في مصر الآن مفارقة لافتة، فالرئيس السيسي غاضب، والشعب ـ أيضا ـ غاضب من الرئيس، وربما عليه.غضب الرئيس ظاهر، وقد ينفلت أحيانا على طريقة خطابه العام الأخير، وقد بدا كثير من ارتجالاته «قاتلة» سياسيا، وأثارت تعليقات ساخنة وربما ساخرة.
بعدها، وبعد رحلته الآسيوية إلى كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية، بدا الرئيس أكثر تحكما في غضبه وفي عباراته، وأعاد شرح إنجازاته في اتصال هاتفي مع قناة تلفزيونية، ووصفها بأنها تمت في عشرين شهرا، وهي تعادل إنجازات عشرين سنة.
وبعيدا عن أي مبالغات تفسد القصة كلها، فقد لا يصح لأحد أن ينكر إنجازات الرئيس، فقد صنع سياسة خارجية مختلفة، استقطعت من رصيد التبعية المذلة الموروثة للأمريكيين، وأضفت حيوية وتنوعا على حركة مصر الدولية، واستعادت جوانب مهمة من الاستقلال الوطني، وزادت قوة الجيش، وأضافت لصناعة السلاح الذاتية، وسحقت جماعات الإرهاب، واقتحمت المحظورات بالشروع في إنشاء محطة الضبعة النووية، وصنعت ورش عمل لا تكل ولا تهدأ، وبمعدلات إنجاز سريعة مضغوطة التكاليف عالية الجودة، بينها حفر وتوسيع قناة السويس، وتهيئة البنية الأساسية لمشروع تنمية هائل من حول قناة السويس، ومد شبكة طرق حديثة، ووضع حجر الزاوية في مشروع استصلاح طموح لمليون ونصف مليون فدان، وبناء مدن جديدة في غمضة عين، والالتفات بوعي لصناعة البتروكيماويات بالذات، إضافة لجهد منظم مركز في مجال توفير الطاقة بالذات، وبما أنهى مشكلة انقطاع الكهرباء التي دامت سنين، ووفرت وتوفر المدد الأساسي الذي لا يقوم نهوض صناعي بدونه، ناهيك ـ بالطبع ـ عن تشجيع الرئيس لقدوم استثمارات أجنبية متنوعة، وعقد اتفاقات ومذكرات تفاهم مع شركاء قادرين، وإن كانت الظروف المعاكسة لا تبدو مشجعة ومفيدة بما يكفي، فالاقتصاد الدولي كله في أزمة، ومعدلات النمو تنخفض عالميا، وأسعار البترول تنهار، وواشنطن تضغط لكبح مصر، وهو ما يؤثر بالطبيعة على حركة تدفق الاستثمارات.
إذن، فلا أحد يجادل في دأب الرئيس، ولا في جديته وإخلاصه، ولا في سعيه المرئي لأن «يبني ويعمر» كما يقول دائما، لكن إنجازات الرئيس ـ مع ذلك ـ لا تنقص من غضب الناس، ولا توفر حالة رضا والتفاف وحماس شعبي يأمله، وهو ما قد يصح أن يفكر فيه الرئيس مليا، وبهدوء أعصاب بعيدا عن انفلات الغضب، فقد وعد الرئيس قبل ولايته بتحسين أحوال المعيشة، بعد مرور عامين، وقد اقترب وقت انصرام العامين، وبدون أن يحس الناس بتحسن يذكر في الأحوال، بل زادت الظروف سوءا، وتحول الاقتصاد المصري إلى وضع كابوسي، زادت فيه أسعار السلع الأساسية على نحو جنوني، وتآكلت قيمة الأجور والدخول على هزالها، وتفاقمت أزمات البطالة والفقر والمرض، وصار خبر الصباح المعتاد هو قفزات الدولار وانهيارات الجنيه، إضافة لتفشي وتوحش الفساد، وتغول القمع الأمني، وتضاعف أعداد المحتجزين عشوائيا بالسجون، وتوالي الفضائح والجهالات، وما يبدو من صمت الرئيس عن هذا كله، وحرصه فقط على التذكير بإنجازات، يعلم الرئيس ـ قبل غيره ـ أنها تتم بهمة وكفاءة وانضباط قطاع وحيد في الدولة، هو الجيش، الذي أتى منه الرئيس، الذي يدير ويشرف على حركة المشروعات الكبرى، التي قد تدر دخلا لا يأتي في التو واللحظة، وقد تمر سنوات قبل أن تدنو الثمار، بينما الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي يحتاج إلى جراحة عاجلة، وإلى تعبئة شعبية يفتقدها الرئيس، الذي تتراجع شعبيته التي كانت فياضة، واستثمرها في اتخاذ «قرارات صعبة» بحق الفقراء والطبقات الوسطى، بينما جرى تدليل القلة المترفة، التي لا ترضى عن الرئيس رغم صمته عنها، ومحاباتها، وتريد أن تزلزل عرش السيسي، وتحاصره بشراء البرلمان، والاستعانة بأصدقائها ورجالها في وزارات الحكومة والجهاز الإداري الفاسد بالجملة.
