لاعبون كثر يحتشدون في ملعب سوريا وسمائها. الكل يلعب لعبته الخاصة ويحاول أن يسجل نقاطاً في مرمى واحد هو سوريا. غير أن مجريات الألعاب والألاعيب قد تؤدي إلى صدامات بين اللاعبين أنفسهم.
أمريكا تلعب في الاجواء السورية والعراقية بالأصالةً عن نفسها وبالوكالة عن لاعبين حلفاء، اقليميين وأطلسيين. كما يلعب بعض حلفائها في البر السوري بالوكالة عنها دوراً لوجستياً ومالياً.
روسيا تلعب في الجو السوري بكثافة، كما تلعب على البر السوري بفعالية متطورة.
إيران تلعب على البر السوري بسخاء لوجستي، مالي وعسكري ، ملحوظ. لعلها تفكر بالتحليق في الجو السوري ايضاً لشنِّ غارات محسوبة.
تركيا تلعب على البر السوري بفتح حدودها أمام «داعش» لاستيراد بشر مقاتلين وتصدير نفط مسروق من آبار سوريا والعراق. تجرأتّ اخيراً على أن تلعب أيضاً في الجو السوري ضد روسيا فخرقت الاصول بفظاظة وعرّضت نفسها لعقوبات شديدة من «الحَكَم» الروسي الصارم.
فرنسا لعب عليها «داعش» ثم لعب بها في قلب عاصمتها فدفعت بطائراتها إلى السماء السورية للاقتصاص من لاعبين إرهابيين حرصوا على تهديدها بألعاب دموية اضافية بعد «لعبة» باريس المدوّية.
الكل يلعب، اذن ، في البر السوري بشكل او بآخر. الفريق الامريكي كان أوفد نحو 50 مستشاراً ومدرِّباً إلى الفريق المعروف باسم «وحدات حماية الشعب الكردي» لترفيع أدائه ضد فريق «داعش»، وربما أيضا ضد الفريق التركي. مؤخراً أوضح كابتن الفريق الامريكي وزير الدفاع اشتون كارتر خلال جلسة استماع له أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب أن «عناصر القوات الخاصة (كوماندوز) الذين بدأوا في الانتشار ستكون من المهمات المناطة بهم مداهمةُ اوكار محددة لإلقاء القبض على قادة تنظيم الدولة («داعش» في سوريا والعراق )، وهذه القوات ستتمكّن مع الوقت من القيام بمداهمات لتحرير الرهائن ، وجمع المعلومات الاستخبارية والقبض على قادة في تنظيم الدولة». كما أكد أنه «مستعد لتوسيع دور القوات الخاصة في سوريا».
كارتر لم يقل علناً ما يجري فعله سراً: تجهيز مطار زراعي في تل حجر في ريف الحسكة بمدارج مخصصة للطيران الحربي، حيث توجد مستودعات للأسلحة والذخائر تخص «وحدات حماية الشعب الكردي». ما الغرض؟ تمكينُ الجيش الامريكي من إنزال قوات الكوماندوز وإيصال الدعم العسكري لحلفائه الذين باتوا يسيطرون على منطقة واسعة على جانبي الحدود السورية- العراقية.
المفارقة أن «وحدات حماية الشعب الكردي» لا تتلقى الدعم اللوجستي من أمريكا فحسب، بل من روسيا أيضاً. ففي مدينة القامشلي القريبة من الحدود السورية – العراقية هبطت أخيراً طائرة روسية في مطارها، حيث سلّمت «وحدات الحماية» مساعدات عسكرية. ماذا يجري في شمال سوريا، وما المرامي المبتغاة؟
بات واضحاً أن قيام تركيا بإسقاط طائرة روسية داخل سوريا قبل نحو اسبوعين قد ولّد ردود فعل، سياسية واقتصادية وعسكرية، من موسكو أدت إلى تقويض حلم رجب طيب اردوغان بإقامة «منطقة آمنة» في شمال سوريا لتحقيق غرضين: منع الاكراد السوريين من السيطرة على المنطقة الممتدة من جرابلس شرقاً إلى عفرين غرباً من جهة، ومن جهة أخرى وضع اليد على منطقة سورية واسعة لتعزيز المركز التفاوضي لتركيا وحلفائها في اي محادثات تجري مع حكومة دمشق للتوصل إلى تسوية سياسية.
الى ذلك، تتقبل سوريا وايران وروسيا دعماً عسكرياً ومشاركة قتالية من أي دولة في وجه «داعش» إخوته لإجلائهم عن كل المناطق التي يسيطرون عليها في شمال البلاد وشرقها ووسطها وجنوبها. لكنها تشترط عدم المساس بوحدة سوريا الجغرافية والسياسية. حكومة دمشق قد توافق في مفاوضات أممية على منح الاكراد في شمال شرق البلاد حكماً ذاتياً في إطار الدولة السورية الواحدة ، لكنها ترفض أي ترتيبات قد تؤدي إلى إيجاد وضع انفصالي.
في ضوء هذه الواقعات والاعتبارات، يمكن تفسير مجريات الصراع في سوريا بأنه يتجه في الحاضر والمستقبل المنظور إلى توليف الترتيبات الآتية:
إجلاء «داعش» وإخوته عن جميع المناطق التي يسيطرون عليها في شمال وشرق ووسط وجنوب سوريا بلا قيد ولا شرط.
عدم تمكين الاكراد في شمال شرق سوريا من التمدد للاتصال بإخوتهم في منطقة اعزاز وعفرين في غربها ما يطمئن حكومة انقرة إلى جعل معظم المناطق المتاخمة للحدود السورية ـ التركية بمأمن من أي سيطرة كردية.
مراعاة خصوصية التركمان في محافظة ادلب وسائر مناطق شمال غرب سوريا بمنحهم شكلا من اشكال اللامركزية الادارية، لا السياسية.
حتى لو امكن التوافق، عاجلاً او آجلاً، على الترتيبات آنفة الذكر، فإن الصراع في سوريا والعراق سيبقى محتدماً بفعل تحديين: الاحتلال الاسرائيلي في الجولان، وسيطرة «داعش» على محافظات نينوى (الموصل) وغرب صلاح الدين والأنبار على طول حدود العراق مع سوريا. ذلك أن دمشق تدرك أبعاد التعاون القائم بين جبهة «النصرة» و«اسرائيل» في الجولان ومحاولات الكيان الصهيوني اقامة جيب للتنظيمات الإرهابية في جنوب سوريا بغية الضـــغط عليها لتحقـــيق غرضـين: تخــــلي دمشق عن المطالبة بتحرير الجولان من الاحتلال، وسحب قوات المقاومة «حزب الله» من سوريا ووقف دعمها لوجستياً من ايران عبر الاراضي الســورية.
أما العراق فسيصرّ، حكومةً وشعباً ومقاومةً، على إجلاء «داعش» عن كل المناطق التي يسيطر عليها في الوقت الحاضر. كذلك لن تتردد فصائل «الحشد الشعبي»، بدعم من ايران، عن مواجهة اي قوات أمريكية (وقيل تركية ايضاً) يُصار إلى نشرها في العراق تحت اي ذريعة، اذا كان وجودها يصبّ في مسعى واشنطن، كما «اسرائيل»، لإقامة دولة- اسفين في محافظات العراق الغربية لفصل بلاد الشام عن بلاد الرافدين وبالتالي عن ايران.
الصراع في المنطقة ما زال محتدماً ، لكنه سيزداد احتداماً وعنفاً اذا ما قررت الولايات المتحدة الهبوط من الجو إلى البر لتحقيق مراميها ومخططات «اسرئيل» في سوريا والعراق.
٭ كاتب لبناني
د. عصام نعمان
إقتباس :
ذلك أن دمشق تدرك أبعاد التعاون القائم بين جبهة «النصرة» و«اسرائيل» في الجولان ومحاولات الكيان الصهيوني اقامة جيب للتنظيمات الإرهابية في جنوب سوريا بغية الضـــغط عليها لتحقـــيق غرضـين: تخــــلي دمشق عن المطالبة بتحرير الجولان من الاحتلال، وسحب قوات المقاومة «حزب الله» من سوريا ووقف دعمها لوجستياً من ايران عبر الاراضي الســورية.
سؤال للدكتور:
– هل تعتبر جبهة النصره ارهابيه ؟ إذا كان الجواب نعم فإين إرهابها ؟
– متى وماذا فعل نظام الأسد طيلة فترة حكمه لإسترجاع الجولان؟ هل كان الجولان قاب قوسين أو أدنى من تحريره الذي يدفع إسرئيل اقامة جيب للتنظيمات الإرهابية لكي تتخلص من مطالبة دمشق لها؟
مع الشكر