هذا المعارض من ذاك الطاغية!

لماذا فشل الكثير من المعارضات العربية في التصدي للأنظمة الفاشية التي ثارت عليها الشعوب؟ لماذا لم تستطع قيادة الثورات وتنظيم صفوف الشعوب الثائرة كي تنجز تطلعاتها وأحلامها في وقت أقصر، بدلاً من تركها تواجه أعتى الترسانات العسكرية الوحشية لوحدها كما في سوريا وغيرها؟ لماذا نجد صفوف الأنظمة الديكتاتورية التي تواجه الثورات أكثر تماسكاً من صفوف المعارضات ؟ لماذا تحول الكثير من المعارضات إلى عشائر وقبائل متناحرة أثناء الثورات وبعدها؟ لماذا لم تستطع أن توحد صفوفها لمواجهة أنظمة الطغيان والاستبداد وفلولها الساقطة والمتساقطة؟
الجواب بسيط جداً: لأن الكثير من المعارضات تحمل أمراض الأنظمة الطغيانية نفسها. فلا ننسى أن المعارضات المزعومة، وخاصة السورية، هي، في نهاية المطاف، نتاج الأنظمة السياسية والتربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لتلك الحكومات الديكتاتورية. ومن عادة الحمار أن يلد جحشاً، فيصبح لاحقاً حماراً كامل الأوصاف. ومن عادة الكلب أن يلد جرواً يصبح كلباً. ومن عادة النمر أن يلد نمراً. وهلم جرّا. لا يمكن أن يلد الثور حصاناً أصيلاً. وكذلك الأمر بالنسبة للمعارضات، فهي في المحصلة النهائية مصنوعاً نظامياً.
لا عجب إذاً أنها الآن فقدت شعبيتها ومصداقيتها، وخاصة في سوريا. ونحن لا نتحدث هنا عن أحزاب المعارضة التي تنشط من داخل أقبية المخابرات في سوريا، فتلك مفضوحة ومكشوفة وليست بحاجة للفضح، لأنها من تأليف وإخراج الفروع الأمنية، وهي ملكية أكثر من الملك، لا بل إن أحد رموزها «المعارصين» الكبار ألف كتاباً بعنوان «الأسدية» يتغزل فيه بشبق شديد وشهوانية منقطعة النظير بـ»القائد التاريخي» حافظ الأسد إلى حد يخجل منه حتى حافظ نفسه، لكثرة ما فيه من تملق ونفاق وتذلل. بل نحن نتحدث هنا عن تلك المعارضات الخارجية التي من المفترض أنها تحررت من سياط المخابرات في الداخل، وأصبحت حرة وقادرة على ممارسة أبسط أساسيات الديمقراطية والحرية. لكنه، على العكس، ما زالت أسيرة الممارسات الاستبدادية التي تربت عليـــها قبل توجهها إلى الخارج.
عندما تنظر إلى بعض جماعات المعارضة تجد أنها عبارة عن ملل ونحل متناحرة، لا بل شراذم وعصابات، لأنها تعتبر نفسها أفضل من الجميع. يعني هي وبس والباقي خس، تماماً كما يفكر النظام الفاشي الذي أنتجها. فكما أن النظام يعتبر نفسه قطعاً نادراً لا يمكن أن يجود الزمان بمثله، فإن معظم فصائل المعارضة تفكر بالعقلية نفسها. وبالتالي، بدل أن تهتدي بالوصفة الديمقراطية القائمة على قبول الآخر والتعاون معه من أجل المصلحة العامة، فهي تتناحر «كديوك الخُم». لا عجب أن يتساءل البعض: هل يحتاج النظام السوري إلى مؤيدين بوجود هكذا معارضين يجعلون الشعب يترحم على الديكتاتورية؟
لو كانت هناك معارضة سورية حقيقية لا تتنافس على القشور، ولا ترهن نفسها للقاصي والداني، ولا تتصارع كالأطفال الصغار، لكانت وفرت على الشعب السوري الكثير من المتاعب والمصاعب والكوارث. صحيح أن أمريكا لم تساعد المعارضة السورية، كما فعلت مع العراقية، لكن حتى لو ساعدتها، لكانت لدينا الآن صورة طبق الأصل عن المعارضة التي وصلت إلى الحكم في العراق، فهي جعلت العراقيين يترحمون على أيام صدام حسين، فبينما كان في العراق صدام واحد، وعدي واحد، وقصي واحد، صار الآن في العراق مئات الصدّامات والعُديّات والقـُصيّات بفضل المعارصين الذين وصلوا إلى السلطة على ظهور الدبابات الأمريكية، ثم راحوا يتناحرون على أشلاء العراق.
إذا أردت أن تتعرف على عقلية المعارضات السورية مثلاً، ما عليك إلا أن تنظر إلى موقفها من الرأي الآخر، وكيف تقوم بتخوين وإقصاء كل من يقف في طريقها أو يعارضها. وهي مثل النظام الذي أنتجها، لا تقبل إلا بتسعة وتسعين فاصلة تسعة وتسعين بالمائة من الكعكة.
ذات يوم قام أحد أعتى أنصار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بتأليف كتاب حول مسيرة الرئيس. وأثناء وجود الكاتب في إحدى «المضافات» سأله أحد الحاضرين: «وهل أنت مقتنع بكل كلمة قلتها في الكتاب يا دكتور «فايز»، فأجاب الدكتور: «أنا مقتنع بتسعة وتسعين فاصلة تسعة وتسعين بالمائة مما قلته في الكتاب عن مسيرة السيد الرئيس.»، فرد السائل: «يعني أنت لست مقتنعاً مائة بالمائة»، وهنا أُسقط الدكتور فايز في يده، وتلعثم، وشعر أنه أخطأ خطيئة العمر، فكيف يتجرأ ويقول إنه مقتنع فقط بتسعة وتسعين فاصلة تسعة وتسعين بالمائة مما قاله عن السيد الرئيس؟ وفعلاً، بعد تلك الحادثة، تم تسريح الدكتور من وظيفته وتجريده من امتيازاته وسيارته. لماذا؟ لأنه انتقص فقط ذرة طحين واحدة من المائة.
هل يختلف الكثير من المعارصين والثورجيين السوريين في موضوع الاستبداد بالرأي والموقف من الآخرين واحتكار الحقيقة؟ بالطبع لا. وسأسوق لكم حادثة حصلت معي في الأسبوع الماضي، فمنذ أربع سنوات وأنا أقدم حلقات عن الثورة السورية لم أترك ثائراً سورياً ولا معارضاً لنظام الأسد من كل الأحجام والمقاسات إلا واستضفته. مئات الحلقات كلها كانت في صالح الثورة. وعندما استضفت شخصاً الأسبوع الماضي لمناقشة موضوع «داعش» بالرأي والرأي الآخر، ثارت ثائرة المعارصين والثورجيين السوريين، وراحوا يوزعون الاتهامات والتهم والتخوين لي يميناً وشمالاً، فقط لأن شخصاً دافع في الحلقة عن «داعش» في مواجهة شخص آخر مسح الأرض به.
سؤال لهؤلاء الثورجيين: كيف تختلفون أنتم عن نظام بشار الاسد الذي لا يريد سماع إلا صوته وصوت مخابراته وأبواقه، ولتذهب بقية أصوات السوريين في ستين ألف داهية؟ هل يُعقل أنكم نسيتم مئات الحلقات التي شاركتم فيها أيها المعارضون، وتذكرتم فقط حلقة يتيمة عن «داعش»؟ والسؤال الآخر: كيف تختلفون أنتم عن «داعش» التكفيرية الظلامية الاستبدادية الإقصائية الإرهابية التي تقصي كل الآراء المخالفة لها، وتكفرها، وترجم أصحابها؟ ألستم داعشيين بامتياز عندما تثور ثائرتكم لمجرد سماع مجرد رأي آخر من فصيل آخر على الساحة السورية، حتى لو كان داعشياً ظلامياً؟ كيف ستتصرفون مع مخالفيكم ومعارضيكم فيما لو، لا سمح الله، وصلتم إلى السلطة بهذه العقلية الإقصائية؟ هل ثار الشعب ليستبدل حماراً ببغل؟
صدق من قال: هذا الجرو من ذاك الكلب.

٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]

د. فيصل القاسم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    كلامك مع الأسف بمجمله صحيح يا دكتور فيصل
    فترسيخ الديموقراطية وثقافة الرأي الآخر كانت مفقودة بسوريا
    تذكر يا عزيزي الثورة الفرنسية وعشرات السنوات من بعدها حتى صقلت

    أود أن أشكرك شخصيا على برنامجك الذي نتعلم منه احترام الرأي الآخر

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول عبد الكريم البيضاوي . السويد:

    هي العقلية السائدة عند العرب من يمسكها يعتبرها هبة خاصة مخصصة له وحده ومن يتجرأ لايلومن إلا نفسه.
    طريق طويل صعب وخطير في إنتظار الشعوب العربية, مسألة الأقليات وكثرة الأعراق والطوائف والمذاهب كلها قنابل موقوتة إن لم يتسارع لنزع فتائلها على الأقل في الدول التي لاتزال لم تنفجر فيها فلا ينتظر إلا المشاكل, خدوا أمثلة من الغرب في الفيدراليات والجهويات الموسعة في حدود وتحت غطاء الدولة الفيدرالية وإلا فالمصائب آتية لامحالة على ماتبقى.
    أنزعوا سلاح المشايخ الذين يدعون للكراهية المبنية على نزاعات سياسية على السلطة غلقت بغلاف ديني حصلت قبل مئات السنين, من غير المعقول حتى ذكر أشياء كهذه بعد ألف سنة وزيادة.
    الطريق طويل والرغبة غائبة على مايبدو.

  3. يقول محمد يعقوب:

    أمثال هذه المعارضة هى التى تطيل فى عمر الأسد الدكتاتورى الفاشى النيرونى. أبشر بطول سلامة ياإبن جزار حماة أبيك حافظ الذى وجد النار مثواه الآن…

  4. يقول sameer:

    good luck

  5. يقول خليل المقداد:

    في الصميم يا دكتور

  6. يقول عمرو معد:

    لا أؤيد فيصل القاسم في قوله ان الدغيم مسح الارض بالشيوعي المدافع عن تنظيم الدولة بل الصحيح ان الشيوعي كان اقوى منه حجة وافصح لهجة وعلى كل نتفق مع القاسم في معظم ما قاله خاصة عن معارضة الخارج والتي كانت من جملة اسباب الكوارث التي حلت بالشعب السوري والتي دعونا الى اقامة محاكم ثورية للمسيئين فيها في اسرع وقت لتكف شرها عن الشعب السوري وترتدع عن تصرفاتها اللامسؤولة

  7. يقول نجدت اصفري - ابو البشائر:

    الدكتور فيصل رجل أصبحت لديه خبرة تراكمت مع الأيام وتنوع المواضيع المطروحة على الساحة اضافة للمشاركين يقوم احدهما مؤيدا والآخر معارضا مما يمنح هذا الاسلوب المشاهدين درجة من الانتساب لأحد الأطراف ويصبح له رأيا حول الأزمة موضوع المناقشة
    هذه الحلقات والنقاشات نفعت في تطوير الرأي العام للمواضيع المطروحة ، كما ساهمت في صقل كفاءة الدكتور فيصل في إدارة الحلقات مستخدما اُسلوب الإثارة مع تكرار كلمة أصبحت ركيزة ثابتة في مشاركته عندما يطرح السؤال المحرج ويدعي ( ان هذا ما يقوله من يقابلك وانا مالي دخل )
    صنع د. قاسم امبراطورية إعلامية صقلت مواهبه ورفعت خبرته وأضاف عليها أسلوبه الاستفزازي في ازكاء الإثارة مما يمتع المشاهدين الذين أصبحوا بالملايين عبر العالمين العربي والإسلامي بسبب تنوع المواضيع وساحات المشكلة المعروضة والطرفين المشاركين
    بعض الذين تصل نقاشاتهم لدرجة الغليان فينتقل اللقاء لمسرح تتشابك به الايدي وتهبط فيه مستوى الكلمات
    اصبح برنامج الاتجاه المعاكس رقما عالميا نحتت بعض القنوات الاخرى استنساخ مثيله لكن يبقى د. فيصل وبرنامجه فريدا في أسلوبه وادارته

  8. يقول رياض- المانيا:

    فعلا لو كانت المعارضة على قلب رجل واحد لما حصل ما حصل. اعتقد اننا بحاجة الى عقود من الزمان كعرب لاعادة ترتيب وهيكلة انفسنا. المشكلة دائما هي في التربية وبناء الشخصية السوية القادرة على قول لا بحكمة ونعم باقتناع وقادرة على النقاش وتقبل الرأي الاخر. تعاملت مع بعض جرحى الحرب الليبين بطبيعة عملي هنا ولطالما سألت نفسي من سلوكيات معظمهم، هل هم ضحية النظام؟ ام انهم اصلا لا يستحقون افضل من حاكم كالقذافي؟!!! نفس الشيء اشعر به من تصرف الكثير من المعارضين السوريين. المعضلة كالاتي، اي نظام مستبد لن يسمح بخروج اجيال سوية لان ذلك يعني نهايته، فالسكوت على النظام وعدم الثورة يؤدي الى الخنوع وسرقة الوطن والخروج عليه بثورة سيؤدي الى ما نراه من مآسي اذا ما الحل؟ اعتقد ان كل منا عليه ان يبذل جهدا جبارا في تربية ابنائه تربية صحيحة على اسس قويمة، ترفض الذل وترفض ظلم الاخر. قال عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد بما معناه: في مجتمع الاستبداد، يكون الكل مستبدا، فالاب مستبد في بيته على اولاده والمعلم مستبد في مدرسته على تلاميذه والشيخ مستبد في مسجده على رواده وهكذا …وفي النهاية يصبح هؤلاء المستبدين الصغار الذي صنعهم المستبد الاكبر عبيدا ويؤدي استبدادهم الى تجذر استبداد المستبد الحاكم والى استعبداهم وخنوعهم الى ان يحدث التغيير. فعلا في مجتمع المستبد الكل مستبد وعندما تتغير هذا القاعدة بالتربية الصحيحة التي لا تعتمد على مناهج الحاكم وتخرج عن نطاق التربية بالتوجيه بالرموت كونترول من دوائر المستبد،

  9. يقول سعيد الشيخ:

    لا ينكر الموقف الوطني للدكتور فيصل إلا جاحد أو أعمى، ولكن الحلقة التي تحدث عنها أثارت ذهول السوريين وملايين المتابعين العرب، فقد وضع الدكتور فيصل ثقله مع الشيوعي الداعشي من غير أن يكون هذا الأخير بحاجة إلى تأييد القاسم ليتفوق على خصمه المؤدب (زيادة عن اللزوم).. ولو أن فيصل القاسم وضح سبب انحيازه في تلك الحلقة، لكان أحسن وأفضل من هجومه على المعارضين الذين شبعوا توبيخا.. فقد أثارت تلك الحلقة استغراب جميع المشاهدين سواء كانوا سوريين أم عرب، معارضين ومؤيدين وحياديين… إذ ليس من المألوف أن تجد مثقفا سوريا بسيطا يقف في صف الدواعش، ناهيك عن أن يكون هذا الشخص في مثل وزن الدكتور فيصل القاسم؟!

  10. يقول سامح // الامارات // الأردن:

    * لا شك فيه أنّ التمسك بالرأي الواحد الأوحد ومعارضة باقي الآراء
    هو في حد ذاته ( استبداد ) ودكتاتورية وخطأ شنيع ؟؟؟
    * علينا جميعا : أن نتعلم قبول ( الرأي الآخر ) .
    * شكرا

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية