في فيلم «إيكاروس»، الحائز على أوسكار أفضل فيلم وثائقي أخيراً، والذي يوثق فضيحة المنشطات الروسية، يلاحظ رودشينكوف، مدير الوكالة الروسية لمكافحة المنشطات، والشاهد الأبرز في هذا الملف، أنه بعد حصول روسيا على ثلاث عشرة ميدالية ذهبية في أولمبياد سوتشي (2014)، ما وضع روسيا في المركز الأول في جدول الميداليات في سوتشي، يلاحظ ارتفاع شعبية بوتين، بعد أن كانت في انخفاض مستمر. كان بوتين قد شنّ الحرب على أوكرانيا بعد أولمبياد سوتشي مباشرة، وهنا يقول رودشينكوف، وهو قد ساهم بالحصول عل تلك الميداليات بفضل حقن الرياضيين الروس بالمنشطات: «شعرت بذنب شخصي لحدوث ذلك. لو حصلت روسيا على عدد أقل من الميداليات لما كان بوتين عدائياً لهذه الدرجة».
كان هذا في أوكرانيا، حيث لم تبلغ المجزرة ما بلغته في غوطة دمشق الشرقية، ما الذي يجعل من بوتين عدوانياً ودموياً إلى هذا الحد في سوريا؟ أي ميداليات ذهبية حصل عليها؟
إنها زيارات السوريين المحمومة إلى قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري. حفلات موسيقية على مسرح مدينة تدمر التاريخية. صور السيلفي للموسيقيين أثناء تلك الرحلة التدمرية. قصيدة لشاعر سوري موقعة باسم «فلاديمير بوتين أبو عفش». صور بوتين المرفوعة إلى جانب بشار الأسد وحسن نصر الله «تحت سقف الوطن». منشور لشاعر فلسطيني يشكك فيه بأن المجزرة السورية ملفقة على يد ثلة فناني الفيديو كليب في مصر. مثقفون يبذلون جهداً عظيماً في إثبات زيف «الخوذ البيضاء» (الدفاع المدني العامل في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام)… الخ.
المجزرة لا يمكن أن تأتي فجأة، ودفعة واحدة. الرياضة، وأشياء أخرى كثيرة يمكن أن تكون ميداليات ذهبية تصبّ فوراً في قلب المجزرة.
التصويت للمجزرة
من قلب السفارة الروسية في العاصمة الفرنسية باريس نقلت عدسة كاميرا وحيدة (روسية على الأرجح) صورة الممثل الفرنسي (المواطن الروسي حسب الإعلام الروسي) جيرارد ديبارديو، مدلياً بصوته في الانتخابات الرئاسية الروسية الأخيرة.
لا شك أن صوتاً بهذا الحجم سيكون ممسرحاً ومرئياً لرادارات العالم ليصب في مصلحة صديقه المفضل بوتين، داعماً لما يعتبره الممثل الفرنسي «بلداً ديمقراطياً عظيماً».
تصرّف ليس غريباً على عادات ديبارديو، مثل صحبته لرئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو، الذي يحمل لقب «آخر ديكتاتور في أوروبا».
ورقة تصويت ديبارديو هي ميدالية ذهبية أخرى، تذهب فوراً لترجيح ضربات أشد عـدوانية ودمويـة في غـوطة دمشـق الشـرقية، وربما في سـواها.
الثورة الطفلة
مشاهد النزوح في الحروب هي الأقسى، إذ تبدو وكأنها الهدف النهائي للحرب، غالباً ما تكون بعد ضربات موجعة دموية، ومجازر وحشية هدفها الاقتلاع. غير أن من المستبعد أن يسجل التاريخ صور نزوح بفظاعة تلك المقبلة من غوطة دمشق الشرقية. كانت أقسى من الدم، أقسى من المجزرة. هذه الأخيرة مرعبة، مروّعة، أما مشاهد النزوح فلعلها تصيب ما هو أعمق من الخوف.
انظر وجوههم، ملابسهم الذابلة، التيه والرعب في العيون. انظر حال أطفالهم. الناس الذين خرجوا في العام 2011 إلى الشوارع بلافتة تقول «الموت ولا المذلة»، يتحمّلون اليوم المذلة كلها، خشية مزيد من المذلة. حسب القول الشهير لعلي بن أبي طالب: «الناس من خوف الذل في ذل».
في قلب مشاهد نزوح الغوطة هنالك صورتان للتاريخ، واحدة لطفل من الواضح أنه أجبر على حمل صورة بشار الأسد، يرفعها، ولكن كأن قلبه لا يساعده على رفعها، بل إن وجهه كان يشي بالرفض كلّه. والثانية هي فيديو لأب يقول للمراسل التلفزيوني الرسمي «هذه ابنتي. بابا قولي أنا حبيبة بنت بشار الأسد»، ترفض البنت فيظهر ذلك للكاميرا.
حبيبة، على ما يظهر، طفلة بعمر الثورة السورية، لم يستطع لسانها أن يخالف قلبها وعقلها، لم تتدرب على ذلك بعد، كما فعل ملايين السوريين خشية الذل، أو الموت، أو الاعتقال، أو التهجير.
السخرية من صرخة ماوكلي
لدى إطلالتها منذ شهور في برنامج «صاحبة السعادة» اختارت الممثلة السورية أمل حويجة، المعروفة بأداء العديد من شخصيات أفلام الكرتون، أن توجّه رسالتها الخاصة لإدانة قتل الأطفال في بلدها. أرادت أن تحمّل رسالتها لشخصيتها الأحب ماوكلي، فقالت بصوته «أنا غاضب منكم أيها البشر، وراغب من كل قلبي أن أعود إلى الغابة. أنتم تقتلون! أنتم لا تشبعون من القتل. أنتم تحبون الحروب وتسحقون الأطفال وأنتم تبتسمون! سأبكي لأجل أطفال سورية، لأجل أطفال العالم».
ثم تطلق الفنانة، وأيضاً على طريقة ماوكلي، صرختَها، صرخة يستحيل أن يصمد المرء أمامها من دون أن يتأثر. وكان أول من بدا عليه التأثر المذيعة التي تستضيفها، إسعاد يونس.
سكان الميديا تناقلوا صرخة حويجة/ ماوكلي الموجعة بغزارة آنذاك. لكن لا ندري كيف استفاقت أخيراً ثلاثة برامج تلفزيونية على تلك الصرخة، مع سخرية فاضحة من صرخة ماوكلي، من دون أي اعتبار للرسالة المؤثرة.
هذا ما ظهر في البرنامج التونسي «كلام الناس» مع المذيع علاء الشابي، إذ سخر، كما سخر ضيوفه، ومعهم جمهور الاستديو، مدعّمين ضحكهم بحجج غير مفهومة وكلام ثرثار. اللافت أن الفقرة التالية في البرنامج التونسي كانت لراقصة لبنانية ظهرت بلباس الرقص الشرقي المكشوف جداً. رقصت، وقالت «مين قال إنو الوزراء والنواب أشرف مني؟ أنا ما عم أسرق مصريات العالم. ولا عم بمشي ع دم الأطفال. أنا عم قدم رقصة ضد المخدرات. بتخيل أن فخامة الرئيس راح يكون فخور فيي إني قدمت بلدي لبنان».
لسنا بصدد نقاش كلام الراقصة وإطلالتها، ولعلها محقة تماماً فيما قالت، لكن كان لافتاً بحق الحديث عن «الرسالة»، والخطاب الراقي المتحضر، والتشدّق بالحديث عن شيزوفرينيا المجتمع العربي الذي يحب، حسب واحدة من الضيوف، الفرجة على الرقص الشرقي ويرفض في الوقت ذاته تبنّيه. غريب هذه البراعة في استنباط الرسائل من رقصة شبه عارية، والعجز عن التضامن مع صرخة متألمة تطالب العالم بالتوقف عن قتل أطفال سوريا.
هذا ما فعله أيضاً هشام حداد، المذيع اللبناني الأشد ابتذالاً، في برنامجه «لهون وبس»، حين سخر من فيديو وصرخة أمل حويجة من دون سياق أو سبب مفهوم. سخر وسخر معه موسيقيو الاستديو الببغائيون، الحاضرون لا كموسيقيين فحسب، بل كمطبّلين بكل معنى الكلمة.
ويأتي المذيع الأردني نيكولاس خوري في برنامج «السليط الإخباري» على منصة «الجزيرة بلس»كأنما على اتفاق مع البرنامجين المذكورين، حينما يسخر من بكاء أمل حويجة، وكذلك من ردة فعل المذيعة إسعاد يونس، المتأثرة بوضوح، مدعياً أنها إنما أمسكت نفسها عن الضحك، مؤكداً «أنا لو كنت محلها بفرط ضحك»!
يصعب أن تصدّق ما ترى وتسمع وأنت تشاهد «المتمسخرين» الثلاثة. هل يعقل أن تتفاوت استجابات البشر إلى هذا الحد؟ هل مقبول مثلاً أن يضحك المرء لمشهد جثة طفل؟! وأن يجري اعتبار ذلك وجهة نظر، أو مجرد ذوق، وطريقة خاصة في التلقي!
لكن هذا ما حدث بالفعل إثر أحداث ومجازر شهدناها على مرّ السنين الأخيرة. هؤلاء هـم إعلاميو المـجزرة. الجـرافة التي تسـبق، أو تغـطي مجـزرة.
كاتب فلسطيني سوري
راشد عيسى
من الألم يخرج الأمل
والشعب الذي ثار على الظلم لن يجبن طيلة حياته
فالثورات تندلع كما تندلع النار من تحت الرماد
ولا حول ولا قوة الا بالله
..الكثير من القنوات التونسية اصبحت مجرد ابواق للنظام السوري .وهذا للاسف يتم في تونس ما بعد الثورة!!!
يمكن القول أن الثورة المضادة تتقدم في تونس ولو ببطئ وبدأت تتصدر المشهد التونسي, للأسف طبعاً.
لقد شاهدت فيديو الطفلة التي بعمر الثورة السورية، وهي تقول مابدي بشار. لحظة صادقة ببراءة الأطفال أختصرت مشهد الخداع والكذب الذي يمارسة النظام السوري بكل قوة. لكن انتهى الأمر وهذه اللحظة فضحت الجريمة.