ناصر أوجري: نولد ونعيش ونموت كومبارس في السينما كما في الواقع… الأضواء لم تخلق لنا

حجم الخط
0

ورززات – «القدس العربي»: ناصر أوجري، ليس صعبا العثور على بيته في قصبة تاوريرت التاريخية وسط ورززات، الكل يعرفه كأقدم كومبارس في المدينة التي تعرف عالميا بهووليود إفريقيا وبيته أضحى مزارا لأطقم القنوات العالمية التي تأتي لإستنطاق زوايا أمكنة المدينة التي احتضنت تصوير مئات الأفلام العالمية على مدار أزيد من نصف قرن. بكثير من الفخر يروي تفاصيل حكايته مع السينما وكبار مخرجي ونجوم العالم. فلقد كان القاسم المشترك لكل الأفلام التي صورت في المدينة بدون استثناء: لورنس العرب، جوهرة النيل، «جلادياتو»، سدوم وعمورة، بابل، مملكة الجنة، كوندون، عودة المومياء، الإغواء الأخير للمسيح، أستيريكس أند أوبيليكس…أكثر من 300 فيلم من درر السينما العالمية التي اختارت ورززات فضاء للتصوير وقف فيها الحاج ناصر أمام عدسات كبار مخرجي العالم كريدلي سكوت، مارتن سكورسيزي، أوليفر ستون.
عن البداية يقول لـ«القدس العربي» «ولدت سنة 1948 عشت طفولتي في الجبل وسنة حصول المغرب على الاستقلال جئنا لورززات. كنت أهرب من المدرسة وألتحق بالفرنسيين المقيمين في الفندق الوحيد في المدينة أنذاك حيث تعلمت لغتهم وثقافتهم، وفي يوم من سنة 1960 تصادف حضور فريق عمل فيلم «لورنس العرب» وعلى رأسهم المخرج «ديفيد لين» ثم اقتراحي بداية كمرافق لهم في جولة استكشافية للمنطقة بقصد تفقد أماكن التصوير وهناك كانت بداية ظهوري ككومبارس في الفيلم نفسه».
ولأن السينما الآن هي المصدر الإقتصادي الأول لسكان المدينة التي تضم أكثر من 4000 كومبارس من نساء ورجال ومئات التقنيين والعاملين في المهن السينمائية، يتذكر ناصر أياما كان يجد فيها المخرجون صعوبة في إقناع السكان بالمشاركة ككومبارس خصوصا النساء لعامل العيب و»الحشومة» «. «في لورنس العرب لم تعمل سوى المغربيات من ديانة يهودية من ساكنة القصور والقصبات العتيقة. ولم يبدأ الإقبال الحقيقي سوى مع بداية السبعينيات فكان الأمر أشبه بيقظة جماعية اقتنع فيها الجميع بالسينما كفرصة عمل ومصدر رزق خصوصا مع الإنتاجات الإيطالية الغزيرة حول سير الأنبياء التي تتطلب حشودا كبيرة من الكومبارس».
ناصر لم يستمر كثيرا ككومبارس، احتكاكه بكبار صناع الفن السابع ونجومه العالميين «أشربه حرفة التمثيل» بتعبيره «كنت مبهورا كيف تخشى عدسة الكاميرا النجوم العالميين وليس العكس، راقبت حركاتهم وسكناتهم وكنت أحاول تطوير نفسي وهكذا انتقلت من «كومبارس صامت» إلى «كومبارس ناطق» إلى «كومبارس خاص» وهذا الأخير لديه جمل حوارية ومشهد تمثيلي حقيقيا ووجوده ليس لمجرد تأثيت المشهد بوجهه».
يتذكر ناصر كيف بالفعل لفت انتباه المخرج باولو بازوليني سنة 1967 في فيلم «أوديب ملكا» فمنحه مشهدا كاملا ناطقا متحركا، وسنة 2006 جاءت فرصته الحقيقية على يد المخرج الإيطالي فرانسيسكو فالاشي في دور قائد قافلة وسط الصحراء تستضيف البطلة الهاربة من أهلها في إيطاليا في فيلم «القافلة» وهو الفيلم الذي حصل فيه على أعلى أجر في حياته السينمائية حوالي 150 دولارا لليوم 20 يوما.
يقول ناصر عن الدور»لم أعد أقبل بعده بأدوار الكومبارس وإن كان ناطقا، فرق كبير بين أن تكون كومبارس صامتا تترك تحت أشعة الشمس مدة طويلة دون ماء أو طعام وتساق كالقطيع أو تترقى الى كومبارس خاص ناطق أو ممثل فتعامل جيدا ويحترمك كل العاملين والتقنيين في الفيلم بل وتأكل من طعام النجوم الكبار».
بعد عقود من الزمن تحت أضواء السينما العالمية كان طبيعيا أن يشارك ناصر في أعمال فنية مغربية صرفة اعتبرها بمثابة سفر افتراضي إلى بلده الأم لكن كبطل وممثل محترف أكسبته أزيد من نصف قرن سينما تجارب وخبرات لم تخطئها أعين المخرجين المغاربة فمثل في «فوق الدار البيضاء لا تحلق الملائكة» لمخرجه محمد العسلي والفيلم الأمازيغي «الخاتم» وفيلم «في انتظار بازوليني» لداوود ولاد السيد والذي يحكي تحديدا حياة كومبارس منطقة ورززات وهم ينتظرون تصوير فيلم للمخرج باولو بازوليني.
لم يغب ناصر أيضا عن المسلسلات السورية التي صورت في المغرب، البداية كما يحكي اتصال من المخرجة المغربية بشرى إيجورك التي دعته لزيارتها في مراكش لتعريفه بالمخرج حاتم علي. وهناك وجد نفسه في قلب مسلسل ملوك الطوائف. توالت المشاركات لتشمل كل ما أنتجه السوريون من مسلسلات تاريخية بالمغرب كـ»الرمال الذهبية» «آخر الفرسان» ومسلسل «عمر» الذي يحكي حياة الفاروق عمر بن الخطاب (رض).
وهو يحكي تتزاحم على لسانه الكلمات وضاعت منه الكثير من الأسماء والوجوه بفعل الزمن وغزارة الأحداث، لكن طرائف بعينها لا تزال ماثلة أمام ناظره منها «في فيلم «أوديب ملكا» سنة 1967 كان هناك مشهد لحرق أهالي قرية أصيبوا بمرض خطير، فانشأنا حفرة كبيرة وأشعلنا فيها حطبا كثيرا وقام المخرج بوضعنا ككومبارس إلى جانب « دمى» على أن يرمي أحدهم الدمى فقط في الحفرة المشتعلة نيرانها. ولأننا ككومبارس آنذاك لم نكن قد تآلفنا بعد مع فكرة الخدع السينمائية هممنا برمي بعضنا البعض في الحفرة مع الدمى فكان أن هرول المخرج باولو بازوليني نحونا وهو يصرخ مذعورا وأوقف التصوير قبل أن تقع الكارثة».
يتذكر أيضا كيف عاد أحد نجوم أمريكا الكبار بعد جولة في المدينة منزعجا وغاضبا لأن لا أحد طلب منه صورة أو إمضاء كتذكار أو عامله بما يليق بمكانته العالمية. حيث لا يستطيع التجوال عادة في مكان آخر غير ورززات دون كتيبة حراس. فأخبرناه أن الناس هنا تتنفس سينما وأفلاما لدرجة الملل وأمره وأمر غيره من كبار نجوم العالم لا يعني السكان في شيء سوى رؤية زيارته كفرصة عمل جديدة محتملة.
ورززات هوليوود افريقيا لا تتوفر على قاعة سينمائية واحدة. مفارقة يشرحها ناصر ببساطة «السينما هنا تعني شيئا واحدا مصدر قوتنا وقوت أطفالنا وأحفادنا ولم تكن يوما ترفيها أو متعة فكرية. فسعر تذكرة دخول قاعة السينما يعادل أحيانا مدخول كومبارس في المدينة. كل درهم جنيته في حياتي وصرفته على أسرتي هو من السينما، وحياة السكان بأكملها أشبه بقاعة انتظار كبيرة للإنتاجات العالمية التي تصور في المنطقة، والدي وأخوتي وجيراني وكل أفراد الأسرة والحي والقصبة والمدينة هم كومبارس يحيون بالسينما وتحيا بهم».
تعرف ناصر على زوجته في فيلم ايطالي وهو في بدلة الكاهن كانت هي الأخرى من كومبارس الفيلم. أنجب بنتين تخرجتا حديثا من معهد المهن السينمائية في تخصص حلاقة وماكياج سينمائي «أعتقد أننا سنموت يوما في أحد المشاهد والاستديوهات. لن أتوقف عن هذا العمل مادام في العمر أياما. أنتهينا للتو من فيلم من بطولة نيكول كيدمان وبعد أيام سندخل تصوير فيلم أمريكي يحكي حياة «توت عنخ آمون» يتوقع أن يستمر تصويره تسعة أشهر كاملة في ورززات في خمس مواقع ثم تجهيز ديكورها في استوديوهات المدينة».
تتسع حدقتا عينيه حين سؤاله عن ما أعطته هذه المهنة، يجيب بحماس وفخر «كسبت معرفة ناس من كل الأجناس والألوان واللغات. التقيت كبار نجوم العالم على مدار أكثر من نصف قرن. أصبحت من معالم المدينة السياحية . زارني صحافيون ومثقفون وبحث عني مغاربة مقيمون في الخارج، في المقابل رأيت كيف تمنح بلدان كأمريكا وألمانيا وفرنسا قيمة لفنانيها ونجومها وتقنييها. عاينت كيف تتم صناعة النجم حد التقديس أحيانا ومن جهة أخرى كيف حكم علينا نحن بحياة الظل للأبد. كيف نعود الى بيوتنا وقصباتنا التاريخية بعد إنطفاء الأضواء والكاميرات. لكنني سعيد فمن مكاني هذا طفت العالم بل العالم بأكمله مر أمام عيني».
وحين سألته «القدس العربي» عن من هو أصغر كومبارس في المدينة بما أنه هو أكبرهم سنا وأقدمهم أجاب ضاحكا «أصغر كومبارس هو أجدد مولود في المدينة. صحيح أنني اكتسبت صفة ممثل محترف لكننا هاهنا جميعا نولد كومبارس ونعيش ونموت كومبارس في السينما كما في الواقع. الأضواء لم تخلق لنا».

فاطمة بوغنبور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية