لندن ـ «القدس العربي»: عندما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تسليم جزيرتين غير مأهولتين للمملكة العربية السعودية فوجئ الكثير من المصريين بالقرار لأنهم ظلوا يقرأون في كتب التاريخ والمقررات المدرسية أن تيران وصنافير هما أرضان مصريتان. وحاول الكثيرون الربط بين زيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز للقاهرة ووعود الإستثمار في اقتصاد مصر المترنح وبين الخطوة التي قال السيسي إن حكومته ناقشتها ومنذ شهور مع المملكة العربية السعودية، وأن ما تم في الحقيقة هو إعادة الحقوق لأهلها.
وقال إن السعودية قامت عام 1950 بمنح حق إدارة الجزيرتين للمصريين لخشيتها من قيام إسرائيل باحتلالهما. وقد يكون السيسي محقاً في كلامه لكن الكثير من المصريين لم يكونوا يعرفون بما جرى حيث تم الاتفاق سراً وهو ما اعتبروه إهانة للكرامة الوطنية.
وخرج السيسي عليهم بخطاب قدمت مجلة «إيكونوميست» وصفاً بليغاً له. ففي 13 نيسان/إبريل اجتمع الرئيس مع سياسين وصحافيين ومسؤولي الصحافة الرسمية لشرح ظروف وتداعيات القرار.
وقالت المجلة في عددها الأخير «كانت الطاولة مستديرة مما اقترح أن نقاشاً سيعقد ولكن عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري لم تكن لديه نية للسماح لأي من ضيوفه بالحديث» وعندما انتهى من كلامه «كان هناك تصفيق، ثم صمت. وحاول سياسي طرح سؤال إلا أن السيسي قاطعه قائلاً: لم أعط إذناً لأي أحد بالتحدث».
وتعلق المجلة إن السيسي «ربما حلم بالسيطرة على الرأي العام بهذه الطريقة». وقد حاول من خلال قمع منظمات المجتمع المدني ومنع التظاهرات إلا أن النقد للسيسي زاد وبقوة. ووصل ذروته في نوبة الغضب التي اندلعت ضد قراره التخلي عن الجزيرتين. ففي 15 نيسان/إبريل تجمع الآلاف وسط القاهرة احتجاجاً على أمور عدة كان قرار تسليم الجزيرتين منها. وكان خروجهم للشوارع مفاجئاً للجنرال وأفقده توازنه خاصة أنه قدم نفسه كحام لمصر وأرضها ووعد «بسحق» كل من تسول له نفسه التخلي ولو عن حبة رمل من تراب مصر. وخانته «أبويته».
وتظل الإحتجاجات محدودة وتبعتها موجة قمع للمعارضة إلا أنها إشارة عن حالة عدم رضى من السكان.
وعبر الناقدون عن سخطهم وإزدرائهم لرئيسهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي، خاصة أنه ما فتئ يقدم حلولاً غير عملية لمشاكل مصر الإقتصادية مثل دعوته المصريين للتبرع كل يوم بجنيه لأمهم مصر و»التصبيح» عليها عبر الهاتف المحمول وغير ذلك من المشاريع «الميغا» التي لم ير الشعب منها أي شيء حتى الآن. ويقارب بعض المراقبين بين حساسية السيسي للنقد والرئيس الأسبق أنور السادات الذي كان دائماً يهاجم «الخونة والمحرضين وكارهي مصر».
ولا يثق السيسي بأحد غير الجيش ولهذا منحه حصة كبيرة من المشاريع الضخمة وحضوراً واسعاً في القطاع الخاص. ويطمح بأن يذعن الشعب له كما يفعل الجيش. ورغم التحضير لتظاهرات تعقد اليوم إلا أن الحراك هو تعبير عن حالة من الغضب الذي تفاقم عبر سلسلة من الأزمات التي كانت قصة الجزيرتين آخرها.
فهناك قطاع السياحة الذي ضرب بسبب تفجير الطائرة الروسية في تشرين الأول/أكتوبر وهناك قضية مقتل باحث الدراسات العليا الإيطالي غويليو ريجيني والذي أدى لتوتير العلاقات بين إيطاليا ومصر.
بالإضافة لاتهامات من الإتحاد الأوروبي ومطالب بريطانية بتحقيق شفاف في ظروف إختفاء الطالب الذي كان يعد رسالة دكتوراه في جامعة كامبريدج عن الحركة العمالية المصرية. ورفض السيسي الإتهامات الموجهة لأجهزته الأمنية مثلما رفض النقد الموجه إليه لتسليمه الجزر لكن هذا لا يلغي مشاعر السخط الوطنية العميقة التي دفعت برئيس تحرير «الأهرام» الرسمية لنشر مقال رأي على صفحته في الفيسبوك انتقد فيه اتفاقية تسليم الجزيرتين اللتين قال إنهما مصريتان.
ورغم تراجع شعبية السيسي أو فقدانه «لبريقه» كما يرى تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» يوم الجمعة إلا أن بوادر ثورة على غرار ثورة يناير 2011 ليست في الأفق.
ويعتقد الرئيس السابق للجبهة الديمقراطية المعارضة أسامة الغزالي حرب أن في عمرها شعبية السيسي بدأت تقل بعدما اكتشف المصريون أن من يحكم مصر هي الدولة العميقة – الوكالات الأمنية والبيروقراطية. ومع ذلك استبعد ثورة جديدة لأن ما يطلق عليه «حزب الكنبة» لا يزال يدعم السيسي.
في مجلس الأمن
ومن أجل منع ملامح أية ثورة يقوم النظام بممارسة القمع وملاحقة المعارضة في الداخل والخارج. بل ويرى كولام لينتش في مجلة «فورين بوليسي» أن مصر تستخدم عضويتها في مجلس الأمن لعرقلة ملفات على السلام العالمي.
وعرقلت مصر مشاريع قرارات حول إرسال قوات دولية إلى بوروندي وكذا معارضة مندوب مصر في مجلس الأمن لقرارات تتعلق بجنوب السودان والمطالبة بوقف تصدير السلاح للأطراف المتناحرة هناك.
وسجل الكاتب غضب حلفاء مصر من دول الخليج لعدم استثمار موقعها للدفاع عن الوضع الإنساني في سوريا. ورغم تبرير المسؤولين المصريين لمواقفهم إلا أن المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن سامنثا باور انتقدت في محاضرة ألقتها في الأكاديمية البحرية موقف مصر. ومع أنها اعترفت فيها بالتهديدات الأمنية التي تواجه مصر إلا أنها انتقدت المبالغة في قمع الإسلاميين والإعلام المستقل ومنظمات المجتمع المدني. وقالت إن الحكومة المصرية لا تقمع فقط المعارضة ولكن «أي نشاط لا تسيطر عليه ويعبر عن وجهة نظرها». وقالت إن السلطات المصرية فتحت تحقيقات مع 150 من جماعات العمل المدني حيث منع أفرادها من السفر وتعرضوا للتهديد ولحملات تشويه من الإعلام الذي تملكه والمؤيد للدولة.
وأشار لينتش لمعارضة مصر في نهاية آذار/مارس تعيين نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «أمنستي إنترناشونال»، الجزائري سعيد بومدوحة لتولي منصب بالأمم المتحدة لأنه انتقد أنظمة عربية بما فيها مصر.
وكانت جريرته قوله إن النظام المصري «عامل المجتمع المدني المصري كعدو للدولة». وستتولى مصر رئاسة مجلس الأمن بداية الشهر المقبل أيار/مايو.
ورسم تقرير برلماني بريطاني صورة قاتمة لأوضاع حقوق الإنسان في مصر العام الماضي. وتحدث عن حجم الاعتقالات والقمع الذي شهدته مصر العام الماضي.
رواية جديدة
ولا تقتصر ملاحقة النظام للمعارضة بل يقوم بتغيير «رواية» الأحداث فبعد إهماله ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بنظام حسني مبارك واعتباره الإنقلاب الذي قاده الجنزال عبد الفتاح السيسي عام 2013 ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي بالثورة يقوم النظام بمحو أي رمز وطني أو حتى ديني لا تتوافق صورته مع النظام المصري.
وكتب سندرسان راغايان في صحيفة «واشنطن بوست» عن الجهود التي تعمل على إخفاء وعقاب أي رمز وطني بمحوه من ذاكرة الأطفال والمناهج الدراسية.
وقال إن «حذف خمس صفحات واضح». مشيراً إلى حذف اسم المصري الحائز جائزة نوبل، محمد البرادعي تقديراً لجهوده كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2005 ولكن السلطات إرتأت حذف اسمه من مقررات العام الدراسي الخامس. ولم يشفع للبرادعي دعمه للإنقلاب حيث تولى منصب نائب الرئيس قبل أن يستقيل احتجاجاً على قمع الإسلاميين، وهو قرار اعتبره السيسي خيانة له على حد تعبير رغايان. ونقل الكاتب عن البروفيسور سامي نصار، من جامعة القاهرة قوله إن النظام يقوم «بإعادة كتابة التاريخ من جديد». مضيفا أن «الرئيس الآن هو السيسي فيجب أن يعكس المقرر الدراسي موقف النظام السياسي».
وهذا ليس جديداً، فمنذ ثورة الضباط الأحرار التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1952 أصبح النظام التعليمي العام امتداداً للحكومة. وأصبحت كتب المقررات الدراسية مجالاً للتعبير عن موقف الحكومة من خلال حذف الحقائق أو تحويرها. وفي ظل النظام الحالي وصلت عملية تسييس التاريخ ذروتها إن عبر محو الدور الذي لعبته المعارضة في التاريخ المصري أو التقليل منه. وعليه لم تحظ الثورة المصرية التي أطاحت بحكم 30 عاماً للديكتاتور حسني مبارك إلا بسطور قليلة. أما الناشطون الذين وقفوا وراءها وثورات الربيع العربي فقد تجاهل معدو المقرر المدرسية ذكر أسمائهم.
وتم تشويه وشيطنة المعارضة الإسلامية المعتدلة التي لعبت دوراً مهماً في الثورة. ويقول كمال مغيث الباحث في المجلس الوطني للتعليم «كأن الثورة لم تحدث».
وقال إن هناك رموزاً أخرى في الثورة يعتبرها النظام إشكالية وليس البرادعي فقط. ويقول نقاد إن حذف أحداث وأسماء من المقررات المدرسية هو محاولة مدروسة لمنع الإنتفاضات والمهندسين لها وتقوية نظام السيسي. فيما يقول البعض إنها محاولة لإرضاء القادة وليس تدريس الماضي بطريقة موضوعية.
ويرى نصار أن عيون كتاب المقررات الدراسية موجهة إلى الرئيس «الرجل على كرسي العرش». ومن هنا أضحى التاريخ سرداً لسيرة رجل واحد وليس تاريخاً لشعب.
ونجيب حذف اسمه
وتشير الصحيفة إلى أن حذف أسماء وطنية ليس جديداً. ففي الستينيات من القرن الماضي اعتبرت المقررات الدراسية جمال عبد الناصر أول رئيس لمصر بعد الثورة في تجاهل واضح لمحمد نجيب، الجنرال الذي قاد الإنقلاب عام 1952 مع ناصر. وفي عهد السادات ومبارك استخدمت الكتب المدرسية لتمجيد بطولاتهما ضد إسرائيل وبالتالي منحهما الشرعية.
ويقول الكاتب إن فترة حكم محمد مرسي القصيرة شهدت تغييراً في المقررات الدراسية التي كتبت لتعكس وجهة نظر الإخوان المسلمين والإسلاميين بشكل عام. وبعد الإطاحة بحكومتهم حظرت جماعة الإخوان ودمرت آلاف الكتب المدرسية. وتوصف الجماعة اليوم بالفاسدة والمتعطشة للسلطة ولهذا فتحرك الجيش ضدها كان مبرراً.
وحتى عقبة بن نافع
وفي العام الماضي حذف اسم القائدين الأسطوريين عقبة بن نافع وصلاح الدين. وبررت الخطوة بمحاربة التطرف.
ويشير الكاتب إلى أن ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وصفت في المقرر الدراسي للصف التاسع بأنها اليوم الذي اتحد فيه المسلمون والمسيحيون وخرجوا إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والكرامة. ولم يذكر معدو الكتاب أسباب الثورة التي اندلعت بسبب المحسوبية والفساد لنظام مبارك. ويقول مغيث إن المقررات تجاهلت شهداء ثورة 25 يناير.
وجاء في المقرر الدراسي للصف 12 أن الثورة اندلعت بسبب التزوير في الإنتخابات وتدهور الإقتصاد ومن هنا تدخل الجيش لحمايتها. ووصفت التظاهرات التي أدت للإطاحة بمرسي بأنها اللحظة التي قامت فيها حكومة السيسي بتحقيق أهداف ثورة 2011. وتم التركيز على السيسي باعتباره البطل القومي الذي وضع خريطة طريق لتصحيح مسار مصر وبناء مستقبلها. ولا يقتصر التعتيم على ثورة 25 يناير بل وعلى أي ثورة. ففي العام الماضي ذكرت قناة «إيوان 24 التلفزيونية» أنه تم حذف درس في المقرر المدرسي «ثورة الطيور» الذي تثور فيه طيور على بقرة مستبدة. وتم حذف مشهد من مسرحية «أنتوني وكليوباترة» والذي تحدث عن ثورة. ويخشى باحثون من أثر التغييرات على مصداقية مقرر التاريخ. فكلما جاء نظام قام بكتابة التاريخ ليوائم هواه. فكيف سيؤمن الطلاب بالموضوع. ورغم ذلك فمحو ثورة يناير لا يعني محوها من الذاكرة المصرية فهي موضوع يتحدى القمع والتهميش.
تمرد في سيناء
كل هذا وملفات الأمن لا تزال عالقة وتحديات تنظيم «الدولة» ـ ولاية سيناء لم تحل ومن هنا يفهم قرار وزارة الدفاع الأمريكية- البنتاغون نقل 100 من قواته المرابطة في معسكر صحراوي في سيناء قرب الحدود المصرية – الإسرائيلية بعد تعرضهم لهجمات مقاتلي تنظيم الدولة.
وهذه القوات هي جزء من ترتيبات قوات حفظ السلام التي تساعد على حماية معاهدة كامب ديفيد التي وقعت بين مصر وإسرائيل عام 1979.
ونقلت القوات إلى منطقة آمنة في جنوب الصحراء تبعد 300 ميل عن معسكرها الأول. وتقول صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أن المتشددين في صحراء سيناء أعلنوا في العام الماضي عن ولائهم لتنظيم «الدولة» وقاموا بسلسلة من العمليات التي قتلت عدداً من الجنود المصريين بمن فيهم عشرة قتلوا هذا الشهر بعد تعرض عربة مصفحة لإطلاق الصواريخ. وأعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء في 31 تشرين الأول/أكتوبر وقتل 224 راكباً على متنها.
وفي تموز/يوليو استهدف المتشددون فرقاطة مصرية في البحر الأبيض المتوسط. وتعلق الصحيفة أن قوات المراقبة المتعددة الجنسيات وعددها 1680 تضم قوات أمريكية تعيش خلف جدران واقية من الرصاص وتتنقل بعربات مصفحة.
لكنها وجدت نفسها في الفترة الأخيرة هدفاً لصواريخ المتشددين الذين يقودون تمرداً في سيناء ضد الحكومة في القاهرة. وقبل أسابيع عدة جرح خمسة جنود كانوا في قافلة بعد انفجار عبوة ناسفة على الطريق. وأصيب جندي آخر بذراعه في أيلول/سبتمبر 2015 عندما قام مسلحون باستهداف المعسكر في قرية الجورة.
وردت وزارة الدفاع بإرسال 75 جندياً إضافياً ورادارات مضادة لقنابل الهاون ومعدات إتصال جديدة. وبحسب قواعد الإتفاق فلا يسمح لقوات حفظ السلام الرد على نيران المتشددين ولكن الجيش المصري فقط.
وتقول الصحيفة إن موضوع الهجمات كان من بين التي ناقشها يوم السبت قائد هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد في لقاء خاص مع السيسي.
ولا يمكن إجراء تغييرات في طبيعة وعمل قوات حفظ السلام بدون موافقة الموقعين على المعاهدة التي تبعت الحروب بين مصر وإسرائيل عام 1967 و 1973.
وكان وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر قد أبلغ المسؤولين المصريين والإسرائيليين هذا الشهر أن واشنطن تقوم بدراسة دورها وتقييمه. وستقوم بتخفيض مشاركتها وليس بانسحاب كامل من سيناء. وتم نقل معظم المنشآت والأجهزة من قرية الجورة إلى موقع آمن قرب شرم الشيخ جنوبي سيناء.
ونقل التقرير عن إريك تريغر، الزميل في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى قوله إن «البنتاغون لديها مظاهر قلق مفهومة تتعلق بأمن الجنود».
وأضاف أن مجرد تفكير الولايات المتحدة في تخفيض عدد جنودها وتقييم المهمة سيثير قلق المسؤولين المصريين و»سيمنح أداة بروباغندا» لتنظيم «الدولة». وتقدم الولايات المتحدة مساعدات لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار في العام. وتعلق الصحيفة أن نقد واشنطن المتواصل لنظام السيسي وقمعه للمعارضة لم يمنع وزير الخارجية جون كيري من زيارة مصر يوم الأربعاء والتضامن مع حكومتها.
إبراهيم درويش