سيعود التمثال إلى مكانه. هذا ما أعلنه الناطق الرسمي باسم الرئاسة في تونس لموقع «هافينغتون بوست العربي»، قبل أن يضـــيف أن الخطــوة تمت بناء على «طلب شخصي» من الرئيس الباجي قائد السبسي.
تصريحات المسؤول أكدت معلومات نشرتها قبل أيام مجلة «جون أفريك» الفرنسية، وذكرت فيها أنه بمبادرة من الرئيس التونسي الحالي سيتم في العشرين من الشهر الجاري، وهو التاريخ الذي يوافق الذكرى الستين لاعلان الاستقلال، إعادة تمثال الزعيم الراحل بورقيبة إلى موضعه الاصلي في الشارع الذي لايزال يحمل اسمه في قلب العاصمة التونسية، بعد أن تمت ازالته من هناك منذ الايام الاولى التي تلت اقصاءه من الحكم على يد رئيس وزرائه في ذلك الوقت زين العابدين بن علي. لكن المسألة لا تتعلق فقط بمجرد رغبة أو حلم شخصي راود قائد السبسي وجعله يبحث عن طريقة لرد الجميل لرئيس عمل معه منذ السنوات الاولى لوصوله للسلطة، بقدر ما تدل على الصعوبات الذهنية والنفسية التي تواجهها تونس لفك ارتباطها الوثيق والعميق بإرث ثقيل من الزعامة المطلقة، لرجل ظل يردد باستمرار أن له أفضالا جمة على بلد حرره من الاستعمار، ثم واصل قيادته لثلاثة عقود كاملة، رغم المتاعب الصحية المتتالية التي واجهته منذ الستينيات ثم التأثيرات السلبية الواضحة التي ظهرت على أدائه وطريقة إدارته للسلطة، بفعل تقدمه في السن، خصوصا منتصف الثمانينيات حين أطيح به فيما عرف فيما بعد «بالانقلاب الطبي». ا
لدلالة الكبرى على قوة ذلك الارتباط هو أن إرادة الماضي التي لا تعترف بحق الأجيال الجديدة التي لا تعرف سوى النزر القليل عن حياة الزعيم ومسيرته قبل الوصول إلى السلطة وبعدها، هي التي تقرر الان بشكل أحادي الجانب ما ينبغي أن يظل حاضرا في مستقبلها، وبالاسلوب والشكل والطريقة وحتى التوقيت الذي ترا ه مناسبا لها. وليس مهما في تلك الحالة إن كانت تلك الاجيال التي ولدت في حقبة بن علي تدرك أو تعرف شيئا عن شخصية بورقيبة أو تجهلها بالكامل، فالمهم أن الانطباع السطحي والبسيط الذي عمقته سلسلة مقارنات اعلامية فجة وغير دقيقة بين حاكم مات «نظيف اليدين» ولم يكسب أو يجمع ثروة طائلة خلال سنوات حكمه، وآخر كان كل همه جمع الثروات وتكديسها في حسابات لايزال معظمها مجهولا وسريا إلى الان، والمواقف البطولية وحتى الاسطورية المنسوبة لاول رئيس لتونس في بعض القضايا الداخلية والخارجية التي واجهتها البلاد، خلال سنوات حكمه، التي يصفها الاعلام المحلي باستمرار على انها سنوات الرخاء والأمن والنعيم، هي الرواية الوحيدة التي يصادفها كل من يفكر بالبحث في دفاتر التاريخ الرسمي عن صورة تقريبية أو مصغرة للستين عاما الماضية. ولكن هل تكفي الانطباعات السطحية والعاطفية وحدها حتى تبرر أو تفسر ما يحصل من اكتساح تدريجي لتماثيل الزعيم وصوره في اكثر من موضع في تونس داخل وخارج العاصمة؟ لا يتعلق الأمر بنوستالجيا تستبد بالقلوب والعقول وتغيب معها كل قراءة حيادية ونزيهة للتاريخ، بل بصياغة متعمدة ترسم فيها الخطوط والحدود لحاضر البلد ومستقبله القريب والبعيد، وهذا هو جوهر القضية والجانب الأخطر في الموضوع. فهناك حبل سري لم يقطع بعد بين شخصية بورقيبة التي طبعت مراحل مهمة وحساسة من التاريخ التونسي المعاصر وبين البنية الثقافية والادارية لدولة تستعد للاحتفال بعد ايام بمرور ستين عاما على استقلالها عن فرنسا.
وذلك الحبل هو الذي جعل احتكار السلطة بكل اشكالها وصورها عملا مستمرا ومتواصلا، حتى مع وجود بنية دستورية وسياسية تسمح بالتعدد والانفتاح. والإشكال الاساسي هنا، هو أن النظام القديم الذي بني مباشرة بعد توقيع اتفاقية الاستقلال لم يكن قابلا للتطور والتجدد أو لفكرة الشراكة في إدارة الدولة، لأنه كان ولا يزال يعتبرها ملكية خاصة وحصرية لا ينبغي الاقتراب منها إلا في حدود بسيطة ومضبوطة لا تؤثر بشكل فعلي على سيطرته ونفوذه الواسع على مرافقها الحساسة والمهمة. وقد أثبتت تجربة الإسلاميين القصيرة في السلطة أن الامر لا يقتصر على مجرد كسب الارادة الشعبية من خلال الفوز بالانتخابات بقدر ما يهم بالاساس كسب المواقع الحصينة والمغلقة داخل دولة صممت وفقا لقواعد لا تقبل الا اللون الواحد والفكر الواحد وحتى الزعيم والقائد الفذ والملهم الأوحد. وربما لحسن حظهم وحظ تونس أنهم لم يستغرقوا وقتا طويلا حتى يدركوا أن عليهم الانسحاب بهدوء ومغادرة مواقع امامية لم يكن مسموحا لهم بالاستمرار في البقاء فيها، قبل أن ينهار السقف فوق رؤوسهم، مثلما قال لهم الشيخ راشد الغنوشي ذات مرة. المفارقة أن ذلك الانسحاب الذي قيل عنه مرات إنه تكتيكي، ومرات أخرى إنه استراتيجي سمح لهم بالخروج من الحكومة، لكنه ادخلهم في المقابل إلى قلب الدولة. لقد صاروا بنظر ألد خصومهم واعدائهم رجال دولة يدركون متى يشدون الحبال ومتى يرخونها ويملكون قدرة عجيبة على فهم واستيعاب المنطق الذي يحركها ويتصرفون ببراغماتية يحسدهم عليها الكثيرون، كلما واجهوا أصعب المواقف والاختبارات واكثرها حساسية وصعوبة. حصل كل ذلك في ظرف زمني قصير بعد أن كانوا بنظر قسم واسع من النخب الفكرية والإعلامية في مرتبة الاجانب الذين لا صلة لهم أو رابط بالبلد، بل تردد اكثر من مرة انهم غير تونسيين وأن حركتهم تحمل افكارا واصولا غريبة عن التربة التونسية.
هل غيروا جلودهم وجنسياتهم وعقولهم وضمائرهم وصاروا بين ليلة وضحاها تونسيين مثل باقي التونسيين؟ أم الاخرون الذين كانوا يرفضونهم ويجاهرون بالعداء لهم هم الذين تغيروا وقبلوا بعد عقود طويلة من الممانعة والانكار بحقهم في الوجود فوق الارض ذاتها وتحت السماء ذاتها؟ يعتقد المشككون في وطنية الاسلاميين انهم كسبوا شوطا مهما في معركة» تونسة» الغرباء وإعادتهم إلى دولة ظلوا يناصبونها العداء منذ اواخر الستينيات، أي منذ البدايات الاولى لظهور التيار الاسلامي في تونس، ويرى الشيخ الغنوشي في المقابل أن حركته صارت الآن في «قلب الدولة ومؤتمنة عليها»، لكن العقبة التي تواجه الطرفين هي أن المراجعات الفكرية التي قام بها النهضويون وشكلت نوعا من التنازل الذي صدم البعض واغضب البعض الآخر، لا يلقى على الجانب المقابل أي إشارات على أن الدولة التي قامت على اللون والفكر الواحد في طريقها لكسر صنم البورقيبية، الذي عطل انفتاحها وتجددها طوال العقود السابقة. وما يحصل هو أن الخطوات التي يقطعها الاسلاميون نحو الدولة لا تفسر خارج تلك المعادلة التي يبدو فيها ما يسمى بالبورقيبية والدولة وجهان لعملة واحدة. لقد ذكر قبل أيام مسؤول بجمعية «وفاء لتراث بورقيبية» لإحدى الاذاعات الخاصة أن «الغنوشي أصبح بورقيبيا بامتياز لانه صار منفتحا ويعتمد سياسة المراحل». ولا يبدو أن مثل ذلك الانطباع الذي يشاركه فيه قسم واسع من النخب التي كانت حتى عهد قريب ترى في الشيخ وفي حركته الخطر الاكبر على تونس يسمح بالتفاؤل بقرب حصول تحول دراماتيكي وسريع يقلب أسس دولة قامت على الفردانية المطلقة والتكلس والتعصب الفكري والايديولوجي، ويحولها إلى دولة اخرى تقبل بالجميع بكل تنوعاتهم واختلافاتهم ماداموا موجودين تحت سقف الدستور، وملتزمين بضوابطه ونصوصه. أما إلى متى يستمر منطق، أن تخلع جبتك وتلبس بدلة البورقيبية لتدخل دولتك بسلام؟ فربما إلى الوقت الذي تقرر فيه الاجيال المقبلة انه لم تعد لها حاجة أو رغبة في بقاء كل التماثيل والنصب والاصنام التي عادت أو ستعاد في ذكرى الاستقلال إلى قلب العاصمة تونس، مثلما بشر بذلك الناطق الرسمي باسم الرئاسة في تصريحاته الصحافية.
٭ كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
مقال جدير بأن يقرأه قصار الذاكرة.ويا حبذا لو يتكرم الكاتب الكبير بإلقاء المزيد من الضوء على حقيقة بورقيبة ونرجسيته،وما ترتب على فترة حكمه من أوضاع لم تمحى إلى اليوم،وخاصة الإغتيالات ،وصباط الظلام،وإغلاق الزيتونة ومحاربة التعريب،وهل لاتفاقيات 1954 بنود سرية؟.الشباب لايعرف تقريبا شبئا حقيقيا عن بورقيبة.وعجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء.
يكفي أن بورقيبة قد أرسى التعليم.
لن أتكلم عن محاسن و مساوي الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة فهو الآن بين يدي ربه.. كذلك لن أتكلم عن اعادة تركيز نصبه التذكاري.. اذ لا أحد ينكر أنه من رموز تونس الكبار شأنه شأن العلامة ابن خلدون الذي يحتل نصبه التذكاري مكانة مميزة بالعاصمة.. أكتفي فقط بالحديث عمن يلقبون أنفسهم بالبورقيبيين الذين نسوه بمجرد الانقلاب عليه من المخلوع.. و لم يفكر أحد في زيارته في منفاه بمسقط رأسه بالمنستير حتى مات بحسرته رحمه الله..
الماضي ذكرى..
والحاضر واقع..
والمستقبل مجهول.
تلخص عملية اعادة تمثال بورقيبة
حزب نداء تونس استمد شرعية من قبر بورقيبة بمدينة المنستير اين اعلن عن نشأة حزبه شرعية استمدها من الماضي “الماضي الذكرى ”
نجحت عملية سحرالسبسي بترياق قبر بورقيبة وتسلم حزبه السلطة ولما
عجز السبسي وحزبه عن تقديم حلول لمشكلات الحاضر من توزيع للثروة بعدالة و تحقيق العدل والحرية والكرامة ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين القى حباله اصنام بورقيبة عسى ان يسحر بها اعين الناس فيُخيل لهم ان السبسي هو بورقيبة بشحمه ولحمه القادر على صنع المعجزات فيعش الشعب في احلام وردية
فكانت عصا موسى حاضرة في المشهد وهي ” الحاضر” تلقف اصنام بورقيبة وتبطل سحر السبسي لتمضي تونس نحو مستقبل مجهول بعد ان اصابها داء داعش مثل بقية بلدان الربيع العربي
متى كانت الأصنام قادرة على ايجاد حلول لتونس المتدعوشة
تونس هي لكل التونسيين واعتقد ان ادعاء البعض بالوفاء لبورقيبة الى حد اعادة صنمه الى قلب العاصمة هم ركض عكس التيار ذلك ان عقلية التونسي قد تغيرت وان عبادة الأصنام كان في زمن قد ولى وانتهى ولا مجال لإعادة العجلة للوراء .ويخطىء من يضن ان الإسلاميين او غيرهم ممن نكل بهم بورقيبة ونظامه سيمجدونه يوما او حتى يترحمون عليه وما تصريح بعضهم بان الشيخ راشد اصبح بورقيبيا بامتياز ماهو الا مغازلة للشيخ وانصاره لا اكثر ولا أقل .