«نيولوك» سياسي

عندما نسمع كلمة «نيولوك» يتبادر إلى اذهاننا سريعا السليكون والبوتكس وتكبير وتصغير أجزاء من الجسم، لكننا اليوم ازاء «نيولوك» سياسي في العراق، ربما كانت دوافع الطبقة السياسية مشابهة لدوافع المرأة التي تحاول أن تبدو متجددة عبر عمليات التجميل.
وبما أننا قريبون من موسم الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في 2018، اذن لابد من «نيولوك» لكسر الملل السياسي ومحاولة وضع الرتوش على وجه الطبقة السياسية، لنتقبلها مرة اخرى. اذن هل نستطيع أن نحدد نوع السليكون والبوتكس، الذي سيجمل حركات وتيارات العملية السياسية؟ وهل نستطيع التعرف على ملامح التيارات السياسية المقبلة بعد الـ»نيولوك»؟
العنصر الاول في تركيبة السليكون السياسي هو (المدنية) التي باتت تدعيها كل تيارات العراق السياسية، ويجب ألا نتعجب من ذلك، لأننا شهدنا مطالبة اعتى رموز الطائفية السياسية، وهي تطرح نفسها رموزا لحركات وتيارات (مدنية) مقبلة. ويمكننا أن نسأل كل من يتشدق بهذا الاسم عن معنى الكلمة، لنتفاجأ بان لا تعريف محددا لـ(المدنية) التي يطالب بها الجميع، فالبعض يقولها هامسا خائفا معتبرا اياها مضادا لـ(الاسلامية) التي صبغت بصبغتها الطائفية الحراك السياسي المنصرم على مدى 14 عاما. والبعض يعتبرها بديلا لكلمة (علمانية) التي يعتبرها البعض سبة أو حالة إلى الكفر وتدني الاخلاق، لذلك يستخدم كلمة (مدنية) بديلا مقبولا وغير واضح المعالم، وربما لا يخطرعلى بال أحد انها عكس (عسكرية) اقول ربما، فقد نجد من ينادي بالـ(المدنية) من وجهة نظر رافضة لديكتاتورية عسكرية تقوم على انقلاب عسكري تتمناه قطاعات متزايدة وسط الشعب الباحث عن خلاص.
أما العنصر الآخر في السليكون السياسي فهو (الوطنية) وهي كلمة جميلة تصلح رمزا وهدفا وتحقق التفافا جماهيريا حول المنادي بها، وشعار (الوطنية) حاله حال المدنية، الا انه اقدم استعمالا من حيث التجمل والسليكون السياسي، حيث استعمل منذ بداية التغيير عام 2003، إلا انه سليكون ناجح سياسيا وبضاعة لا تبور، فأعتى التيارات الطائفية والمناطقية سمت نفسها تيارات واحزابا وكتلا (وطنية)، مع العلم أن كل كتلة او تيار او مكون من هذه المكونات كان يفصّل الوطن على مقاس طائفته أو عرقه أو مذهبه، فكيف تتعامل مع تيار طائفي محض يسمي نفسه (وطنيا)؟ هل تصدق التوصيف ام لا؟ هل يمكن تغيير صفة (الوطنية) بأي صفة ثانية ليسهل علينا ابتلاع الطعم وتقبل «النيولوك»؟ ربما كان العنصر الأحدث في عملية الـ»نيولوك» السياسي العراقي هو (الإصلاح) الذي أصبح شعارا وكتلة برلمانية وتيارات سياسية، الكل يحقن (الاصلاح) في جسد العملية السياسية، لكنه يذهب هباء دون أن يرى المراقب اي ملمح حقيقي لهذا (الاصلاح).
وهنا يجب أن نتوقف ونسأل ما هي الدوافع او المحركات لهذا الـ»نيولوك»؟ ويجيبنا العارفون في العلوم السياسية أن ما يحصل أمر طبيعي في كل عملية سياسية، فالحالة الطبيعة هي التغيير، لان الثبات يعني الموت، لكننا نسأل هل المؤشرات التي طرحناها بصفتها عناصر مكونة لـ»نيولوك» السياسي مؤشرات تغيير حقيقي؟ أم انها مؤشرات تجميل لن تمس سوى قشرة العملية السياسية فقط؟ ونجيب بناء على قراءة 14 عاما من العملية السياسية لنقول؛ إن ما يحدث هو عبارة عن تجميل فقط، ومحاولة تدوير الوجوه السياسية القديمة.
من اوضح وأهم وأخطر التغيرات التي شهدها المشهد السياسي العراقي في الايام القليلة الماضية ضمن حركات الـ»نيولوك» السياسي هي انشقاق السيد عمار الحكيم عن المجلس الاسلامي الاعلى، ليكون حزبا جديدا باسم (تيار الحكمة الوطني) وقد سبق هذا الانشقاق تسريبات عن خلافات بين قيادات المجلس ممن يعتبرون الحرس القديم الذين زاملوا السيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد العزيز الحكيم منذ انطلاق عمل المجلس في ثمانينيات القرن الماضي في ايران، باعتباره مظلة جامعة للمعارضة الاسلامية ضد نظام صدام حسين، وكان في حينها باسم (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق)، ومن ثم دخوله العملية السياسية بعد 2003 بعد أن حذف توصيف ثورة من اسم الكيان السياسي ليصبح المجلس الاسلامي الاعلى ولتخرج من تحت مظلته حركات كانت تمثل الجناح العسكري له، مثل منظمة بدر التي يقودها هادي العامري، ومؤسسة شهيد المحراب التي كان يقودها عمار الحكيم قبل وفاة والده عبد العزيز الحكيم، ليصبح رئيسا للمجلس الاعلى الذي مثل عصا الرحى في التحالف الشيعي الحاكم، الذي ضم حزب الدعوة والتيار الصدري، وبعض الحركات الشيعية الصغيرة بالاضافة للمجلس.
اذن بات لدينا اليوم حزب شيعي جديد باسم (تيارالحكمة الوطني) يقوده عمار الحكيم ويطرح نفسه حزبا ذا برنامج سياسي وطني عابر للطوائف والقوميات، بالمقابل بقي الحرس القديم في المجلس الاعلى مثل الشيخ همام حمودي وباقر الزبيدي والشيخ جلال الدين الصغير وعادل عبد المهدي، دون أن يعلم احد مدى صلاحية الحزب القديم او كفاءته في المقبل من العملية السياسية. كذلك تحدثت تسريبات ضمن الـ»نيولوك» عن قرب الاعلان عن انشقاق في حزب الدعوة الحاكم، والامر لايعدوركونه اعلان واقع حال، اذ أكدت التسريبات أن الانتخابات المقبلة ستشهد تنافس كتلتين في هذا الحزب، الاولى ومحورها رئيس الوزراء حيدر العبادي، باسم كتلة التحرير والبناء، التي ستستثمر ما تحقق من انتصارات عسكرية وتحاول أن تجمع القوى التي تريد أن تلتف حولها لتشركها في عملية الاعمار المطروحة كتحد للحكومة المقبلة. اما الكتلة الثانية فهي الكتلة الملتفة حول نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، وهي كتلة دولة القانون التي أكلت الكتل الشيعية الاخرى من جرفها كثيرا نتيجة اتهامها بالانكسارت التي حدثت في نهاية الولاية الثانية للسيد المالكي، عندما احتلت عصابات «داعش» حوالي ثلث العراق، بالاضافة إلى الاتهامات الكثيرة التي وجهت للحكومة بالفساد وتبذير قرابة الترليون دولار من مدخولات النفط عبر ثماني سنوات في ولايتي المالكي دون حصول تحسن ملحوظ في مستوى الخدمات والامن في كل مدن العراق.
اما الكتل السنية فانها هي الاخرى تعاني من التفتت وتسعى لاهثة للحصول على «نيولوك» سياسي قبل الانتخابات المقبلة، فالكتلة السنية الاكبر في البرلمان وهي (كتلة تحالف القوى) تعرضت للتفت حيث كشف رئيس الكتلة النائب أحمد المساري، عن تأسيس (تحالف القوى الوطنية العراقية) موضحًا في بيان ألقاه في مؤتمر صحافي عقد في بغداد منتصف شهر يوليو المنصرم أن التحالف مشروع سياسي وطني عابر للطائفية. في المقابل عقد سياسون سنة مؤتمرا موازيا في أربيل عاصمة إقليم كردستان، ضم برلمانيين وسياسيين وزعماء قبائل ينتمون إلى المحافظات الشمالية والغربية ذات الغالبية السنية، كالموصل والأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى، بالاضافة إلى بغداد، وكان ابرز من حضره وزير المالية الاسبق رافع العيساوي، ومحافظ الموصل الاسبق أثيل النجيفي، ووضاح الصديد، وآخرون لم يتمكنوا من الحضور إلى بغداد، بسبب مشاكل قضائية وخلافات مع جهات حكومية عراقية، ومعارضتهم النظام السياسي خلال المرحلة الماضية، واوضح الصديد في تصريح صحافي في ختام المؤتمر قائلا «إن التحالف يمثل مشروعًا سياسيًّا وطنيًّا عابرًا للطائفية، ويمثل المناطق المحررة» ودعا الحكومة العراقية إلى تحمل مسؤولياتها في ما يتعلق بملف إعادة النازحين إلى مناطقهم، وإعمار المدن المحررة من «داعش».
ومن تجليات الـ»نيولوك» السياسي ما حصل في الحزب الاسلامي (الاخوان المسلمون في العراق) حيث تعرض لانشقاق قاده رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، فقد صرح النائب أحمد السلماني للصحافة بأن سليم الجبوري خرج من الحزب الإسلامي مع قيادات أخرى وأسس (حزب التجمع المدني للإصلاح). وأضاف «أن الحزب الإسلامي أجرى انتخاباته أمام مفوضية الانتخابات قبل يومين، وبات الآن إياد السامرائي، الأمين العام وبهاء الدين النقشبندي نائباً للأمين العام ورشيد العزاوي نائباً ثانياً».
بدورها الكتلة الكردستانية تشهد حراكا وتمزقات في الـ»نيولوك» السياسي العراقي، وان كانت أقل دراماتيكية من الكتل الأخرى نتيجة خصوصية الكتلة الكردستانية، التي تحاول أن تبدو متماسكة في صراعها مع بغداد، لكن على المستوى الداخلي شهدت الايام الماضية حراكا تمثل في انشقاق عدد من أعضاء حزب الاتحاد الكردستاني بقيادة جلال طالباني وانتقالهم إلى الخصم الكلاسيكي، أي الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، حسبما ذكر القيادي في التحالف الكردستاني حمه أمين، الذي اوضح أنه «سيتم الإعلان عن ذلك رسمياً، بعد انتقال القيادات المنشقة من السليمانية إلى أربيل».
اذن هل سيبتلع العراقيون الطعم المغلف بالـ»نيولوك» السياسي للاحزاب القديمة؟ ام سيبحثون عن وجوه جديدة املا في الخروج من مأزق عمره 14 عاما؟ إجابة سننتظرها لحين حلول موسم الانتخابات المقبلة.
كاتب عراقي

«نيولوك» سياسي

صادق الطائي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية