هل يمكن أن تعيش حياة أخلاقية وأنت خائف؟ هو سؤال يلاحق البشرية كلها وهي تعيش اليوم تطورات علمية هائلة تأخذها إلى حدود أبعد من كل تلك التي أوجدتها المعارف والمعتقدات السابقة، في حين أنها لا تزال محكومة أخلاقياً ومعقودة نفسياً بأنظمة تقاليدية ومعتقداتية قديمة تستخدم التهديد والوعيد وتستثير المخاوف العميقة إلزاماً لهؤلاء البشر بأنظمة أخلاقية محددة. في زمن الوصول إلى نظريات الفيزياء الكمية والأكوان المتعددة السحيقة والأبعاد الجديدة المختلفة، في زمن التلاعب بمفهوم الزمن والتعامل معه على أنه بعد آخر يمكن التأثير عليه، في زمن اكتشاف كل هذه البقايا للجنس البشري والأجناس التي تسبقه وصولاً إلى أنواع قد قضى عليها جنسنا «الهومو سيبيان»، في زمن التكنولوجيا والتواصل والتنقل الخارقة جميعاً، هل لا يزال من المجد تهديد البشرية بالحرق والقطع والتعليق والتعذيب البشعة؟
يبدو أن الخوف حالة سيكولوجية مزمنة، جينية التأسيس في كينوناتنا البشرية الضعيفة، فلا يزال الخوف يجمعنا، يسيرنا ويحكمنا ويتحكم في أبسط أمور حياتنا، بل إن الخوف لا يزال قادراً على قسرنا على التضاد وقناعاتنا، على تحوير المنطق ومعاندة الدلائل ومقاومة الثابت علمياً وعقلياً. هو الخوف الذي يدفع هذه البشرية لمقاومة المنطق المسلوب من الكثير من الممارسات البشرية الدينية، هو الخوف الذي يجبرها على حمل عادات وتقاليد ومفاهيم بالية عفّ عليها الزمن والمنطق ونفتها الدراسات والعلوم الحديثة أثقالاً مضنية على أكتافها وهي تخطو باختيارها أو من دونه إلى الأمام، هو الخوف عدو البشرية الأول وسلاحها الأنجع لترويض بعضها البعض.
والخوف أداة خلابة، فهو ينبع من فكرة، والتي لا تلبث تغرس مخالبها في النفوس فتسيرها كيفما تشاء. عندك مليون إنسان، كيف يمكنك أن تتحكم بهم؟ هل تضع شرطياً على رأس كل فرد منهم يراقبه ليل نهار أم تزرع فكرة مخيفة في نفوسهم عند وحدك مفتاح التحكم بها، فكرة تكبلهم حتى وهم في خلواتهم، حتى وهم يفكرون سراً مع أنفسهم؟ وهكذا هم نحن، مسيرين منذ أزل الدهر بالخوف، خوف يمنعنا التصرف المنطقي، يحرمنا التفكير العقلاني، والأهم يقسرنا على الطاعة ويحرمنا المعارضة أو المجادلة أو المساءلة، فكل تلك، يسر لنا الخوف، ستقودنا إلى الإثم الذي سيعرضنا لأشد أنواع التعذيب والذي في أحايين كثيرة يكون أبدياً. يطفو الخوف في النفوس كعفن أخضر، يسد علينا كل الحواس، فلا نعود نرى أو نسمع أو نشتم سواه، خوف طاغ يسيرنا ويطوعنا مغلقاً علينا منافذ العقل والمنطق، قاطعاً علينا كل الطرق الى حيث نسمة هواء الحرية وحق تقرير الفكرة المقنعة.
إنه الخوف في أكثر صوره بدائية هو الذي لا يزال يحاصرنا خلف الخط الاحمر، هو الذي يجعل أقلية تتحدث بإسم الخالق وبصفة الموت وبهوية الحياة الأبدية تتحكم بنا وتسيرنا وتقرر مصيرنا. هناك، في الشطر الآخر من الكرة الأرضية، حيث الزمن سبق بألف سنة أو تزيد، بدأت البشرية تقاوم فكرة الخوف وترفض فكرة العذاب الأبدي وتدحض منابع الرعب ذات الصور عميقة القدم، حتى أن المؤسسات الدينية الغربية بدأت تفلسف مفهوم الآخرة وفكرة الثواب والعقاب بشكل مختلف غير حبيس لأنماط التعذيب القديمة من حرق وقطع وتعليق وخوزقة، والتي كلها تشير الى عنف بشري قديم يفترض أنه ما عاد يشكل جزءاً من العقلية الإنسانية الحديثة. اليوم، التفكير والشك أصبحا فضيلتين، والمقاومة وعدم الإنصياع للسائد أصبحا ميزتين. اليوم، الإنسان الحديث هو الذي يرفض الذل والإستعباد، هو الذي يبني نفسه بنفسه على هذه الأرض، بأخلاق يرتضيها لإيمانه بها وبفائدتها لا بأخلاق يلتزم بها رعباً من نار تحرقه أو عذاب أزلي يحبس فيه.
الإنسان الفاضل اليوم هو الإنسان حر الإختيار، هو الذي يقوده عقله ومنطقه وقناعاته، لا خوفه ورعبه وأطماعه في ملذات حرمت عليه في الدنيا، فكيف تكون هي أخلاق حقيقية إذا ما كان الدافع كل الدافع لهذا الإنسان في أي عمل يؤديه هو الخوف أوالشهوة؟ وكيف يستتب المنطق لتحريم وتحليل يفرق بينهما الزمن (كما كتب أحدهم في موقع لا أذكره) حرام في الدنيا وحلال بلال في الآخرة؟
سيبقى الخوف أبداً جزءاً من سيكولوجيتنا البشرية الهشة، ولا خلاص لنا سوى بمقاومته بالمنطق والتفكير الحر، وهما ليسا يسيرين أبداً على بشر مثلنا قادمين من أزمان سحيقة، متمسكين بأنماطها، متلبسين روحها، مكبلين بكل مخاوفها، مهددين بكل أفكارها. طريقنا طويل، وصراعنا مرير، مع أرواحنا ودواخل نفوسنا قبل أي طرف آخر. لكنها الدنيا، لا تسري إلا الى الأمام، ولا بد لليل أن ينجلي، ولا بد للنفق أن ينتهي، ولا بد للخوف أن ينقشع حين يشع نور العلم وتشرق شمس العقلانية وتهب نسمات المنطق العليلة، فنعلم أننا قد وصلنا إلى نهاية النفق، ونخرج إلى الحياة.
د. ابتهال الخطيب
أخي سيف كرار ،السودان, كلامك عن الخوف سليم تماما وينطبق مع ما قرأته منذ فترة طويله, دراسة في علم النفس عن الإبداع, حيث أظهرت الدراسة أن الدافع يولد الخوف والتوتر الداخلي اللازمة للسعي والعمل لإنتاج الإبداع لكن هذا يتطلب وجود الاستقرار والأمان (وعادة يرتبط أو يشترط البيئة اللازمة) الذي يضمن عدم تحول الدافع والخوف والتوتر إلى مستوى مرتفع أعلى من اللازم للعمل المستقر الدؤوب للإنتاج الإبداع والوصول إلى الهدف (الخوف الإيجابي في تعليقك) أي من أجل ضمان عدم تحول الخوف والتوتر من داعم للدافع ومحرك له إلى طاقة غير مستقرة وهدامة (الخوف السلبي في تعليقك) ومن هنا فإن العلاقة المستقرة مع البيئة المناسبة لضمان الأمان والاستقرار الضرورية للإنسان. ومن هنا نفهم جيداً ما يحصل عادة من هجرة للمبدعين والمفكرين والأدباء والكتاب (وكذلك ما يسمى هجرة الأدمغة) إلى أماكن أخرى أو دول أخرى تضمن لهم البيئة المناسبة لإنتاج الإبداع.
يوجد فرق بين الخوف والقلق ، كالفرق بين الحياء والخجل ، فالقلق وارد في كل الأمور السلبية وصفة ملازمة في أمور الحياة ، لكن الخوف يأتي من عقوبة أو شر كبير متوقع ،فيكون اللجوء إلى الله تعالى هو المبدد له وإذا زاد الخوف عن حده أصبح ضعف وهوان .
الا بذكر الله تطمئن القلوب، وبالخمر تنسى المشاكل، وبالمخدرات .. الدين افيون الشعوب، ويا له من افيون، مجاني!
أبدعت ولكن اريد أن أنبه بأن ماكتب بهذه الجمله (أن الخوف حالة سيكولوجية مزمنة، جينية التأسيس) يمكن أن يصاغ بعربية عادية وعلمية على هذا النحو (أن الخوف حالة نفسية مزمنة، وراثية التأسيس). لست ضد اغناء اللغه بالجديد ولكن افضل استخدام الموجود, المفهوم من الغالبية والصح.
أخي Faroug من الواضح هنا أن أحد أنواع الخوف هو أحد البدائيات الموجودة في الجينات (وبالتالي وراثية) وفي بينة الكائنات الحية واومرتبط بالانفعالات البدائية والتي عادة تكون مصحوبة بالقدرة على ردات الفعل السريعة والموجودة عند الإنسان والحيوان هدفها حماية الكائن من الأخطار التي يتعرض لها بشكل في الحياة (الغاب وشريعة الغاب السائدة فيه)
الاخت د. ابتهال الخطيب اسعدتِ صباحاً وبعد:
مقالاتك مثلُها مَثَل استخلاص سنابل القمح من رُزَمْ الاعشاب الضارة التي تلازمها وتتعلق بها لاتلافها؟!
كتاباتكِ هذه وطرحك لهذه الافكار هي بمثابة اشهارٍ لِعَلَمَ الجُرأة امام المحبطين , هي اداة لاستنهاض الانكفاء والتوجس الذي يميز معظمنا؟!
هي حقنة تحفيز لمواقع البلادة الذي يُقعدنا عن الاقحام لمواجهة القادم الآتي الينا؟!
ذَكَرَ البعض مسألة الخوف من الله !! وانا بدوري اتسائل , أَهَل الله مخيف حتى نخشاه ؟!! اليس الله (استغفر الله ) محبة؟! حتى نتقرب منه ,
عندما نؤمن بان الله محبة , فنحن في امان وطمأنينة , فلا رَهبة ولا خوف ولا فزعٍ يشغلنا ,
من اجل التقرب الى الدين , على المشايخ التشديد على مواعظ الترغيب وليس التخويف والترهيب؟!
واخيراً لا بُدَ من الاشارة الى ان الخوف رفيق الجهل , ومتى تركنا جهلنا وحماقاتنا وغباوتنا , واستبدلنا ما نحن فيه بالتروي والحكمة والادراك والعلم والمعرفة , فسيبقى الخوف معشعش في كل خلايانا الوراثية ونهجنا وسلوكنا المرعوب والغير مرغوب والسلام
سيدتي الفاضلة٬ تحية إجلال وتقدير لكل ماأسعفتني الظروف لقرائته من كتاباتكِ.العقل العربي بحاجة إلى مثل هذه الأفكار المتنوِّرة والمُجدّدة؛ خاصّة إن جائت من عقل وإحساس سيدة عربية فخورة بإنتماأتها وأصولها التاريخية. إنه مقال رائع حقاً، يجب إعادة قرائته مرات ومرات؛ وهذا ما فعلت…لكنني لم أستطع التغلب على إحساسٍ رفيع بأنكِ لم تقولي “كل شئ”…وأنه ” مازالت في نفسكِ أشياءٌ من حتىَ “..في إنتظار المزيد أقول لكي أنكي على حق:عدونا الأكبر هو الخوف.
يكفي الربط بين عنوان المقال: نهر من خمر، وبين الخوف، الارهاب الديني: اسلوب التخويف والترهيب: الشجاع الاقرع، ثعبان ذو الثلاثة رؤوس، عذاب القبر، النار .. نهر من خمر، محرم في الدنيا ومحلل في الجنة، ومنهم ما قال بانه لا يسكر، كالبيرة بدون كحول التي تباع في السعودية.
الخوف من “الاجهزة” التي زود بها الانسان للحفاظ على حياته، والفرق جوهري بين الخوف وما قد يؤدي اليه. حب الذات، اذا ما اصبح انانية فهو مذموم، ويعاب عليه الانسان، ولكن من لا يحب نفسه، كيف له ان يحب الغير؟! والذي نفسه بغير جمال، لا يرى في الكون شيئا جميلا. اذن اين الحد الفاصل؟ حب الذات والانانية: الانانية: ايثارية النفس على الغير، حتى لو كانت غير عادلة ومضرة بالغير. اذا “العداله” وعدم اذى الغير بدافع حب الذات. والشجاع يخاف، لكن خوفه لا يوقفه عن التضحية، عن تحدي الخطر وركوب المخاطر..
خير الكلام ما قل ودل.
شكرًا لجريدة القدس : قرأت المقال والتعليقات بصراحة تعليق الدكتور جمال متفوق على مقال الدكتورة ابتهال …
نسبة الخوف إلى الأخلاق هي نسبة الطبع الغريزي إلى الطبع المكتسب. حضور أحدهما نفي لوجود الأخر.
ما قيمة التقوى إن هي تحققت بسلطة الثواب والعقاب الحصرية ؟ إن الأخلاق تفترض إمكانية الأختيار كما أن الأجبار يشكك في صدقية الفضيلة. ليس من يرفض شرب الخمر بباريس كمثل من يرفضها في كابول أو الرياض. الفيضلة إنتصار لخيارممكن ضمن ممكنات عدة لا إمتثال لممكن وحيد. الطاعة ليست فضيلة.
أن فكرة إله يستجدي طاعة المخلوقات تحت طائلة المحاسبة هي فكرة أمعن الفقهاء في تكريسها بمباركة من سلاطين نصبوا أنفسهم ظلّا للأله على الأرض. إن مبدأ الخوف حوّل العبادات إلى تمارين طاعة يؤديها المسلم خوفا وطمعا , وقد تفنن الفقه في تفصيل عقوبة تارك الصلاة وحكم مفطر رمضان ولم يبد إهتماما مقابلًا لأبواب الأيمان والأخلاق. حتى إن التدين السطحي يرفض الأخلاق نفسها إن هي تحققت خارج إطار العبادات. دائما نفس التركيز على مبدأ الطاعة والتدكير بالعقاب التي ينتظر المخالف. مخافة الله صارت فخرا والأرجح أن فيها شيئا من إزدراء الدات الألهية !
السلام عليكم..قبل الرد على الأخت الكاتبة التي نرى أنها تؤمن بأفكارها إيمانا يقينيا كإيماننا بأفكارنا،نرد على الأخ هاري لأنه سأل هل أنتم مؤمنون حقا أم جدا خائفون؟..الجواب كالتالي: إن الإيمان الحق بذات الله الخالق البارئ ،الحق، يجعل الإنسان في مؤمن(فتح الميم) من الخوف أو الحزن و كل أشكال الإكتئاب،الرزق،المستقبل إلخ.. كما قال الله تعالى (” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)..”) حتى أن الدنيا بكل مصاعبها و مصائبها و فتنها المتراكمة كما أن نعيمها و لذاتها و زينتها و كل ما فيها لا يأثر فيه قيد أنملة،و يعيش حياته الدنيا بمعية ربه في كل مكان و زمان كقوله عز و جل:(” فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)..”) إلى أن يأتي أجله المقدر الذي كتبه الله له :
(” ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون..”) ..هذا الصنف من عباد الله موجودون في كل عصر منذ سيدنا آدم إلى أن يرث الله الأرض من عليها..فالمؤمن المتقي لا يخاف إلا من خالقه و لو عاداه كل من في الكون (” إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ..”) ..فيما يخص الكاتبة نستشف مما كتبت أنها تقدم العقل(العقلانية) و العلم المادي و المنطق عن كل شيئ ،و ترى أن تحرر الإنسان منوط بهذه الأمور،وأن الموروث الديني أو الدين يعد عائقا أمام تطور البشرية،و نحن نرى أن العقل له حدوده،فمهما بلغ الإنسان من علم، فسيقف عاجزا في أمام قدرة الله و قوته و للذين يتشدقون بالعلم و العقل ضرب الله مثلا علهم يتذكرون و يهبطوا من علياءهم ففي قوله سبحانه (” يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)..”) فحينما يخلقوا هذه الحشرة الضعيفة سنرفع لهم القبعة..نحن نعلم أن الجدل من صفات الإنسان (” و كان الإنسان أكثر شيئ جدلا..”) و كثير من الناس لو جئته بمليون آية فلن يؤمن لك و لو زدته مثلها مددا (”وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)..”)..أما الجزاء و العذاب و الجنة و النار و كل أركان الإيمان الأخرى،فهي أمور غيبية مذكورة في كتاب الله القرآن،و الإيمان بها من صفات المتقين (”..الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)..”) و الكفر بها من صفات الضالين (” مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)..”) و كل ما ذكر الله في كتابه المجيد نؤمن به و كذلك كل ما جاء به الرسول الأعظم ما دام يصدقه كتاب الله..و السلام على من إتبع الهدى…
تحية، ليت كثرى من هم مثلك مؤمنون! السؤال البسيط: انا لست من المؤمنين، فما حكم دينك علي؟ وكيف تعاملني لو توافقت الظروف ولا مهرب من ذلك؟
لا زلنا ندور في نفس الدوامة :الدين حسب اعتقادك هو سبب التخلف لا يزرع فينا إلا الرعب والإنكسار إلى درجة يجعلنا متقاعسين عن مواجهة الضلم، يصدنا عن الإبداع والعلم والتقدم، ضد التطور والمعرفة، وحتى لا أكون متجني أو أقول كلاما إنشائيا، أقتبس بعض ما جاء في موضوعك “هل لا يزال من المجد تهديد البشرية بالحرق والقطع والتعليق والتعذيب البشعة؟” – “هو الذي يجعل أقلية تتحدث بإسم الخالق وبصفة الموت وبهوية الحياة الأبدية تتحكم بنا وتسيرنا وتقرر مصيرنا”.
وأنا أقول كما كنت أقول دائما أن لا كهانة ولا رهبانية في الإسلام والخوف هو الخوف من الله.ولو كنا أخلصنا نيتنا وعبوديتا لله لصنعنا المعجزات في كل هذه الأرض التي تاريخها هي الإسلام.لو كنا نخاف من الله تعالى لأعلنا ثورتنا على الضلم والطغيان والجهل ولكن ما دمنا لا نخافه ونعبد المادة والكرسي والطغات ونخاف على أنفسنا حتى ونحن ميتين لا نكاد نجد حتى ما يسد رمق جوعنا حتى ضربت علينا الذلة والمسكنة وتداعت علينا الامم من كل أفق كما تداعت الأكلة على قصعتها.
لا ننكر أن العلم أحدث طفرة وثورة كبيرة في العالم خاصة في وقتنا الراهن وغير مجتمعاتنا رأسا على عقب من حيث التواصل عبر الأقمار الإصطناعية وتقدم المواصلات والطب والعلم بشكل كبير حتى أصبح كوكبنا عبارة عن قرية صغيرة ولكن لا ننسى كذلك أن هذا التطور العلمي والتكنولوجي كان سلبي من ناحية اخرى بسبب تحكمه بأيدي فئة معينة متوحشة دمرت العالم وأفسدته لأسباب سياسية واقتصادية:أنتجت أسلحة فتاكة من أخطرها الأسلحة النووية ممكن أن تؤدي إلى دمارالكرة الأرضية أكثر من مرة زد على ذلك التوحش الرأسمالي الذي أدى إلى دمار البيئة لانعدام ترشيد هذا التفوق الإقتصادي والتكنولوجي وكل ذلك نتيجة غياب روحانيات أخلاقية وسامية تفتقر إليها الإنسانية التي لا تؤمن إلا بالمادة ولا يهمها سوى الأرباح الطائلة ولتذهب كل البشرية إلى الجحيم.
يتبع إذا تكرمتم
(إنما يخشى الله من عباده العلماء) سقت هذه الآية الكريمة لأوضح لك أن الدين الإسلامي الحنيف ليس دين خوف ولا عنف وليس سبب تخلف ولا هو بإرث تاريخي بل هو دين رباني لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من قبله لأنه لو كان كذلك لما اعتنق هذا الدين بكثافة كبيرة نخبة خاصة من العالم وهو العلماء من كل مشاربهم: الفلك، الطب،الجيولوجيا وحتى علماء الديانة النصرانية أذكر على سبيل المثال داود موسى بیدكوك العالم الإنجليزي الذي أسلم بسبب الآية القرآنية التي تحدثت عن انشقاق القمر لم يصدقها أول مرة حتى تيقن بدليل علمي على التلفاز جعلته يقفز من الكرسي مشدوها بهذا الإعجاز العلمي الرباني أو يوسف أستيس الأمريكي الحاصل على الدكتوراه في علم اللاهوت والقائمة طويلة جدا لا حصر لها.
فاللوم يا سيدتي الفاضلة في تشرذمنا وتأخرنا عن الركب ليس في النصوص الدينية وإنما الخلل في نفوس هذه الأمة المسلمة التي لم تأخذ بأسباب العلم والتقدم وتعطيلها للإسلام الذي جاء على منهاج وسيرة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.