أطلقت ليال على طفلها الذي ولد في السجن اسم نور، وكان نور لحظة الفرح الأولى في الزنزانة التي ضمت مجموعة من الأسيرات الفلسطينيات في سجن اسرائيلي. عينا نور وخوفه وسعادته وهو يرسم حبات المطر بالفحم على جدران الزنزانة، صنعتا مساحة الحرية في السجن، وجعلتا من بطلات هذه الحكاية التي كتبتها مي المصري، اسماً آخر للوطن الأسير.
في فيلم 3000 ليلة، الذي اختتم به مهرجان الفيلم الأوروبي في بيروت، صعقتنا المفاجأة. فوجئنا بما نعرفه ونعيشه، فالفيلم لم يأخذنا إلى حكايات نجهلها، بل ارتسم كوثيقة عن حياتنا وقد ارتسمت في عيون نساء يعشن داخل السجن، ويصنعن من الزنزانة وطناً مؤقتاً في انتظار الوطن.
حكاية بسيطة منسوجة بمعاناة شعب كامل صار السجن مدرسته الفعلية. 800 ألف فلسطيني مروا في السجون الاسرائيلية، بعضهم ولد فيها وبعضهم الآخر مات فيها، وستة آلاف فلسطينية وفلسطيني لا يزالون اليوم يكتبون على جدران زنازينهم الحكاية.
في السجن تنمو الروح أو تندثر، ليال (لعبت الدور ميسا عبدالهادي) تكتشف روحها في السجن، وتتحول من مدرّسة عادية تزوجت حديثاً وتستعد للهجرة إلى كندا مع زوجها، إلى امرأة مقاوِمة. وسناء المناضلة (نادرة عمران) ترسم لوحة تجمع الصلابة إلى الحنان.
لوحة تتشكل من نساء اكتشفن أن دورهن في اعطاء الحياة، لا يكتمل الا حين يعطين معنى الحرية لحيواتهن. لحظات تحاذي الرومانسية من دون السقوط فيها، وتناقضات تنتقل من المجتمع إلى وراء القضبان، مقدمة لوحة واقعية لوثيقة تروي الحكاية كشهادة، وتحوّل الشهادة إلى حكاية.
في السجن الاسرائيلي، حيث وضعت المناضلات الفلسطينيات إلى جانب السجينات الاسرائيليات، وحيث الابتزاز والتعذيب ولدت ليال من جديد. الصبية الفلسطينية التي نقلت فتى فلسطينياً في سيارتها اتهم بقتل جندي اسرائيلي، وجدت نفسها، من دون أن تقرر في مواجهة مع المحتل. فالمقاومة ترتطم بالناس قبل أن تتحول إلى خيار واعٍ. ليال، بعينيها البريئتين تتحول من امرأة عادية، لا تدري كيف تخرج من مأزق المقاومة التي وجدت نفسها وقد تورطت فيه، إلى مناضلة، تقاوم المحتل وترفض بطريركية الزوج وتساهم في الاضراب الذي اعلنته الأسيرات احتجاجاً على مذبحة شاتيلا وصبرا، وهي تعلم أن هذا سيكلفها الافتراق عن ابنها نور.
يأخذون نور منها، لكن النور لا يفارق السجينة الفلسطينية، بل يصير احتمالها الأخير. ضوء العيون يمزق عتمة الزنزانة، وسناء تملك عشرات الأيدي بدلاً من يدها المقطوعة، والممرض السجين أيمن (كريم صالح) يصنع بخفر قصة حب من ملامسة الأيدي.
فيلم 3000 ليلة أكثر من وثيقة، انه حكاية انسانية تنقلنا إلى عالم الحركة النسائية الأسيرة، وهو عام لا نعرفه إلا كحكايات مبتسرة، وكلام مليء ببقع الصمت، ولحظات قد تكون هي المضمون الرمزي للحكاية الفلسطينية.
كأن فلسطين مصنوعة من حكايتين متشابكتين: النكبة المستمرة التي قادت وتقود إلى التهجير والطرد والإذلال اليومي والمُسيّجة بأسلاك الغيتوات، والسجن الذي صار مدرسة شعب كامل، يعيش في سجنين.
إلى السجن أخذتنا مي المصري في فيلمها الشفّاف والقاسي، اعدت تأثيث سجن عسكري قديم في الزرقا في الأردن، لنجد انفسنا مع مجموعة من النساء داخل سجن نيفي تيرتزا في الرملة. فلسطينيات من الناصرة والخليل والشتات، يعيدن تركيب الحكاية وكأننا في سجن حقيقي. المدهش في هذا الفيلم هو قدرة الممثلات على نقل كل هذا المناخ الوحشي في اداء مدهش. ميسا عبدالهادي تفاجئنا بقدرتها على الوصول إلى تلاوين التعبير بخفر يجعل من وجهها مرآة للتجربة، ونادرة عمران تملأ الشاشة بحركتها وقدرتها على اختزان كل هذه الطاقة التعبيرية. الجميع رجالاً ونساء، نجحوا في مغامرة اختراع الحياة.
