يصر بعض إعلام المعارضة السورية على تذكيرنا دوما بأنه نسخة من «قناة الدنيا» السورية الشهيرة، التي ملأت الدنيا كذبا بتأليفها أخبارا لنصرة النظام.
صحيح أن حجم التزييف والكذب هو ماركة مسجلة لإعلام النظام، لا يضاهيه فيه أحد، لكن يبدو أن أربعين عاما من حكم الأسد أسست لذهنية يصعب تجاوزها بسنوات قليلة، وكثير من الناشطين نشأوا وترعرعوا في مؤسسات النظام التربوية التي زرعت هذا النمط من العقل الخطابي الإنشائي، الذي يجنح ليرى الأمور كما يحب وليس كما هي. وتعود هذا العقل الرغبوي غير الموضوعي على استخدام تبريرات شتى، كنصرة القضية وغيرها، ولا اعرف لماذا نسيء إلى قضايانا العادلة بأن نجعل الكذب نجدة لها؟ وبأي منطق سننتقد حينها إعلام النظام والأنظمة العربية التي عارضت الثورات، كالسيسي، إذا كانوا يدافعون عن انفسهم بالقول نفسه وهو، الكذب لنصرة موقفهم السياسي.
طبعا المفارقة أن القضية تبدأ باختلاق أخبار لنصرة الثورة، ولكنها لا تنتهي عند نصرة فصيل ضد آخر وبالمنطق التعبيري نفسه، الذي يزيف الحقيقة، ولكن هذه المرة لغاية مقدسة اخرى، نصرة فصيل ضد الفصيل المعادي.
الخبر الأخير الذي انتشر كالنار في الهشيم وتناقلته مواقع للمعارضة، هو أن الجنرال الروسي داساييف، قائد القوات الجوية انتقد ضعف الجيش السوري، وأنه غير قادر على المواجهة والتقدم، وأسهبت المواقع بنقل حديث كامل للجنرال العظيم، ولم يبق ناشط أو معلق إلا وتداول الخبر، ولعل الأنكى أن حديث الجنرال الروسي كان نقلا عن صحيفة «الاندبندنت» البريطانية. في الحقيقة داساييف هو اسم حارس مرمى روسي شهير من ايام الحقبة السوفييتية، ولم يصرح أي جنرال روسي لـ»الاندبندنت» بأي شيء بخصوص العمليات، لأن الجيوش النظامية لا يصرح قادتها بهذا الشكل، ولا اعرف كيف صدق من تحمس للخبر المفبرك أن هناك ضابطا روسيا يمكن أن يصرح بانتقاد كهذا لحلفائه ويعاكس سياسة بلاده التي لا تدار فيها مؤسساته العسكرية بهذا القدر من الشفافية. الخبر طبعا يتداوله الكثيرون للآن على انه حقيقة واقعة، ولانهم لا يطلعون على اي مصادر اخرى للانباء، فقد تحول جمهور المعارضة أحيانا وكأنه أسير لبعض المواقع المعارضة غير المهنية، التي توجهه كما تشتهي، سواء باختلاق أخبار مؤيدة لفصائل مقربة من هذا الموقع او ذاك، أو بتحليل معلومات بطريقة رغبوية، تظهر قدرا عجيبا من السطحية واستغفال القارئ، الذي يصدق في كثير من الاحيان، لأنه يميل لما يحب من الأخبار وليس لما هو واقعي من الأخبار، ولأنه لذلك السبب تابع هذا الموقع او هذه القناة او تلك، لقربها من توجهها السياسي، وبالتالي تزداد كرة الثلج يوما بعد يوما، ويزداد انعزال القارئ عن الواقع، وارتباطه ببيئة مصطنعة افتراضية هيأت له من قبل إعلاما منتقى يتابعه.
قبل خبر الجنرال الروسي داساييف، انتشرت ايضا صور لضابط طيار من النظام السوري وهو قتيل مخضب بدمائه، وقيل إنه طيار روسي أُسقطت طائرته، في الحقيقة كانت الصورة لطيار سوري اسقطت طائرته من قبل تنظيم الدولة الاسلامية في بئر قصب بريف دمشق قبل اشهر، ونشرت هذه الصورة في اصدار رسمي لتنظيم الدولة الاسلامية. مثال آخر على حجم التسييس والرغبوية في اسقاط طيار روسي ولفصيل معين منافس لآخر طبعا، الصورة يتداولها للآن الآلاف بدون أن يدروا بحقيقتها.. وقبل أيام قليلة ايضا نشرت مواقع اخرى للمعارضة خبرا في اطار الحرب الاعلامية الداخلية بين فصائل للجيش الحر مع تنظيم الدولة، مفاده أن صحيفة «الفايننشال تايمز» نشرت تحقيقا عن النفط في الدولة الاسلامية، وتحدثت فيه عن «اتفاقات لبيع النفط بين النظام والدولة الاسلامية»..وانتشرت هذه الجملة كثيرا على انها ابرز ما جاء بالتحقيق، ووضعت قبلها كلمة «كشفت فايننشال تايمز».. أيضا تذهب لتحقيق فايننشال تايمز فلا تجد جملة واحدة تتضمن اتفاقا لبيع النفط بين تنظيم الدولة والنظام، بل الأنكى أن معظم الموضوع يتحدث عن اعتماد مناطق المعارضة التي تسيطر عليها فصائل الجيش الحر على النفط المقبل من تنظيم الدولة، وان طواببر من شاحنات نقل النفط من التجار تصطف امام ابار النفط التابعة للدولة في حقل العمر بدير الزور وتنقل النفط يوميا لمناطق المعارضة، ليستفيد منها الجيش الحر، الذي لا غنى له عن هذا النفط لتشغيل آلياته ومعداته ، طبعا ما لم تذكره المجلة أن التجار أنفسهم الذين يجلبون النفط لمناطق الجيش الحر في حلب وادلب يبيعونه للنظام عند معبر قرية دالي بين ريف إدلب وحماة، وتقع شرق معرة النعمان. طبعا كان هذا الخبر في إطار إثارة قضية النفط وصفقاته، رغم أن العارف بمثل هذه الأمور يدرك أن النفط كسلعة يشترى من قبل التجار هناك وتستفيد منه كافة الاطراف، ولا داعي لطرفين على حالة عداء أن يتبادلاه مباشرة، فالتجار هم الوسطاء.. الكارثة في خبر «فايننشال تايمز» أن القارئ لم ينقل ما رأته عيناه من نصوص، بل نقل ما تخيله وما أملاه عليه ميله الخاص لتفسير معلومات واردة في النص، أي انه ينقل خزين مخيلته حتى إن قرأ ما يعاكسه تماما، فيا لها من عقول.
في كل اللقاءات مع الناشطين السوريين والعراقيين كنا نقول دائما إن حل اشكالية «الصحافي صاحب القضية» تتلخص بنقل الحقيقة كما هي من غير تزييف او مبالغة، فاذا كانت القضية عادلة، فلن تضرها الحقيقة المجردة، أما من يضطر للعبث بمعلومة ما وحقيقة ما، فهو يوجه شكوكا لعدالة قضيته، كما فعل ويفعل إعلام النظام السوري دائما.
قديما قيل آفة الرأي الهوى
٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
وائل عصام
لا ينكر عاقل أن بعض أخبار المعارضة لا تخلو من كذب أو تضخيم
وقد يكون بقصد أو بدون قصد لصعوبة تناقل الأخبار ببعض الجبهات
لكنها الحرب والحرب خدعة فلم نرى أحدا يلوم الأمريكان على كذبهم
ولا حول ولا قوة الا بالله
..الحرب خدعة..هل انت تحارب المشركين..لا حول ولا قوة الا بالله..
اغلب الأنظمة العربية على هذة الشاكلة
كل الاعلام باتجاه خدمة وتمجيد النظام
الحاكم !!!
يعطيك العافية على ماكتبت أتمنى أن تدخل في العمق أكثر مستقبلا
نقطة هامة. شكرا على اثارتها