واشنطن.
«الخاصرة الأضعف»
المحلل العسكري والاستراتيجي، العقيد خالد المطلق، قال لـ «القدس العربي»: التصعيد العسكري المتعمد من قبل النظام السوري وروسيا، على محافظة إدلب في الشمال السوري، لا تتعلق أسبابه بالثورة أو التشكيلات العسكرية في إدلب، بل هو رسائل من موسكو لأنقرة عبر أشلاء المدنيين السوريين، رداً على الاتفاق الأخير المبرم بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية حول «منبج» في ريف حلب، والذي يعد مؤشراً على التقارب بينهما.
حالياً، وفق العقيد «المطلق»، فإن لا قوات النظام السوري ولا تشكيلات المعارضة، باتت ذات قوة أو تأثير فعال على الأرض، وكلاهما بات الحلقة الأضعف في المشهد، كلاهما بات كبنادق مأجورة، الأسد بيد الروس والإيرانيين، والمعارضة بيد الأتراك والأردنيين، والتصعيد الأخير على إدلب هو ضغط عسكري على مناطق تحت النفوذ التركي، بهدف ردعها عن أي تقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح سيجري لـ «القدس العربي» ان تركيا تبذل جهوداً من أجل وقف الهجمات الروسية والجرائم المرتكبة بحق السوريين، إلا أن الواقع في سوريا دخل مرحلة جديدة من التعقيد. إذ تتعرض أنقرة لحرب شاملة على الصعد كافة، ويراد لسوريا أن تكون الخاصرة الأضعف ومصدر الإرهاب والمشاكل والتهديد للأمن القومي التركي، حسب رؤية المتحدث الذي لفت إلى ان ما يحدث من مجازر سببه العبث الروسي والإرهاب الإيراني.
التنديد بالمجازر المرتكبة من قبل روسيا والنظام السوري في الشمال السوري، وفق القيادي في المعارضة السورية سيجري «حدث غير كافي، ولم يعد مقبول من القوى السياسية المعارضة، وخصوصآ في ظل الفشل الواضح من الأداء السياسي، وقد أصبحت هذه الأجسام وعلى رأسها الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عبئ على الثورة مع إستمرار حالة الموت السريري، وعدم نجاحها في إحداث تغيير أو بناء تحالفات حقيقية مع القوى الدولية والإقليمية بما يضمن تحقيق مصالح الشعب السوري».
واتفق السياسي السوري، درويش خليفة مع الترجيحات التي قدمتها المعارضة المسلحة وخبراء استراتيجيون، للخلفية الحقيقية لهجمات إدلب الدامية، وقال «خليفة»: على ما يبدو الحملة الأخيرة على قرى وبلدات ريف ادلب رسالة موجهة إلى تركيا المعنية بمراقبة خفض التصعيد في قطاع إدلب الممتد من ريف حماه الشمالي حتى ريف حلب الغربي، وبدء تفاهمات امريكية تركية في الشمال الشرقي لسوريا والتي تعتبر منبج بوابة شرق الفرات في المنطقة.
والرسالة الأهم من خلال المجازر، مفادها، أنه من دون الروس لن يكون هناك أي استقرار في الجغرافيا السورية، وانها المعنية بفرض الاستقرار، وتسعى له شرط ابتعاد الاتراك عن الأميريكيين، وعليه نلاحظ بأن الحدود النهائية لمناطق النفوذ لم تكتمل بعد.
أما عن صمت الاتراك حيال الهجمات الأخيرة، فأعتقد الهدف عدم اغلاق ملف تل رفعت في ريف حلب الشمالي مع الروس والذي تتدخل إيران في مفاوضاته بسبب قرب البلدة من بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين، والاوراق في الشمال تختلط من جديد ومصير قطاع ادلب غير واضح، مستخدمة روسيا شماعة جبهة النصرة (هيئة فتح الشام)، لتبرر قصفها للمناطق هناك.
عضو الهيئة السياسية في الائتلاف «محمد يحيى مكتبي» قال لـ»القدس العربي»: دعنا نكون واضحين، مع الأسف، الكثير من الأوراق خرجت من أيدي السوريين، وباتت تصفيات الحسابات الدولية والإقليمية تجري في الساحة السورية، ورغم كل ذلك، نحن نقوم بواجباتنا بإيصال الرسائل المطلوبة، والتي يكون عنوانها الأساسي مصلحة الشعب السوري، ورفض العدوان، والجرائم التي ترتكب بحق المدنيين، تحت مسمى مكافحة الإرهاب.
ولمح القيادي في الائتلاف السوري، إلى بوادر تأسيس جيش وطني، يحمل على عاتقه مسؤولياته تجاه السوريين في الاستحقاقات المقبلة كافة، «وبالتالي ايجاد توأمة بين العملين السياسي والعسكري، علماً أن الأمور تتجه نحو الإخراجات السياسية، ونؤكد بأن هذا الأمر لن يكون على حساب مبادئ وأهداف الثورة، وتحقيق الحد الأدنى من الذي خرج السوريون لأجله».
تركيا قصرت في عدم تسليح المعارضة السورية بصواريخ ضد الطيران, والآن تدفع تركيا الثمن باهضاً بكثرة اللاجئين! ولا حول ولا قوة الا بالله