موهوب بالرسم ويشبه كبار الانطباعيين في التنقيط: علي طليس مُكرم في وزارة الثقافة وسفير «الجمعية اللبنانية للتوحد»

حجم الخط
0

بيروت ـ «القدس العربي»: إنها المفارقات المذهلة ايجاباً وسلباً في المشهد اللبناني. المهرجانات الصيفية بالعشرات، تعمُّ المناطق بما فيها بيروت، وأطنان النفايات تتكدس في شوارع العاصمة وضواحيها. الوجه الآخر المختلف في المشهد اللبناني كان في وزارة الثقافة في بداية الاسبوع الماضي. الوزير روني عريجي قدم ميدالية تقدير لموهبة الشاب علي طليس ابن ال24 ربيعاً في الفن التشكيلي. المختصون بعالم الفن شبهوا موهبته بفان غوغ، نظراً لدقة وجمالية التعبير عبر التنقيط في رسوماته. علي كاد يطير فرحاً خلال وجوده في وزارة الثقافة. وهو ترك الدموع تترقرق في العيون عندما خاطب الوزير مقدماً له لوحته. كان أكثر سعادة وهو يلتقط الصور ويشرح لوحته ونوعية اشجارها وسماءها الزرقاء. لوحة انجزت سنة 2014 تضم اشجاراً متنوعة، بقربها نهر وتظللها السماء كما وصفها علي.
لماذا علي؟ ولماذا الحديث عن موهبته الفنية الحقيقية وباعتراف الكثيرين؟ علي من اصحاب الاحتياجات الخاصة. ولد ومعه حالة توحد Autism. كبر في مقر الجمعية اللبنانية للتوحد ومدرستها نهاراً، وبرعاية ذويه في باقي الأيام. وجد العناية التي مكنته من التعبير عن ذاته. وكان لقاء الصدفة مع نقيبة الفنون التخطيطية والرسوم التعبيرية في لبنان ريتا صعب مكرزل. فنانة قرأت في دفتر علي موهبة تنبئ بولادة فنان كبير. بالسلام والتعارف مع علي عبر عن سعادته الكبيرة «الوزير عريجي سيقدم لي الميدالية اليوم». منذ ست سنوات وانا أرسم يقول بعد السؤال. ماذا ترسم؟ بدأت بال»بوانتييسم»، الباستيل والبوب آرت. من ساعدك؟ مدام ريتا مكرزل، مس رولا و»كلن». ما هي الألوان التي تحبها؟ هي الوان أكريليك منها الأحمر، الأخضر، الأصفر، الأبيض، الأزرق والأخضر. كم معرض فردي لك حتى الآن؟ الأول والثاني في غاليري مارك هاشم، الثالث في بيروت آرت فير، الرابع في أوتيل غراي والخامس في بيروت آرت فير. وجميعها كانت «كتير منيحة». هل ترسم وجوهاً؟ رسمت البابا والماما.
كان وزير الثقافة روني عريجي في غاية التأثر وهو يتلقى هدية علي بعد تقليده الميدالية. قبله علي بحب. قرأ عريجي في الميدالية «تقديراً لإرادة علي، جهوده وموهبته. علي قدم مثالاً لنا يقول بوجود طاقة كبرى لدى كل إنسان، علينا كمجتمع ودولة فقط البحث عنها وايجادها، وتنميتها». الميدالية تتدلى من عنق علي وهو يطير سعادة. قال للوزير: اشكرك معالي الوزير على التكريم، وعلى هذه الميدالية. اشكر الجميع فكلكم ساعدني كي أصبح فناناً ورساماً كبيراً. معالي الوزير بابا وماما وإخوتي فخورون بي، وأنا فخور بهذه الميدالية، وهي اغلى هدية في حياتي. شكراً من كل قلبي. وهذه لوحة رسمتها يمكنك تعليقها في الوزارة أو في منزلك». وكان رد الوزير: أعدك هذه اللوحة ستعلق في وزارة الثقافة.
وخلال التكريم كشف الوزير عريجي أنه تعرّف إلى موهبة علي عندما شاهد رسوماته في معرض حمل عنوان «لونها بتهون». وأكد على أهمية وجود العناصر المنتجة والمتفاعلة مع مجتمعها.
كيف اكتشفت مكرزل موهبة علي وصارت استاذته؟ تقول: من خلال عملي كمستشارة لشركة «ألفا تيليكوم» في المسؤولية الاجتماعية، حيث يتم التعاون مع ست مؤسسات تعمل في هذا الحقل ومن ضمنها الجمعية اللبنانية للتوحد. كنت في زيارة لمدرستهم بهدف بحث سبل التعاون، وهناك اكتشفت موهبة علي. كان علي يرسم على دفتر متوسط الحجم، ومن خلال ما شاهدته، كانت ضربة قلمه الجميلة ظاهرة، وتلوينه كان أجمل. وكان القرار بتنمية موهبته من قبل ألفا. وهو الآن بصدد معرضه المنفرد السادس. وهذا ما أكد قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة على الدمج الاجتماعي. نتعرف من مكرزل إلى تفاصيل ومميزات موهبة علي: موهبة كبيرة جداً في الألوان. كونه يعيش مع حالة التوحد، فهذا ساعده كثيراً على رسم «البوانتييسم» التنقيط، ولوقت طويل وبدون تعب. وعلى مدى ثلاثة اشهر كنت أزور علي يومياً لتعليمه وتطوير موهبته. موهبة علي تشبه مواهب الفنانين الانطباعيين فان غوغ، ومونيه ومانيه، فهو يمتلك موهبة تنقيط مميزة جداً.
في زيارة السيدة مكرزل للمدرسة الخاصة برعاية حالات التوحد ومنذ سنة 2010 تقول: اكتشفت لدى اقران علي مواهب في الموسيقى تلزمها رعاية. ومعارض الرسم التي يقيمها علي وتدر ارباحاً، يعود نصف ريعها للجمعية. وهذه الأموال ستخصص لمساعدة زملائه عبر استاذ للموسيقى ينمي مواهبهم.
احتفى علي بتسلم الميدالية بوجود والده، شقيقه وشقيقته وعمه الشاعر والناقد عبد الغني طليس. ريان اعتبرت وجود شقيقها علي بركة في عائلتهم. الاوقات التي يمضيها علي في المنزل بحسب شقيقته تتوزع بين مشاهدة التلفزيون وقليل من الرسم، زمن الرسم الأساسي يكون في المدرسة. تخبرنا ريان أن علي ومنذ طفولته كان يرسم على كل ورقة تقع بين يديه. وتؤكد على أهمية حضور السيدة مكرزل في اكتشاف موهبته وتطويرها. وتؤكد:»الفرق بين المعرض الأول والخامس لعلي ظاهر جداً». وتشير ريان إلى أهمية المدرسة التي تشرف عليها الجمعية اللبنانية للتوحد في حياة علي. في المدرسة يقع محترفه وفيها يبذل جهوداً كبرى قبيل أي معرض يستعد له. وفي المنزل الأجواء مهيأة له بالكامل. وكلما انجز عملاً يكون شغوفاً بالوقوف على رأي الجميع. تخبرنا ريان أن علي يتميز بذكاء لافت، وحالة التوحد لديه تظهر في الادراك العقلي، فهو أصغر من عمره. يحسن القراءة جيداً و»سيقرأ ما سيكتب عن تكريمه من قبل وزير الثقافة». تقول ريان: قبل أن نأتي إلى وزارة الثقافة كان علي في المنزل في حركة سعيدة للغاية، ونحن جميعنا فرحون معه. نحن نفتخر به وهو بركتنا.
مؤسسة الجمعية اللبنانية للتوحد أروى حلاوي تفصح لـ «القدس العربي» أن علي يقارب ابنها المتوحد الذي كان عاملاً أساسياً في تأسيس الجمعية. وهو من التلامذة الأوائل الذين شكلوا المدرسة الخاصة بالمتوحدين، كما أن ذويه من مؤسسي الجمعية. تقول حلاوي: نحن فخورون بعلي، وهو سفير جمعيتنا أينما حلّ. ونحن كجمعية نقدر عالياً خطوة وزير الثقافة. هو شخصياً عندما عاين موهبة علي قرر تكريمه بالميدالية ودون ايعاز من أي كان. نحن نعتز ونفتخر بعلي، وهو بدون شك يشكل رسالة لكل أهل لديهم ابن أو ابنة لديها حالة توحد. ولا شك أننا مع المثابرة والصبر قادرون على مساعدة هؤلاء الذين يحملون هذا المرض. علي بالنسبة لنا من الايجابيات والنجاحات في حياة جمعيتنا التي تأسست سنة 1999.
تشير حلاوي إلى ازدياد ملحوظ في عدد حالات التوحد في لبنان من دون وجود احصاءات رسمية، والعدد المعروف من قبل الجمعية يفوق الـ1000 حالة. وتوضح: في آخر تقرير عالمي عن المرض صدر في نيسان/ابريل 2014، أن كل 68 طفلا جديدا بينهم طفل لديه حالة توحد. في حين كانت الإحصاءات لسنة 2012 تشير أن طفلاً لديه توحد من بين كل 88 طفلاً. طبياً يقال أن السبب جيني، إنما للسبب البيئي أثره الكبير على الجنين في رحم والدته وهذا ما يزيد من حالات التوحد.

التعريف الطبي للتوحد بحسب مختص في طب الأطفال والطب النفسي الخاص بالأطفال: هو اضطراب خُلقي بالتواصل الشفهي، إذ يظهر تأخر في النطق، أو غرابة في المحادثة أو التواصل اللغوي. وكذلك اضطراب بالتواصل غير اللغوي أي بالإشارات وغيرها من طرق التواصل. وأيضاً اضطراب في السلوك الاجتماعي. اضطراب التواصل الشفهي والسلوك الاجتماعي مرتبطان أحدهما بالآخر مع بعض الاختلاف بينهما. وهناك سمات مترافقة مع اضطراب التواصل والسلوك الاجتماعي، وهو يتمثل بالتعلق بالأشياء المألوفة، والإصابة بحالة تعصيب عند أي تغير بالبيئة والمحيط. ويمكن أن تكون لدى المتوحد اضطرابات في النوم والطعام. اهتمامات المصابين بالتوحد محدودة، روتينية ومتكررة. فليس لديهم خيال ولا تنوع بالأنشطة. إذا هناك السمات الأساسية والسمات المرافقة للاضطراب.
تمّ اكتشاف حالة التوحد لأول مرة سنة 1943. يسمى التوحد حالة اضطراب، ولا يطلق عليه تعريف مرض. وعلاجه سلوكي.

زهرة مرعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية