ليس المقصود من العنوان أعلاه القول إن البلاد العربية التي اقتحمتها إيران كانت في وضع مثالي، ثم جاءت إيران لتخربها. لا أبداً. فقد فعل الطواغيت العرب في تلك البلدان الأفاعيل، ولولا فسادهم وبطشهم واستبدادهم لما تدخلت إيران ولا غيرها أصلاً في تلك الدول. لكن هل تحسنت الأوضاع في البلاد التي غزتها إيران بطريقة أو بأخرى، أم إنها زادت في معاناتها وتأزمها وتشرذمها، لا بل راحت تدق الأسافين بين مكوناتها المذهبية باستخدام المبدأ الاستعماري الشهير: «فرق تسد». وقد نجحت إيران حتى الآن في استغلال الصراع المذهبي والطائفي في تلك البلدان لإحكام قبضتها على تلك الديار التعيسة.
سمعت من عرب كثيرين، وخاصة الذين يتضامنون مع إيران مذهبياً بأن لا مانع لديهم أن تأتي إيران لتحكمهم، وتنهض ببلدانهم بعد أن حوّلها الطغاة إلى دول فاشلة على كل الأصعدة. «أهلاً بإيران»، يقول أحدهم، «لو أنها ستفعل لنا ما فعلته أمريكا لليابان بعد الحرب العالمية». صحيح أن أمريكا تدخلت في اليابان بعد ضربها بالقنبلة النووية، لكن تدخلها كانً حميداً للغاية. فقد ساهمت أمريكا في نهضة اليابان الصناعية والاقتصادية، لا بل وضعت لها القوانين التي تنظم مختلف جوانب الحياة.
ولا ينكر فضل أمريكا على اليابان بعد منتصف القرن الماضي إلا جاحد. هل إيران مستعدة لتفعل للبلدان التي وضعت يدها عليها كما فعلت أمريكا لليابان؟ على ضوء ما نراه في العراق مثلاً منذ أكثر من عشر سنوات، لم نلحظ أبداً أن إيران تريد الخير للعراق بقدر ما تريده بلداً محطماً مهشماً ضعيفاً متناحراً ليبقى لعبة في يديها، ومجرد حديقة خلفية لها بعد أن كان في عهد الرئيس الراحل صدام حسين شوكة في خاصرتها وتهديداً عسكرياً واستراتيجياً لها.
لا شك أن الاحتلال الأمريكي فعل الأفاعيل بالعراق، وكاد أن يعيده إلى العصر الحجري، كما توعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد ذات يوم. لكن ماذا فعلت إيران حتى لأزلامها من العراقيين الشيعة؟ صحيح أنها ساعدتهم في الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها. لكن في الوقت نفسه وضعتهم في مواجهة مذهبية طاحنة مع السنة، بحيث لم يمر أسبوع على العراق منذ سنوات إلا وتشهد البلاد أعمال عنف طائفية رهيبة تفسد الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى الآن، وتجعل من العراق دولة فاشلة بامتياز.
تصوروا أن العراقيين حتى الآن لا يجدون الماء النظيف أو الكهرباء أو حتى الوقود، بينما يعوم العراق على بحر من النفط. ماذا فعلت إيران للعراقيين لتساعدهم للخروج من محنتهم؟ لا شيء يذكر سوى تكريس الصراع المذهبي والطائفي كي تعيش على تناقضات العراقيين المذهبية والعرقية. إنه تصرف استعماري مفضوح. ولا تلم إيران إلا نفسها عندما تبدأ الجماعات السنية المتطرفة بإزعاجها وإزعاج بيادقها في العراق. فلا يمكن لأي شعب أن يستقبل مستعمراً بالرياحين والورود.
ولو نظرنا إلى سوريا لوجدنا أن السيناريو الإيراني في العراق يتكرر هنا بحذافيره. لقد تحولت سوريا بسبب التدخل الإيراني وغير الإيراني إلى ساحة للصراع المذهبي والطائفي البغيض. وبسبب التغول الإيراني في سوريا يتدفق على هذا البلد المنكوب عشرات الجماعات السنية المتطرفة لمحاربة ما تسميه الاستعمار الصفوي. ولو زرت دمشق هذه الأيام لوجدت أنها تحولت إلى مستعمرة إيرانية مفضوحة. ويقال إن أكثر من أربعين بالمائة من المدينة اشترته إيران لتحوله إلى ما يشبه دويلتها في لبنان.
والبعض يتحدث الآن عن ضاحية جنوبية في جنوب دمشق على طراز ضاحية حزب الله في بيروت. لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتوقع الخير لسوريا تحت السيطرة الإيرانية على هذا الحال. والمثال العراقي أمامنا يصدمنا كل يوم.
وكما أن العراق سيبقى ساحة للاحتراب المذهبي والطائفي لزمن طويل طالما إيران موجودة هناك، سيكون الوضع في سوريا ربما أسوأ، خاصة وأن أكثر من تسعين بالمائة من السوريين لا يوالون إيران مذهبياً. وبالتالي، سيكون الصراع في سوريا ضد إيران أكثر حدة، خاصة وأن الكثير من المسلمين السنة يعتبرون إيران عدواً مذهبياً صارخاً.
وليس بعيداً عن سوريا، هل استقر وضع لبنان يوماً بوجود دويلة إيرانية داخل الدولة اللبنانية؟ صحيح أن لبنان بلد يتصارع طائفياً منذ نشأته، لكن هل أصبح أفضل حالاً بعد استفحال النفوذ الإيراني فيه؟ بالطبع لا. لا بل إن يتهم إيران وجماعتها في لبنان بأنهم قضوا على رفيق الحريري لأنه كان يحمل مشروعاً عربياً يهدد النفوذ الإيراني في لبنان.
والآن في اليمن: ألم يزدد وضع اليمن سوءاً بعد سيطرة أنصار إيران على البلاد؟ ألم يصبح اليمن على كف عفريت؟ ألم يصبح نسخة طبق الأصل عن العراق؟ فكما أن إيران لعبت على التناقضات المذهبية في العراق، وحولته إلى ساحة صراع مذهبي رهيب، ها هو اليمن يتحول إلى ساحة أخرى للتناحر المذهبي بسبب إيران تحديداً. فكما أن داعش تحارب جماعة إيران في العراق، فإن القاعدة وأخواتها في اليمن سيتصدون بشراسة للحوثيين أزلام إيران في اليمن ليتحول اليمن إلى محرقة مذهبية بامتياز.
لا تهمنا شعارات إيران، بل يهمنا ما آلت إليه بلداننا بسبب التدخل الإيراني الذي زاد الطين بلة، بدل أن يساعدنا في الخروج من المستنقع. من المضحك أن إيران تتظاهر بحماية الشيعة العرب، بينما في الواقع، تخوض معاركها الاستعمارية للسيطرة على المنطقة بأشلائهم في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
صحيح أن قوى إقليمية وعربية أخرى عبثت، وتعبث بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن الناس عادة توجه اللوم للقوة الأكثر نفوذاً وسيطرة في تلك البلدان، ألا وهي إيران. سؤال للجميع: ماذا جنى العراق وسوريا ولبنان واليمن من التدخل الإيراني غير الخراب والدمار والانهيار والضياع، وربما قريباً التشرذم والتفكك على أسس مذهبية وطائفية وعرقية قاتلة؟
٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]
د. فيصل القاسم
تعليق صغير و الشاطر يفهم وبنفس الوقت واضح وسهل( والله والله ان ايران اوهن من بيت العنكبوت)
الإيرانيون يعلمون أن العراقـــي إذا قام من نومه فإنه سيغزو طهران .. هي تخاف من هذا الهاجس ، لذلك تتدخل .
أنا أقـــول ـ وفقا لما يهمس به العراقيون السنة أو يصرخون به حتى ـ : هذا التدخل الإيراني في العراق لابد له من ثمن ستدفعه إيران مستقبلا ، لابد من الانتقام ، هكذا يفكر العراقي اليوم .. هكذا يقولون ، أنا مالي علاقـــة كما يقول الدكتور فيصل دائما هههه
تحيتي لك دكتور ، أنت تفهم المعادلة جيدا ، شكرا لك .
كل من رضى بالفرس دخولهم ارضه وهو يعلم بانهم عجم لم يظهر الاسلام من عندهم انماء ظهر على ايدي العرب .فهو كمن يقبل على عرضه ان يدنس
هو سؤال بسيط يادكتور…إلى أين تستطيع إيران ان تصل؟
وكل مااتسعت الدائرة زادت الأعباء.
تخسر معنويا ويتشكل لها يوما بعد يوم كراهية أكبر في فلوب …العرب…ويربطون بينها وبين نكبات شعوبهم
تخسر اقتصاديا كل يوم لآتساع دوائر العنف والنزاع التي تفذيها بالمال والعتاد والخبرات الشيطانية.
تقلب ثقافة الثأر التي كرست لها في عقلية الشيعي…تقلبها عليها..بعد ان زرعت مئات آلاف الأيتام والمكلومين في سوريا
وحدها…والذين لن ينسوا يوما ثأرهم…وجروحهم
لله درك يادكتور فيصل القاسم والله انك عربي اصيل فبرغم مذهبك الغير سني الى وانك تعتز بعروبتك وارضك ياليت جميع الطوائف والمذاهب ان تغلب عليهم عروبتهم وعزتهم .فالدين لله سبحانه يحاسب عليه من يشاء لاكن الارض لجميع العرب بطوائفهم .هل من عرب رشداء
یا اخوان! لماذا کل هذا العداء لایران ولااحد یتکلم ولو کلمة واحدة ضد اسرائیل؟! الیس من حقنا ان نتساءل: لماذا کل هذا الکلام ضد ایران والحکام العرب یقیمون علاقات سریة مع اسرائیل… مع ان القرآن یقول: لن ترضی عنك الیهود ولاالنصاری حتی تتبع ملتهم..
ماذا فعلتم یا حکام العرب حتی رضیت امریکا واسرائیل منکم؟ هل اتبعتم ملتهم؟ هل خدمتم مصالحهم اکثر من اي وقت مضی؟!
إن لم یکن لکم دین فکونوا احرارا في دنیاکم…
ولکن … علی قلوبهم اکنة ان یفقهوه وفي آذانهم وقر..
للأسف..
شكراً للمقال الثاقب يا بطل الاعلام العربي الاول …
نحن في العراق نعاني من التدخل الايراني السافر في شؤون العراق الداخلية منذ 2011 بشكل واضح و مفصلي لاسيما بعد ” أستيطان ” قاسم سليماني وحرس خميني وقيامه بمقام ” سفير” ولاية الفقيه في العراق لأكثرية شيعة العراق بما في ذلك المراجع و المدارس الشيعية في النجف وكربلاء.
الامور ساءت أكثر فأكثرعندما تدرب لواء ذو الفقار على يد سليماني للذهاب للقتال في سوريا الى جانب حزب الله الليناني والجيش السوري ” الاسدي ” في 2013. أما اليوم فأن الحشد الشعبي المدرب من قبل سليماني يصول ويجول على أرض العراق من دون ضوابط ولا قواعد ” أشتباك ” كما هو حال قوات بدر والنتيجة…الاعتداء على المكوّن السني العراقي بحجة ايوائهم عناصر من داعش وأذا كان ذلك واقعاً فهي مهمة القوات المسلحة النظامية والقوات الامنية الرسمية وليست مسؤولية الحشد الشعبي !!!