هل عبثت الأيادي السعودية والإماراتية بالأردن؟

حجم الخط
11

جرت مياه كثيرة تحت جسر الأردن في السنوات الماضية. والمحصلة أن هذا البلد الصغير والهشّ وجد نفسه في مواجهة جبهات مفتوحة، أشدها تعقيدا وخطورة يقودها من ظنَّ، إلى وقت قريب، أنه حليفه الطبيعي: السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان. هذا الأخير شكّل محوراً جديدا مع من ظُنَّ، إلى وقت قريب، أنهم أشد حلفاء الأردن عالميا: الولايات المتحدة وإسرائيل. هذا المحور «استولى» بسرعة وسهولة على الملف الوحيد في يد الأردن، القضية الفلسطينية.
ظاهريا، لا تبدو السعودية جاهزة للتعاطي اليومي مع الملف الفلسطيني. ومنطقيا لن تفلح الرياض في تعاطيها مع الملف أفضل من عمَّان. لا لسبب إلا لأنها بعيدة جغرافيا ووجدانيا، وعديمة خبرة في التعامل اليومي مع الملف الشائك. لكن الواقع شيء مختلف. أقلع قطار محور واشنطن ـ الرياض ـ تل أبيب، تاركا عمّان وراءه.
احتجت عمان، ولو على استحياء، فارتد عليها الأمر وها هي تدفع الثمن تهميشا إقليميا وغضبا شعبيا داخليا عارما.
«الغدر» الذي تعرض له الأردن لم يكن من السعودية وحدها. إسرائيل وأمريكا «باعتاه» هما أيضا بسهولة وهرولتا نحو السعودية. في هرولتهما نحو السعودية، تبحث تل أبيب وواشنطن عن بديل قوي يحمل الكثير من الرمزية والقوة المعنوية التي تؤهله للتأثير إقليميا أكثر من الأردن. ومَن أفضل من السعودية لتجد الدولتان ضالتهما فيه؟ أما السعودية، فـ»باعت» الأردن وهرولت نحوهما ضمن بحثها المستميت عن كل ما من شأنه أن يلجم إيران. ومَن يجرؤ على لجم إيران أفضل من إسرائيل والولايات المتحدة؟
لماذا «باعت» السعودية الأردن؟ أيًّا كان التحليل، لن يخرج عن «صفقة القرن» والهوس السعودي بإيران والأزمة الخليجية. الملك عبد الله ارتكب أكثر من «خطأ» بالمفهوم السعودي. أبرز الأخطاء مشاركته في مؤتمري القمة الإسلاميين في تركيا في منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2017 وفي 18 من الشهر الماضي، على الرغم من ضغوط سعودية لثنيه عن المشاركة بسبب انعقاد القمتين في تركيا أولاً وحضور إيران ممثلة برئيسها ثانيا. وثاني الأخطاء مصافحة العاهل الأردني للرئيس الإيراني حسن روحاني بينما كانت السعودية، ومعها الولايات المتحدة وإسرائيل، تنتظر منه الابتعاد عن روحاني قدر الإمكان. ثالث الأخطاء أن الأردن اختار عدم الضلوع في معاداة قطر ومقاطعتها بالقوة التي تتمناها السعودية والإمارات (عدا عن المزاج العام الأردني غير المعادي لقطر، لا تخفي الأوساط السياسية والنخبوية قناعتها في لاجدوى تورط المملكة في الأزمة الخليجية). مشاركة ملك الأردن في القمتين الإسلاميتين هي نتيجة طبيعية لـ»ليونة» أصبحت تبديها عمَّان تجاه طهران، على الرغم من العداء المستفحل بينهما منذ قرابة 40 سنة، وعلى الرغم من أن العاهل الأردني كان أول من حذَّر الأمريكيين وجيرانه مما بات يُعرَف لاحقا بالهلال الشيعي. كان ذلك بُعيْد غزو العراق في 2003 وصعود إيران كلاعب إقليمي لا غنى عنه. والليونة لا تفسير لها أيضا خارج القناعة الأردنية بأن إيران خصمٌ يُفضّل التفكير في ترويضه بدلا من معاداته بتهور. كما يجب البحث عن أسباب الليونة في «صفقة القرن» وتعمد الرياض تهميش الأردن عقابا له على عدم انصياعه المطلق للسياسة الخارجية السعودية. ولماذا «باعت» أمريكا وإسرائيل الأردن؟ هنا لا مفر من «صفقة القرن» وكذلك تراكمات عدة عقود من حضور الأردن كطرف وازن ـ بحكم الأمر الواقع ـ في القضية الفلسطينية. ليس مستبعداً أن يكون التفكير الإسرائيلي والأمريكي اليوم هو أن عمَّان لم تثبت قدرة كافية على التأثير بعمق في الفلسطينيين، على الرغم من ضعفهم وانقسامهم، ولم تبدِ استعداداً أو قدرة لليِّ ذراعهم، الشيء الذي أبقى القضية الفلسطينية معلقة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم. الأمريكيون تجار، والإسرائيليون يبحثون عن مصلحتهم. والأردن، الذي ظل يتصرف كدولة قوية، ليس زبونا بإمكانه منافسة السعودية لدى البيت الأبيض. وليس لاعبا يستطيع حماية المصالح الإسرائيلية، وتسويقها في الوقت المناسب، كما ستفعل السعودية. في السابق كان الأردن يتلقى المساعدات ويحصل على الامتيازات بلا مقابل. اليوم، كل شيء بثمن، وبالخصوص المواقف. لذا من غير المنطقي الفصل بين التغيّرات الإقليمية والاضطرابات التي عاشها الأردن في الأيام القليلة الماضية. في النهاية، همّ الأردن عنوانه لقمة العيش والاستقرار الأمني والاجتماعي. والعدو قبل الصديق يعرف أن الأردن يكافَأ ويُعاقَب من بوابة هذا الهمِّ. هذه المرة نحن أمام عقاب. والعقاب قد يكون ناعما في شكل خنق بطيء بتقليص المساعدات المالية والامتيازات الاقتصادية، وقد يكون أسوأ وأقسى فيأخذ شكل عبث بأمنه الداخلي. العقاب «الناعم» موجود بلا شك. السؤال هو: هل امتدت الأيادي السعودية والإماراتية للعبث بالأردن انتقاما منه؟ بالنظر إلى الأدوار التخريبية التي باتت تستهوي حكام السعودية والإمارات الجدد، لا يجوز سحب النوع الثاني من على طاولة الاحتمالات، والتاريخ وحده سيكشف الحقيقة. اليوم، الأردن مُطالب بإنقاذ نفسه. وأولى خطوات الإنقاذ أن يبدأ رحلة التحرر من حلفاء مزيفين، مزاجيين ولا يؤتمن جانبهم، تتقدمهم السعودية والإمارات.

كاتب صحافي جزائري

هل عبثت الأيادي السعودية والإماراتية بالأردن؟

توفيق رباحي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    أعتقد بأن قطر ستتدخل مادياً لصالح الأردن للوقوف بقوة ضد صفقة القرن المُذلة للعرب والمسلمين! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول Adnan:

    الجواب برائي نعم كبيره … والا لماذا الآن بعد حضور ملك الأردن المؤتمرين الإسلاميين في طهران والسلام على خامنئي، والتصدي الناعم لقضيه القدس ، وعدم التعاون أو ابداء التعاون بصفقه العصر الأمريكيه والاسرائيليه الصنع والحياكه، ماذا تغير في الأردن وأموره الداخليه ، لماذا لم تقم تلك الأحتجاجات في السابق حيث كانت البيئه موجوده وربما بشكل أفضل في زمن رئيس الوزراء الأسبق عبد الله النسور ، أعتقد أنه حينها تقرر اعطاء الأردن بعضا من الوقت الأضافي لتغير موقفه ، لكنه لم يحصل . قالها رئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم لكنه لم يذكر أسماء الدول والأمر ليس بحاجه الى ذكاء لمعرفه تلك الدول . كان الله في عون الأردن ومليكه والقائمين على أموره ، لكن حنكه العائله الهاشميه قد تستطيع على الأرجح الخروج من الأزمه على الأقل حاليا لبينما تظهر الأمور بشكل أوضح .

  3. يقول ابو علي / أمريكيا:

    السيد توفيق كان عليك أن تطرح سوالك بصيغة موجهة ضد الهاشميين وليس الاردن ، لأن الاردن ليست هي الهاشميين وليس الهاشميين هم الاردن ، الاردن كيان كامل المقومات ، اما بخصوص دور ابن سلمان وابن زايد في سحب البساط من تحت عبدالله بن الحسين نعم ،لأن دور الوسيط الذي كان يلعبه ملوك الاردن بين الغرب وإسرائيل من جهة وبين عرب البترول من جهة ثانيه لم يعد لازما ، والسبب ظهور جيل جديد من أبناء حكام النفط بتربية غربية قادرين على التواصل مع الغرب ، لذلك تم الاستغناء عن الخدمات التي كان يقدمها ملك الأردن للطرفين مقابل عمولات إرهقت اهل الخليج ، اما بخصوص صفقة القرن والقضية الفلسطينية فلا ال سعود ولا الهاشميين ولا قادة المنظمة الفلسطينية لهم القدرة ولو قيد أنملة على تغير الوضع القائم ، بل اقول لك أنهم جزء مساعد في إبقاء الوضع هكذا بل وسيكون لهم دور في جعل الوضع أسوأ لأنهم متشبثون في كراسيهم ، كما هو الشأن في رايس دولة الجزائر السيد بو تفليقة رجل في القبر ورجل خارج القبر ، انها مهزلة يا توفيق ، أن تقوم نقابة المحامين الجزائرية بتكريمهم بواسطة احضار صورة الريس لعدم تمكنة من الحضور أي مهزلة هذا…… هكذا حكام العرب …./ اردني

  4. يقول صلاح الجزائر:

    الحرب دروس ما بين من يريد التخلي عن القضية الفلسطنية و من يريد الحفاظ عليها
    على تركيا وقطر اخد زمام المبادرة و الوقوف مع الاردن في هده المحنة ، لا أظن ان امير قطر حفظه الله سوف يبخل بمساعدة الاردن ماليا و الرئيس اردوغان ماليا و سياسيا ، ينبغي ان يكون هناك حلف سني قوي يجمع تركيا و الاردن و باكستان و السودان و المغرب و الجزائر و حتى ماليزيا بعدما ابعدت حليف الامارات من سدة الحكم
    على الملك بن سلمان ان يستيقظ و يأخد القطار قبل فواة الاوان فلن ينفعه ترامب و لا بن زايد و لا غيره ، فان التاريخ لن يرحم و إنا ملاقون ربنا ، فبمادا سنجيب ؟

  5. يقول الحرحشي:

    الاردن يجب ان يكون محصنا داخليا ولن يكون ذلك الا من خلال اصلاح حقيقي ياخذ المواطن حقه في المشاركة في صنع القرار وهذا حقة الدستوري فنظام الحكم في الاردن هو نظام نيابي قبل ان يكون ملكي

  6. يقول ابن العرب:

    الخيانه بدم الحكام أغلب حكام العرب والمسلمين.

    لولا خياناتهم لكنا اسياد الأرض.

    لكن التأريخ يعيد نفسه كل يوم بأشكال جديده.

    “” السعوديه وال زايد “” اصبحتا من بلاد الفتنه بحكام مزعطه شبيحه.

    سوف يأتي يوم القصاص لا محال.
    عاشت فلسطين والامه العربيه.
    عاشت قطر بشعبها الكريم واميرها الغالي العزيز

    شكرا

  7. يقول يوسف //الأردن:

    خطوه واحده قد تنقذ الإقتصاد الأردني وتغنيها عن المساعدات الخليجيه والأمريكيه وقروض صندوق النقد الدولي وهذه الخطوه هي وقف إستيراد الخلويات الفاخره معظم العائلات في الأردن يوجد بحوزتها موبايلات قد تفوق ال2000 دولار وأيضاً وقف إستيراد الكماليات والتي يمكن الإستعنأ عنها وهي كثيره جداً حيث أنه يوجد في السوق الأردني بضائع صينيه تافهه لالزوم لها وقيمتها بمليارات الدولارات….

  8. يقول سلام عادل(المانيا):

    امور الاردن معقدة ولا يمكن حلها بهذه البساطة فالاردن ادمن على المساعدات من دول الخليج مقابل السير معها في سياساتها والان دول الخليج ليست على نسق واحد وامورها الاقتصادية ليست كما كانت سابقا بالاضافة الى استغلال الفرص الاقليمية لتمشية امور اقتصاد البلد مثل الحرب العراقية الايرانية التي تغير الاردن فيها من عداء مزمن مع العراق الى صديق واصبح المنفذ الوحيد للعراق لمدة ثمانية سنين هي فترة الحرب ثم حرب الكويت التي جلبت لالاردن اموال كثيرة من الاردنيين الذين رجعوا من الكويت وكذلك فترة الحصار على العراق والان الامور كلها ليست في صالح الاردن فعليه كحكومة وشعب تحمل فترة من الضيق الى ان يستطيعوا بناء نظام اقتصادي يعتمدون به على امكانياتهم فقط

  9. يقول ام الحسن:

    نسأل الله العظيم ان يحفظ الأردن من كل شر وان يديم عليه الأمن والأمان وعلى جميع بلاد المسلمين

  10. يقول امجد - امريكا:

    موقف الاردن السياسي من القضيه الفلسطينيه مشرف بكل ما تحمله الكلمه من معنى .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية