هل أمريكا مذهولة من التقارب التركي الروسي أو منزعجة؟

حجم الخط
42

ما أن سمعت الإدارة الأمريكية خبر الرسالة التي أرسلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، حتى خرجت علينا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية لتقول إن أمريكا مذهولة من هذا التقارب التركي الروسي المفاجئ. ولا شك أن هذا التصريح تغلب عليه الصبغة الإعلامية والدبلوماسية الكاذبة، فالأصح أن تقول المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إن أمريكا منزعجة جداً من عودة العلاقات بين موسكو وأنقرة. إن التصريح الأمريكي المندهش ربما يعكس خيبة أمل أمريكا لأنها ربما كانت تراهن على صراع مرير بين الروس والأتراك لاستنزاف الطرفين. لكن إنهاء القطيعة بهذه السرعة وبهذه الطريقة قد أفشل اللعبة الأمريكية. هل كانت أمريكا تريد توريط تركيا عندما أعطتها الضوء الأخضر لإسقاط الطائرة الروسية؟
لا يمكن لتركيا بأي حال من الأحوال أن تـُقدم على إسقاط طائرة روسية على الحدود مع سوريا لو لم تحصل على مباركة من أمريكا أولاً، ومن حلف الناتو الذي هي عضو فيه ثانياً. ولا شك أن تركيا كانت تعتقد بصفتها محمية من الحلف أنها قادرة على مواجهة روسيا جوياً، لأنها تتمتع في نهاية النهار بحماية أطلسية. لكن الأيام أثبتت أن تركيا ربما تعرضت لخديعة أمريكية مفضوحة، فحصلت على موافقة أمريكية لمواجهة الروس فوق الأجواء السورية التركية، لكن الأمريكيين على ما يبدو كانوا يريدون الإيقاع بتركيا وتوريطها في صراع خطير مع روسيا، ثم يتركونها وشأنها. ولو نظرنا إلى ردود فعل أمريكا ومعها حلف الناتو في أعقاب إسقاط الطائرة والحملة الروسية اللاحقة على تركيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لوجدنا أن الأمريكيين وبقية أعضاء حلف الناتو كانوا يلعبون لعبة قذرة مع الأتراك، وإلا لما تجرأت روسيا على تركيا بهذه القوة والفظاظة.
ولعل أكبر دليل على أن الأمريكيين كانوا يضمرون الشر لتركيا عندما ورطوها مع روسيا في حادثة الطائرة، أن أمريكا، كما اسلفنا، فوجئت لا بل ذهلت من التقارب الروسي التركي. وقد أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها ليست على أدنى علم باعتذار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين على حادث إسقاط أنقرة الطائرة الحربية الروسية قبل سبعة أشهر.
وقالت إليزابيت تيرودو الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية: «لم نر سوى بيان المتحدث الرسمي باسم الكرملين». وقالت المتحدثة للصحافيين: «إذا ما تبيّن لدينا أي مستجدات بهذا الشأن سوف أطلعكم عليها»، مشيرة إلى أنها ليست على أدنى علم بما إذا كانت أنقرة قد شاورت الحكومة الأمريكية قبل قيامها بهذه الخطوة، أي الاعتذار لروسيا. ولو كانت واشنطن منخرطة بشكل أو بآخر بخطوة تركيا الودية تجاه روسيا، كما يقول موقع روسيا اليوم، لأظهرت اعتذار أردوغان لروسيا، على أنه «نصر إضافي تحرزه الدبلوماسية الأمريكية».
واضح تماماً من التصريحات الأمريكية المتفاجئة والمذهولة من التقارب الروسي التركي أن الأتراك تصرفوا هذه المرة بعيداً عن أي مشاورات مع حليفتهم المزعومة أمريكا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الأتراك ربما باتوا لا يثقون أبداً في المواقف والوعود الأمريكية، فلم تكتف واشنطن بالمماطلة في طلبات تركيا لإقامة منطقة آمنة على حدودها مع سوريا، بل وصل الأمر بالأمريكيين إلى توريط تركيا مع الروس ومن ثم تركتها تواجه الجبروت الروسي لوحدها. ولا ننسى كيف أن أمريكا وأعضاء آخرين من حلف الناتو كانوا قد سحبوا بطاريات صواريخ باتريوت من الحدود التركية بعد التدخل الروسي في سوريا، وكأنهم يعطون روسيا الضوء الأخضر لتفعل ما تشاء على حدود تركيا.
لو وقف حلف الناتو وقفة صارمة إلى جانب تركيا بعد صراعها مع روسيا، لما كان الروس قد تجرأوا على تركيا بهذه الغطرسة، ولما استهدف الطيران الروسي جبل التركمان ومدينة حلب تحديداً بوصفها مجالاً حيوياً تركياً. لاحظوا أن الحملة الروسية على حلب تأجلت بعد الاتصال بين أردوغان وبوتين. ولا ندري إذا سيكون رد الفعل التركي على الموقف الأمريكي المخزي مزيداً من التقارب مع الروس نكاية بمن خذلوها. وكأن تركيا تقول للأمريكيين والأوروبيين: فهمنا لعبتكم جيداً.
واضح تماماً أن الأتراك تعلموا درساً قاسياً من الخذلان الأمريكي والناتوي الأخير. لهذا جاء الاتصال بين الأتراك والروس بعيداً عن أي علم أمريكي، وربما وجدت القيادة التركية أن الاعتذار لروسيا حفاظاً على المصالح التركية أفضل وأقل ضرراً من المراهنة على حليف غدار.

٭ كاتب واعلامي سوري

هل أمريكا مذهولة من التقارب التركي الروسي أو منزعجة؟

د. فيصل القاسم ٭

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د. راشد - ألمانيا:

    الأسد فيصل القاسم :
    أبارك لتركيا هذا التقارب مع روسيا وإسرائيل لانها بذلك خرجت من حقل الألغام الذي كان منصوبا لها من أمريكا والغرب وللأسف من بعض الدول العربية الذين كانوا ينتظرون اللحظة التي ستنفجر تركيا وتتحول أشلاء هذا التقارب الروسي التركي سينعكس إيجابا على الشعب السوري ليست أمريكا وحدها منزعجة من هذا التقارب بل النظام السوري يستشيط غضبا وغيضا هو وإيران ولا يغرنك تصريحات البعض المرحبة التي تخفي الكثير وراءها
    كل التحية للأسد اردوغان الذي أخرج تركيا من المصيدة

  2. يقول السعيد بن أحمد / الجزائر:

    هكذا هي السياسة ، لعبة مصالح ، لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة ، وتركيا استطاعت أن تطبق ذلك في علاقاتها مع روسيا أو إسرائيل.
    عودة الحرارة للعلاقات التركية-الروسية، والتركية-الاسرائيلية سيغير من الموقف التركي تجاه الأزمة السورية تدريجياً .
    يبقى أكبر مخدوع في كل هذا المشهد المعقد هم العرب بمواقفهم المخزية تجاه بعضهم البعض في ظل تراجع الدور المصري والشمال افريقي فاسحا المجال للدور السعودي الخليجي الذي لا يملك الخبرة والقدرة اللازمة لمعالجة مثل هذه الأزمات التي تتخبط فيها المنطقة.

  3. يقول سوريا:

    ترك باعت المعارضة السورية بأرخص السعر
    صلح مع إسرائيل ثم روسيا ثم مع أسد هناك إتصالات السري بينهم وبين أسد على مستوى العالي
    والسبب كل هل التنازلات للأسد هو خوفها من الحزب العمال الكردستاني
    كان عليها صلح واعترف بالحقوق الشعب الكوردي بدل من التضحية بالشعب والمعارضة السورية

  4. يقول ahmadakoul nigerea:

    ستبدي لك الايام ماانت جاهله//وياءتيك بالاخبار من لم يزود

  5. يقول احمد حيلاوي /نيجيريا:

    قالت العرب/
    ستبدي لك الايام ما كنت جاهله //وياتيك بالاخبار من لم يزود
    فكيف وقد اخبرنا اصدق الخلق /محمد عليه الصلاة والسلام/حين قال عن اهل الشام
    /لايضرهم من خذلهم/
    والله نتوقع ان يخذلنا من هم خير من الاتراك /وكفا بالله وكيلا

  6. يقول الاردن.عمان:

    أسود ترد ماء العرب ..ونراها تعبث .ولانحرك ساكنا اولم نعرف لتحريكها .مع اننا نملك الكثير للقضاء عليها من جنونها الذي لايتوقف..مع ان الحل بسيط جدا يقولون نحن ابناء الصحراء ..نعم ابناء الصحراء لايعيبنا في ذلك كنتم خير امة اخرجت للناس لاننا خرجنا عن مايقصده الله بنا لم نفهمها جيدا فاصبحنا نموذجا للضعفاء ..ولكن لازال معنا الكثير .لنرجع ونعيش حياة الصحراء لنخطط..ولنكتفي بأبيار المياه الصالحة للشرب .ولا اريد فوائد لاموالي واسترجعها واجعلها لابناء العرب ولو لبضع سنين ..ولانريد طير يرفرف فوق رؤوسنا وننبهر بالوانه الرائعه..نكتفي بما عندنا .ونبدأ من جديد .ولنحاول ان نقول لا لالا للمتغطرس .

  7. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    قرار اردوغان قرار صائب. هو فعلا رئيس جيد لبلده. حبدا لو تعلم العرب منه وبدون اعطائه رقبتهم ليسود عليهم، بل يتعاونوا معه لما فيه الصالح المشترك.

  8. يقول وطني- الجزائر:

    ومدينة حلب تحديداً بوصفها مجالاً حيوياً تركياً؟ حلب مدينة سورية و ليست تركية

  9. يقول حاتم خليفه / مصر:

    لابد ان تدرك تركيا ان امريكا حلمها مسح اى دوله اسلاميه من الخريطه
    وتحلم روسيا بالدولار والاسترلينى

  10. يقول ديك الجن:

    يا رجل ” كبر عقلك ” … وأعذرني على التعبير بقدر ما يعني عالم ” السياسيحية ” هذا ناهيك عن فرق الرقص في الظلام والتي تسوي الأمور الى ما يراد، لا … كن على يقين أن جيش مخابرات أمريكا كان عارف وخوذ راحتك بالكلام، ولاتنفخوا بوتين أكثر مما هو “برقع ” يكحل به عيون بني صهيون وخليها لربك عن البقية الباقية في مرض الجريمة العضال الذي سوغوا له فيروس أسمه ” داعش ” مصنع في مختبرات المخابرات الروسية والأمريكية ههههههههههه ….

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية