غرناطة – «القدس العربي»: حسب دراسة ميدانية طريفة ومثيرة، أنجزتها جامعة روما الإيطالية ونشرتها مؤخراً جريدة «البايّيس» الاسبانية تطرح التساؤل التالي: هل الذين يقرأون هم أكثرغبطة وسعادة وانشراحاً من الذين لا يقرأون؟ وهل هؤلاء الذين يقرأون هم أقلّ عنفاً وأكثر تفاؤلاً من أولئك الذين لا يقرأون؟
تؤكّد الكاتبة الاسبانية إمّا رودريغيس، على أنه حسب تحليل معمّق أجرته مجموعة من الخبراء، بإيعاز من جامعة روما بواسطة إجراء استجوابات لألف ومئة شخص لقياس درجات السعادة ومعدّلات الانشراح في حياة هؤلاء الذين يتعاطون القراءة، وأولئك الذين لا يقرأون، فقد توصّل هؤلاء الباحثون إلى نتائج مذهلة في هذا القبيل، إذ تؤكّد هذه النتائج بما لا يترك مجالاً للريبة والشكّ أن القراءة تجعل المقبلين عليها والشّغوفين بها بالفعل أكثرَ سعادة من غيرهم، كما أنّها تساعدهم على مواجهة وجودهم بطريقة أكثر فعالية وجرأة ونجاعة .
تغذية الرّوح والجسد
ويتساءل الخبراء في هذا البحث الطريف: كيف نشعر، وبماذا نشعر، وما هي التغييرات التي تطرأ علينا عندما ننهمك في قراءة تاريخ مّا؟ أو الاستمتاع برواية مّا؟ فلتأثير القراءة على أنفسنا وقع بليغ على توجّهاتنا واختياراتنا، فنحن نرى الأبطال ونعايشهم، وهذا التأثير يعكس تناقضاتنا ومشاعرنا وتطلعاتنا وآمالنا. إنه يذكّرنا في أشياء وأفعال ومواقف ربّما يكون النّسيان قد أسدل عليها ستائره. ويؤكد الباحث الإيطالي نوسيو أورديني، على أنّ تغذية الرّوح هو في مستوى أهمية تغذية الجسم، ونحن في مسيس الحاجة إلى ملء هذا الجانب في حياتنا الذي يعرف فراغاً مهولاً في حياتنا المعاصرة، ويفتح أو يفسح لنا الطريق إلى تلك التجارب والمعارف، التي قد تفضي إلى منافع ومكاسب روحية وإقتصادية.
ويشير الباحثون إلى أنّ العلم الحديث يوفّر لنا أكثر من أيّ وقت مضى عناصر الجواب بالنسبة للعديد من علامات الاستفهام التي تملأ حياتنا، وتخبرنا عمّا يحدث في عقولنا، وبشكل خاص في المركز الأيسر في المخّ، في الجانب المخصّص للّغة، وذلك في الوقت الذي نكون منهمكين في قراءة كتاب، أو بعد الانتهاء من قراءته. ويؤكد كيث أوتلي الرّوائي الكندي وأستاذ علم النفس المعرفي في جامعة تورونتو، على أنّ الأدب في مقدوره تغيير وتبديل وتعديل تصرّفات الناس بواسطة التأقلم، ويدفعهم إلى التعاطف مع أبطال الأدب والإبداع.
دروس الأدب
ومن جانب آخر ترى الاسبانية أنتونيلا فاير بيريث العالمة النفسانية المتخّصصة في تدريب وتنمية المهارات القيادية: «أنه يصعب علينا يوماً بعد يوم أن نرتدي أحذية غيرنا، إلاّ أننا نجد سهولةً ويسراً في تقمّص شخصّيات أبطال إحدى الرّوايات التي أخذت بمجامعنا». كما تشير إلى: «أنّ بعض الدروس- التي نجدها في الأدب حول غير قليل من المعضلات الخلقية والعاطفية التي تواجهنا ـ هذه الدروس ضرورية ولا مندوحة عنها لأيّ شخص، خاصّة لهؤلاء المشتغلين بالسياسة الذين يتحجّجون دائماً بأنْ لا وقت لهم، هؤلاء هم في حاجة ماسّة للابتلاء بهواية القراءة، حتى يتسنّى لهم الفهم بشكل جيّد وأكثر نجاعة تصرّفات الآخرين». ويؤكّد ألاَنْ برَاوْ المدير السابق لـ»فايننشال تايمز:»على: «أنّ قراءة أعمال الكتّاب العظماء تساعد الإنسان بشكل أفضل على اتخاذ القرارات الإبداعية، والمثيرة للاهتمام».
واقتناعاً من مؤسّسة لندنية تُعرف بـ«مدرسة الحياة» بمدى جدوى وفوائد القراءة كمحرّك أساسي للحياة فإنها تخصّص كتباً بعينها لروّادها للقراءة التي تساعد على التغلّب على الصّراعات والنزاعات والمشاكسات.
ويقول الكاتب الاسباني سانتياغُو أَلبَا رِيكُو صاحب كتاب «القراءة مع الأطفال»: «إنّ على الآباء أن يخصّصوا أوقاتاً لمقاسمة أو مشاركة أولادهم متعة القراءة كهواية محبّبة، ذلك أننا عندما نقف على الفوائد والمنافع التي نجنيها من جرائها فإننا لن نتركها أبداً بعد ذلك»، ويستدلّ الكاتب بقولة الرّوائي الأرجنتيني الشهير خوليو كورتاثار، بمقولة: «إننا عندما نذهب لنقرأ نكون كمن يذهب إلى الحبّ، والتعلّق بالحياة أو كمن يذهب إلى اللقاءات الأكثر أهمية في وجوده وحياته، وأحياناّ نكون كمن يذهب إلى الموت، مع العلم أن ذلك يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من كل،ّ وأنّ أيَّ كتابٍ يبدأ وينتهي قبل أولى صفحاته وآخرها بكثير».
الكتّاب الأكثر سعادة
وأجرى المعهد الاسباني للبحوث «سونديّا» SONDEA من جهته دراسة استطلاعية مثيرة وطريفة عن المشاعر التي تعتري بعض الكتّاب في مختلف أنحاء العالم، ومدى نصيبهم من «السعادة» التي يتوق إليها الجميع، أو «التعاسة» التي ينفر منها الجميع، من الأسماء التي تصدّرت قائمة الأدباء الذين يعتبرون أكثر سعادة وحبوراً من غيرهم، الكاتب البرازيلي باولو كويلو (الذي يحتلّ المرتبة الأولى)، ثمّ يليه مرتبةً الكاتب الاسباني أرتورو بيريث ريفيرتي، والمفكر والعالم الاسباني إدواردو بونسيت، والكاتب البيروفي ماريو برغاس يوسا وسواهم .
وتشير هذه الدراسة الطريفة إلى أنّ 87 في المئة من المشاركين في هذا الاستطلاع يؤكّدون على أنّ هناك علامات وأمارات تدلّ على سعادة الإنسان، في مقدّمتها الاستمتاع بعمق بالأشياء الصغيرة والبسيطة التي تصادفنا يوما بعد يوم في حياتنا، ويعزو 82 في المئة من المستجوبين سعادة الإنسان إلى استمتاعه بصحّة جيّدة في حياته، و33 في المئة فقط من هؤلاء يرون أنّ صحّة الإنسان لها صلة مباشرة بالجينات الوراثية التي انتقلت إليه عن طريق أبويه وأجداده. ويرى 79 في المئة من الذين شملهم الاستجواب أنّ الشعور بالسّعادة هو أن يكون المرء راضياً عن جميع مظاهر حياته المعاشة، ويذهب نصف المستجوبين (50.6 في المئة) منهم إلى أنّ السّعادة تكمن في أن يكون في مقدور الإنسان تحقيق نزوة من نزواته، أو بلوغ طموح من طموحاته بين الفينة والأخرى. وقد طبّقت هذه المعاييرالمدرجة ضمن التصنيف الآنف الذكر،على مجموعة من الأدباء والكتّاب المشاهير في العالم، وكانت النتيجة كما يلي:
• يحتلّ المرتبة الأولى في هذا التصنيف الكاتب البرازيلي المعروف باولو كويلو (بلغت مبيعات كتبه 140 مليون نسخة) وهو يتصدّرالقائمة بفضل الأصوات التي منحها إيّاه الشباب على وجه الخصوص من المشاركين في هذا الاستطلاع الذين صوّتوا لصالحه بأغلبية ساحقة.
• الرّوائي الاسباني الشهير أرتورو بيريث ريفيرتي، صاحب رواية «مغامرات النقيب ألاتريستي»، يحتلّ المرتبة الثانية بفضل الأصوات النسائية التي صوّتت له على وجه الخصوص بنسبة تفوق بكثير نسبة تصويت الرجال له.
• ويحتلّ المرتبة الثالثة إدواردو بونسيت المفكر والعالم الاسباني الكتلاني المعروف (أسهم بقسط وافر في التعريف وتقريب المعارف العلمية الحديثة، وفي مجالات العلوم الاجتماعية، والبيولوجية والفلكية ومبتكراتها إلى المجتمع الاسباني بفضل كتبه وتآليفه العديدة في هذا الميدان، وببرامجه التلفزيونية الناجحة، أشهرها برنامجه «شبكات» من أشهر كتبه «رحلة نحو السّعادة».
• الكاتب البيروفي الشهير ماريو برغاس يوسا (الفائز بجائزة نوبل في الآداب عام 2010) جاء في المرتبة الرابعة، من كتبه «حضارة الاستعراض».
• الكاتب الكولومبي الكبير الرّاحل غابرييل غارسيا ماركيز، صاحب رواية «مئة سنة من العزلة» الشهيرة (والحاصل على جائزة نوبل في الآداب العالمية كذلك عام 1982)، حظي بالمرتبة الخامسة ضمن هذا الترتيب بفضل تصويت كبار السنّ له بشكل خاص ضمن هذا التصنيف!.
• وحظي بالمرتبة السادسة ضمن هذا الاستطلاع الكاتب والشّاعرالاسباني الذائع الصّيت أنطونيو غالا المعروف بتعاطفه مع الحضارة الإسلامية في الأندلس، وإعجابه الكبير بها (صاحب رواية «المخطوط القرمزي») وهي عن أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك بني الأحمر في غرناطة.
• المرتبة السابعة في هذا التصنيف كانت من نصيب الكاتب الرّوائي الاسباني الكبير كارلوس رويث ثافون، الذي يُعتبر من أهمّ الروائيين وأكثر الكتّاب الإسبان المقروئين في العالم في الوقت الراهن، وقد ترجمت رواياته إلى العديد من اللغات العالمية الحيّة، بما فيها اللغة العربية، من أعماله الروائية الكبرى «ظلّ الرّيح» التي حققت نجاحاً منقطع النظير، واحتلّت كتبه مكانة مرموقة في معارض الكتب الأخيرة في اسبانيا وبشكل خاص روايته «أسير السّماء».
• وعادت المرتبة الثامنة في هذا الإحصاء الطريف للكاتبة البريطانية جوان. ك رولينغ (صاحبة الرواية الشهيرة «هارّي بوتر» التي نقلت إلى السينما بنجاح كبير)، وقد ظفرت بهذه المرتبة بفضل تصويت الشباب لها على وجه الخصوص.
• وكانت المرتبة التاسعة للكاتب البريطاني المعروف «كين فوليت» «(آخر روايتيه «سقوط العمالقة»، و«شتاء العالم»)، ولقد حقق بروايته الأخيرة هذه نجاحات باهرة من حيث المّبيعات.
• وشكّلت المرتبة العاشرة مفاجأة، سواء لمنظمي هذا الاستطلاع أو لمتتبّعيه، إذ كانت من نصيب الكاتب الاسباني العالمي مغيل دى سيرفانتيس (صاحب رواية «دون كيشوت») التي طبّقت شهرتها الآفاق، وترجمت إلى جميع لغات الأرض، ولقد باغت سيرفانتيس الجميع وهو يطلّ علينا بهامته من سديم القرون الوسطى (1547•1616) وكأنّه معاصرنا، وهو يؤكّد بذلك للملأ أجمعين، بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّه ما فتئ يتربّع بجدارة على عرش الرواية العالمية إلى اليوم.
• وعادت المرتبة الحادية عشرة للكاتبة التشيلية إيزابيل أليندي (صاحبة روايات: «بيت الأرواح» و«باولا» و«دفتر المايا») وسواها من الرّوايات الناجحة الأخرى، التي تبدو فيها وكأنّها خرجت من معطف غابرييل غارسيا مركيز!
• وكانت المرتبة الثانية عشرة والأخيرة ضمن هذا الاستطلاع للكاتب الاسباني إدواردو ميندوثا» الذي حققت كتاباته في المدّة الأخيرة نجاحات باهرة من حيث المَبيعات، كما ترجمت بعض أعماله الروائية إلى أزيد من عشرين لغة حيّة منها اللغة العربية، من أنجحها وأوسعها إنتشاراً روايته التي تحت عنوان «مدينة الأعاجيب» (ترجمة صالح علماني)، من رواياته الأخرى كذلك: «عام الطوفان» و«الحقيقة حول قضيّة سافولتا» و«متاهة الزيتون» وسواها.
محمّد محمّد الخطّابي
صحيح ان القراءة تجعل من عشاقها اكثر غبطة وحبورا ولكن لو ان احدا
من خارج دائرة المهتمين بها هم بها ربما لن يحظى بهكذا طعم ولذة فالشرط
في ذلك حبها وتقديرها اما القراءة من باب التطفل فقد تؤدي الى شعور عكس
تلك الخلاصة
كل هواية تجعل من عشاقها سعداء ولا تستثنى من ذلك حتى التافهة منها
فهي ايضا ولادة لمشاعر الغبطة لأصحابها
ألف شكر لأستاذي محمد محمد خطابي من دليل العنفوان بهسبريس
وتحياتي
القراءة هي الحياة وهي العطاء الذي لا ينضب معينه فبفضلها عرفنا وتعلمنا فهي اول امر الهي من المولي جل وعلا لرسوله الكريم محمد صلي الله عليه وسلم للمعرفة والعلم تمهيدا لتحمل المسئولية .
فالقراءة بالنسبة للمرء هي تلك العوالم السجرية التي تاخذ بالبابنا وتلابيبنا وتجعلنا نهيم بحروفها ووقائع لم تدر بخاطرنا فتجعلنا ندور في فلكها دون سام ام ملل ، عاشق القراءة انسان سوي يخلق لنفسه اللحظات الاكثر لكي يستمتع بها في ظل اتساق نفسي يسعده والفارق بين القارئ وغير القارئ كبير وليس هناك اي مجال للمقارنة بثقافته ووعيه وحضوره وفهمه لمجريات الامور من حوله فكم عرفت من اناس حصلوا علي اعلي الشهادات ولكنهم لم يحصلوا علي ثقافة رجل عادي لم يتبوا مقعدا ولا منصبا لكنه بالقراءة ثقف نفسه بنفسه وعاش سعيدا .
كنت اتمني لو حظي كاتب عربي واحد بمكان وسط هذه القامات ولكن كل شئ له حساباته وترتيباته ، لقد اسعدتنا وامتعتنا بابداعات كل هؤلاء الكتاب فهم يمتلكون قدرات غير عادية وابداعا غير نمطي .
محمد عبده العباسي
بورسعيد
مصر