مسألتان يجب التوقف عندهما:
الأولى هي التجربة النسوية في المقاومة الفلسطينية، وهي تجربة مستمرة أعطت النضال الفلسطيني نكهة التحرر والحرية.
والثانية هي الأمومة السجينة، فليال لا تلد في السجن ابنها نور فحسب، بل تلد نفسها أيضاً. المرأة تولد من جديد، لا ينجح السجن في هدم انوثتها بل على العكس من ذلك، انه ينتج انوثة جديدة، توهّجٌ بلا غواية وحنان يلفّ العلاقات التي تواجه القسوة بالصمود، ووجوه متعددة: سجينات اسرائيليات يكرهن العرب ومحامية اسرائيلية تكره الاحتلال، سجينة يهودية تكتشف انسانيتها على يد ليال، وطفل تصنع له أمه العصافير والسماء بالحكايات وخيال الظل والرسوم.
ثلاثة آلاف ليلة هي عدد ليالي السجن التي قضتها ليال خلف القضبان لأنها رفضت أن تتواطأ مع الجلاد الاسرائيلي. ثمانية أعوام عاشتها امرأة مع السجينات بعدما تخلى زوجها عنها وغادر إلى كندا، تاركاً الصبية مع معاناة الحمل والولادة في السجن، وعندما يشرق نور وتلده أمه المكبّلة بالأصفاد، ينفتح الأفق ونشهد كيف تحدث معجزة التحوّل ويصير السجن باباً إلى حرية الفرد والجماعة في آن معاً.
فيلم يشبهنا، ويشبه صورتنا المشتهاة. يشبهنا لأنه يذكرنا بأن هؤلاء الذين نراهم على الشاشة هم نحن في القوة والضعف وفي المرارة والأمل، ويشبه صورتنا المشتهاة، لأنه يذكرنا بمئات الأطفال الذين يشبهون نور، ويموتون اليوم في بحار الغربة واللجوء، أو ينامون مضرجين بالكيميائي، أو يعيشون في مخيمات البرد واللجوء أو يتشردون في طرق هذا العالم الموحشة. المحتل والمستبد وجهان لمأساة واحدة. لكن نور الذي أضاء ليل السجن الاسرائيلي يولد اليوم في دمشق وحلب ودير الزور كي يضيء ليلنا الحالك، ويرسم في عيون الأمهات اشراقة ضوء تخترق هذه العتمة.
الياس خوري
غريب ما يجري بفلسطين
أهل البلاد الأصليين مسجونين
و الغرباء الصهاينة هم السجانين !
الحل هو برحيل الغريب بشتى الطرق
والسؤال هو : إلى متى هذا القهر والذل ؟
ألم يحن الوقت للربيع الفلسطيني وسلاح المقاومة
ولا حول ولا قوة الا بالله
يا سيد خوري مواضيعك دائماً تضع اليد على الجرح،انت وامثالك من الكتاب الذين لا يعرفون الكلل ولا الملل ولم يتغيروا مثل البعض تحيون ذاكرتنا حتى لو كانت مؤلمة،لان واقعنا المؤلم لم يتغير منذ ولادتنا الى يومنا هذا،ولكن الله مع الصابرين،وشكرا،
عن إنسان
( محمود درويش )
وضعوا على فمه السلاسل
ربطوا يديه بصخرة الموتى ،
و قالوا : أنت قاتل !
***
أخذوا طعامه و الملابس و البيارق
ورموه في زنزانة الموتى ،
وقالوا : أنت سارق !
طردوه من كل المرافيء
أخذوا حبيبته الصغيرة ،
ثم قالوا : أنت لاجيء !
***
يا دامي العينين و الكفين !
إن الليل زائل
لا غرفة التوقيف باقية
و لا زرد السلاسل !
نيرون مات ، ولم تمت روما …
بعينيها تقاتل !
وحبوب سنبلة تموت
ستملأ الوادي سنابل ..!
سجونا تلد سجونا .. نور يلد نورا .. مساجين يلدون مساجين .. و نحن في نفس الحلقة المفرغة .. نعود حيث بدأنا .. لا السجن حطمنا .. و لا عرفنا نهاية لهذا الليل ….
Shukran Ustad Elias
Eye and heart opener
Saleh Oweini
Stockholm
مساء النور يا يا الياس مساء الجرح الغائر في ذاكرة الزمن مساء قناديل زيت من قلمك تنير عتمة القبور التي اليها تاوي ضمائر الموتى مساء محمد في الاسراء وصباح عيسى في الفداء ماذا اقول يا الياس كيف اقحمت قلبك في وحل السياسة اللبنانية وانت ابن ذكريات البنادق والخنادق وانهيار بيادق ثورات الزور كنت اكتب لك حادثة هذا الفجر انقطعت شحنة هاتفي ولم اشا ان اكمل فقد فهمت ربما انه ليس الان علي ان اقول شيئا كهذا لقد طوى سري بقدر لكني اقول من عتمة السجن والم الصبر المحبوس في اضلع كل اسير ومنفي من الم القهر وعسر البلوى من وجد الشوق الى رفيق في وحدة الطريق الماسي نحو الله وفلسطين ومن الق الصبر الذي يقف سجانا على بوابات دمع لو جرى لجرى انهارا تبكي على دفقها الدنيا من الم الحسرة ان الرفاق ضلوا الطريق وان من ارادوا المواساة انداد قلوبهم سوداء ولو حسنت اقوالهم وفعالهم يا الياس كم من بيت اوى منفيا وكم من شوق جذوته كالبركان الغاضب قهرا لماذا الحدود تقف في وجهي حدود العرب كعاهرات اوكرانيا التي كما يقول غاندي تحتل بيوتنا في يافا يسقيهن خمرا من دمنا حرس الحدود وعسكر الظلم ما بين مجبر نحى الرجولة والضمير واراد ان لا يخرب بيت عياله فحرس حدود العدو في وجوهنا واطلق الرصاص طوعا او كرها على كل من حاول اجتياز الشيك الحدودي الفاصل بين فرعون وهامان اين نسير بربك يا الياس خبرني العدو امانا وبحر الظلم خلفنا واخوة يوسف يشربون نخب دمنا واجترار اعراضنا ولطريق كلما خطت فيها اقدامنا سمعنا صوت الصدى لا باس انه يؤنسنا يخبرنا انها طريق الصديقين طريق البائعين طريق الذين القوا في عز زهرة الحياة الدنيا نظرة الوداع على الدنيا وعلى رفاق خانوا محبتهم وسلقوا صبرهم بالسنة القدح والذم والقذف ماذا اقول يا الياس لا باس ان صدى اقدامنا المكسرة في الطرق تنبؤنا لا تحزنوا لولا انكم عندنا مصطفون لكان لكم اصحاب كثر ولكان معكم رفاق اكثر الم تسمعوا لا تستوحشوا يا ثوار الدنيا الطريق لقة سالكيها ولا تلتفتوا لقلوب والسن من يقذفونكم لا تلتفتوا سمع الله وراى وبكل حجر رموه عليكم سيكون غضب وانتقام وستمطر السماء تبشر باعيادكم وتبوح بسر عبيركم وتلقي على الدنيا موعظة فحواها ان الصمت ابلغ الحديث وان الجد في حد البنادق وان الاهوال القادمة تتجمع من قهر الصبر ولمعة الرعب في اعينكم وزهور اعماركم الذابلة على الطريق وغدا اجسادكم التي تمضي اقمارا في السماء تهدي بنورها كلما اظلم الطريق
قارئتك المحبة جدا غادة
*
في الحقيقة، يا أخي إلياس، وهي الحقيقة المُرَّة بعينها،
على الرغم من قسوة الإذلال والإهانة وحجز الحريات التي تُمارس بحق المعتقَلات الفلسطينيات في سجون الكيان الصهيوني الفلولي العنصري الغاشم، تبقى هذه السجون بمرتبة «خمس نجوم» مقارنةً بسجون النظام الأسدي المافْيَوي الطائفي المجرم وبما يُمارس في حق المعتقَلات السوريات من أساليبَ همجية ووحشية بل مادونَ-حيوانية.
فإذا كانت المعتقَلات الفلسطينيات الحوامل على وجه التحديد (والسجينة ليال في الفيلم «3000 ليلة» ليست سوى واحدةٍ منهنَّ في الواقع)، إذا كنَّ يستطعن الولادة في السجن لكي تشرق في المطاف الأخير أنوارٌ وأنوارٌ (لا نورٌ واحدٌ فحسب)، ولكي تنفتح أمامهنَّ آفاقٌ وآفاقٌ (لا أفقٌ واحدٌ فحسب)، فإن المعتقَلات السوريات الحوامل يتعرضن كلَّ يومٍ في المقابل للاغتصاب الهمجي وللإجهاض الوحشي ولِبَقْر البطونِ مادونَ-الحيواني، لَئِنْ رفضن أن يتواطأن مع جلادي النظام الأسدي المافْيَوي الطائفي المجرم!!!