مهدي مبارك: مظلومة نانسي عجرم. كل مَنْ حاربوها انتهى بهم الأمر إلى الزوال بينما بقت هي، حالة لا تشبه أحدًا، صوت حرير، جسم جميل، غنج لبناني جديد اقتحم حياة المصريين فجأة بعدما اتَّجهت سينماتهم والكليبات إلى النظافة المبالغ فيها، ففتحت الباب للبنانيات، اللائي قصَّرن الفساتين ورفعنَ الصدور، وضبطنَ مقاسات كل شيء.. وبدأ اختراق الشاشة المصرية، فظهرت هيفاء وهبي وإليسا ودوللي شاهين وعشرات المؤديات والممثلات في مواجهة «برود» ممثلات ومطربات مصر قبل طلة «روبي».
كانت نانسي في المقدمة، فسارت وحدها، وواجهت وحدها، تعامل الجميع معها على إنها «ممنوعات»، مجلس النواب في البحرين ناقش منعها من الغناء، بحجة أنها تؤدي حركات وإيحاءات خادشة للحياء، واستند إلى قرار البرلمان المصري بمنعها من دخول القاهرة أو أداء حفلات، وحجب كليباتها من التليفزيون المصري.
كليب «يا سلام» – 2003 – لم يكن مؤثرًا بقدر «أخاصمك آه»، الذي أكَّدت فيه أن لها طريقة جديدة في الملاوعة والحب، وفتحت مساحة جديدة في ظهر الفستان وصدره ورقصت بها في مقهى شعبي بالقاهرة.
كانت مساحة شغف أكثر منها مساحة لأي شيء، شغف بنانسي، الطفلة والحبيبة المحتملة لنا جميعًا، فربما اكتشفنا أشياء جديدة لم تكن متاحة قبلها، لم يكن الأمر مبتذلًا، ولا هيّنًا ومملًا مثل الأفلام المصرية الكوميدية والمحافظة، فقد كانت تلك فترة انتشار فيلم الناظر، واللمبي، فاختفت نجمات الإغراء والـ»هات وخد»، وأكل محمد سعد وعلاء وليّ الدين وهنيدي الشاشة.
واربت نانسي كل شيء، اللبس والغناء والشباك على الحياة، فلم تمنحنا كل شيء لتحافظ على الشغف، ولم تبخل بالقليل. كان القليل يكفينا بصراحة، وربما لأنها «تشوّق ولا تدوّق»، وتضمن لك أن لديها شيء حتى الآن لم تكشفْه لك فتحافظ على متابعتك لها حتى تكتشف إنها ليس لها آخر.. هي الدنيا.. كان «آه ونص» صدمة، القليل الذي كشفته عن فخذها في الجلباب الفلاحي فاجأنا، فقرَّر أولياء أمورنا أن نانسي لن تدخل مصر، فاحتفظنا بكليباتها في فولدر خفي داخل أمعاء الكمبيوتر.. فالمسألة حياة أو موت!
كانت نانسي الوحيدة التي راعت ظروفنا، فهمتنا، ضمنت لنا حياة أفضل، تعرَّفت علينا ومنحتنا ما افتقدناه في مصر، فكان علينا أن نردّ الجميل.. انتشرت نانسي على السيديهات، وما كان الحَظْر ومنع الحفلات إلَّا دعاية، فكانت تهددنا جميعًا بأنها ستخاصمنا، وعرفنا إنها في النهاية لن تتركنا نسير وحدنا «أخاصمك آه أسيبك لا»، فالحياة قاسية من دونها بما يكفي.
حتى أولياء أمورنا، كانوا يشاهدون نانسي خفية، وقرروا أن يوفّروا لها من رواتبهم المحدودة شهريًا ليشتروا غسَّالة بدلًا من أن تغسل على يديها في الطشت النحاس، الذي ظهرت به في كليب «آه ونص» (إفيه سخيف استشرى في الأرض، وكان مضحكًا وقتها بالمناسبة!).
نانسي عجرم ليست كليب واحد نشاهده أو نكتب عنه.. نانسي حالة.. هناك من شعر بالوحدة والغربة واليُتم حين كبرت وأصبح لديها زوج وطفلتان تظهر معهم سعيدة على الشاشة، فأصبحت محافِظة ووقورة، وملكية خاصة، وبعدما صعدت إلى المجد على سلم «الدلع» كسرته ففقدناها، وبعدما كانت مباحة ومتاحة ومن حقنا جميعًا هناك الآن من يحتكرها، ويحتكر حقنا في الخيال لأنها – في النهاية – ماما، فليس منطقيًا أن نتحرش بها في خيالنا، أو نتذكر جلباب أخاصمك آه إلا مع قصيدة ندم.. ولو كان ده حب يا ويلي منه، ولو كان ده ذنب ما أتوب عنه!
صوت عادي وجمال أقل من عادي.. لبنان أنجبت أيضا السيدة فيروز..