هل دخلت تونس عصر الديكتاتورية النقابية؟

حجم الخط
1

تونس ـ «القدس العربي»: عرف عن الاتحاد العام التونسي للشغل نضاله لدحر الإستعمار الفرنسي عن الخضراء وخسر نتيجة لذلك زعيمه الكبير الشهيد فرحات حشاد الذي اغتالته فرنسا لإضعاف الحركة الوطنية التونسية. كما كان الاتحاد شريكا أساسيا وفاعلا في عملية بناء دولة الإستقلال وأصبح مكونا رئيسيا من مكونات الهوية السياسية التونسية.
ودافع الاتحاد بشراسة عن حقوق العمال التونسيين خلال الحقبة الإستعمارية وأيضا أثناء فترة حكم بورقيبة. وقاد مؤخرا حوارا وطنيا بين فرقاء الساحة السياسية التونسية وساهم في إنقاذ تونس من حرب أهلية كانت قاب قوسين أو أدنى، واستحق بذلك جائزة نوبل للسلام إلى جانب الهيئة الوطنية للمحامين ومنظمة أصحاب الأعمال (الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، التي شاركته جميعها في رعاية الحوار.

تجاوز للصلاحيات

لكن صورة الاتحاد يبدو بدأت تهتز في الآونة الأخيرة لدى عدد هام من التونسيين نتيجة لكثرة الإضرابات والإعتصامات غير المسؤولة والتي تهدد الإنتاج في القطاعين العام والخاص. كما يعيب البعض على الاتحاد تدخله في أمور تتجاوز اختصاصه كجماعة ضغط بمفهوم علم الإجتماع السياسي مهمتها الدفاع عن الشغالين بالفكر والساعد من التونسيين.
لقد تسبب الاتحاد مؤخرا في أزمة في مدينة صفاقس عاصمة الجنوب التونسي، وذلك بعد رفضه رفضا قاطعا تعيين عسكري كمدير للمستشفى الجهوي وأصر النقابيون على ان يكون مدير المستشفى مدنيا رغم أن الأمر لا يدخل في دائرة اختصاصهم. وبما أن وزارة الصحة لم تستجب لمطالب الاتحاد دخل النقابيون العاملون في المستشفى في إضراب تسبب في تعطيل المرفق العام وفي عدم تمكن المرضى من الإستشفاء وهو ما تسبب في حالة من الغليان في جهة صفاقس طيلة الفترة الماضية.

تداخل في الصلاحيات

ولعل ما زاد الطين بلة هو تدخل المسؤول عن نقابة التعليم الثانوي المنضوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل في الأزمة ومناصرته لنقابة الصحة المنضوية بدورها تحت راية الاتحاد. وطالب المسؤول النقابي الجهوي وزير الصحة، الذي لم يستجب لمطالب الاتحاد بإقالة المدير العسكري للمستشفى، بمغادرة البلاد والعودة إلى فرنسا التي كان يقيم بها.
ويتهم البعض الاتحاد العام التونسي للشغل بالتسبب في الأزمات المتتالية التي تعيشها شركة فوسفات قفصة والمجمع الكيميائي التونسي الذي توقف عن الإنتاج مرات عديدة وتسبب في خسائر فادحة للاقتصاد الوطني. وقد دفعت هذه الإضرابات المتكررة، إلى جانب الفساد في الدولة وأشياء أخرى، التونسيين إلى التسول وطلب الهبات من عديد الأطراف عربيا ودوليا. لذلك تساءل البعض عن حقيقة دور الاتحاد العام التونسي للشغل في الساحة السياسية التونسية، هل هو حزب سياسي؟ أم دولة داخل الدولة؟ أم هو جماعة ضغط تتجاوز الدور المنوط بعهدتها؟ وهل أصبح انتقاد الاتحاد جريمة في تونس بعد أن ثارت ثائرة قياداته عن الإتهامات التي وجهت له بتعطيل الإنتاج والإضرار بالاقتصاد الوطني؟ وهل هناك جهات فاعلة حقيقية داخل المركزية النقابية العريقة قادرة على لجم الإنفلات الحاصل من بعض القيادات الوسطى والقواعد؟ أم أن الأمور باتت خارج السيطرة ولم يعد هناك مجال للقيادة المركزية لكبح جماح الإنفلاتات؟

ديكتاتورية جديدة

«لقد بلغ السيل الزبى» هذا ما قالته أستاذة لغة انكليزية في المدرسة الإعدادية بالحرارية الزهروني في تونس العاصمة في حديثها لـ«القدس العربي» عن تجاوزات النقابيين بعد الثورة. تقول محدثتنا أ. ع أن بعض النقابيين في مؤسستها التعليمية قد تجبروا وهم يعتقدون أنهم أصحاب فضل على الدولة التونسية بعد أن رعوا الحوار الوطني وبات من حقهم أن يفعلوا ما يشاؤون.
فحارس المؤسسة بات يقلل من احترام الأساتذة ولا يعيرهم وزنا بعد أن انضوى تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل واستقوى به. وحتى من تستأجر المقهى الصغير التابع للمؤسسة التعليمية تتم مضايقتها، بحسب محدثتنا، من قبل الحارس الراغب في طردها والحلول مكانها رغم ارتباطها بعقد، ويجد هذا الحارس مساندة من المسؤولين النقابيين العاملين في هذه المؤسسة التربوية.
وتحدثت بدورها س. ر لـ «القدس العربي» عن تجاوزات مشابهة لنقابيين عاملين في الخطوط التونسية (الناقلة الجوية الوطنية) يقللون الإحترام لزملائهم الأعلى منهم رتبة ويخشى بطشهم الجميع بعد أن استقووا بالاتحاد.
والحقيقة انه لا يعرف إن كانت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل على علم بهذه التجاوزات أم لا، لكن ماهو أكيد أن هذه التجاوزات التي لا ترتقي إلى درجة الظاهرة تسيئ إلى المنظمة النقابية الأعرق في الوطن العربي وإلى تاريخها النضالي الكبير، وما عليها إلا اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف هذه التجاوزات عوض الخصام مع كل من ينتقد الاتحاد لأن لا أحد في النهاية فوق النقد.

هل دخلت تونس عصر الديكتاتورية النقابية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hassan:

    في خضم الصراعات السياسية نسيت الدواوين الجامعية التزاماتها مع الإتحاد العام التونسي للشغل بعدم إسداء خدماتها المتمثلة في صرف المنح والقروض الجامعية حيث أن مواقعها الإلكترونية محينة وفق أصحاب الكهف والحال أن السنة الجامعية قد انتهت تقريبا إلا من قيام امتحانات آخر السنة. فهلا وقع صرف تلك المنح والقروض الجامعية رغم أنها لا تفي بالغرض إلا أنها تقضي إلى حد ما ؟

إشترك في قائمتنا البريدية