ميشال جبر: لا مشكلة لي مع المرأة والنص يعود لتشيخوف والواقع المعاش

حجم الخط
1

بيروت ـ «القدس العربي»: قد يظنّ المشاهد أن ثأراً يقيم فعلاً بين المسرحي ميشال جبر والنساء. فهو ما انفكّ في عرضه «بلا تحشيش» على خشبة مترو المدينة يسرد مزاياهنّ السيئة، حتى وصل إلى ما يشبه الخلاصة: «المرا بتحب صورة عنك ما بتحبك»؟ رغم تأكيده أن عرضه مقتبس عن نص لتشيخوف عنوانه «مضار التبغ» وبالتالي رمي عبء رُهاب المرأة على مسرحي راحل، إنما هذا لا يعفي جبر من المساءلة: لماذا كل هذا الغيض بحق النساء؟ ولماذا تبنى النص وأشتغل عليه؟
قدم جبر عرضاً هو كاتبه، مخرجه وممثله الوحيد في آن. الأستاذ في الجامعة اليسوعية اشتاق للمسرح، فقرر العودة إلى «بلا تحشيش» التي قدمها قبل ثلاث سنوات. عرض من نوع السيكودراما. للحظات يعتقد الدكتور «فدعوس» أنه تحرر من سلطة زوجته. تطير تلك اللحظات سريعاً، ويبقى أسير واقعه. إنها الكوميديا اللاذعة تتصدى لمشكلات إنسانية مقيمة لدى البعض، بدءاً من النساء المتيمات بالمظاهر، مروراً بالنقاد الذين يستسهلون تهشيم عمل فني، وصولاً إلى السياسيين الانتهازيين بكل تأكيد.
وحيداً وقف ميشال جبر على المسرح، الممثل جزء مندمج فيه. طرح الكثير من العناوين منها الحرية. ومعه تحولت الجامعة إلى «مدرسة هواة» وهو الأستاذ الجامعي. لا يتوانى عن الألفاظ غير المنمقة بالمعنى التهذيبي للكلمة. أو أن يؤدي وصلة في الصرف والنحو عن عائلة «المقيّر» وهي عائلة لبنانية بدأت تباعاً بالتخلي عن كنيتها واختيار بديل لها، منعاً للإحراج. الدكتور فدعوس أضحك بعض الحضور حتى الثمالة. وهو سيكرر حضوره على خشبة مترو المدينة مساء كل أربعاء. مسرحه يختصر الديكور. «ستاند» المحاضرين والميكروفون من جهة. وصندوق ملابس يتدلى فوقه قماش آسود من الجهة المقابلة. والدكتور فدعوس حاضر قليلاً، وغالباً زرع المكان مطلقاً تحليلاته وآرائه عن النساء. رغم الإقرار بأن النساء اللواتي تناولهن نماذج مقيتة موجودة بكثرة في مجتمعنا.
لفت في العرض المسرحي حجم الضحك الذي انتاب العديد من النساء الحاضرات، على «مزايا» النساء اللواتي كان الممثل بصددهنّ. نسأل الدكتور ميشال جبر «هل يقع الضحك في خانة النجاح في حساباتك الشخصية»؟ لا يوافق على الافتراض ويصف الأمر بـ «الإقرار بأن ما أحكيه موجود في المجتمع». ويضيف موضحاً: قد يكون الضحك نوعا من الإحراج. قد يكون ضحكاً هستيرياً، أو ضحكاً ناتجاً فعلاً عن تقبل هذا الواقع. هو إقرار بأن هذا النمط من النساء موجود وبدون تعميم. فالعرض المسرحي تناول أنماطاً بشرية، أو نماذج بشرية أصلية.
في العرض المسرحي لبس الممثل شخصية الدكتور فدعوس، ونظراً لذاك التصويب الحاد على المرأة كان ضرورياً أن نكون على بينة: هل هي مشكلات الدكتور فدعوس أو الدكتور ميشال جبر مع المرأة؟ «ليس لي مشكلة شخصية مع المرأة. احترمت جداً المرأة التي كانت في حياتي الخاصة. وأحترم جداً النساء اللواتي يتعاملن بواقعية مع ظروف الحياة». العرض مقتبس من نص لتشيخوف بعنوان «مضار التبغ». استعرت منه جملتين هما أني أب لسبع بنات ولدن جميعهن في اليوم الـ13. في نص تشيخوف الممثل يقدم محاضرة عن «مضار التبغ» ويستطرد في سرد مشكلاته مع زوجته. يأتي إلى المحاضرة ببزة عرسه، ومن ثم يثور عليها يخلعها ويدوسها انتقاماً. يعود لارتدائها، ويدخل مجدداً تحت جناحي زوجته. تشيخوف يجسد الإنسان المسحوق الضعيف، يدين تلك الظاهرة ويعطف على حاملها. تناولت الظاهرة نفسها. زوج يعيش مع زوجة مستبدة لها نشاط ثقافي لا يمت للصدق بصلة. مجتمع يعيش على الكذب. فدعوس يرفض الواقع، وفي النهاية يخضع للمساومة. وتكر سلسلة المساومات، فيلج لعبة حب الظهور الموجودة في المجتمع اللبناني.
الحياة القائمة من حولنا محكومة بسلطة ذكورية، في حين يستفيض الدكتور فدعوس في سرد تسلط النساء. كم هذا واقعي؟ في تفسير الدكتور جبر: الذكورية الظاهرة في العرض تفيد أننا حيال رجل شرقي يتسم بالكثير من الغباء، ويدخل في لعبة حب الظهور. هذا الرجل تحركه المرأة ببساطة لإتقانها فن اللعب على أحاسيسه. المهم ان تحافظ على صورته كذكر. تفسير من جبر يفضي للبحث في مقولته «المرأة لا تحبك بل تحب صورة عنك». وهنا يشرح: الصورة التي تظهِّرها المرأة عن الرجل، والتي تعمل لفرضها على الآخرين تنبع من مخيلتها، أكثر من توافق تلك الصورة مع شخصيتك كرجل. هذا يعني أن المرأة ترى نفسها في زوجها. هو التكاذب في حد ذاته. هو نموذج علاقة مبنية على الصورة.
لماذا ميشال جبر على المسرح ولماذا هذا النص؟ نظرت إلى المسارح القائمة. إلى ما يسمى «ستاند آب» كوميدي وكم التفاهة الذي تتضمنه. وهجوم المتفرجين، وقد يصل الرقم لـ50 ألفاً. وجدت ضرورة للغوص في ظواهر إنسانية، وفي موضوع نقدي هادف وشامل. كتبت ما هو قريب من «ستاند آب» كوميدي، لكني كنت مع «وان مان شو». قدمت نصاً قريباً من الناس، يتضمن موضوعات عدة. عندما قدمت عروضي العشرين قبل سنوات على مسرح بيريت، كان الحضور لا بأس. لكن عروضا أخرى تتسم بالتفاهة زحف إليها المتفرجون، وهذه كانت المفاجأة.
في مترو المدينة حيث المسرح ناجح وله جمهور يرتاده بأعداد كبيرة، يلعب جبر مرة في الأسبوع. مسرح مع طاولات. ليس في ذلك تنازل بحسب جبر. النص يتلاءم مع الظرف القائم. دائماً أكون مع موقف إنساني. ولا مانع في الذهاب إلى الناس إن هم لم يأتوا إليك. لو قدر لي لأدخلت اللهو إلى المسرح. «الفائدة في المتعة». شعار طرحه مايرهولد أؤيده بقوة. الدكتور فدعوس ترك لا وعيه ينساب، فهل الرجل حقيقة يحتاج لتحريك لا وعيه؟ يؤكد جبر أي محرك ينجح في ذلك، عند الحاجة للبوح. البوح واحد من عوامل الاستمرار. فللكبت قوة القتل. في المقلب الموازي يدافع جبر عن استرساله في شرح أصل وفصل عائلة المقيّر. نتهمه باستدراج الكلمة إلى النص، ويرى أنها احتلت مكانها. فالنص تهكمي. هو عنصر كوميدي دون خروج عن الآداب.
يؤكد جبر علاقته الوطيدة بنقاد المسرح. فلماذا «زكزكتهم» على الخشبة؟ الجواب: بعضهم لا يبذل جهداً. النقد المحترف كان مع الجيل السابق. الجيل الحالي من النقاد كارثة. تلامذة معاهد الفنون هم النقّاد العاملون في الصحف. اتهموني بكاره النساء، فيما النص لتشيخوف. ثمة نقد يمكن وصفة بتصفية حسابات. ولميشال جبر مع البشر المنفصمي الشخصية حساب آخر. إذ يقول: يطلقون على مواليدهم أسماء عربية. بعد حين يستفيقون «فيتفرنج» الاسم. أما الكارثة الأكبر فهي أن يكون الاسم للبناني «أكسيل وسيبال ويان وانزو» فيما اسم العائلة عربي «قح». نعم سميت ابنتي اسماً روسياً. درست في روسيا. اتقن لغتها. وأرتبط جداً بثقافتها. وهذا مبرري لاسم ابنتي الروسي.
ساعة وقليل، زمن «بلا تحشيش» احتشدت بكم من الموضوعات. لا يوافق على السؤال إن كان اقتنص فرصة الخشبة؟ يسرد أنه راقب ظواهر في المجتمع لا يحبها. لم يكن متاحاً أن يأتي بها جميعها إلى المسرح. «فأنا استاذ جامعي. كما وأبعدت السياسة». لجأ جبر إلى القناع. ليس مروره عابراً. القناع موجود في كوميديا دي لارتي، وفيها شخصية «الدوتوري». هو إيطالي ويدّعي الفهم الكلي. لا يكف عن الكلام. يخرجونه من المسرح فيدخل من باب آخر. هي كوميديا الأقنعة، والأنف فيها مستدير ومرفوع. في «بلا تحشيش» ذهب أحدهم لدراسة الطب في إيطاليا فعاد لحاماً. شخصية زادت من حجم الكوميديا. وأصرّ على امتلاك لقب «الدوتوري». وهو لا يعرف أن الاسم يعني الشخص المدّعي في تراث المسرح الايطالي. هي شخصية تدّعي الشطارة «إن ما نقشــت هــون بتنــقش بغير مطرح».
كم تحتاج للمسرح؟ وكم يحررك وإن للحظات؟ نعم هو حاجة. قد أحرق نفسي على المسرح حتى وإن كنت في عمر الـ64 سنة. أعيش المسرح حتى نهاياته. أردد لطلابي لا فرق بين الحياة والمسرح. الارتباط وثيق بين عالم المسرح والحياة. انها صلة الوصل التي يجب أن تستمر. أعني أن الصدق في الحياة يجب أن يستمر على المسرح.
ميشال جبر وحيد على المسرح لأنه حيال «ستاند آب» كوميدي. «لو وجدت ممثلاً يستطيع الذهاب من أقصى الكوميديا إلى أقصى التراجيديا لأعطيته الدور، رغم حبي للتمثيل. ربما تمكنت الممثلة من ذلك، إنما لدى الممثلين الذكور أحكام مسبقة وجمود». نسأله عن ليونة الجسد وكم هي متاحة مع وظيفة التعليم؟ الجواب من مايرهولد «علّم تتعلّم». التعليم يفرض الإرتجال ويرفض القولبة والأحكام المسبقة.
نسأله كأستاذ القراءة في عدد لابأس به من الأعمال المسرحية حققت النجاح ولأشهر في هذا الموسم؟ الجواب أن الجمهور المسرحي موجود. المختلف أن التسويق بات مطلوباً. وبعض الجمهور يحكم على المسرح برمته إن لم يعجبه عرض ما. من هنا ألوم النقاد المتعمدين التحطيم. نحن نناضل ليأتي الجمهور. وإن فقدناه من الصعب استرداده. الإنتاج غير متوفر والمخرج ينتج من لحمه الحي. مهمة الناقد تأريخ العمل، وليس البحث في سلبياته وإيجابياته.

زهرة مرعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عادل:

    مقال جميل لكنّي أحبّ أن أشير إلى خطإ لغوي بسيط يقع فيه الكثيرون: يُقال “واقع مَعِيشٌ”لا”مُعاش”، إذ لا وجود في العربيّة للمزيد”أعاش” وإنّما ” عاش”، واسم المفعول منه ” مَعِيش”. شكرا

إشترك في قائمتنا البريدية