نعم لتغيير الأنظمة، لا لإسقاط الدول!

لا أدري لماذا تثور ثائرة البعض عندما يسمع تصريحات تقول إن المطلوب في سوريا تغيير النظام وليس إسقاط الدولة. ما العيب في هذا الطرح؟ ألم يثر السوريون أصلاً ضد النظام الفاشي تحديداً؟ فلماذا لا يكون الهدف الأول والأخير هو تغيير النظام مع الحفاظ بقوة على بنية الدولة السورية حتى لو كانت مرتبطة أو من صنع النظام؟ الأنظمة تذهب، بينما تبقى الدولة ومؤسساتها، وهي ليست ملكاً للنظام، بل للشعب، لأنه دفع من جيبه الخاص على بنائها.
لا شك أبداً أن الأنظمة الفاشية الديكتاتورية تصنع الدولة على مقاسها، بحيث ينهار كل شيء بعد سقوط الطواغيت، لكن، لماذا نجاري رغبة الديكتاتور الذي يريد أن يهدم المعبد عليه وعلى الجميع عندما يشعر بخطر السقوط؟ صحيح أن النظام السوري وأمثاله توعد منذ بداية الثورة بأنه هو من بنى سوريا، وأنه إذا سقط سيحرق الدولة التي بناها كونها من صنعه، كما يزعم. لا شك أن معظم الطواغيت عبر التاريخ كانت لديهم هذه النزعة الانتقامية الحقيرة التي تعمل بالمبدأ الشهير: «علي وعلى أعدائي»، لكن أليس حرياً بالشعوب أن تقف لهم بالمرصاد؟ أليس من الواجب أن تعمل الشعوب على إسقاط الطغاة، لكن في الوقت نفسه، تحول دون تدمير الدولة؟ أليس أكبر خازوق يمكن أن تقدمه الشعوب الثائرة للطواغيت الساقطين والمتساقطين أن تمنع سقوط الدولة من بعدهم؟ الطاغية يريد الانتقام بحرق الدولة، فلماذا تسهّلون له المهمة؟ لماذا لا تسقطونه، وتتركون هياكل الدولة قائمة لبناء الدولة الجديدة؟ ألم يقل الثائر السوفياتي الشهير فلاديمير لينين ذات يوم إنه مستعد بعد الثورة أن يبني الدولة الجديدة بحجارة الدولة القديمة؟ لا أعتقد أن الثوار العرب أكثر ثورية من لينين قائد الثورة البلشفية الشهير. وبالتالي عليهم أن لا يكونوا ملكيين أكثر من الملك.
لماذا لا ينظر السوريون إلى الدول التي سقطت فيها الدولة؟ هل شاهدوا ماذا حل بالصومال والعراق وليبيا وأفغانستان عندما انتهت الدولة، ولم يعد هناك أي نوع من النظام يحكم البلاد؟ عندما فكتت أمريكا الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية انتهى العراق كدولة، وتحول إلى ساحة للعصابات الطائفية والمذهبية، أو بالأحرى أصبح يعمل بالمثل السوري المعروف: «كل مين إيدو إلو». فبدل الجيش العراقي ظهرت الميليشيات الطائفية والمذهبية والعرقية، وراحت تذبح العراقيين على الهوية، مما جعل البعض يتحسر على أيام الطغيان الخوالي. وقد سمعنا بعض العراقيين يقول: «كان لدينا صدام حسين واحد، وعُدي واحد، وقـُصي واحد، فأصبح لنا الآن بعد سقوط الدولة آلاف الصدّامات والعُديّات والقـُصيّات. لقد ضاعت الدولة تماماً، وأصبح العراق مفككاً. طبعاً أرجو أن لا يفهم أحد هنا أنني أدعو إلى بقاء الطواغيت لأنهم يحافظون على تماسك الدولة. لا وألف لا. فلا ننسى أنه لولا طغيان بشار الأسد وأمثاله لما أصبحت الدولة السورية وغيرها قاب قوسين أو أدنى من السقوط. الطغيان هو الذي يؤدي إلى سقوط الدول أولاً وأخيراً وليس أي شيء آحر، لكن السؤال مرة ثانية: لماذا نحقق للطغاة أغراضهم الحقيرة بإسقاط الدول عندما ينفقون؟
انظروا إلى وضع الصومال الآن بعد حوالي ربع قرن من سقوط الدولة؟ انتهى البلد، ولا يمكن أن تقوم له قائمة أبداً كبلد موحد. والأنكى من ذلك أن الصوماليين استمرؤوا غياب الدولة، وأصبحوا معتادين على نمط جديد من الحياة لا يمت للدولة بصلة. ولو حاولت أن تعيد لهم الدولة الآن لربما رفضوها. انظروا أيضاً إلى أفغانستان وليبيا. لم يعد هناك بلد اسمه أفغانستان إلا على الخارطة بسبب غياب الدولة الواحدة المسيطرة على كامل البلاد. وفي ليبيا نجح القذافي في إيصال البلاد إلى مرحلة اللادولة عندما ربط كل المؤسسات العسكرية والأمنية بشخصه، فانهارت بسقوطه، ولم يستطع الليبيون، أو لنقل، لم يعملوا على ترميمها كي يبنوا دولتهم الجديدة على هياكلها. فلينظر السوريون الآن إلى النماذج الفاشلة أمامهم، ويسارعوا إلى لملمة أشلاء ما تبقى من الدولة. وهذا لا يعني أبداً أن يعيدوا تأهيل النظام الذي أوصل الشعب والبلد والدولة إلى مرحلة الانهيار. لا أبداً، فالنظام لا يمكن أن يعود أبداً، وهو أكثر المستمتعين بحالة الفوضى وانهيار الدولة الآن. وهو أكثر المستفيدين منها. وهو ضد أي محاولة لإعادة الحياة للبلاد، لأن أي حركة إصلاحية تعني سقوطه كاملاً. ولا ننسى أن النظام أصبح الآن يتصرف كميليشيا كبقية الميليشيات التي تتحكم بالأرض السورية. وهو سعيد بذلك، فهو يعتقد أنه من الأفضل له أن يبقى كميليشيا على أن يزول تماماً.
من السهل جداً أن تحكم بلداً بدون رئيس، على أن تحكم بلداً بلا مؤسسات وهيكل حكومة ودولة. وكل من يعمل على تقويض الدولة ومؤسساتها في سوريا وغيرها، فإنما يحقق أهداف الطغاة الذين ربطوا مصائر الدول بمصائرهم.

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hassan:

    إذا كانت الأنظمة ضاربة جذورها في الدولة فكيف لها أن تسقط دون المساس بالدولة. الدولة هي من صنع الأنظمة، أقاموها على مقاسهم.

    1. يقول د.منصور الزعبي:

      للاسف تغيير الأنظمة في الشرق يعني سقوط الدول ، قواعد الديموقراطية الغربية لا يمكن تطبيقها العالم الاسلامي العربي .

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    النظام والدولة
    بسوريا النظام بعثي برأس علوي والدولة عسكر تابع للرأس
    بالجزائر النظام ديمودكتاتوري برأس مدني والدولة تابعة للعسكر
    بمصر واليمن النظام دكتاتوري برأس عسكري والدولة تابعة للعسكر

    من هو الممسك بالدولة الآن بهذه الدول غير العسكر
    وماذا بربكم أفادنا هذا العسكر ؟ فلم نرى منه غير الهزائم!
    العسكر غير منتج لأي شيئ بل هو مستهلك لقوت الشعب ومقدراته

    طز بالعسكر الذي يذل من الخارج وبنفس الوقت يذل شعبه
    وطز بالدولة التي لا تحترم مواطنها فالمواطن من يصنع الدولة

    الخميني أطاح بالدولة وغير عسكرها الشاهنشاهي بحرس ثوري
    الأسد أطاح بالدولة وغير قادة عسكرها وأحاطهم ب 17 جهاز أمن
    وغيرهم كثير مثل صدام وصالح وبن علي والبشير وخالد نزار وووو

    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول د.منصور الزعبي:

      من نهايتها يا اخ كروي…. نقبل بحكم العسكر و لا نقبل بحكم الاخوان المسلمين .

  3. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    ماذا بعد إسقاط الدكتاتور؟ الإجابة عن السؤال أهم من كيفية أو طريقة إسقاطه وكما يظهر أنه سوف لن يحدث, إن لم يكن للسؤال جواب فلاتسقطه, الخطر أعظم من أن تسقط معه الدولة والوطن, هو ماحصل فتغزوك أجناس باسم الحرية وهي أبعد ماتكون منها, أقوام بقوانين حمو رابي تنغص عليك حياتك وتمنع عنك حرية التنفس والحياة, فكيف ستتخلص منها؟ أي ثورة وأي ربيع هذا ؟ ضاعت الثورة وخرب الوطن وتكالبت الأعداء.

  4. يقول عليلي توفيق الجزائر:

    كتبت ذات يوم مقال في الفايسبوك تحت عنوان.. نظام فاسد أفضل من المحتل… يا سيد فيصل القاسم هل تعتقد أن للدولة وجود بعد ما هتك الاستعمار بالخلافة أو الحكم القديم.. متى كان للدولة الوهمية التي يتشدق بها الكتاب و المحللون السياسيون. وجود عقب مغادرة الاستعمار للبلاد العربية التي كان يحتلها ليس هناك دولة يا سيد فيصل فقط نظام تركه الاستعمار للشعوب و لعلك قد لاحظت بان ذهاب النظام في أي دولة عربية أو طن عربي بالمعنى الحقيقي معناه ضياع الوطن الشعوب هي الوحيدة التي أن صلحت استطاعت بناء الدولة على أنقاض النظام عدا ذلك انظر الى الوضع في العراق في بلدك سوريا في اليمن في ليبيا في مصر ربما لم يعد أو بالأحرى ليس هناك وطن ولا دولة بناء الدولة يتطلب شعبا طيب الاعراق.

  5. يقول عصام بن عبدالله:

    نعم لتغيير الانظمه ودول سايكس بيكو الاستعماريه ونعم لدوله واحده موحده تحكم بما انزل الله

  6. يقول عبد الوهاب إبراهيم Canada:

    دكتور قاسم فى البلاد العربيه الدكتاتوريون والطغاة هم ملاك الدوله وقد تختلف نوعية هؤلإ الملاك ولكن فى النهايه هى ملكيه عسكريه وإذا ماحاول أى فصيل فى هذه الدوله المطالبه بحقه فجزائه السجن او القتل أو الإعدام ، وتختلف العقوبه حسب مصداقية الفصيل المطالب بحقه وكلما زادت هذه المصداقيه كلما زادت العقوبه، ولكن إذا طالبت كل فصائل الدوله بحقوقها المنزوعه فهنا لايكون أمام ملاكى الدوله سوى الإنتقام من الجميع وهنا تسقط الدوله، وهذا ماحدث فى كل الدول التي سقطت. بإختصار شديد لايمكن إزاحت الدكتاتوريين والطغاة العرب إلا بسقوط الدولة. والسؤال ألأهم أستاذى الفاضل ماهو تعريف الدوله الساقطه لديكم؟ ألا تعتبر أن الدوله التى يعيش أهلها مسلوبين من أبسط مقومات الحياة المعيشيه من صحه وتعليم وعداله إجتماعيه وإحترام لأدمية ألإنسان هى دوله ساقطه؟.

  7. يقول متعب المرتاح:

    يا دكتور فيصل:

    العالم العربي بحاجة إلى غربلة كبيرة جدا جدا جدا و بأقصى سرعة ممكنة و فهمك كفاية :)

  8. يقول ابو عبدالرحمن:

    حسان جيد
    الكروي احسنت
    عليلي توفيق الجزائر ما فهمتك مظبوط وضح
    تحياتي

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      أحسن الله اليك يا عزيزي أبو عبد الرحمن
      أعتقد أن قصد العزيز عليلي هو أن ذهاب الخلافة شرذمنا وأضعفنا
      تحياتي ومحبتي واحترامي لكما وللجميع

      ولا حول ولا قوة الا بالله

  9. يقول راشد. المانيا:

    المشكلة عندنا يادكتور فيصل أن نظام البعث العلوي ربط اسم الدولة ومؤسساتها
    باسمه فأصبح سقوط النظام سقوط للدولة هكذا رتب هذا النظام الدولة فأصبحت سورية الاسد ودمشق الاسد ومشفى الاسد وكلية الاسد للهندسة ومكتبة الاسد وجامعة تشرين وجامعة البعث
    وشارع الباسل ومدرسة الباسل وكلية الاسد للبنات وشي سمعناه وشي لم نسمع به
    يعني نظام آل الاسد ربط الدولة باسمه واعتقد أن البلد مزرعة له ولأولاده ولاعجب عندما أطلق بشار شعاره الشهير ليملأ الشبيحة جدران سوريا ” اﻷسد أو نحرق البلد ”
    ونتمنى من الله يادكتور فيصل أن يحميك الله من هذه العصابة .

  10. يقول Tomas:

    الوضع مختلف تماماً في سوريا ،
    الثورة البلشفية المنصرمة المذكورة في المقال أعلاه من حيث طبيعة النظام ومكان وزمان وخاصية تختلف عن وضع النظام السوري الذي وضع حجر أساسه الراحل حافظ الأسد بحيث النظام ومؤسساته الدولة السوريه الذين يشكلون بمجموعهم ( الدولة) وحده واحدة من حيث طبيعة ربط مؤسسات الدولة باتباع النظام وكذلك الجيش والأجهزة الأمنية باتباع النظام من منطلق ( انت علوي لك كل شي وان كنت غير ذلك فلا شي لك سوى ما هو أدنى )
    يشمل ذلك التجارة ورجال الاعمال في سوريا المرتبطين آصاله بالنظام السوري ،
    وعليه ، ومن الذكاء والدهاء الأب الأسد بال تأسيسه لنظام على هذه ألطريقه من الصعب ان لم يكن من المستحيل إسقاط النظام دون الدول ( المقصود فيها مؤسسات الحكومية الرسمية ) حيث فلول النظام ( العلويين) مسيطرين عليها بالكمال ،
    لذلك خيار الثورة البيضاء ( النظام دون الدولة ) بخصوص الثورة السورية غير متحققه بل من المستحيل تحقيقها في ضوء حساسيه و/او خصائص وضع/ تركيب النظام المذكورة أعلاه .

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية