مونديال 2022 وخضوع الرياضة للسياسة

حجم الخط
0

جاء الوقت الذي أصبحت فيه مقالات الرأي السياسية وحتى الرياضية تضمن انقسام قارئيها عليها، فالازمة السياسية التي تعصف في الخليج، لن تترك هامشاً للمنطق، بل اما تكون مع أو ضد، ولا مكان لبين البينين.
لكن هنا سأكون قدر الامكان منطقياً وواقعيا، وأسير على خطى أمير دولة الكويت، في محاولة فهم مستقبل اقامة نهائيات كأس العالم للمرة الاولى في دولة عربية. فبعد نشر تقرير المحقق الأميركي مايكل غارسيا من الفيفا، الذي أرغم على ذلك، بعد تسريب صحيفة «بيلد» الالمانية لمحتوى التقرير الأصلي البالغ 430 صفحة، فان كل ما نشر ويعتبر ادانة للملف القطري، سيمر مرور الكرام لسبب بسيط، أن ذكر أحداث مثل تحويل مبلغ لابنة مسؤول في الفيفا، ونقل مسؤولين في الاتحاد الدولي على متن طائرة «الخطوط القطرية» تابعة للاتحاد القطري الى البرازيل، والدور المريب الذي قام به مركز «أسباير» الرياضي، لا يؤكد لي سوى مدى فساد الفيفا تحت ادارة الرئيس السابق جوزيف بلاتر، الذي خلق بيئة خصبة لموظفيه في الاتحاد العالمي، لا يسمح بمنح الاستضافات للمسابقات التي يرعاها ولا حقوق بث مبارياته، الا عن طريق الهدايا والعطايا والهبات، والقطريون أبدعوا بكرمهم، وخصصوا ميزانية ضخمة جداً لضمان الحصول على استضافة المونديال، وعندما فعلوا صفق لهم الجميع وهللوا، حتى جيرانهم الذين يأخذون منهم موقفاً مغايراً اليوم. وعندما كتبت هذا الكلام قبل ثلاثة أعوام، وأكدت ان الحملة التي كانت تشنها صحيفة «ذا تايمز» البريطانية بنشر ملايين الوثائق، كان هدفها ليس قطر، بل الاطاحة برأس الثعبان بلاتر وزمرته وحاشيته، الذين جعلوا من هذا الأسلوب (الهبات والرشاوى) الوسيلة الوحيدة للحصول على مطالبك، وفعلاً دفع الثمن العشرات، بل المئات، من مسؤولي الفيفا ما بين سجين وتحت المحاكمة او الخزي والابعاد.
طبعاً الفكرة كانت تنظيف الفيفا بقلع جذور فساده، وعفا الله عما سلف، واما ستعود العجلة الى الخلف وسنجد أن دولاً عملاقة متورطة أيضاً بالفساد عبر استضافتها مونديالات سابقة، مثل ايطاليا 1990 والولايات المتحدة 1994 وفرنسا 1998 وألمانيا 2006 وجنوب افريقيا 2010، والتي وردت أسماؤها في محاضر اعترافات مسؤولين فاسدين سابقين، أي باختصار، كل المونديالات التي اجريت عقب تولي رأس الفساد بلاتر رئاسة الفيفا.
الآن ماذا يمكن أن يحدث لمونديالي روسيا 2018 وقطر 2022؟ طبعاً بالنسبة لمونديال روسيا أصبح الوقت ضيقاً جداً للتفكير في سحب الاستضافة من موسكو، لانه يصعب ايجاد بديل بعد أقل من عام على بدء النهائيات، وهناك منتخبات عدة حددت أماكن اقامتها ومعسكراتها في المدن الروسية استعدادا للصيف المقبل، رغم أن الكثيرين من الساسة الأوروبيين يتمنون سحب الاستضافة وربطها بفضائح المنشطات التي تنهش الرياضة الروسية في كل الألعاب، لكن مع ذلك فان الوقت وآلية الضغط والامنيات لن تسعفهم على تحقيق هدفهم.
لكن في المقابل، ومع تبقي خمس سنوات على اقامة المونديال القطري، فان الناقمين سيسعون الآن الى استغلال كل ورقة وخبر للضغط على الفيفا لسحب الاستضافة، رغم ان الفيفا والاتحاد الآسيوي للعبة، أبديا دعمهما لاقامة المونديال مثلما هو مخطط له في قطر. لكن لن نتفاجأ اذا بدأنا نرى تحركات مكثفة، تبدأ في الصحافة الأوروبية ومن كتاب مرموقين يطالبون باعادة النظر في الأمر، بل أن الخشية الحقيقية، هي أن تأتي من روابط الدوريات الأوروبية الكبرى في انكلترا واسبانيا وايطاليا والمانيا، التي سترى أنها أكبر المتضررين من نقل المونديال من أسابيع الصيف الى الشتاء، حيث تكون منافسات الدوري فيها في منتصفها، وان أي تغيير سيهدم برامجها على مدى 4 مواسم (اثنان قبل المونديال واثنان بعد)، بل أن شركاءهم التجاريين والرعاة وناقلي البث التليفزيوني سيطالبون بتفسير لهذه التغييرات، بل بتعويضات كبيرة، ما يضع روابط الدوريات في مأزق، ما قد يقودهم، بايعاز من الحاقدين، بطلب تغيير موعد المونديال الى الصيف، ما يعني سحب الاستضاقة. هذا قبل حتى الحديث عن كأس القارات التي تسبق المونديال بعام وتقام عادة في البلد المستضيف للمونديال!

مونديال 2022 وخضوع الرياضة للسياسة

خلدون الشيخ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية