يسهل تفهّم الفرح الذي تملّك العديدين عندما وصلهم نبأ قصف الولايات المتحدة لقاعدة الشعيرات الجوّية صباح السابع من الشهر الجاري. فإن حالة الإحباط واليأس التي سادت أوساط السوريين المناهضين لنظام آل الأسد ومن يتعاطف مع قضيتهم، من شأنها أن تولّد مثل ذلك الشعور مثلما يتعلّق الإنسان الذي يغرق بحبال الهواء، كما يُقال بمجاز جميل.
لكنّ الحقيقة المُرّة سريعاً ما فرضت نفسها: كانت تلك الضربة محدودة جداً وغير رادعة، وتشير كل الدلائل إلى أن خطّتها قد وُضعت بالأصل قبل أربع سنوات، عندما تخطّى النظام السوري على نطاق واسع «الخط الأحمر» الذي كان باراك أوباما قد رسمه أمامه.
ومن المعلوم أن ذلك «الخط الأحمر» كان في منتهى الخُبث والتمييز العنصري، إذ أن حظر استخدام السلاح الكيماوي نبع من همّ واحد وحيد هو أمن وسلامة دولة إسرائيل التي تخشى أن يلوّث استخدام ذلك السلاح أجواءها. ولم يمتّ حظر الكيماوي بصلة إلى أدنى حرص على سلامة الشعب السوري، بل رأى آل الأسد وحلفاؤهم في «الخط الأحمر» ضوءً أخضر لتقتيل السوريين بشتى أنواع الأسلحة «التقليدية»، بما فيها الأكثر همجية على طراز البراميل المتفجّرة.
وبصرف النظر عن ذلك النفاق المكشوف، فإن إدارة أوباما، تمشّياً مع الجبن الشديد الذي ميّز رئيسها (وهو الذي كان قد خاض حملته الانتخابية تحت شعار الجرأة: «أجل، نستطيع»)، كانت قد سارعت إلى تخفيض نبرة تهديدها بعد أن استفزّها النظام السوري. وقد بلغ الدرك الأسفل في ذلك وزير خارجية أوباما، جون كيري، عندما صرّح بأن الضربة التي كانت واشنطن تعدّ لها سوف تكون «محدودة جداً من حيث الحجم والهدف والمدّة»، بل «صغيرة بما لا يُصدّق» («unbelievably small»)! وقد علّق أحد الصحافيين ألأمريكيين على ذلك التصريح متهكّماً: «إنها لطريقةٌ غير معتادة لغرس الخوف في نفوس الأعداء: وعدٌهم بحرب صغيرة بما لا يُصدّق».
ويبدو أن تلك الضربة «الصغيرة بما لا يُصدّق» هي التي نفذّتها القوات البحرية الأمريكية قبل أيام. ففي تصريح أدلى به إثر الضربة، تعجّب الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية من محدودية نتائج الضربة، إذ أن 23 فقط من أصل 59 صاروخاً جوّالاً تمّ قصف القاعدة الجوّية بها أصابت الهدف بينما ضاعت الصواريخ الأخرى في البادية المجاورة.
وقال المتحدّث «إنه من الواضح اليوم أن ضربة الصواريخ الجوّالة الأمريكية جرى التخطيط لها قبل الحدث الأخير بوقت طويل»، بينما كان يقتضي أمرها أن يُصار إلى كشف جديد للموقع وإلى إعداد مجدّد لسُبُل الصواريخ. والحقيقة أن تدمير ثلاث طائرات للقوات الجوّية السورية بواسطة ستّين صاروخ توماهوك تعني عشرين صاروخاً لكل طائرة بكلفة تناهز مليوني دولار للصاروخ الواحد، أي ما يناهز أربعين مليون دولار لتدمير كل طائرة بينما سعر طائرة ميغ ـ 23 يتراوح بين أربعة وستة ملايين دولار…
والأهم من كل ما سبق ذكره أن الغاية الفعلية من الضربة التي قرّرها دونالد ترامب قبل تناوله العشاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ لم تمتّ بصلة هي أيضاً إلى أدنى حرص على سلامة الشعب السوري.
ويحتاج المرء إلى درجة عليا من السذاجة كي يصدّق زعم ترامب أن ما حداه على اتخاذ قراره هو مشهد «الأطفال الرُضُع الجملاء» (beautiful babies) ضحايا الاعتداء الكيماوي، وكأنها المرة الأولى التي يرى فيها صور أطفال رُضُع سوريين جملاء ضحايا همجية النظام السوري ومن لفّ لفّه. وقد تساءل أحد المعلّقين الأمريكيين بحكمة لماذا منع ترامب دخول أطفال سوريا الرُضُع الجملاء إلى بلاده إن كان غيوراً على سلامتهم مثلما ادّعى.
كانت لضربة ترامب في الواقع أكثر من غاية لا علاقة لأي منها بالأطفال الرُضُع. كانت غايتها الأولى صرف الأنظار عن تفاقم فضائح إدارته وتبديد الشبهات الخاصة بعلاقات جماعته المشبوهة بروسيا.
وكانت غايتها الثانية، والأهم على الأرجح، إثبات استعداده على استعمال القوة منفرداً وبشكل مباغت أمام ضيفه الصيني لحثّه على الضغط بقوة على نظام كوريا الشمالية كي يكفّ عن تطوير صواريخ عابرة للقارات من شأنها أن تشكّل تهديداً للأمن الأمريكي. وقد تكون غايتها الثالثة من وحي سياسة «التصعيد من أجل التخفيض»، وهو الشعار الذي لخّص به أحد محرّري صحيفة «واشنطن بوست» سياسة ترامب الخارجية، وذلك في مقال نُشر قبل أيام من ضربة الشعيرات. وسوف نرى كيف تتجلّى تلك السياسة بعد صدور هذه المقالة التي تمّت كتابتها قبل وصول ريكس تيلرسون، وزير خارجية ترامب، إلى موسكو، وبالتالي قبل معرفة نتائج تلك الزيارة.
وتبقى المعادلة التي تحكم موقف إدارة ترامب من النزاع في سوريا قائمة على أولويتين، هما القضاء على داعش والحدّ من نفوذ إيران. أما كل ما تبقى، ولا سيما مصير بشّار الأسد الشخصي (وليس مصير أقاربه وجماعته المتربّعين على حكم سوريا والذين لا يذكرهم أحد)، فخاضعٌ للتفاوض في إطار الصفقة الكبرى التي ينوي ترامب التوصّل إليها مع موسكو. وأما الشعب السوري، وأطفاله الرُضُع الجملاء، فآخر هموم ترامب على الإطلاق.
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
جلبير الأشقر
الخليج من دفع قيمة هذه الصواريخ الأمريكية لأن الضربة تمت بطلب منهم !
ألم يطالب ترامب الخليج مراراً بدفع نفقات حمايتهم ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
كلامك صحيح سيدي على المستوى العسكري لان وخزة الدبوس هذه لن تؤلم جلد بشار ابن ابيه ابو المسالخ البشرية ” المتمسح” لكن سياسيا حركت الأمور وخاصة في اوربا والدول السبع، ونحن السوريين الغارقين تحت قصف الكيماوي والبراميل والفيل السكود والراجمات نتطلع لموقف قوي وثابت لتنحية هذا المجرم واعوانه عن حكم سورية، والمذنب الاول في جعل كل من هب ودب التدخل في سورية هي الانظمة العربية الفاعلة التي لم بقيت في صف المتفرجين والدول الاخرى المساندة وخاصة العراق التي ترسل لنا القتلة وسواها ممن يدعمون من ” تحت الطاولة”
الأستاذ جلبير، ليس لدى أحد منا أن الهجوم الأمريكي ليس انتقاماً للأطفال من ضحايا القصف الأسدي الهمجي ولكنها إرادة الله يسلط أقوام على أقوام وينتقم لأقوام من أقوام. أصلا ما يحدث في سوريا هو درس مليء بالعبر للعالمين، للسوريين وللنظام الأسدي، للقوى الدولية والإقليمية ، للضعفاء والأقوياء، للعرب والعجم. وفي النهاية يتعظ من يتعظ و ويعتو من يعتو، “وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ”.
يا استاذ يا اكاديمي حين تستخدم مصادر لتحليلاتك لا ينبغي ان تكون انتقائيا وتعتمد فقط على ما يؤيد وجهة نظرك المسبقة والمغلفة والمقولبة والمعدة سلفا وفقا لميولك الأيديولوجية والصحيفة التي تستكتبك. اشرت الى بيان المتحدث الروسي وتجاهلت تماما بيان وزير الدفاع الاميركي الذي ذكر بالارقام والصور حجم الخسائر التي لحقت بالمطار جراء الضربة ( 20 طائرة عدا الممرات والمدارج ومخازن الوقود والاسلحة الكيميائية). لهذا لن يتقدم العرب ابدا اذا كان امثالك من النخبة الاكاديمية التي تتنطع بالثقافة تفتقد لأبسط قواعد المهنية الصحافية: الأمانة والموضوعية.