والمحصلة، أن الرئيس ينجز، وهذا صحيح، وأنه يغضب لإنكار إنجازه، وهذا من حقه إنسانيا، لكن غضب الرئيس لا يمتص غضب الناس، وهذه هي المفارقة التي يصح للرئيس أن يتوقف عندها، وليس السبب فيها هو الإعلام على سوء أحواله، ولا الصورة التي يرسمها الإعلام المملوك غالبا للقلة المترفة، بل المشكلة في الأصل قبل الصورة، فثمة غياب شامل لمعنى السياسة عند الرئيس، وإحلال لفكرة المقاولة محل فكرة السياسة، وقد تكون فكرة المقاولة صحيحة ومفيدة في مقام الإنشاءات وشق الطرق وبناء المدن، وهو ما يتم فعلا في المقاولات وورش العمل الكبرى المنصوبة، التي قد تبني وتعمر، وتضيف أصولا، لكن غياب السياسة يحرم الأصول من الوصول، وليست السياسة هنا بمعنى الثرثرة ولا الخطب المنمقة، بل السياسة في كسب العقول والقلوب والمصالح الأوسع، السياسة في الانحياز للشعب، لا في مهادنة اللصوص والجلادين، ومشكلة الرئيس ـ فيما نظن ـ في سعيه للإنجاز بلا انحياز لغالبية الشعب، بل ـ ربما ـ بانحياز عملي للقلة المترفة، وليس الإنجاز عيبا بل ميزة، لكن غياب الانحياز الصحيح كارثة عظيمة، فهو يغلق آذان الناس وعيونهم وقلوبهم، ولا يجعلهم على استعداد لسماع كلمة عن إنجاز، والناس ـ أغلب الناس ـ لا يريدون هدايا ولا عطايا من أحد يا سيادة الرئيس، بل يريدون الحقوق، يريدون قسمة العدل في تحمل الأعباء، يريدون أن يؤخذ «من كل برغوت على قد دمه»، فلا يعقل أن تهوي المطارق دائما على رؤوس الفقراء والطبقات الوسطى، وأن تنتظرهم دائما قراراتك الصعبة والمؤلمة، ومن نوع خفض دعم الطاقة وزيادة أسعار السلع والخدمات، وجعل حياتهم جحيما لا يحتمل، وبدعوى بيع السلع والخدمات بسعر التكلفة أو بالسعر الدولي، وعلى النحو الذي يتحدث به الرئيس أحيانا، وإذا كنتم تريدون بيع السلع والخدمات بسعر التكلفة، فاجعلوا الإنسان المصري بسعر التكلفة أيضا، وضاعفوا الأجور عشر مرات على الأقل، وحتى تصبح الأجور في مقام مكافئ للمعنى الدولي، وقد تضاعفت الأجور مرات في قطاعات سيادية بعينها، لكن أجور الناس ـ في غير القطاعات المحظوظة ـ ظلت على هزالها، وأكلت معدلات التضخم الجامح قيمة زيادات طفيفة جرت عليها، وظل الفقراء والطبقات الوسطى على حال البؤس، وقد لا تملك الدولة موارد لزيادة الأجور الآن، فعجز الموازنة العامة مخيف، وأحوال الاقتصاد تترنح، وهو ما يعني ضرورة المراجعة في السياسة كلها، وقد استجاب الرئيس جزئيا، ولجأ ـ على ما يبدو ـ إلى تأجيل قراراته «الصعبة والمؤلمة» بحق أغلبية المصريين، فليس في كل مرة تسلم الجرة، وليس من فرصة لتكرار هدوء اجتماعي صاحب قرار الرئيس الأول بخفض دعم الطاقة، وكانت شعبية السيسي وقتها تحتمل، وهو ما لم يعد متاحا الآن، فالناس ـ من الآخر ـ «على آخرها»، و»يا روح ما بعدك روح»، وهو ما يلزم الرئيس بالبحث عن طريق آخر، وأن يصوغ سياسة أخرى تدعم أثر مقاولات ومباريات الإنجاز، وأن يخوض المعركة التي تجنبها في عشرين شهرا مرت على حكمه، التي يدعو الناس في نهايتها لمزيد من الصبر، وانتظار تساقط الثمار في العامين المقبلين، فالناس مستعدة للصبر والانتظار بشروط، أولها أن تكون عدالة توزيع الأعباء هي المعيار الحاكم، وأن تستعيد الدولة إيراداتها المنهوبة من أصول الداخل، التي قد تصل إلى ما يقارب التريليون جنيه، وقد تشكلت اللجان إثر اللجان، وبدون استرداد مليم واحد إلا فيما ندر، فلن تستعاد الحقوق بغير حركة تطهير شامل، وكنس عصابات الفساد المهيمنة على الحكم والإدارة العامة، وفرض نظام الضرائب التصاعدية، كما يجرى في كل الأمم الناهضة، وهو ما يعني مضاعفة الحد الأقصى لشرائح الضرائب، وجعلها بين أربعين وخمسين بالمئة على شريحة الدخول الأعلى، لا أن يجرى تخفيضها إلى 22.5٪ كما فعل السيسي، الذي ألغى الضريبة الاجتماعية وضرائب أرباح البورصة، وخضعت قراراته لابتزاز القلة المترفة من «رأسمالية المحاسيب»، التي تواصل ابتزازها الوقح على طريقة عرض «شعبة المستوردين» لرشوة الدولة بمبلغ 110 مليارات جنيه، أعلنوا في بيان رسمي أنهم مستعدون لدفعها بالتقسيط إلى «صندوق تحيا مصر»، مقابل إلغاء إجراءات محدودة لضبط وترشيد الاستيراد، بينما المطلوب تقييد الاستيراد وخفضه بشدة، وقصره على الضروريات لا الكماليات ولا الترفيات، وتقليص عجز الميزان التجاري الواصل إلى 50 مليار دولار سنويا، وإعادة تشغيل المصانع العامة، والتركيز على بناء المصانع ونشر المزارع، وصياغة اقتصاد إنتاج يوفر حق العمل لملايين العاطلين، ويولد فوائض سلع تضاعف طاقة التصدير، إضافة لتفكيك الاحتقان في السياسة دعما لنمو الاقتصاد، وإخلاء سبيل عشرات الآلاف من المحتجزين بالسجون في غير تهم العنف والإرهاب المباشر، وإطلاق الحريات العامة، وضبط التوازن بين الحاجة للأمن والحاجة للحرية.
ونعرف أن الرئيس ـ أي رئيس ـ لا يملك عصا موسى، ونحن لا نطالب الرئيس السيسي بالمستحيل، ولا بلبن العصفور، فقط نطالب بإجراءات عاجلة ذكرنا بعضها، وقد يكون الرئيس متأثرا بتنظيم الجيش الذي جاء منه، لكن تنظيم الدولة والمجتمع شيء آخر، وللرئيس الآن عشرون شهرا من الخبرة بالحكم، وصار يعرف مواضع الخلل والعفن بدقة، وقد آن له أن يفعل بما يضيف إلى إنجازه، وأن يبدأ أولا بتطهير بيت الدولة، لا أن يغضب كلما صادف انتقادا، فلا أحد بوسعه أن يوقف تيار النقد، لكنك وحدك ـ يا سيادة الرئيس ـ تملك سلطة القرار الآن، وقد آن لك أن تغضب لغضب الناس لا أن تزيد الغضب، فالكلمة اليوم صارت للناس لا الحراس.
٭ كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
العدل أساس الملك .. السيسي جآء بالزند لوزارة العدل فلم نري إلآ الظلم .. ؟ فهل هذآ لآ يغضب الشعب .؟؟؟؟
لو لم يكن له من أعمال سوى تفريطه في النيل , لكفاه ! و لاستحق عليه المحاكمة بتهمة الخيانة و التفريط بأمن مصر !
كنا نعتقد ان ام الدنيا ستكون اما لكافة المسلمين ولكل العرب وجميع الافارقة لكنها بحكم العسكر اصبحت ليست شيء يذكر اذ ليس الاقتصاد هو المطلب الوحيد للناس بل العدل والكرامة هو ماتطلبه هذه الامم
لا ادري يا سيد قنديل عندما اسمع عن السيسي او اشوفه علي التلفزيون يخطر في بالي باب زويلة!
نعم انت تنبات بالثورة طبعا اقصد الثورة ما غيرها 25
وتنبات بتولي الاخوان
وتنبات بسقوط الاخوان !
لو لم تتكلم أفضل مادام تمتنع عن قول الحقيقة