نظام الأسد وروسيا يواصلان هجماتهما على المعارضة وكيري يكتفي بالكلام

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: علقت صحيفة «واشنطن بوست» على تعثر المحادثات، التي يجريها مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، بين وفدي المعارضة السورية والحكومة في دمشق بأنها تعقد وبلدة مضايا المحاصرة لا تزال تعاني من التجويع.
وبحسب منظمة «أطباء بلا حدود» فقد مات 16 شخصا على الرغم من المعونات الإنسانية التي وصلت إليها ولمرة واحدة الشهر الماضي، وهو ما يرفع عدد الذين ماتوا بسبب نقص الطعام إلى 51 منذ شهر كانون الأول/ديسمبر.
وأشارت الصحيفة لتصريحات ستفين أوبرين، منسق الشؤون الإنسانية، بأن ما يجري لسكان البلدة، وعددهم أكثر من 20.000 نسمة، هو «قمة جبل الجليد». فهناك ما يقدر عددهم بـ500.000 شخص لا يتلقون مساعدات غذائية أبدا.
فقد رفضت الحكومة السورية 100 طلب من 113 طلبا تقدم بها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، العام الماضي، لإدخال المعونات الغذائية للسكان. وفي هذا السياق كان رد وزير الخارجية، كيري، الذي شجب المذابح التي حدثت في الأيام الماضية: «يموت الناس ويعاني الأطفال، ليس بسبب أخطاء الحرب ولكن نتيجة أساليب مقصودة- استسلم أو مت جوعا». وقال كيري، يوم الأحد، إن «هذه الأساليب هي خرق مباشر لقانون الحرب».
وتعلق الصحيفة قائلة: «للأسف، يبدو أن الطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس باراك أوباما مع الأزمة السورية تساعد على جرائم الحرب هذه».
وتذكر «واشنطن بوست» بالقرار 2254، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، ووافقت عليه روسيا والقاضي بإيصال المواد الإنسانية للمناطق المحاصرة، ووقف القصف على المناطق المدنية كجزء من خطة محادثات السلام.
ورغم عدم تحقيق الشروط التي خطها قرار مجلس الأمن الدولي، إلا أن السيدين كيري ودي ميستورا أصرا على المضي قدما وعقد محادثات جنيف ومارسا الضغوط على المعارضة السورية للمشاركة في اجتماعات جنيف.

أصوات

وفي الوقت نفسه لم تتخذ الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أي إجراءات لإجبار النظام أو الروس على وقف القصف الجوي على المناطق المدنية، أو تلك التي تسيطر عليها المعارضة السورية، مع أنهما أصدرتا أصواتا شاجبة ضد مواصلة النظام وداعميه الحرب على مناطق المدنيين. بل أعلن دي ميستورا، يوم الاثنين، أن المحادثات بدأت بشكل رسمي في وقت واصلت فيه الطائرات الروسية وتلك التابعة للنظام السوري غاراتها، خاصة المناطق القريبة من مدينة حلب.
وتحدثت المعارضة عن استهداف الطيران للمستشفيات والبنى التحتية الأخرى المهمة للمدنيين. وتعرضت بلدة مضايا، القريبة من العاصمة دمشق، لقذيفة سقطت في ساحة مدرسة وأدت لمقتل عدد من الأطفال، حسب صحيفة «نيويورك تايمز».
وتعتقد صحيفة «واشنطن بوست» أن الروس والسوريين يستخدمون التقدم العسكري كورقة ضغط في محادثات السلام، أو كوسيلة للقضاء عليها، فهم لا يرغبون بالمقايضة. ووصل وفد الحكومة السورية إلى جنيف وهو يؤكد على أنه لن يتحاور مع «الإرهابيين»، وهم أي شخص يحمل السلاح ضد الحكومة.
وما هو رد كيري وسيده أوباما على كل هذا؟ تقول الصحيفة: «لا شيء، بل خطابات». فقد قال كيري يوم الثلاثاء: «لم نر كارثة مثل هذه، يأكل الناس في مضايا الأعشاب والحشائش أو الحيوانات التي يستطيعون إلقاء القبض عليها» وأضاف: «يتحمل النظام السوري المسؤولية ـ في الحقيقة كل الأطراف تتحمل مسؤولية السماح بمرور المواد للسوريين الذين هم بحاجة ماسة لها. وهذا يجب أن لا يحدث بعد أسبوع من الآن بل يجب أن تحدث في اليوم الأول»، وإن لم يحدث هذا «فليس لدى كيري شيء آخر ليقوله إلا الحصارات والقصف والتجويع ومع ذلك تتواصل التصريحات».

ستارة

وكانت صحيفة «فايننشال تايمز» قد اتهمت، يوم الإثنين، في افتتاحيتها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام محادثات جنيف كغطاء لمواصلة عملياته العسكرية في سوريا. وقالت إن موسكو استغلت المحادثات وقامت بدك بلدة الشيخ مسكين وقتلت مئات المدنيين ومقاتلي المعارضة.
فهذه المدينة الإستراتيجية، في جنوب البلاد، كانت تحت سيطرة المعارضة الرئيسية المدعومة من الغرب. وهو ما يؤشر للدور الذي يلعبه بوتين كمفسد في النزاع السوري.
ورغم مزاعم موسكو أنها تدخلت في سوريا لمواجهة تهديد تنظيم «الدولة»، إلا أن قواتها تقوم باستهداف المقاتلين من غير تنظيم «الدولة» الذين كانوا يهددون بقايا دولة الأسد حتى وصول الروس في الخريف الماضي.
فبوتين لا يتحدث إلا من فمه، والواقع أنه وضع نصب عينيه سحق كل قوة موجودة بين الأسد و»تنظيم الدولة الإسلامية» اللذين نادرا ما يهاجمان بعضهما بعضا.
وكمثال على هذه السياسة، تشير لسيطرة قوات النظام في الأسبوع على ربيعة، وهي بلدة كانت بيد المعارضة في قلب الشمال السوري قرب مدينة اللاذقية بعد أن حولها الطيران الروسي إلى أنقاض. ومن هنا يستخدم بوتين جنيف كستارة من أجل مواصلة هجومه، «فبدلا من ممارسة البلطجة على أطراف المعارضة من أجل المشاركة في المحادثات، يجب على الولايات المتحدة وحلفائها دعم مطالبها- أي المعارضة – الداعية لوقف قصف النظام وروسيا للشعب الروسي. وستكون جنيف طريقا لفشل ثالث من أجل إنهاء هذه الحرب القاسية» كما تقول.

«جيش الإسلام»

وأشارت «فايننشال تايمز» إلى اعتراضات النظام السوري وإيران وروسيا على جماعات مثل أحرار الشام وجيش الإسلام التي ينظر إليها «كذئب في ثوب حمل»، وهي، وإن قالت إن هذه الجماعات إشكالية، إلا أن مسؤولا في «جيش الإسلام» عبر عن استعداد جماعته لقبول حل سياسي للأزمة.
ويعتبر جيش الإسلام من أكبر الفصائل السورية ولديه 10.000 مقاتل.
ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن محمد علوش، الذي كان بين 30 عضوا في وفد المعارضة وصلوا إلى جنيف، وعارضت الحكومة السورية حضوره، إلا أن الدول الغربية ترى مشاركة جماعات كهذه أمرا مهما لتطبيق أي اتفاق يتم التوصل إليه في جنيف.
وقال علوش: «لقد أعلنا عن دعمنا للقرار 2254»، الذي أقره الشهر الماضي مجلس الأمن الدولي.
وتحدى علوش النظامين السوري والروسي تطبيق القرار: «أتحدى بشار وروسيا بوتين قبول القرار بشكل كامل وتطبيقه على الأرض»، وأجاب: «لا أعتقد أنهم سيفعلون».
وانتقد رئيس وفد الحكومة، بشار الجعفري، حضور علوش حيث نقلت عنه الصحيفة: «نريد أن نعرف مع من سنعقد هذه المحادثات غير المباشرة»، وأضاف: «بحسب تفسيراته فلدى دي ميستورا انطباع ان الظروف متاحة لبدء المحادثات، مع أنها ليست كذلك».
وأشارت الصحيفة لأكبر عملية عسكرية يقوم بها الجيش السوري بدعم من الطيران الروسي في منطقة حلب. وعلق علوش قائلا: «لقد قتل الروس قائدنا وهناك دم بيننا»، في إشارة لمقتل إبن عمه زهران علوش الذي أنشأ جيش الإسلام عندما استهدفه صاروخ في 25 كانون الأول/ديسمبر 2015.

مكتب جمع معلومات

وكشف كولم لينتش، في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي»، أن دي ميستورا يقوم بإجراءات سرية تهدف لإنشاء مكتب لجمع المعلومات كي يتولى مراقبة اتفاقيات وقف إطلاق النار.
ويقول لينتش إن جمع المعلومات يعتبر أمرا حساسا من الدول التي تستقبل بعثات دبلوماسية تابعة للأمم المتحدة، التي تخشى أن يتم استخدامها في التجسس عليها. وفي سوريا تعتبر الفكرة حساسة أكثر، خاصة أن الرئيس الأسد منع دخول المراقبين الدوليين وبحوزتهم أجهزة بسيطة.
وكانت المجلة قد نشرت تفاصيل عن الورقة، التي أعدها مكتب دي ميستورا، «مسودة لورقة آليات مفهوم تطبيق وقف إطلاق النار»، وهي لم تذكر صراحة فكرة جمع المعلومات، إلا أنها تستخدم، حسب لينتش، عددا من المجازات مثل «وعي للوضع» و»حصد المعلومات» و»جمع معلومات»، وتستحضر الحاجة لجمع المعلومات الحساسة لمحاربة التطرف وضد تنظيم الدولة الإسلامية.
ويمكن الحصول على الأجهزة المطلوبة لمراقبة وضع إطلاق النار والحصول على صور فضائية بطريقة سهلة.
ولكن الورقة تدعو إلى توظيف «محللين سياسيين وأمنيين وللمعلومات» تكون مهمتهم تقييم المعلومات من مصادر متعددة بما فيها حكومات أجنبية ووسائل التواصل الإجتماعي.
وقد تحتاج لخبراء في مكافحة الإرهاب وخبراء في المتفجرات. ويعلق الكاتب بأن خطة دي ميستورا قد لا ترى النور بسبب تعثر المفاوضات في جنيف، واستمرار الحملة الجوية والعسكرية للنظام وروسيا ضد المعارضة.
كما أن هناك محدودية للخطة نظرا للقيود المفروضة على تحرك المسؤولين التابعين للأمم المتحدة إلى خارج دمشق بسبب الظروف الأمنية. وأكد مسؤول، عارف بما ورد في الورقة، أن الأفكار التي وردت فيها هي أولية وقد تمت مراجعتها.
ونقل عن ريتشارد غوان، الخبير في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قوله إن الأمم المتحدة تضحك على نفسها إن كانت تظن أنها قادرة على تطوير عملية جمع معلومات في سوريا، خاصة أن فريقها هناك صغير. وقال إن الأمم المتحدة ستعتمد على فتات المعلومات الأمنية التي قد تقدمها الدول الكبرى لها، فالنزاع السوري تشارك فيه معظم المؤسسات الأمنية.
وقال إن «فكرة قيام فريق أمني تابع للأمم المتحدة بالسباحة وفهم ما يجري هي محض جنون».
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت أنها لا تستطيع فرض اتفاقيات وقف إطلاق النار. ودعا دي ميستورا مجموعة الدعم الدولي لسوريا، المكونة من 17 دولة، مناقشة سبل المشاركة في تطبيق ومراقبة وقف اتفاقيات وقف إطلاق النار.

تحذيرات أردنية

وفي سياق مختلف، حذر العاهل الأردني، عبد الله الثاني، من الكارثة الإنسانية بمقال نشرته صحيفة «إندبندنت»، ليتزامن مع مؤتمرالمانحين الدوليين المنعقد اليوم في لندن.
وفي مقالته قال الملك عبدالله إن الأعباء التي يتحملها الأردن تفوق تلك التي تواجهها الدول الغربية.
وتعكس تصريحات الملك ما تحدث به إلى هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، وهي أن الأردن وصل إلى «درجة الغليان» بسبب المعاناة التي سببتها موجات المهاجرين السوريين.
وقال إن الأزمة السورية ستدخل عامها السادس وتركت وراءها حتى الآن أكثر من 250.000 قتيل وشردت نصف السكان الذين بحثوا عن أماكن آمنة في دول الجوار، خاصة الأردن، لكن هناك نسبة منهم بدأت تتجه نحو أوروبا.
ويرى أن الوضع الصعب ترك آثاره على النظام العالمي. فقد تصادمت مخاوف المجتمعات مع القيم الإجتماعية الرئيسية، ووضعت ضعوطا جديدة على شعار «وحدة في تنوع»، والذي لا يعتبر في النهاية شعارا أوروبيا ولكنه مبدأ يقوم عليه التعايش الدولي.
ولأن استمرار تدفق اللاجئين ورمي الأمواج لجثث الأطفال على الشواطيء الأوروبية أثبت فشل كل الجهود التي بذلت لوقف الهجرة، فقد حان وقت الفعل الدولي، رد يقوم على الواقع، فالأوقات غير العادية تتطلب إجراءات غير عادية.
وأشار إلى لقاء لندن لبحث أزمة اللاجئين السوريين، وهو لقاء مؤتمر يأتي في مرحلة حرجة، حيث ستكون لنا فرصة لتخفيف المعاناة التي تكسر القلوب وتأمين المستقبل «لمنطقتي وأوروبا أيضا».
ويرى العاهل الأردني أن المؤتمر هو بمثابة امتحان لإرادة الدول وقدرتها على التحرك من أجل حماية الأرواح البشرية، والدفاع عن الكرامة البشرية، وتأمين المستقبل الذي نتشارك فيه.
وهذا يعني الحاجة لنموذج يقوم عليه عمل، ويعترف بأن الأزمة التي نواجهها معقدة وطويلة. وعليه فالاستراتيجية لن تركز فقط على توفير المساعدات العاجلة والإنسانية فقط، بل يجب أن تركز على أهداف تنمية دائمة.
واقترح الملك عبد الله مدخلا يقوم على ثلاثة معالم: الأول، هو الاعتراف بأن الأزمة السورية طويلة ومعقدة وواسعة حتى لو تم التوصل لتسوية سياسية في سوريا. أما الثاني، فيجب أن يعترف الرد بدور الأردن المحوري من بين الدول التي استقبلت اللاجئين في أي رد فعل دولي.
أما الثالث، فيجب أن يشمل مبادرات شاملة من أجل التصدي ومعالجة أزمة اللاجئين المعقد ووضع الأسس لحلها.
ويعلق الملك الأردني قائلا إن تقدم مؤتمر جنيف وهزيمة داعش والجماعات المماثلة له لن يحل أزمة اللاجئين، التي تحتاج لسنوات قبل أن تنتهي. وهذا يعني استمرار الضغوط على المهجرين من مواطنهم والدول التي استقبلتهم.
ومن هنا فيجب الاستجابة لحاجة كل منهما على طاولة البحث والمناقشة في لندن.
وأشار الملك للضغوط التي تواجه الميزانية الحكومية الإردنية من أجل الوفاء باحتياجات اللاجئين، حيث تستنفد 25% من الميزانية العامة.
ويشير الملك عبد الله لمفارقة هنا، وهي أن اقتصادات كل من الولايات المتحدة وأوروبا تصل إلى 35 تريليون دولار، وهي تحاول معالجة مسألة مليون لاجئ.
وبالمقارنة فاقتصاد الأردن لا يتجاوز 0.001% من اقتصادات كل من أوروبا والولايات المتحدة، ولكنه يحاول تحمل عدد أكبر من اللاجئين وهو 1.3 مليون لاجئ سوري.
هذا بالإضافة للأعداد الأخرى من اللاجئين الذين استقبلهم الأردن جراء النزاعات التي مرت على المنطقة في الماضي.
ويقول الملك عبدالله أن «عدد الصدمات الخارجية والكوارث والحروب، التي لا تحصى ولم يكن لنا دور فيها وحدثت خلال العقود الماضية، غير مسبوقة».
وبناء عليه يدعو الملك المجتمع الدولي لدعم البنية التحتية الأردنية حتى يواصل البلد تحمل عبء اللاجئين السوريين. كما يجب التأكد من حماية مستقبل الشباب الأردني والجيل القادم. كما أن خلق فرص عمل، من خلال الصناعة والتجارة والإستثمار، هو جزء ضروري من مدخل شامل الآن وفي المستقبل.
ويرى الملك أن هناك حاجة للعب المجتمع الدولي دورا في بناء أمل للسكان اللاجئين، حتى يلعبوا دورا في مستقبل سوريا ما بعد الحرب، ولن يتحقق هذا بدون خلق فرص عمل لهم وتعليمهم وتسليحهم بالمهارات، وإلا فالبديل هو دفع اللاجئين لليأس والجريمة، «وهو بديل لا يمكننا العيش معه في منطقتنا وأوروبا والعالم».
ويعتقد العاهل الأردني أن الاستثمار في السلام، ومساعدة الأردن بطريقة حقيقية وتحولية، سيدعم البلد الذي تعرض لامتحان طوال الوقت، ولكنه خرج قويا لنفسه ولأصدقائه ولجيرانه.

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية