هل صوّت العراقيون ضد إيران وأمريكا؟

حجم الخط
16

ليس من عادة الانتخابات العربية تقديم مفاجآت حقيقية لمواطنيها وللعالم، وهذا لأنه صار معروفاً أن الاقتراع والتصويت يجريان في مكان، فيما تقبع السلطات الحقيقية الحاكمة في مكان آخر، بحيث تشبه الانتخابات التي تجريها الأنظمة العربية القول المنسوب للخليفة العباسي هارون الرشيد وهو يخاطب سحابة مثقلة بالمطر: أمطري حيث شئت، فإن خراجك لي.
لا تختلف الانتخابات العراقية في هذا الأمر عن انتخابات غيرها من البلدان العربية فالسلطة الحقيقية استتبّت بعد اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الرديف لها في أيدي القوى الشيعيّة التي صارت نهباً لتأثير إيران، وللقوى الكرديّة التي كانت تحت حماية الأمريكيين، أما وقد تقسّم العراق على أسس مذهبية وإثنية فما كان على التيارات المحسوبة على السنّة إلا الائتلاف مع «النظام» الجديد مقابل الحصول على بعض المناصب الوزارية والمقاعد البرلمانية، فيما كان مصير المناهضين للنظام القتل والسجون والملاحقة، مرة، في إطار قانون «اجتثاث البعث» (الذي تم تفعيله بقساوة قبيل الانتخابات الحالية رغم مرور 15 عاماً على سقوط نظام البعث وصدام حسين)، ومرّات تحت قانون «مكافحة الإرهاب».
على هذه العلل الحاكمة لأسسها ومآلاتها، فقد قدمت الانتخابات العراقية الأخيرة معطى جديدا يستحق التأمل، وهو حصول الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على النسبة الأكبر من الأصوات مشكلا كتلة انتخابية من 49 مقعدا، وهو ما جعله الأحق بتشكيل حكومة عراقية جديدة، وقد اندفعت بعض التحليلات الصحافية لاعتبار ما حصل انتصارا سعودياً على إيران، فيما اعتبرت وكالة أنباء شهيرة أن الصدر هو «مرشح الأمريكيين».
ترتكز التحليلات الأولى على أن الصدر زار السعودية وفتح بعض الخطوط السياسية معها، لكن الصحيح أن سياسيين عراقيين آخرين زاروا الرياض أيضاً بينهم رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي، فيما تعتمد التحليلات الثانية على أن مناصري الصدر هتفوا، أكثر من مرة، لخروج إيران، ورجلها القويّ قاسم سليماني، والحقيقة أنه رغم قوة الصدر الشعبية التي تتماحك مع باقي القوى الشيعية، بما فيها المرجعية الشيعية نفسها، ورغم تعبير جمهوره عن تيّار متنافر، بحدود، مع النفوذ الطاغي لإيران على العراق، لكنّها، لا يمكن أن تتصادم مع إيران استراتيجياً.
يحتسب للصدر، رغم الكلام السابق، أنه كوفئ من قبل الجمهور العراقي على كونه الزعيم الشيعي الأوحد الذي يماحك النظام الذي قامت بتركيبه أمريكا وإيران على أشلاء نظام حزب البعث السابق، وأنه لا يكتفي بالمناورات السياسية والبرلمانية بل يخوض معارك سياسية وشعبية ترعب النظام وتهدد مؤسساته.
إضافة إلى وراثته إرث أسرة ناضلت ضد نظام صدام حسين، فإن قوات الصدر كانت الطرف الشيعي الأكبر (اذا لم يكن الوحيد) الذي خاض معارك ضد الأمريكيين. وإذا كان من الصعب أن ينسى أن قوات محسوبة عليه شاركت في السنوات التي تلت سقوط النظام في المعارك الطائفية الدموية ضد السنّة، فإن من الضروريّ أيضاً أن يذكر أنه ردد كثيرا سرديّة وطنيّة تتواشج مع باقي المكونات المذهبية والقومية في العراق، وأن مواقفه افترقت عن مواقف نوري المالكي بخصوص الاعتصامات السلمية في الأنبار والمحافظات السنية، التي تأثرت بالثورات العربية، وأنه اتخذ مواقف مختلفة فيما يخص نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ولعل الملخّص الذي يمكن الخروج به من هذه المعمعة فهو أن الطريق إلى التغيير في العراق ما زالت طويلة، وإذا كانت الانتخابات لا تقدّم وصفة ناجحة وسريعة للديمقراطية، وأنها قد تكون الوجه الآخر للحرب الأهلية التي لم تنطفئ جمراتها بعد، فإنها خيار سلميّ يساعد جمهور العراقيين على الإشارة بأصابع الاتهام إلى المسؤولين عن كارثتهم، وقد يمكنهم، في زمن لاحق، من تغيير قواعد اللعبة الدموية التي تحيط بالعراق.

هل صوّت العراقيون ضد إيران وأمريكا؟

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خليل ابورزق:

    الديموقراطية نظام سيئ و لكنه افضل من غيره
    من مساوئ الديموقراطية ان الانتخاب محصور بما هو موجود، و ان الاعلام و التنظيم و الموارد تحسم النتيجة. وقد رأينا مثلا انه لا يمكن فوز اي مرشح للرئاسة في امريكا الا ان يكون من احد الحزبين الكبيرين. و عندما هدد ترامب بانه سيخوض الانتخابات مفردا خشي الجمهوري من تفتيت الاصوات و فوز الديموقراطي لتقارب رصيدهما الثابت.
    الا ان من حسنات الديموقراطية قدرة الناخب على محاسبة من تولى الحكم، و مكافأته بتجديد انتخابه، او معاقبته بانتخاب خصمه، ليس حبا في الخصم و لكن كراهية في المسيئ.
    من هنا اعتقد ان نتائج الانتخابات العراقية كانت ايجابية بانجاح من يدعو للتغيير…مع ملاحظة هامة هي ان مجموع مقاعد كتلتي المالكي و العبادي اللتين تنتميان الى نفس الحزب ما زالت اكثر من المقاعد التي حصل عليها الصدر. و الارجح انهما سيندمجان مجددا.

  2. يقول سلام عادل(المانيا):

    ان ما خلفه نظام صدام حسين والبعث على العراقيين لا يمكن تجاوزه بسهولة فتدمير الانسان العراقي(اخلاق وعادات وسلوك ووطنية) خلال اربعين سنة يحتاج الى الكثير من السنين والجهد والعمل الوطني ولهذا ممكن ان تكون الانتخابات الاخيرة هي البداية الحقيقية للتغيير وممكن ان تكون نوع من الصحوة المؤقته.يستحق تعليق الاخ سامح //الأردن الثناء لانه بعيد عن الطائفية المرض الذي نعاني منه حاليا والذي جعل ايران عدوتنا واسرائيل صديقتنا

  3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    و كأن انتصار السعودية في المشهد العراقي او التبعية لها امراً محموداً ؟!
    .
    هو لا يقل خطورة عن التبعية لإيران او لأي دولة تصبح هي صاحبة القرار في بلد آخر!
    .
    لاحظ ما تفعله السعودية في مصر ؟! و في اليمن ؟!
    .

    خطورة ايران تتبدى لانها هناك على الارض فعلاً ، وهناك من يتمنى تواجد السعودية من باب حفظ التوازن ، لكن برأيي ان المسألة هي تبعية في النهاية تخدم مصلحة المتبوع قبل اي احد آخر!
    .
    لا يليق بالعراق بحجمه و امكاناته المادية و البشرية و الحضارية و تأريخه، ان يكون تابعاً، وانما ما يليق به هو ان يكون قائداً و متبوعاً، لكن للأسف هذا ما اُريد له، وكان حجم التآمر ضخماً الى درجة عملاقة ساهم فيه من هم محسوبون من ابنائه للأسف الشديد!
    .
    الصدر، سياسياً و مصلحياً وعرقياً، يميل الى الكفة و الجانب العروبي الذي تحاول السعودية ان تتصدره (زوراً و بعيداً عن حقيقتها للأسف) بعد انكفاء دور مصر بدرجة كبيرة للأسف ايضاً
    .
    لكنه من الناحية الأيدلوجية ، هو تابع لمرجعية ايرانية صرف ، و رغم مواقفه الاخيرة التي تحاول التقارب مع الطوائف الاخرى بطريقة لم يفعلها الآخرون ، لكنه في النهاية مكتسب شرعيته من الطائفة نفسها ولا يمكنه ان يساوم على ذلك، وهناك من اتباعه من يقدم الطائفة على الدين في حال تعارضهما !
    .
    امر لفت نظري، ان عائلة الصدر، متمثلة في عمه محمد باقر الصدر، نعم كان لها دور في مقارعة نظام الحكم البعثي، ولكن لاحقاً، كان هناك نوع من التفاهمات المعينة ما بين الصدر الأب (والد مقتدى) ونظام الحكم في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وكان كل منهما يمسك العصا بطريقة اقرب الى مصلحة الطرفين واقرب الى التفاهم منها الى التنافر، واصدر في حينها الراحل محمد الصدر والد مقتدى فتاوى هامة تدعو الى التقارب بين الشيعة والسنة حيث سمح لاتباعه بل حثهم على الصلاة في مساجد السنّة، واعاد خطبة الجمعة كانت خطبه فيها نارية ضد عدو بات مشتركاً بينه وبين الدولة وهو الولايات المتحدة الاميركية، وبات خطابه الشهير يردد من قبل الكثير من العراقيين، كلا كلا امريكا، وحين بلغ التقارب حداً غير محتمل لإيران،ارسلت عملائها فقاموا باغتياله ،والقوا التهمة برأس النظام في حينه، وركب مقتدى الموجة لاحقاً فأتهم النظام رغم انه قام بشكر رأس النظام في زمان اغتيال ابيه،كون صدام حسين هو من تحمل مصاريف مجلس العزاء وارسل له سيارة هدية و مبلغ مالي كبير!!

  4. يقول جمال كردستاني:

    كما يقول المثل ( كلهم في الهوى سوى)
    العراقيين يطاردون خيط دخان والخيط صعب المنال. نتاىج الانتخابات مجرد تحريك
    بيادق واعادة توزيع ادوار وليس صناعة
    القرار.

  5. يقول Ali:

    اني اتفق مع السيد الكروي دواد كلامه صحيح كلهم اتوا مع المحتل الامريكي لايهمهم سوى جمع المال الحرام.

  6. يقول كريم الياس/فرنسا:

    هوولاء صناعة المحتل الأمريكي المجرم…الذي مزق النسيج العراقي….و أسقط الدولة العراقية برمتها…و مارس سياسة فَرقْ تسُدْ…و جعل من الشعب العراقي يغرق في الفتن ، بل و يقتل بعضه بعضا…باسم الطاءفية المقيتة التي لعب المحتل على اوتارها…و قد نجح في ذلك إلى حد كبير …و كان ذلك للاسف الشديد بآيادٍ عراقية…لن تقوم للعراق قاءمة ..مادامت تحكمه الطائفية و بيادق المحتل و عملاءه على شاكلة ( العامري ) الذي حارب في صفوف ( العدو الإيراني و هو يفتخر بذلك ) …و شكرا لقدسنا الموقرة

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية