هجمات باريس والمراجعات المطلوبة

حجم الخط
20

حصدت هجمات باريس ليلة الجمعة الماضية مئات القتلى والجرحى من الفرنسيين إضافة إلى قتلى من بلدان أخرى منها بريطانيا وتركيا وتونس وبلجيكا والبرتغال. الاعتداءات الإرهابية، كما هو معلوم، ضربت ستة مواقع تضم مسرحا وملعبا رياضيا ومطاعم ومقاهي، وتجمع مواطنين مدنيين من الشباب والكبار والنساء والأطفال والأسوأ أنها جاءت بعد هجوم سابق في العاصمة نفسها في شهر كانون الثاني/يناير الماضي استهدف صحيفة «شارلي إيبدو» ومتجراً يهوديا.
هذه الهجمات التي استهدفت الأبرياء، ستؤدي، عملياً، إلى تصاعد دعوات الحرب ضد الجماعات الإرهابية من جهة، لكنها أيضاً ستعزز معسكر اليمين المتطرف في الدول الغربية، وتقوّي آليات الطغيان في الدول العربية.
وإذا كان حجم الهجوم مساء الجمعة يدلّ على ارتفاع القدرات التنظيمية والعسكرية والاستخباراتية للمهاجمين، فإن هذا يعني، في الوقت نفسه، وجود فشل أمنيّ كبير مواز وغير مسبوق من السلطات الأمنية الفرنسية، وكانت الإهانة السياسية والأمنية كبيرة بمهاجمة «ستاد دو فرانس» الذي كان يشهد مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا يحضرها رئيس الجمهورية الفرنسية نفسه.
وإذا كانت جهة الاتهام معروفة ومتوقعة (وقد تفاخر مسؤولون في بغداد بالقول إنهم أبلغوا فرنسا بتلك الهجمات!) فمن المفروض أن تتحمل السلطات السياسية الفرنسية مسؤولية هذا الإخفاق الفظيع في حماية مواطنيها، والذي يقع على عاتقي وزير الداخلية بيرنار كازنوف، ورئيس الوزراء مانويل فالس، اللذين كانا في المنصبين نفسيهما أثناء حصول حادثة «شارلي إيبدو».
غير أن تصعيد مستوى عمليات «الدولة الإسلامية» وتحمّل المسؤولية من قبل السلطات السياسية ليسا إلا جانباً «تقنيّا» من المسألة التي تحتاج، بالأحرى، إلى مراجعة سياسية شاملة، من فرنسا أولا، ومن العالم ثانيا.
على الصعيد الفرنسي تعلن هجمات باريس و»شارلي إيبدو» عن فشل للدولة نفسها، وليس لقواها الأمنية فحسب، وهو فشل يعود إلى أيام احتلال فرنسا أيّام النازيين، ثم تحريرها بقوّة الحلفاء، وتأثير ذلك على تأسيس الجمهوريتين الرابعة (عام 1947) والخامسة (عام 1959) مع بداية حكم شارل ديغول.
بدلاً من تعلّم دروس الاحتلال القاسية التي تعرّضت لها فرنسا عومل الجزائريون الذين هبوا للاحتفال بانتصار الحلفاء عام 1945 بالقمع الرهيب والمجازر التي استمرت سنة كاملة وأسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا غالبيتهم من المدنيين.
غير أن هذا كان يمكن أن يترك للتاريخ الذي قد يجد فسحة للتسويات والمصالحات والتسامح لولا أن سرديّة الاحتلال استمرّت، صعوداً مع المهاجرين القادمين من شمال إفريقيا إلى بلاد الحرية والإخاء والمساواة، ليجدوا بدلا منها العنصرية المستشرية في عمق المؤسسة السياسية الفرنسية، والتهميش، وحياة الغيتو والضواحي الفقيرة، والإهانة المركزة لثقافاتهم ودينهم، ونزولاً مع محاولات التحكم المتواصل في بلدانهم الأصلية اقتصاداً وسياسة ونفوذاً.
إلى ذلك كلّه، تتحمّل فرنسا، مع المنظومة الغربية عموماً، مسؤولية كبيرة في وجود وحماية إسرائيل التي كانت، منذ تأسيسها، عاملاً أساسياً في كسر إمكانيات التطوير والحداثة العربية، وفي تأجيج النزاعات والحروب والانقلابات، وفي دوام ظلم رهيب وقع على الشعب الفلسطيني وتأثرت به البلدان العربية كافّة.
إن دلالات هجمات باريس الجديدة من الضخامة بحيث لا يمكن للنخب الغربية، لو أرادت الخروج من الدائرة الجهنمية للعنف العالمي، ألا تخضع سياساتها لمراجعة جذرية، وعلى رأس ذلك دورها الكاسر والمخلخل للعالم الإسلامي في أفغانستان والعراق، الذي أنتج موجتين مضادتين كبيرتين من الإرهاب، وأساليب تعاملها العسكرية والأمنيّة مع القضايا السياسية المعقدة في الدول الأوروبية، ومساهمتها في التغطية على دور إسرائيل في تجذير التطرف والراديكالية في العالم العربي والإسلامي، والتواطؤ مع الأنظمة المستبدة ضد شعوبها.
ردود الفعل السياسية والإعلامية العالمية لا تدلّ أبداً على أن مراجعات كهذه في طريقها للظهور، بل إن بعض الدول، كإسرائيل، والنظام السوري، وروسيا، وإيران والعراق ومصر سارعت إلى اعتبار نفسها حماة للعالم من الإرهاب، وأخذت تنصح فرنسا في سبل القضاء عليه، وبدأت صحف مثل «التايمز» اللندنية مثلاً، في تحريض القرّاء على اللاجئين السوريين، وأخرى على الفلسطينيين، فيما حمّلت وسائل إعلام عربية تركيا، التي تتعرّض هي نفسها لهجمات التنظيم، مسؤولية الهجمات الفرنسية!
تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يحتاج إلا إلى شيئين ليستمر في إجرامه المدمّر: 1- إرهاب الدول الذي يتجاهل حقائق الظلم والاستبداد والفقر والاحتلال، و2- شعوب مدفوعة إلى أقصى اليأس.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ناجح الفليحان:

    لقد بدأ الذبح الفرنسي لمدينة الرقة من الوريد إلى الوريد و بصمت رهيب أثناء إجتماع العالم و تحدثه عما أصاب باريس .

  2. يقول Gamal:

    لماذا الارهابيون لا يقتلون سواء العرب والاوروبين ولم يلمسوا شعرة صهيوني لاكثر من خمسة سنوات بالرغم ان اسرائيل هاجمة غزة بجميع الاسلحة والطيران والدبابات وسوة غزة بالارض ولم تشاهد ارهابي من نصرة وداعش دافع عن الفلسطينين وانما يقتلون اخوانهم السورين والعراقين اما الاسرائيلين فلهم السلام والامان والزيارات الاخوية لتلابيب لمقابلة المسؤولين الصهاينة او العلاج في المستشفيات الاسرائيلية وقد اعترف بذلك نتنياهو لاوباما بان جبهة النصرة تقف الى جانب اسرائيل لتحمي الحدود وكذلك داعش كونتها اسرائيل وقد اعترف بذلك مسؤولين اسرائيلين بان من انشاء داعش هم الصهاينة وعلى الاوروبين ان يسألوا انفسهم لماذا القتلا دائمآ في الدول العربية والاوروبية على ايدي الارهابيون من داعش ونصرة ولم تكن في اسرائيل القريبة من حدود سوريا بالرغم ان اسرائيل تقتل الفلسطينين ليل نهار . على الاوروبين ان يكونون صادقين مع شعوبهم ويقولون الحقيقة من المستفيد من قتل العرب والاوروبين سواء اسرائيل ويسألون انفسهم لماذا الارهابيون يسافرون الاف الكيلوات من الامتار ويركبون البحار والطائرات لقتل الاوربين ولا يفعلون ذلك داخل فلسطين القريبة من حدود سوريا على الرغم ان اسرائيل من تقتل العرب وليس الاوروبين . اسألوا انفسكم لماذا اسرائيل تعالج الارهابين من داعش ونصرة وكيف يحصلون على السلاح ومن اين دخلوا الى سوريا اليس من تركيا وباوامر من ? اليس باوامر اسرائيل ومن اين خرجوا هولاء الارهابيون الى باريس اليس من تركيا التي احتضنتهم من قبل اربع وبعدما دربتهم ارسلوهم اليكم .

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      وهل تصدق النتن ياهو يا عزيزي جمال

      ولا حول ولا قوة الا بالله

    2. يقول Amar.Ali:

      عزيزي داود، عناصر من جبهة النصرى تتلقى العلاج في المستشفيات الاسرائيلية وهذا غير خفي على من يتابع الاعلام في فلسطين المحتلة

      محبتي

    3. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله عزيزي عمار وحيا الله الجميع
      لا يجوز شرعا التطبيع مع صهاينة غزاة مغتصبين
      وعلى الفاتح أبو محمد الجولاني توضيح هذه الملابسات للجميع

      ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول م . حسن .:

    النخب السياسية والإعلامية في الغرب لم تتغير رؤيتها كثيرا , في مقابل أصوات قليلة منتقدة ترى الأحداث كما هي علي أرض الوقع , كأن هذة النخب تعيش في عالم آخر غير العالم الذى تعيشة شعوبها , التي تشعر بالألم والحاجة الي التضامن للشعور بالآمان المفتقد , بعد هذة الجريمة البشعة ضد أبرياء عزل لا تأثير لهم علي النخب السياسية , التي فشلت في التصدى لهذة الأفعال البربرية . دائرة الإنتقام والإننقام المضاد تتوسع بين قوى كبرى لا تبحث إلا عن مصالحها فقط في مستعمرات سابقة أو جديدة , لم تخرج شعوبها أبدا من دائرة الهيمنة والإحتلال والطغيان لنهب ثرواتها وإفقارها , وهو ما سيؤدى بدورة الي اليأس وإستمرار العنف والثورة ضد الظلم والطغيان بالداخل والخارج معا .

    1. يقول سلمى:

      أتفق معك. لا أرى أملا بتغيرهم و برؤيتهم لحقائق الأمور.

  4. يقول بومحسن:

    ان التفجيرات التي حصلت في باريس ليست بعيدة تماما عن أيدي خفية من الموساد الاسراءيلي هدفها تشويه سمعه الإسلام واللصاق تهمة الإرهاب للعرب والمسلمين وإثارة صراع الحضارات بين الشرق والغرب.

  5. يقول ابو سامي د.حايك:

    بدون معالجة الأسباب لا يمكن القضاء على الأعراض و هذه حقيقه بسيطه و لم نر لحد الآن في الصحف الغربيه أي تحليل يؤدّي إلى طريق الوقايه القادمه من حوادث الإرهاب و من الغريب ملاحظة حالة الإرتباك لا بل و التخبط في بلاد عقلانيه ننتظر منها و بعد كل ما حصل من الإرهاب الوصول إلى الأسباب العميقه و ليس الإسراع في توجيه أصابع الإتهام إلى مجموعه بالجمله و بشكل عشوائي يهاجم العرب و الإسلام و كل هذا لا يأتي بالنتيجه المطلوبه و لكن قد يشفي الغليل لوقت معين و ليس أكثر و على الغرب نفسه أن يستنتج و يبحث عن الأسباب و لا يأخذ الطريق السهل بالقوقعه و التضييق على الحريات و الإمعان في عنصريه إستعلائيه فكل ذلك رأيناه في ردود فعل مشابهه في الماضي بدون أية نتيجه وقائيه لأن طريقة العلاج لم تكن صحيحه

  6. يقول R. Ali:

    الحكومة الفرنسية ومخابرتها كانت على علم بالهجوم الإرهابي ولكنهم أداروا ظهورهم للنصاءح التي وصلتهم من كل صوب بان هناك هجوم ارهابي محتمل بل واكيد على باريس … بالضبط كما حدث في سبتمبر ١١ فقد كانت الادارة الامريكية على علم بالهجوم الإرهابي بل سهلت الادارة عملهم وفتحت المجال الجوي لهم … الحكومة الفرنسية تريد ذريعة جديدة لكي يكون لها يد طويلة في الحرب القاءمة الان في سوريا والعراق لكي تنافس روسيا وإيران وامريكا في اقتسام الكعكة خاصة وان منطقة الشام كانت تحت نفوذها من الأساس لن تقف مكتوفة الايدي (للروس والفرس والامريكان والغرب عموماً) … هناك منافسة دفينة وحرب غير معلنة بين كل هؤلاء للسيطرة وفرض نفوذ على المنطقة تحت مسميات رخصية اسمها “الحرب على الارهاب” وفي الحقيقة هي حرب بين القوى العظمى المذكورة اعلاه بين القوسين بدات الان وستنتهي بدمار العالم!

  7. يقول سلام SALAM:

    الارهاب له منابع معروفة ومدارس معروفة وادوات من ناس معلومة ..الارهابيين لم نسمع بينهم انسان عاقل سوي ولا متحضرين ولاثقافة انسانية محبة للسلم والخير وهم من اوساط وخلفيات اجتماعية محددة غالبا موتورون متطرفون عدوانيون استعلائيون على الغير في العقيدة ولافخر يتصارعون بغباء وحماقة مع امم وقوى عظمى في كل شئ الارهابيون جبناء جدا لانهم يختارون الناس الابرياء المسالمين اهدافا سهلة ويأخذون ارواحهم غفلة وغيلة ..يقتلون الناس دون تمييز بين طفل او امرأة او شيخ او شاب طموح للمستقبل يقتلونهم ليدخلوا الجنة بواسطة زهق ارواحهم البريئة ..الحل يبدأ فينا نحن العرب والمسلمين والا فالثمن غالي ندفعه واجيالنا وليس بطولة ولاشجاعة ان نقتل الناس الاخرين من الخلف في غفلتهم واوقات راحتهم واطمأنانهم والاوربيون لايستحقون كل هذا منا فهم اعطوا البشرية كل شيء من العلم والثقافة وغيرها وليس آخرها رحبت بملايين اللاجئين العرب والمسلمين الذين اغلقت دولهم حدودها بوجههم فتوجهوا لاوربا لانهم يعروفون فيهم كامل الانسانية والعطف والبذل والغريب في الامر كان على هؤلاء الانتحاريين ان يفجروا انفسهم وسط جنود الاحتلال الاسرائيلي الجاثم على ارض فلسطين من عشرات السنين ..والغريب نرى من البعض المحسوب على الثقافة يشمت بما حدث في باريس دون ان يحسب ردود الفعل العنيفة المتوقعة من امم ليست سهلة في الاستسلام على مدى العصور .

    1. يقول سلمى:

      أخي الكريم أو أختى الكريمة, فقط للأمانة, و اعتمادا على أحدث الاحصائيات الرسمية, هناك ما يقارب الاثني عشر مليون سوري غادروا سوريا بين لاجئ و مهّجر؛ أقل من ستة بالمئة منهم ( اي أن الرقم لم يصل للمليون )في أوربا و العدد الأكبر من اللاجئين و المهجرين موجود في تركيا و لبنان و الأردن و السعودية .

  8. يقول Hassan:

    هل تستطيع فرنسا أن تعيد حقوق المستضعفين والمسلوبة والمنهوبة ثرواتهم؟ هل بإمكان فرنسا التعويض عن قتلها الأبرياء على مدى عقود من الزمن؟ هل لفرنسا الحق في التدخل في شؤون البلدان العربية؟ هل لفرنسا الحق في استغلال ما قيمته 70% من الناتج الخام للنفط من بلدان عربية ؟ ألم تنتج فرنسا الإرهاب لتقمع به كل من يطالب بحقه من الشعوب العربية؟ أليس لفرنسا ” بصمة ” في كل رزية وقعت في الوطن العربي؟ أليست فرنسا من دعمت الوجود الصهيوني على أرض فلسطين؟ أليست فرنسا من تقمع المهاجرين وتحتجزهم في أحياء لتعزلهم عن المجتمع الفرنسي؟ أليست فرنسا من أمرت بما تسمى المسيرة الخضراء للإستيلاء على الصحراء الغربية؟ أليست فرنسا من تستخرب الجزائر إلى الآن؟ أليست فرنسا من دمرت ليبيا؟ ألم تخرب فرنسا سوريا التي بسببها فرخ فيها الإرهاب؟ . . . إذا هي التراكمات وعلى فرنسا أن تتحمل تبعات إجرامها جراء صنعها للإرهاب الذي ارتد عليها.

  9. يقول ابن الجاحظ:

    “إلى ذلك كلّه، تتحمّل فرنسا، مع المنظومة الغربية عموماً، مسؤولية كبيرة في وجود وحماية إسرائيل التي كانت، منذ تأسيسها، عاملاً أساسياً في كسر إمكانيات التطوير والحداثة العربية، وفي تأجيج النزاعات والحروب والانقلابات، وفي دوام ظلم رهيب وقع على الشعب الفلسطيني وتأثرت به البلدان العربية كافّة.”

    ” ومساهمتها في التغطية على دور إسرائيل في تجذير التطرف والراديكالية في العالم العربي والإسلامي، والتواطؤ مع الأنظمة المستبدة ضد شعوبها.”

    “تنظيم «الدولة الإسلامية» لا يحتاج إلا إلى شيئين ليستمر في إجرامه المدمّر: 1- إرهاب الدول الذي يتجاهل حقائق الظلم والاستبداد والفقر والاحتلال، و2- شعوب مدفوعة إلى أقصى اليأس.”

    لا أحد تعرض لهاته الحقائق فى كل التحاليل على مدار الساعة.

  10. يقول بنت أميرة(الجنوب الجريح):

    حكومات غربية موغلة في كرهها للإسلام كرها ممزوجا بالغباء . وحكومات عربية موغلة في كرهها للإسلام كره ممزوجا بالشهوة … والناتج دماء من تلك وقمع من هاته والفاتورة يدفع ثمنَها المسلمُ ـ بالمباشر ـ وغير المسلم ـ بالأثر ـ …
    يطول الصراع وتطول معه المعاناة … والعاقبة ـ مهما طال الزمن ـ للمتقين (أهل الحق) .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية