أعترف أنني لست من هواة كرة القدم الحقيقيين، وهذا لا يعني أنني لا أحب هذه الرياضة، فأنا نشأت في الاشرفية في بيروت، وكان ملعب «السلام»، الذي تحول لاحقاً إلى «مول»، يقع على مرمى حجر من منزلنا. حاولت في طفولتي أن أمارس اللعبة مع أقراني، لكنني لسبب أجهله كنت أصاب بالإعياء والسأم من ملاحقة الكرة طوال ساعة ونصف الساعة، وهذا قضى على مستقبلي الكروي، ومنعني من الالتحاق بفريق الدرجة الثالثة في «نادي السلام» كبعض أصدقائي.
لكن هذا الفشل المبكر لم يمنعني من الإدعاء بأنني أحب هذه اللعبة، وأنني من أنصار فريق «النجمة»، الذي شكّل ذاكرة رياضية لجيلنا، لكنني لم أذهب إلى الملاعب لتشجيع فريقي، بل كنت أكتفي بالتزريك لأقراني، عندما يفوز «النجمة» بالكأس.
حتى «المونديال» لم أحضره يوماً بشكل منتظم، بل كنت أكتفي بمتابعة مباريات نصف النهائي والنهائي، وأشعر بالحماسة من دون أن أدري لماذا.
لكن اكتشافي لكرة القدم حصل عام 1982، خلال الغزو الإسرائيلي للبنان. لقد أدهشني كيف تحوّل المونديال إلى الوسيلة الترفيهية الوحيدة في مدينة كانت تئن تحت القصف. ثم أخذتني حمى الفرح عندما انتشر خبر غير صحيح عن إهداء باولو روسي، نجم المنتخب الإيطالي، لكأس العالم الذي فازت به إيطاليا للفلسطينيين والمحاصرين في بيروت.
يومها قررت أخذ أمور اللعبة بجدية، حاولت أن أتابع مجريات اللعبة في العالم، لكنني فشلت، وأنا هنا أعترف بعجزي، فهذه الرياضة الشعبية التي تحولت إلى الرياضة الأولى في العالم، يجب أن تؤخذ بجدية. إذ لا يعقل أن يكون العالم في قاراته الخمس يتابع المباريات، وأكون أنا جاهلاً لا يستطيع أن يشجع أي فريق بشكل جدي.
مونديال 2018 كان مختلفاً، فبعد قراءتي قصيدة فاروق مردم بك الفيسبوكية التي يُعلن فيها تبنيه لمنتخبي البرازيل وفرنسا، قلت آن الأوان كي أدخل في أتون اللعبة، وأتبنى منتخباً وأتابعه بشغف.
والواقع أن السبب الحقيقي لاهتمامي بالمونديال هو محاولة الهرب من الحزن الذي يلفّنا، بسبب هذه الهاوية المخيفة التي تسقط فيها بلاد العرب. فصور الموت السوري تترافق مع الغطرسة الاسرائيلية في فلسطين، ومع جنون المستبدين في كل أنحاء المشرق العربي وإلى آخره…
قلت ربما تعطيني متابعة المونديال فسحة أهرب فيها من الأسى اليومي، وأستعيد شعوري بالانتماء العربي من جهة، وأتمتع بفنون كرة القدم، من جهة أخرى.
واقع هذه اللعبة الشعبية التي تحولت في طور العولمة إلى ميدان رأسمالي بامتياز، حيث تُنثر الملايين لشراء لاعب من هنا من أجل ضمه إلى فريق من هناك، جعلني أتردد، لكن الطقوس القومية التي ترافق المونديال: الأعلام والأناشيد الوطنية للفرق المشاركة، وإلى آخره… أقنعتني بالانحياز إلى الفرق العربية أولاً وخصوصا فرق مصر والمغرب وتونس، ثم إلى فرق الدول الفقيرة: نيجيريا والسنغال وفرق دول أمريكا الجنوبية.
وهنا بدأت الخيبة، فنجوم الفرق التي تنتمي إلى دول العالم الثالث، ليسوا فقراء، ولعل البرازيلي نيمار هو اللاعب الأغلى في العالم اليوم، أما انحيازي للمنتخبات العربية فقد أكد لي أن الحظ تخلى عني، فنحن لم «نستفتح» مرة واحدة، كما نقول بالعامية.
