رفع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من وتيرة المواجهة مع إيران، على الأقل الخطابية. ففي مقابلة مع الصحافي المعروف توماس فريدمان هاجم بن سلمان آية الله خامنئي ووصفه «بهتلر الشرق الأوسط» وقال إن أوروبا تعلمت أن «الترضية» ليست كافية والمنطقة ليست بحاجة لهتلر في إيران يكرر السيناريو نفسه. وهي تعبيرات مثيرة من ولي العهد الذي قال في مقابلته مع فريدمان، المعلق في صحيفة «نيويورك تايمز» (23/11/2017) إن دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي يدعم السعودية وحلفاءها لبناء تحالف سني ضد إيران الشيعية. ولكن الكاتب شكك في هذا التحالف في ضوء التنافس والعجز الذي تعيشه الدول العربية والإسلامية ما منح إيران الفرصة لأن تسيطر على أربع عواصم عربية وإن بطريقة غير مباشرة، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. ولا يمكن فصل التصريحات النارية هذه عن حوادث الأسابيع الماضية وإجبار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة. وبن سلمان وإن رفض في المقابلة نفسها الحديث عما جرى لرئيس الوزراء، إلا أنه أكد فيها أن الحريري لن يستمر في منح غطاء لحزب الله المؤثر في الحكومة اللبنانية. ونظر إلى لبنان باعتباره الساحة الجديدة للمواجهة في المنطقة العربية ضمن ما يطلق عليه التنافس والعداء السعودي – الإيراني. وأوردت مجلة «فورين بوليسي»(22/11/2017) أن دونالد ترامب يسعى لإقناع الدبلوماسيين والخبراء في الأمم المتحدة بأن الصاروخ الباليستي مصدره إيران. وفي هذا السياق تدفع باتجاه الإفراج عن معلومات أمنية لكي تجعل القضية مقنعة وبالتالي فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية وتغيير موقف الأوروبيين الذين أقاموا علاقات اقتصادية مع إيران وفق شروط الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015. وهنا مفارقة وهي الرجوع إلى المنظمة الدولية كأداة في حرب ترامب على إيران والاتفاقية الموقعة معها مع أنه وصف الامم المتحدة أثناء حملته الانتخابية بدكان ثرثرة.
نهاية اللعبة السورية
وفي ضوء التطورات الأخيرة على الساحة السورية وقمة سوتشي بين الزعماء الثلاثة المؤثرين في سوريا وهم فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني الذين دعوا لعملية سياسية ودستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية فقد جمعت السعودية خلال الأيام الماضية عددا من جماعات المعارضة السورية من أجل تشكيل جبهة موحدة في اجتماعات الأسبوع المقبل في جنيف. ويرى المحللون أن الجلبة الدبلوماسية هي تعبير عن نهاية اللعبة في سوريا والتي أعقبت الهزائم المتكررة لتنظيم «الدولة» وإخراجه من معاقله المهمة. وفي كل هذا خرجت إيران منتصرة على السعودية والقوى الوكيلة فيما سلم الرئيس ترامب مفاتيح اللعبة السياسية لفلاديمير بوتين. ولن تخرج أمريكا من الساحة السورية حسب تصريحات وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي ربط البقاء والخروج بما سيسفر عنه مؤتمر جنيف المقبل.
كارثة اليمن
وتعاني السعودية من حملة شجب دولية بسبب الأزمة الإنسانية في اليمن والتي فاقمتها عندما فرضت حصارا على الموانئ البرية والبحرية اليمنية ومرور المساعدات الإنسانية رغم تحذير المنظمات الإنسانية من أن هناك7 ملايين يمني بحاجة للمساعدة العاجلة ولمواجهة وباء الكوليرا الذي تم احتواؤه بشكل أو بآخر. وانتقد الكونغرس الممارسة السعودية حيث صوت في بداية الأسبوع الماضي على قرار وإن كان رمزيا، يتعلق بإعلان الحرب وهو أن الدعم الأمريكي للسعودية في اليمن لا يدخل ضمن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الإرهاب. ورغم قول ولي العهد السعودي بن سلمان إن الحكومة التابعة لعبد ربه منصور هادي تسيطر على 85٪ من أراضي البلاد إلا أن الصاروخ الباليستي يعني أنه طالما ظل الحوثيون يسيطرون على شمال البلاد والعاصمة صنعاء فالخطر سيظل مستمرا.
خطر
ويرى معلقون أنه في ضوء الخلافات التاريخية بين البلدين فأي شيء يمكن ان يصعد المشكلة بينهما. ونقلت هولي إليات من محطة «سي أن بي سي» (22/11/2017) عن بات ثاكر، المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال افريقيا في وحدة الاستخبارات الاقتصادية أنه لو حدثت حرب فستكون من أخطر الأوقات في الشرق الأوسط «لكن لا السعودية أو إيران ترغبان بالحرب». ووصفت ثاكر النزاع بين البلدين باعتباره صراعا على السلطة الدينية «ستقاتل السعودية بأنيابها وأظافرها من أجل موقعها كزعيمة للإسلام في الشرق الأوسط وقد تطبع العلاقات مع إسرائيل لضرب إيران». مع أن المملكة لا تعتبر الحليف الطبيعي للدولة اليهودية إلا أن كليهما يخشى من صعود إيران.
غامضة
ومع ذلك تظل الحروب الكلامية ومحاولات المواجهة عبر الحروب بالوكالة سواء في العراق أو اليمن، سوريا أو لبنان جزءا من ملامح الحرب الدائرة بين البلدين منذ سنين، صعودا ونزولا. وعلى ما يبدو فإن انتصارات حلفاء إيران في العواصم الأربع كان وراء التصعيد الجديد بالإضافة إلى أن سياسات السعودية الخارجية في ظل محمد بن سلمان تتسم بالتعجل والتهور حسب المحللين الذي لا يستطيعون فهمها. وفي هذا يقول ماركوس جينفيكس المحلل في شؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا بمجموعة تي أس لامبارد في تصريحات لسي أن بي سي إن سياسات السعودية الخارجية من الصعب فهمها «فعلى الساحة المحلية أفعاله راديكالية ولكن يمكن فهمها، ولكن على الساحة الخارجية فلا معنى لها بالمطلق» و «كان تدخله في اليمن متعجلا ولكننا نعرف ماذا كان يريد، وفي قطر فقد كان متعجلا ومتهورا نوعا ما، ولكن في لبنان فمن الصعب فهم ماذا يريد». ويرى المحللون أن الخطوة في لبنان ربما كانت «ردة فعل» في محاولة لحل الحكومة وزعزعة موقف حزب الله. وأيا كانت فالحرب ليست على الطاولة في الوقت الحالي. ويرى جينفكس إن «الحرب الساخنة» لا تلوح بالأفق لأننا لا نعرف متى اللحظة التي ستتعامل فيها طهران مع الممارسات السعودية ولا يمكنها السكوت عليها. نعرف أن الطرف السعودي لم يعد يتحمل ما تقوم به إيران والحرب لن تندلع طالما لم ترد الأخيرة. وهي ليست بحاجة لدخول حرب مباشرة مع السعودية لأنها تعرف كيف تخوض حروب التأثير بالمنطقة.
لعبة الجماعات الوكيلة
وفي مقال لجوناثان سباير بمجلة «فورين بوليسي» (21/11/2017) قال فيه إن طهران ربحت الحرب للسيطرة على الشرق الأوسط. وأشار أن لا فرصة لدى السعودية لكي تغير الموجة رغم الخطوات الجريئة التي قام بها الأمير محمد بن سلمان الذي يتحرك على أكثر من جبهة بشكل يذكر بمايكل كوريلوني وتحركه الحازم ضد أعداء عائلته في المشاهد الختامية من فيلم «العراب» ولا نعرف إن كان «العراب» السعودي لديه القدرة على وقف التأثير الإيراني، إلا أن سجل النتائج واضح في العراق ولبنان وسوريا واليمن التي استفادت إيران من كل نزاع فيها. والسبب قدرتها على بناء جماعات وكيلة اعتمدت عليها في عملية التأثير العسكري والسياسي في البلاد.
ويرى سباير أن الأدلة قليلة عن تعلم السعوديين من فشلهم السابق، فهم وعلى خلاف الإيرانيين لا يعرف عنهم الدقة والنجاح في بناء جماعات وكيلة لهم في العالم العربي ولم يفعلوا إلا القليل منذ تسلم بن سلمان السلطة. فكل ما فعله هو نزع الستار عن التعددية الطائفية للحكومة اللبنانية وتهديد أعداءه في اليمن. وهي خطوات رمزية مهمة لكنها لا تقدم الكثير من القوة الفعلية للرياض والتي افتقدتها دائما. فوقف التمدد الإيراني مباشرة أو من خلال جماعات وكيلة لا يعتمد في النهاية على السعوديين أو الإمارات، ولكن على مشاركة الولايات المتحدة وربما إسرائيل في حالة لبنان. ورغم أنه لا يعرف مدى التعاون الأمريكي- الإسرائيلي إلا أن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الأسبوع الماضي عن بقاء القوات الأمريكية في شرق سوريا وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استمرار تعزيز أمن إسرائيل في سوريا تقترح أن لهذين الطرفين دورا يمكنهما لعبه وأن الجبهة الحقيقية هي سوريا لا لبنان. ورغم الشك في قدرات السعودية إلا أن المنتصرة إيران تعاني من نقاط ضعف هي الأخرى أو قل «كعب إخيل» ففي كل بلد شهد تنافسا سعوديا – إيرانيا وجدت طهران صعوبة في تطوير تحالفات خارج الطائفة الشيعية أو الأقليات الأخرى. ولا يثق السنة بإيران ولا يريدون العمل معهم. وهناك عناصر داخل الطبقة السياسية الشيعية العراقية لا تريد أن تعيش تحت إصبع إيران. وأي لاعب يتسم بالدهاء يمكنه أن يجد الكثير من اللاعبين المحليين للعمل معهم ولكن السعودية ليست اللاعب المقصود. وفي الوقت الحالي عبر بن سلمان عن مواقفه ونيته لمواجهة إيران والجماعات المرتبطة بها في العالم العربي. واللعبة مفتوحة وتعتمد على استعداد حلفاء الرياض للعمل إلى جانبها كما أن منحنى التعلم كذلك في الأساليب السياسية وحروب الوكالة مفتوح. وكما لاحظ توماس ريكس في مقال نشرته «فورين بوليسي» (11/1/2016) فإن حروب الوكالة بين البلدين ستستمر صعودا ونزولا فقد تنخفض وتيرة حرب في بلد لتبدأ في بلد آخر. وذكر الكاتب بما كتبه عالم المستقبليات ويليام غيبسون «المستقبل موجود هنا لكنه ليس موزعا بطريقة متساوية».
إبراهيم درويش
ليت الأمير بن سلمان يقود حركة للم الشمل العربي والاسلامي واحداث التغيير المرتجى بمد الجسور مع كافة الدول االعربية ومع ايران وتركيا بعيداعن اسرائييل وأمريكا ومصالحهما ومطامعهما وسيرى حينها أنه استفاد من الفرصة التاريخية التي سنحت له ولم يضيع تلك الفرصة كما فعل ويفعل غيره من القادة.