«على أثر العملية الأمنية الإستباقية التي نفّذتها وحدات الجيش في مخيمات عرسال والتي أسفرت عن مقتل أربعة إنتحاريّين كانوا يعدّون لعمليات أمنية في الداخل اللبناني، تمّ توقيف عددٍ من المطلوبين المتورّطين في التخطيط والإعداد للعمليات المذكورة، ولدى الكشف الطبّي المعتاد الذي يجريه الجسم الطبّي في الجيش بإشراف القضاء المختص، تبيّن أنّ عدداً منهم يعاني مشاكل صحية مزمنة قد تفاعلت نتيجة الأحوال المناخية، وقد أخضع هؤلاء فور نقلهم للمعاينة الطبيّة في المستشفيات لمعالجتهم قبل بدء التحقيق معهم، لكن ظروفهم الصحية قد ساءت وأدّت إلى وفاة كل من السوريين: مصطفى عبد الكريم عبسه، خالد حسين المليص، أنس حسين الحسيكي، وعثمان مرعي المليص، وقد وضع الأطباء الشرعيّون تقاريرهم حول أسباب الوفاة وعلى الفور بادرت قيادة الجيش إلى إخضاع الموقوفين الآخرين للكشف الطبّي للتأكّد من عدم وجود حالات مماثلة تستدعي نقلها إلى المستشفيات، وللتأكّد عمّا إذا كان بعضهم قد تناول عقاقير سامّة تشكل خطراً على حياتهم».
النص أعلاه هو بيان لقيادة الجيش اللبناني الذي يدافع عن ممارساته لبنانيون منحازون سلفاً لروايته عن «ملحمة» مخيمات اللاجئين السوريين في عرسال. هذا بحد ذاته أمر محزن. محزن أن يتضامن مطلق مدني لبناني مع جيش بلده في عملية تستهدف مدنيين داخل البلد، حتى لو كان هؤلاء اللاجئون السوريون (!) اعتادوا هذه المعاملة المشينة في بلدهم الأصلي على يد شبيحة النظام الكيماوي وشبيحة حزب الله الإيراني في لبنان. محزن أن يتم تبرير هذه الفظاعات المصورة و»المسربة» من أجل تأديب اللبنانيين أيضاً، إضافة إلى تطفيش اللاجئين السوريين، بذريعة لم تعد تثير إلا الغثيان، وهي ذريعة الإرهاب وداعش والتكفيريين (كذا). وقد تناسى هؤلاء المتضامنين مع جيشهم «البطل» المستأسد على الفئة الأكثر ضعفاً وهشاشة في لبنان اليوم، أن حزب الله الإرهابي الشريك في حكومة البلد، قد برر دخوله الحرب السورية بذرائع أبرزها قتال «التكفيريين» على الأرض السورية، بدلاً من انتظارهم في لبنان. فلا يخجلون اليوم من ترديد ذريعة جيشهم المقدام في استباحة مخيم لاجئين جلهم ممن شارك حزبهم الإلهي في طردهم من بيوتهم في سوريا، تلك الذريعة القائلة إن هناك انتحاريين كانوا يعدون لعمليات إرهابية في لبنان، من غير أن يضعوا موضع الشك كل هذه الرواية الركيكة على شاكلة بيان الجيش الذي «يخشى» على الموقوفين من تسميمهم لأنفسهم (!) بعدما قتل أربعة منهم بواسطة «التغير المناخي»! وهذا لعمري سلاح جديد يضاف إلى ترسانة مبتكرة تضم فيما تضم: البراميل المتفجرة ومادة الكلور السامة والألغام البحرية وسلاح الدمار الشامل المتمثل بأرواح إجرامية تسمى الشبيحة وماكينة كذب جبارة، في «جيش وحدة المسارين» الشهير.
إنه حقاً جيش واحد في بلدين، زينت بساطيره العسكرية رؤوس عاشقيه وعاشقاته في سوريا وتونس، بانتظار النسخة اللبنانية التي لم تظهر صورها بعد، لكنها ربما «قيد التحميض» وبالألوان.
هناك انتهاكات قام بها الجيش في المخيم المنكوب؟ الإرهابيون هم الذين فجروا أنفسهم وعائلاتهم داخل المخيم! والجيش اللبناني تعرض للاعتداء! ومن حقه أن يدافع عن نفسه! حقاً يعجز اللسان والعقل أمام هذا الدرك الذي بلغه بعض اللبنانيين. تقول لهم إن عشرة لاجئين سوريين قتلوا تحت التعذيب على يد جيش «وحدة المسار والمصير»، فيقول لك بكل نباهة وحذاقة: أين دليلك؟ وما هي مصادرك؟ ثم إن الجيش له الحق في التحقيق مع المشتبه بهم لانتزاع معلومات منهم حول الشبكات الإرهابية التي تخطط لقتل اللبنانيين! فهو يستبق الأمور، حتى إذا أتيته بالدليل القاطع وزودته بمصادرك التي لا يرقى إليها شك، يكون قد رد عليك سلفاً بأن للجيش الحق في «استجواب» الموقوفين. فإذا ماتوا «تحت الاستجواب» جاؤوك بخبر «التغيرات المناخية» التي قتلت أولئك الإرهابيين المحتملين، واستبقوا الأمر مرة أخرى في تبرير قتل من لم يقتلوا بعد «تحت الاستجواب» بالقول إنهم تناولوا مواداً سامة تشكل خطراً على حياتهم، على رغم كل فحوصات «الطاقم الطبي» لأجسامهم ودمائهم للتأكد من خلوها من تلك المواد السامة.
ونحن نعرف أن المواد السامة المقصودة في بيان الجيش ليست مواداً طارئة على دماء أولئك اللاجئين السوريين، بل هي جزء أصيل من دمهم ورثوه عن أجدادهم وصولاً إلى أول شقاق في تاريخ الإسلام بين سنة وشيعة، تكفيريين و»تنويريين»، إرهابيين و»مسالمين»، مذهبيين و»علمانيين»… هذا الدم الفاسد هو سبب تهجيرهم أصلاً من القصير ويبرود وغيرها من الأراضي السورية على يد الميليشيا العلمانية التنويرية المسالمة لحزب الله الإيراني في لبنان. وها هو»جيش وحدة المسارين» يكمل ما بدأه هذا الحزب في سوريا، فيتوغل في الدم السوري الرخيص بحثاً عن السموم التكفيرية التي، للمصادفة، لا تقتل إلا أصحابها. قامت جريدة النهار اللبنانية، قبل أيام من «ملحمة» الجيش اللبناني البطولية بقصفها التمهيدي، فحذرت من «تناقص» اللبنانيين و»تزايد» السوريين في لبنان، في صدى تافه للذعر الإسرائيلي التقليدي من خصوبة الإنجاب لدى الفلسطينيين مقابل «التناقص المطرد» لنسبة اليهود في إسرائيل. اللبنانيون يتناقصون فعلاً، ولكن ليس بسبب تزايد اللاجئين السوريين، بل بسبب تحول لبنانيين كثيرين إلى سوريين أسديين.
حيفي على لبنان، وكل التضامن مع اللبنانيين الأصيلين ممن يعرفون عن قرب ما معنى عنجر والعنجرية، أس كل إرهاب وتكفير ووضاعة. فهؤلاء مثقفون محترمون أفراد متفرقون بلا سند من طائفة أو»دولة» فرض عليهم الصمت تحت شعار أن «الجيش خط أحمر». و»من لا تعجبه ممارسات الجيش فليرحل!» هكذا غرد ابن عنجر البار. وبيت القصيد في كل هذه الفضيحة مطالبة «الدولة» اللبنانية التي خطفوها، هم أنفسهم، بالتنسيق مع نظام البراميل والكيماوي من أجل إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
أما نحن السوريين، فلن نطالب شيئاً غير موجود بإعادة وحوش حزب الله من جبهات القتال على أرضنا إلى لبنان. فحساب هؤلاء في سوريا، يدفعونه اليوم، وسيدفعونه غداً.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي
بارك الله فيك ولا فض فوك