لندن ـ «القدس العربي»: يناقش البرلمان البريطاني اليوم ويصوت على مشروع تقدم به رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يقضي بإرسال مقاتلات سلاح الجو الملكي البريطاني إلى سوريا وضرب مواقع «تنظيم الدولة». وتتوقع الحكومة حصولها على إجماع بعد سماح زعيم العمال جيرمي كوربين لنواب حزبه بالتصويت الحر رغم موقفه المتشكك من الضربات الجوية ونجاعتها.
ورغم حديث مسؤولي الحكومة البريطانية وبحماس عن «حالة الحرب» التي ستعلن على الجهاديين في الرقة هناك شكوك من نجاعة الضربات وانتقاد للمشروع الذي تقدم به كاميرون والذي يعتقد أن هزيمة التنظيم ستتحقق عبر سلسلة من الغارات الجوية.
وانتقد رئيس الوزراء في حديثه عن قوات برية من المعارضة المعتدلة والتي قال إن عددها حوالي 70.000 مقاتل.
وكان الرقم مدعاة للشك والسخرية منذ أن ذكره كاميرون في مرافعته أمام نواب مجلس العموم يوم الخميس. ورغم موافقة النواب على الخطر الذي يمثله «تنظيم الدولة» على المصالح البريطانية إلا أن غياب الاستراتيجية الشاملة هي التي تثير شكوك الرأي العام بنجاعة الخطة.
لا للغارات
ولهذا السبب دعت صحيفة «الغارديان» في افتتاحيتها النواب للتصويت بلا. والسبب أن هزيمة التنظيم لا تتم عبر «منح أجنحة مقاتلات سلاح الجو الملكي ولا الصلوات» بل تحتاج إلى خطة شاملة لهزيمته: ثقافيا وماليا وأمنياى وعسكريا. وهذه الملامح مفقودة في خطة كاميرون.
وانتقدت الصحيفة الطريقة التي تمت فيها مناقشة الحرب على الجهاديين حيث طرحت عبر الخلاف المر داخل حزب العمال البريطاني «فرغم الدراما الكبيرة حول السماح لإعضاء الحزب بالتصويت الحر إلا أن تنظيم الدولة خطيره وأعظم كي يستخدم لإضعاف أو تعزيز موقف زعيم الحزب جيرمي كوربين» كما تقول.
ومع أن المبرر للمشاركة في سوريا أقوى من مبرر غزو العراق عام 2003. فكاميرون لا يقترح غزوا شاملا، كما أن الرأي العام يخشى من «تنظيم الدولة» أكثر من صدام حسين، وأن الدولة التي تدق طبول الحرب اليوم فرنسا التي عارضت المغامرة الأمريكية ـ البريطانية في العراق إلا أن هذا لا يعني أن لدى كاميرون الخطة الكافية لإقناع الرأي العام. فغارات جوية ومحاولة خنق التنظيم اقتصاديا لا تكفي لهزيمته بل وإضعافه.
وتعتقد الصحيفة أن طرد التنظيم من الرقة والرمادي والموصل تحتاج لقوات أرضية تردف الطيران في الجو. وهذا ليس متوفرا في السياق السوري.
لكل هذا ترى «الغارديان» أن حكومة كاميرون فشلت في تقديم «استراتيجية شاملة» وبالتالي لا تستحق الدعم.
ومع أن الحديث تركز على العمل العسكري ضد الجهاديين إلا أن أصواتا تطالب بالحوار معهم. وهذا هو ما طرحه جوناثان باول، مدير طاقم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير فيما بين 1995- 2007 ففي مقال تحت عنوان «قصف تنظيم الدولة لا يكفي – نحن بحاجة للحديث معهم» وجاء في مقاله الذي نشرته صحيفة «الغارديان» أن نقاش كل من كاميرون وزعيم العمال كوربين صحيح جزئيا: علينا أن نقاتل ونفاوض الجهاديين. وإذا كان الغرض في النهاية «هزيمة وإضعاف تنظيم الدولة» فيجب أن تكون لدينا استراتيجية عسكرية وسياسية في الوقت نفسه.
وعليه فشن الغارات الجوية مهم لأنه سيوقف تقدم الجهاديين، كما حصل في عين العرب/كوباني شمال سوريا وبلدة سنجار، شمال العراق.
ويضيف أن لا منطق في المشاركة البريطانية في العراق وليس سوريا. مضيفا أنه إن كان المبرر هو موافقة الحكومة العراقية على المشاركة وليست السورية، فهذا مثير للضحك «لأنني لم ألاحظ اعتراض بشار الأسد على القصف الروسي أو الفرنسي». ويقول إن كنا نخشى من استهداف «تنظيم الدولة» لنا لأننا ضربناه في سوريا وليس لأننا نضربه في العراق فهذا تفسير «سخيف».
ويتحدث باول عن محدودية الضربات الجوية، كما كشفت حرب كوسوفو عام 1999 أنها لا تؤدي لانسحاب الجيوش، بل القوات البرية ولكن أي قوات؟
فالقوات الكردية في سوريا والعراق لن تتقدم خارج المناطق التي تعتقد أنها تابعة لها. وكذا الميليشيات الشيعية بعد تدمير تكريت في أعقاب خروج مقاتلي التنظيم منها.
ونظرا لعدم وجود قوات سنية في العراق منذ الصحوات عام 2007 ولعدم استعداد المعارضة السورية التخلي عن قتال الأسد والتركيز على «تنظيم الدولة» فمن غير المعقول الإعتماد على قوات عربية، وهي منشغلة في حرب اليمن. وإذا كان الغرب غير مستعد لإرسال قوات برية فمن سيقوم؟
خطة سياسية
وحتى لو توفرت القوة لهزيمة «تنظيم الدولة» فلن يتم قتل الفكرة التي تدفعه، فهو تنظيم حرب مدن وعصابات. وهذا يقتضي كما يقول باول خطة سياسية.
وبحسب قائد الفرقة 101 الأمريكية المحمولة جوا الجنرال وارين فيبس فالتفاوض هو المطلوب «فبهذه الطريقة تنتهي الحرب ولا نستطيع القتال للخروج من هذا» الوضع.
وهنا يقترح باول فكرته قائلا «لو بقينا نتعامل مع تنظيم الدولة كتنظيم مجنون يمجد الموت فنحن نخادع أنفسنا» مضيفا «لسوء الحظ فهم (تنظيم الدولة) عقلانيون ويتسمون بالدهاء حتى لو كانوا وبشكل مرعب متوحشين» فالتنظيم يعرف أن وحشيته تعطيه الدعاية و»لو أردنا إنهاء العنف فعلينا الرد على ما يفعلون ببرودة وهدوء بدلا من الطريقة العاطفية».
وهذا يحتاج كما يقول للبحث عن أسباب الدعم السياسي لتنظيم يتبنى عقيدة قتالية غريبة وفي نفس الوقت يحظى بشعبية. واستطاع بعدد لا يزيد عن 1000 مقاتل السيطرة على مدينة تعداد سكانها المليوني نسمة، أي الموصل.
وتفسير الكاتب لهذا مرتبط بآثار غزو العراق وممارسات حكومة نوري المالكي ضد السنة وانسحاب الأمريكيين سريعا، قبل التأكد من وجود آلية لمشاركة كل من الشيعة والسنة في العملية السياسية. وليس غريبا أن يكون معظم نواب أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم هم من جنرالات صدام السابقين. ونفس الحنق واضح عند سنة سوريا. وعليه فبدون التصدي لمظلومية السنة في كلا البلدين فلن نتقدم خطوة واحدة لحل أزمة تنظيم الدولة كما يقول.
ويقول باول «وأبعد من هذا فقد نضطر للتفكير بالمستحيل وهو احتمال الحديث مع تنظيم الدولة، ففي كل مرة نحاور فيها جماعة إرهابية نقول أننا لن نتحدث مع أخرى».
وهنا يعدد التفاوض الذي حدث مع الجماعات المسلحة من أيرلندا إلى قبرص والسلفادور وأندونيسيا والفلبين وفلسطين وكولومبيا «قد يقول البعض إن تنظيم الدولة مختلف ولا تنطبق عليه القاعدة.
طبعا، هو مختلف كما اختلفت كل حالة عن الأخرى، ولكن هل يعني هذا أن كل الدروس التي تعلمناها من مفاوضتنا السابقة لم تعد صالحة».
ولا يقترح باول الجلوس مع البغدادي حتى لو استعد الأخير، لكنه يقترح فتح قنوات اتصال سرية بعد اكتشاف كل طرف أن لا حل عبر الخيار العسكري. فقد فتحت بريطانيا قنوات سرية مع الجيش الأيرلندي الحر عام 1972 ولكن المفاوضات لم تبدأ إلا بعد عشرين عاما. وقد نكتشف كما يقول أننا لن نستطيع سحق «تنظيم الدولة» كما لم نسحق «القاعدة» ولهذا يجب ان نكون مستعدين للحوار.
و»قد يقول البعض أن ليس هناك ما يمكن الحديث عنه مع «تنظيم الدولة» إلا أن الحديث يختلف عن التفاوض. ففي الحالة الأيرلندية لم يكن باستطاعة البريطانيين فرض أيرلندا موحدة عبر فوهة المدفع، ولكن عندما جلسوا مع قادة الجيش الأيرلندي الحر عبر هؤلاء عن رغبة بالحديث عن التشارك في السلطة وحقوق الإنسان، وهو أمر يصدق على «تنظيم الدولة». ولن يتحدث أحد إليهم عن الخلافة ولكن عن مظالم السنة».
ويؤكد باول أنه لا يقترح التفاوض بديلا عن القتال. فالجماعات المسلحة لا تميل نحو الحوار من دون ضغط عسكري «ولو كنت نائبا لصوت مع قصف العراق وسوريا، ولكنني أريد معرفة من سيقدم قوات على الأرض لقتال تنظيم الدولة ووجود استراتيجية سياسية لتلبية مظالم السنة».
فرق تسد
وبعيدا عن التحاور مع تنظيم الدولة الذي عرضه باول يقترح باراك ماندلسون أستاذ العلوم السياسية في كلية هارفارد بمقال نشره موقع الدورية الأمريكية «فورين أفيرز» إعداد خطة لتقسيم كل من العراق وسوريا.
وأشار للتطورات الأخيرة من تفجير الطائرة الروسية إلى هجمات باريس والتي أظهرت خطر التنظيم وأهمية مواجهته.
وقال إن الولايات المتحدة اعترفت بخطورته من خلال استراتيجية أوباما عام 2014 والذي وصف الحرب ضد التنظيم بأنها طويلة.
ونظرا لبطء المدخل الذي تبنته واشنطن من ناحية توجيه الضربات للجهاديين فلم يتحقق الهدف المنشود ولم تكن سوى محاولة «لاحتواء» الخطر الجهادي.
ويرى الكاتب أن رد واشنطن الأولي على «تنظيم الدولة» تشكل عبر تجربتها المرة في العراق وأفغانستان.
صحوات
ولهذا يرى الكاتب أن مقترح وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والسفير الأمريكي السابق في العراق جيمس جيفري والكاتب السوري حسن حسن وغيرهم والداعي لإنشاء قوات سنية على غرار مجالس الصحوات السابقة في العراق مقترح جذاب لكنه غير قابل للتحقيق. لأن الولايات المتحدة ليس لديها نفوذ كبير في العراق وهناك 3.000 عسكري أمريكي مهمتهم تدريبية فقط. كما أن خطة كهذه ستلقى معارضة الحكومة الشيعية التي لن تقبل بشراكة سنية – أمريكية.
كما أكدت الحكومة على أن أي دعم للسنة يجب أن يمر عبر بغداد.
ويضاف إلى هذا فتجربة السنة مع الصحوات تجعلهم غير متحمسين للتعاون مع أمريكا بعدما حدث من اغتيالات وملاحقة لقادة هذه المجموعات المسلحة.
وحتى لو كانت واشنطن راغبة بمكافأة السنة فلن تستطيع، خاصة أنها تريد الحفاظ على وحدة العراق وسوريا.
والسياق نفسه حاضر في سوريا حيث لا يثق السنة بالنظام العلوي ويخشون «تنظيم الدولة» ويراقبون بنوع من القلق التقدم الذي يحققه الأكراد.
ومن هنا يعتقد الكاتب أن إصرار واشنطن على ربط دعم المعارضة السورية بقتال «تنظيم الدولة» أولا كان وراء رفض فصائل المعارضة التعاون، وهو ما أدى لفشل برنامج التدريب الأمريكي لتدريب وتسليح المعارضة الذي أشرفت عليه البنتاغون، حيث لم يتم تدريب سوى عدد قليل من المقاتلين ومن دخل منهم إلى سوريا هاجمته «جبهة النصرة» فيما انشق آخرون لفصائل أخرى أو غابوا عن الانظار. وهنا يقترح الكاتب خطة جديدة.
وتقوم على ضرورة اعتراف إدارة أوباما بفشل استراتيجيتها الحالية ضد الجهاديين. فقد أثبتت هجمات باريس أن الخطر عظيم ولا يمكن الانتظار حتى تنهار «دولة بدائية» من الداخل.
كما أن التقدم البطيء في سوريا والعراق سيزيد من مخاطر الإرهاب في الخارج. وعلى واشنطن الاعتراف بأن المشاركة في تحمل العبء لا تغني عن التورط العميق، فهزيمة التنظيم لن تتحقق إلا بملاحقته إلى معاقله في الشرق الأوسط.
وعليه فيجب أن تركز الاستراتيجية الأمريكية الجديدة على تدخل عسكري مباشر يخلق الظروف لدعم السنة له مما سيسمح لواشنطن لاحقا كي تخفف من دورها.
ومن هنا فاستعداد أمريكا نشر قوات برية سيشجع بقية دول التحالف على المشاركة، خاصة فرنسا.
فمن خلال القوات البرية يمكن لأمريكا وفرنسا والدول الاخرى المتفوقة عسكريا هزيمة تنظيم الدولة. ويجب العمل مع السنة لأنهم يعرفون عن العدو أكثر من القوى الغربية، بل وستصبح القوات السنية مهمة بعد هزيمة الجهاديين حيث ستعمل كقوات حفظ سلام.
كيان سني
ويرى الكاتب أن الطريقة الوحيدة لكسب دعم السنة هي منحهم حصة كبيرة من نتائج المعركة. وهنا يقترح الكاتب إنشاء دولة سنية تربط مناطق ما بين مناطق العرب السنة في كل من العراق وسوريا.
ويتساءل ماندلسون عن سبب تمسك أمريكا بحدود سايكس – بيكو المصطنعة والتي رسمت قبل قرن من الزمان، قائلا أن لا معنى له. فهناك قلة ترى أن العراق وسوريا ستعودان كما كانتا بعد كل الدم الذي سال.
ويقترح خيارا آخر وهو فصل الجماعات المتحاربة ضمن كيانات مختلفة. فمع أن النزاع الطائفي لم يكن محتوما إلا أنه أصبح واقعا بسبب المصالح الذاتية للجماعات المشاركة فيه. ويرى أن وعد السنة بدولة يحتاج لالتزام منهم والتعهد بمواجهة «تنظيم الدولة».
ورغم أن هذا الوعد لن يقبله كل المشاركين في النزاع بمن فيهم حكومة بغداد، إلا أنه إقناعهم بكون الخيار الأفضل سهل.
فهو بديل عن استمرار الحرب ومواصلة «تنظيم الدولة» تهديده للشرق الأوسط. ويعتقد ماندلسون أن قيام دولة سنية ستكون له منافع منها أن دولة للسنة في سوريا تعني قيام دول للأقليات مثل العلويين.
كما سيحظى هذا الكيان بدعم من الدول السنية. خاصة أن الاستقطاب الطائفي يجعل من الصعوبة بمكان تعاون الدول هذه مع إيران وحكومة الشيعة ببغداد والعلويين في سوريا.
وقد يدفع هذا الوعد الدول السنية لإرسال قوات للمساعدة في إخراج «تنظيم الدولة» من الرقة والموصل بعد المعركة الأولى التي سيقودها الغرب، وبالتالي مساعدة السنة على بناء دولتهم. وخطة كهذه تحتاج لتوافق كل الأطراف على التفاصيل من مثل الحدود وتبادل السكان وتوزيع المصادر الطبيعية وحقوق الأقليات التي ستبقى في الدول التي ستحل محل سوريا والعراق.
وسيمنح هذا الخيار فرصة للخروج من دوامة الحرب الطويلة والتهديد الإرهابي المستمر ووقف أزمة اللاجئين ونهاية التنافس بين أمريكا وروسيا «فمن أجل النظام الدولي ومصالح الولايات المتحدة، فقد حان الوقت كي تتحمل واشنطن مسؤوليتها وتحقيق وعد أوباما بتدمير تنظيم الدولة».
إبراهيم درويش