بعد فوزه الأخير في ولاية إنديانا وانسحاب منافسه تيد كروز أصبح ترشيح الحزب الجمهوري الأمريكي لرجل الأعمال دونالد ترامب شبه مؤكد وهو أمر لم يكن متخيلا قبل عشرة أشهر ونصف، حين أعلن ترامب ترشحه للمنافسة وذلك لأسباب عديدة، بينها أن المؤسسة الحزبية الجمهورية نفسها لم تكن راغبة لشخص يحمل صفات ترامب أن يمثلها، كونه قادما من خارجها ولا يملك خبرة سياسية كافية ناهيك عن خروجه عن النمط السياسي المتعارف عليه والذي لا يخترق المحرمات السياسية المتعارف عليها.
الواقع يقول إن هذه الصفات نفسها التي كانت المؤسسة السياسية الأمريكية قلقة من اختراق ترامب لها كانت ضمن الوصفة المذهلة التي أدّت عملياً إلى فرض نفسه بالقوة على تلك المؤسسة، وهي التي قد تؤهله، ربما، للوصول إلى البيت الأبيض.
في تحليلها للأسباب التي ساعدت ترامب في تحطيم سور المؤسسة الحزبية الجمهورية وفي خلق تواصل مع الجمهور الأمريكي تقول مجلة «نيوزويك» إن ترامب لديه بعض الأفكار السياسية التي لا يمكن (ولا يجب) تطبيقها، من قبيل منع الناس من دخول أمريكا على أسس دينية (المقصود بذلك المسلمون طبعا)، ولكن بعض أفكاره الاقتصادية لقيت صدى لدى الرأي العام الأمريكي، مثل فكرة فرض عقوبات على الشركات الأمريكية التي تنقل أعمالها إلى الخارج، وحتى فكرته حول بناء سور مع المكسيك وطرد 11 مليون مهاجر، بالنسبة للمجلة (ولقسم كبير من الرأي العام الأمريكي)، ليست أضعف مصداقية من فكرة قبول كل المهاجرين وتشريع وجودهم.
إضافة إلى تلك الأفكار، التي تجمع بين العنصرية والعملية، فإن ترامب نجح عملياً في السيطرة النفسية على المرشحين المعارضين له من خلال التلاعب بهم بنشر ادعاءات حول أشخاصهم أو سياساتهم، كما فعل مع تيد كروز الذي اضطر للدفاع عن نفسه بعد ادعاء معسكر ترامب أن أباه كان على علاقة بقاتل الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي.
إحدى النقاط القوية لترامب كانت استخدامه المجاني للإعلام الأمريكي الذي قدّم له مساحات واسعة للتعبير عن آرائه، وقد أفادت الملياردير الأمريكي علاقاته الوثيقة بالإعلام و«بزنس» التسلية التلفزيونية، والتي تبحث عن الغرابة والمشاهير والتصريحات المثيرة والمضحكة، وهي صفات تتوافر كلها في ترامب.
هناك نقطة مهمة إضافية جعلت ترامب محبّبا لجمهور أمريكي واسع وهي أنه لا يلتزم بالأيديولوجيات المتعارف عليها ضمن اليمين الأمريكي الذي يمثله الحزب الجمهوري. لهذا السبب ولكل الأسباب الآنفة جمع ترامب ضمن مؤيديه قوساً واسعاً من الجمهور، من اتجاهات اليمين العنصري المتطرف، إلى الطبقات المتوسطة التي ملّت من عجز الحزبين الرئيسيين عن تقديم حلول فاعلة للمشاكل الاقتصادية والسياسية، وصولاً إلى فئات العمال المتضررين من الركود الطويل والتغيرات الاقتصادية العاصفة، وحتى المهاجرين المنخرطين في أسطورة الحلم الأمريكي والذين انشدوا لوعود ترامب الخلّبية.
إلى كونها بلاداً حديثة تاريخياً، وجمعها ثروة ونفوذا وإمكانيات هائلة للسيطرة، فإن وجود أمريكا على خطّ التقدّم التقني الأول في العالم، ودينامياتها الداخلية التي تجمع بين كونها خلطة معقدة من شعوب عديدة من المهاجرين ومن كونها مركزا للرأسمالية العالمية (إضافة إلى مسائل أخرى طبعا) فقد تمكنت دائماً من إدهاش العالم في قدرتها على التحوّل والتغيير.
بعد رئيس كاثوليكي مثل جون كينيدي، وممثل متواضع مهووس بإعداد العالم لمعركة نهائية بين الخير والشر (أرماجدون) مثل رونالد ريغان، ورئيس أسود ومن أب مسلم مثل باراك أوباما، فإن التحدي الأمريكي الكبير الآن هو على ما يظهر، اختيار أول امرأة رئيسة لأمريكا، أو انتخاب شخص يجمع العديد من التناقضات الغريبة مثل ترامب. وبعد كل الأداء المذهل لترامب والاستجابة الشعبية الأمريكية له فالأفضل أن نتحسب لحدث انتخابه منذ الآن.
رأي القدس
ترجمة كلمة Trump الى العربية ستعني ، البوق ، او الورقة الرابحة !
هذان المعنيان ، يلخصان شخصية هذا الرجل المثيرة للجدل ، بل يلخص التجربة الأميركية في الحضارة الإنسانية!
انا دائماً مع ان يأتي الشخص الأكثر تعبيراً عن سياسة معينة ، ، مهما كان فجاً و واضحاً ، ويكون الأبعد عن التقية ، مثل النتن ياهو ، و مثل هذا البوق “ترامب” ، اذ لم يعود شئ مخفي في برنامج القذارة الذي يحملونه و يعملون على تطبيقه ، و حتى يرى العالم و الأميركان قبلهم نتاج افعالهم و خياراتهم!
قلتُها، منذ البداية، ردًّا على المقال «المشرعون البريطانيون سيناقشون عريضة تطالب بمنع ترامب من دخول البلاد» (القدس العربي، 5 كانون الثاني 2016)، وردًّا على العديد من المقالات التي تلته في هذه الصحيفة، بأن هذا العنصري المُسمَّى دونالد ترامب لا يعدو، حقيقةً، أن يكون «بوقًا» أجوفَ فارغًا بكل ما تحتويه هذه الكلمة من معنىً. وهذا هو معنى اسمِ كنيتهِ Trump باللغة الإنكليزية، على وجه التحديد – اسم على مسمًّى، فعلاً، حتى لو كان «ورقة رابحة»!