الكويت-«القدس العربي»: أحمد الخليفي حظيت زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح إلى إيران مطلع الأسبوع الماضي باهتمام واسع النطاق على المستويين السياسي والإعلامي، وكانت مسرحاً للتحليل والتأويل خاصة مع ما سبقها من تمهيد سياسي واسع النطاق. كما ذكر وزير خارجية الكويت صباح الخالد على هامش لقاء وزراء خارجية مجلس التعاون 31 أن إشارات كثيرة قد أُرسلت من إيران والسعودية ودول الخليج بضرورة الحوار والمفاوضات على عدة قضايا ثنائية وخليجية وإقليمية، لأهمية الطرفين في تبلور الأحداث الحالية خاصة التي يعيشها الوطن العربي وتلعب فيها إيران دورا رئيسيا، بما يخص الحرب السورية وأحداث البحرين والفراغ السياسي في لبنان ودعم الحوثيين في اليمن ومحاصرة هذا المربع العربي غير المستقر لمنطقة الخليج العربي ودولها وتأثيرها على الأمن والإستقرار فيها.
وكان منتظراً ان تظهر النتائج على المستوى الإقليمي مباشرة خاصة ان الزيارة قد مُهد لها قبل ستة أشهر كما جاء على لسان السفير الإيراني في الكويت عنايتي. ولكن ما جاء حول النقاشات التي تمت بين الطرفين خلال الزيارة مجرد أخبار متناقلة وتصريحات عامة تؤكد حرص الطرفين على التعاون تجاهها لعودة الاستقرار وتحقيقه لأنه يصب في مصلحة الجميع، دون وجود تصريح أو مبادرة رسمية عقب تلك النقاشات الإقليمية ليبقى الوضع مبهماً لسرية تفاصيل ما دار حول تلك القضايا المصيرية.
وشهدت الزيارة في يومها الأول توقيع ست إتفاقيات ثنائية بين الكويت وإيران بمجالات مختلفة، ولعل أبرز التصريحات في اليوم الأول قراءة للمشهد الذي صحبها كانت لأستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت د.عبدالله الشايجي، الذي أطلق باسم الشارع الكويتي الـ «لماذات» الثلاثة عبر لقاء تلفزيوني بقناة «الجزيرة»، عندما قال: «لماذا لم يستقبل أمير الكويت الرئيس الإيراني روحاني واستقبله وزير الخارجية نظيف؟ ولماذا لم تنقل القنوات الإيرانية الرسمية والخاصة استقباله وتوقيع الإتفاقيات؟ ولماذا صرح وزير خارجية إيران بنفس يوم الزيارة أنه لن يلبي دعوة السعودية لحضور مؤتمر اجتماع منظمة التعاون الإسلامي الذي سيقام في الرياض؟». وقال بعض المتابعين انها إجابات أكثر من كونها أسئلة الى الجانب الإيراني.
وربط النائب السابق أسامة الشاهين الزيارة بالتغيير الواضح في أمريكا من خلال خطاب الرئيس باراك أوباما في الكلية العسكرية الأمريكية، عن عودتها للإنكفاء على الداخل والإنشغال في بناء اقتصادها المحلي، فأعادت إيران للعب دورها القديم أثناء حكم الشاه كشرطي للمنطقة، مبتعدة عن التدخلات المباشرة باختيار دولة محورية تضمن نفوذها ومصالحها المشتركة معها، ويتضح من خلال الملفات الأفغانية والعراقية والخليجية أنها إيران.
وقال الشاهين إن الزيارة ربما كانت إعلاناً لأمر بدأ تنفيذه عمليا منذ عشر سنوات، وجرى تسويقه شعبيا وإعلاميا، فقد سبقتها الإمارات كأكبر شريك تجاري عربي لإيران لسنوات رغم أزمة الجزر بينهما، ودعوة السعودية لوزير الخارجية الإيراني قبل أيام منسجمة مع الواقع الجديد الذي نختلف معه وندرك خطورته، لكننا ندرك عجزنا حاليا عن مواجهة الواقع والتحديات، لذلك هي ليست تغيرا في الموقف الخليجي بل تتمة لتغير موازين القوى وحسابات المنطقة.
وأشار الى أن الجانب الكويتي لم ينجح في إنهاء أهم القضايا بترسيم الحدود البحرية وتمكينه من استثمار موارده النفطية البحرية المرتبطة بمسألة الجرف القاري وحقل الدرة المشترك، بعد تصريح وزير النفط علي العمير من طهران بأن المباحثات ستستمر في هذا الملف وان ما عداه من إتفاقيات مجاملة لواقع متحقق. فالجالية الإيرانية في الكويت تتجاوز 120 ألف نسمة، والتعاون التجاري والعلاقات الدبلوماسية على أعلى مستوى، والزيارة لم تحمل سوى الرمزية لسياسة فن الممكن بأوراق لعب يملكها كل طرف ولا تقوم على المثاليات والمبادىء الطموحة التي تسعى لها الشعوب، والسياسة الخليجية تتحرك بواقعية عجزها عن تحقيق وحدتها والتصالح مع شعوبها وبناء قوتها الإقتصادية وتحقيق أمنها الإجتماعي لتتعامل مع هذا الواقع أكثر مما تتعامل مع مشروع قومي يكرس الموارد الشعبية والرسمية لخدمته كما يحدث في الحالتين الإيرانية والتركية، ونأمل ان تخرج حكومات الخليج من هذا الوضع إلى وضع التكامل والتعاون الداخلي والإقليمي.
من جهته أكد عضو مجلس الأمة «البرلمان» عبدالله التميمي لـ «القدس العربي» ان زيارة الأمير لطهران ستظهر نتائجها خلال الفترة القصيرة المقبلة، لاسيما على المستوى الدولي والاقليمي.
وأشار الى تصريحه الذي استبق الزيارة بإنها زيارة تاريخية في عيون العالم الذي ينتظر منها نتائج لتحريك ملفات إقليمية ودولية مهمة كالعلاقة بين الرياض وطهران والقضية السورية والملف النووي الايراني، بل حتى العلاقة بين الغرب وايران لاسيما الولايات المتحدة .
وأوضح أن الزيارة ستأتي بإنفراجة في ملف العلاقات الخليجية الايرانية خصوصا تحسين العلاقات السعودية الايرانية والملفين البحريني والسوري، وحتى شغل الفراغ الرئاسي في لبنان، وسيساهم في هذه الجرعات والانفراجات السياسبة اكتساح المشير عبدالفتاح السيسي لإنتخابات الرئاسة المصرية، الأمر الذي يعيد الأوضاع في المنطقة الى مربع الاستقرار السياسي.
وختم التميمي قائلاً «على مستوى العلاقات الكويتية الإيرانية المستقرة سيكون هناك تعزيز واضح لها في المرحلة المقبلة، لاسيما وانها حافظت على المستوى الجيد خلال العقدين الماضيين».
أما الدكتورة في الفلسفة السياسية فاطمة الشايجي فأكدت ان الزيارة ليست مجرد بروتوكول سياسي ولا زيارة تحمل رسالة من وإلى طهران، بل هي زيارة تحمل رسالة إلى العالم أجمع والقوى التي تعبث بالمنطقة أن هناك تحالفا قادما بالطريق، الأمر الذي قد يغير سياسة تعامل القوى العظمى مع المنطقة متمنية أن يكون هناك توجه خليجي بحل القضايا العالقة التي كانت مدخلا للطامعين.
وتابعت «أن المنطق يفرض علينا حسن الجوار، والقانون الدولي يفرض على الدول احترام بعضها البعض، والتنمية تشترط وجود الأمن والاستقرار، وازدهار الدول يأتي نتيجة للتعاون فيما بينها»، مشيرة أن زيارة الشيخ صباح الأحمد الصباح قد حملت في طياتها جميع هذه الرسائل، خصوصاً أن الكويت وطهران ليس بينهما توتر في العلاقات كما يروّج البعض، بل على العكس تماما تتمتع الكويت بعلاقة جيدة مع جميع دول الجوار، ومنها جمهورية إيران الإسلامية، وتعتبر نافذة أمن وأمان لدول الخليج العربي بدبلوماسية حاكمها وحنكته السياسية.