ووصل الاكتئاب إلى ذروته مع هزيمة مصر المروعة أمام روسيا، وأخيراً هزيمة تونس الساحقة أمام بلجيكا. هذا كي لا نتحدث عن الأهداف الخمسة النظيفة التي سجلها الروس في المرمى السعودي في المباراة الافتتاحية!
يا للخيبة، أربعة منتخبات عربية تخرج من الدور الأول، كأن فرقنا الوطنية ذهبت إلى موسكو كي تتلقى الأهداف.
أنا أعرف بالطبع أن تمثيل المنتخبات لبلادها ليس حقيقياً، إنه جزء من مسْرَحَة اللعبة، وبنيتها الافتراضية، كي يعطيها شكل متنفس للمشاعر القومية. فأغلب نجوم المنتخبات يمارسون اللعبة خارج بلادهم من المصري محمد صلاح إلى البرتغاني كريستيانو رونالدو إلى الارجنتيني ميسي، إلى آخره. فكرة القدم في زمن العولمة فقدت معناها القومي، حتى أساليب اللعب صارت متطابقة بفعل التدريب العقلاني، الذي حوّل الفرق إلى نسخ متشابهة، ما عدا بعض اللمحات التي يحاول النجوم صناعتها، من دون أن ينجحوا في الكثير من الأحيان.
رغم علمي بكل هذا لم أستطع أن لا أشعر بالعار وأنا أتفرج على السقوط. لا أدري كيف أقنعت نفسي بأن محمد صلاح، رغم إصابته يستطيع أن يقود المنتخب المصري إلى انتصارات تحفظ ماء وجهه ووجوهنا على الأقل، أو لماذا كنت متأكداً من أن المغاربة والتونسيين يستطيعون رفع نجمة شمالي إفريقيا ونجمتنا إلى الأعلى؟
المونديال بأسره هو وهم، إنه استعراض يتغطى باللغة القومية كي يستغل كل المكبوتات الجماهيرية، خلال شهر احتفالي، تلعلع فيه أصوات المعلقين، وتنتشر الحماسة موحية بمساواة وهمية بين الأمم.
ولمَ لا.
أليست مشاهدة مباراة تُركل فيها الكرة أفضل من مشاهدة الأقفاص التي سجن فيها ترامب أطفال المهاجرين؟
أليست مناقشة مباراة كروية أجدى من مماحكات السياسيين اللبنانيين التي تنضح تفاهة؟
أليس أي شيء أفضل من صور البؤس والعجز في حياتنا اليومية؟
للأسف كانت كل احتمالات تناسي واقعنا خاطئة، فجاءت هزائم المونديال نسخة عن هزائمنا، وخيباته امتداداً لخيباتنا.
لكن مهلاً، ففرص المتعة لم تنته، أو هذا ما أريد أن أقنع نفسي به.
ربما كان خروج المنتخبات العربية هو الوسيلة الوحيدة كي تخفّ عنا الضغوط المانعة للمتعة.
الآن نستطيع أن نتفرج من دون أي تورط في الحزن.
ولكن متعة كرة القدم تحتاج إلى أكثر من التفرج السلبي، فكي تندمج عليك أن تتماهى مع فريق. وهنا تكمن مشكلتي.
ومع ذلك لن أضيّع فرصة المتعة في المونديال، وعليّ أن أختار كي أتابع هذا الاستعراض المثير بشغف. ولم أتردد طويلاً فاخترت فريقين، الأول هو المنتخب البرتغالي الذي أدعمه من أجل كريستيانو رونالدو، فلقد تبرع هذا اللاعب الفذّ بجائزة «الحذاء الذهبي»، التي فاز بها عام 2012، وقيمتها مليون ونصف مليون يورو إلى أطفال غزة من أجل بناء المدارس، كما تبرع بسخاء عام 2016 من خلال منظمة «انقذوا الأطفال»، للأطفال في سوريا، مبدياً تعاطفاً عميقاً مع الشعبين السوري والفلسطيني. أما الفريق الثاني فقد اخترته من أجل نزار قباني وقصيدته «غرناطة»، فخلال أعوام المراهقة، أقنعنا هذا الشاعر السوري الكبير بأن الاسبان أحفادنا، ورغم رومانسية هذه القصيدة الملآى بالحنين، فإنها أعادتني إلى «جياد أمية»، وجعلت الخيار الاسباني هو الاستكمال المنطقي لخياري البرتغالي.
خياري المونديالي هو أندلس الذكرى، بعدما أضاعت المنتخبات العربية أندلس كرة القدم.
الياس خوري
هناك طُرفة تقول بأن الجامعة العربية إقترحت أن يكون وقت المباريات 89 دقيقة بدلاً عن 90 دقيقة حتى يتجنبوا أهداف آخر دقيقة! ولا حول ولا قوة الا بالله
الاستاذ الياس خوري المحترم.
لو تبرع اليوم اللاعب كريستيانو رونالدو بمبلغ مليون يورو لأجل مشروع خيري في اسرائيل فهل ستنقلب المحبة الى كراهية؟
تقول الحكمة التي تعلمناها ونحن صغار في المدارس الابتدائية بأن العقل السليم في الجسم السليم وتعني ان الرياضة بصورة عامة لها دور هام للجسم ،لكن الشاعر العراقي معروف الرصافي كتب قصيدة طويلة عن كرة القدم كانت موجودة في المنهج الدراسي للمدارس الابتدائية ونحن كنا حافظيها ، لكن بغض النظر عن كل شئ ،حملت لعبة كرة القدم لي شخصياً بعض الاحزان مثل ..كان لي اخ من ذوي القربي الشديدة لاعباً للكرة ممتاز فتعرض لاصابة ملاعب فقد بصرة كاملاً في الملعب ، لذا اتمني عدم استخدام الخشونة الزائدة في الملاعب…..لاحولة ولاقوة الاباللة…
في الرياضة لا مكان للشماتة ولكن افتتاح المونديال بخمسة ـ صفر من دولة تصرف المليارات من أدل تلميع صورة حاكمها الجدي
وذهب في زيارة لموسكو لمشاهدة فريقه في الافتتاح وآل شيخ يصول ويجول ويتبجح كان بمثابة خيبة أمل كبيرة وينم عن التردي الصارخ في الحالة العربية ليست الرياضية فحسب ولكن في كل مجالات الحياة. أما الفريق المصري فصراحة كان يستحق الفوز ومحمد صلاح ايقونة الكرة المصرية، وقد حزنت فعليا على خسارة الفريق التونسي خاصة وأني كنت أسمع على القنوات التونسية قبل المونديال أغنية ( دعائية) للمونديال على موسيقى روسية تقول: ” جايين اهو جايين ” اي انهم سيحققون انتصارات في موسكو ، لكنهم كانوا اول العائدين.. وكذلك الفريق المغربي..
ببساطة لا بد من الربيع العربي العام
اتفق معك فقط بالتقطة الاخيرة اخي سوري! لابد من ربيع عربي قادم والف ربيع عربي قادم ولن نهدأ ونستكين وستبقى ثائرين حتى نستعيد حريتنا وكرامتنا من هذة الانظمة القبيحة ان شاء الله.
رائع جميل استاذي الكريم
مع شكري الجزيل اخي الياس، انا ايضا لا اتابع كرة القدم الا لمعرفة ماذا يدور حولي ، لكني لا اخفي ابدا وهنا بيت القصيد متعتي الحزبنة بخروج الفرق العربية التي وصلت الى موسكو لانها تمثل حكوماتها ولاتمثل اوطانها وهكذا نوع من الفرق لايستخق الا ركلات كرة تلقم عسى ولعل تكون دواء لكي نستفيق من ليالينا السوداء. بالطبع انا لست سعيدا ولن اكون ابدا اذا نجح الفريق الروسي مثلا في تحقيق نجاحات قادمة، عذرا من الجميع انا استمتع بخسارة ممثلي الحكومات القبيحة مثلما لستمتع بنجاح الفرق التي تمثل وتلعب لوطنها وتم انتقاءها عاى هذا الاساس من الاساس. مع خالص محبتي وتحياتي للجميع.
لكي لا اتحيز لمراوغة الكلام , وسروري باختراق الاهداف لشباك عهرنا , اعترف ان منسوب الفرح زاد عندي حتى وصل الشطآن في المتوسط وكثبان العار في جزيرة الغيلان …نعم فرحت لهذه الخسارات العربية الرياضية (الكروية)وامتلئتُ غبطة وفرحًا ونشوى , كيف لا وحكومات هذه المنتخبات دون استثناء تتسابق في الوصول الى رضاء عدونا اللدود للارتماء في احضانه ليزداد هذا العدو بمآزرتهم تعنتًا وظلمًا واستعلاء وغطرسة والاجهاض لوجودنا وتاريخنا (نحن الفلسطينيون)
المنتخبات نسخة عن حكوماتهم ولا اقول شعوبهم هي نسخة مزيفة هزيلة , يعشش في خلايا اقدامها الاحباط , ويربك ايمانها بالانتصار الرهبة والخوف الذي يميز المخذولين المحبطين امثال اغلب الدول العربية …عندما يتمرد الشعب على حكم الظالم وينتصر للحق ساعتها ستأتي الانتصارات تلقائية وإلا …مبروك عليكم ذلكم يا عرب!!!
اذا كان لا بد من الاختيار بين المنتخبات في الانتصار فانا اوافق اخي الياس خوري فيما اختار وهو الفريق البرتغالي لوقوفه المشرف مع قائده رونالدو بمساندة قضيتنا العادلة ومساعدة اطفال فلسطين الجريحة..والمنتخب الثاني هو الارجنتيني لرفضه اللعب في مدينة القدس المحتلة ولتبقى وزيرة الرياضة (ميري ريجيف) بحيرتها وغيظها وبئس المصير …
عاشت البرتغال بشعبها ومنتخبها وعاشت الارجنتين بشعبها ومنتخبها وليموتوا بغيظهم المبغضون الخاسرون والسلام.
المونديال بالشكل الذي ينظم به …وبالطريقة التي يتم بها تسيير تفاصيله…هو عبارة عن عملية تكسب واسعة النطاق تتخذ من لعبة كرة القدم ميدانا او مجالا لها ..ولاعلاقة لها بالرياضة بمفهومها التربوي او الترفيهي…او التواصلي والحضاري…؛ ويكفي استعراض مجمل التفاصيل والمراحل التي يقطعها للتاكد من هذا المعطى الثابت…فلكي تنظم المونديال يجب كما كان في السابق شراء اصوات اعضاء اللجنة التنفيذية بالملايين…وبالعملة الصعبة…وفي المرحلة الحالية ينبغي استعمال لغة المال والعربدة والتهديد…كما حصل في الترشيح الثلاثي الترامبي الذي دفع ثمنه من تعود الدفع ….، واذا اردت ان تذهب بعيدا في المنافسة …فلا يكفي ان تكون ممتلكا لفريق قوي موهوب له امكانية جيدة…كما هو الشان مع المنتخب المغربي…ولكن من الضروري ان تكون لك قدرات اللعب في الكواليس وشراء ذمم الحكام…او على الاقل تجنب تنكيلهم وخسة قراراتهم….والا فانهم سيعلنون مشروعية هذف سجل وفق قوانين الريكبي…كما حصل مع البرتغال …او التعامي والتغاضي ولبس النضارات السوداء عندما يتعلق الامر بضربات الجزاء التي قد يراها حتى الاعمى…مثل ادب ابي العلاء..في قصيدته المشهورة..او اعلان مشروعية هدف من وراء حجاب بالشكل الذي تم التبرع به على اسبانيا…خشية من ان يتاهل المنتخب الايراني….!!! انها براغماتية البزنس…ونذالة السياسة….وربوية شايلوك…ودناءة النصب…اجتمعت كلها …فتمخضت عن مكاسب قارونية لسماسرة الرياضة ومستغليها…ولم تترك لاهلها…اي الجمهور واغلب اللاعبين…سوى الحسرة والنكد واستهلاك الرداءة المسوقة باحدث اساليب التحكم في الصور..وصنعها… ؛ والرحمة على من لعب الكرة…وشاهدها…وتفرج على فنونها…في الزمن الماضي …الذي تدل عليه كان واخواتها…!!!!.