هل هناك هجرة يهودية من مدينة القدس؟

في زمن ما غير بعيد، كان شعار «لتنسني يميني إن نسيتك يا قدس» هو أحد أهم الشعارات التي أطلقتها الحركة الصهيونية في العالم، من أجل الحشد والتعبئة وتقريب اليهود من بعضهم بعضا، او العمل بواسطة شعارات أخرى للحفاظ على «الغيتو» الرافض للاندماج مع شرائح المجتمع الأخرى في مدن العالم. ولأن القدس أصبحت على مرمى اليد اليمنى واليسرى أيضا بالنسبة لليهود اعتبارا من عام 1917، أي عام إطلاق وعد بلفور (وزير الخارجية البريطاني) في ذلك الوقت الذي نادى بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وعلى حساب الشعب الفلسطيني، وفرض الانتداب البريطاني أي الاستعمار على كامل التراب الفلسطيني. لذلك فإن الشعار القديم أصبح من حقائق الحياة الجديدة بالنسبة لليهود الصهاينة. فهل من استوطن في القدس من اليهود لم يهجرها وبقي فيها مقيما طوال زمن حياته؟
لا شك أن الشعار يحشد ويعبئ، لكنه لا يقدم عيشا، ولا عملا ولا مسكنا ولا يحفظ أمنا دائما وأبدا. هكذا تعامل بعض اليهود مع مدينة القدس، كفضاء مكاني مناسب، إذا ما كانت المعطيات الحياتية مناسبة وقابلة للاستمرار، أما إن كانت الحياة بكل نواحيها لا تتطابق مع شروط بعض اليهود وحساباتهم الحياتية المصلحية الذاتية، بغض النظر عن الأيديولوجيا الدينية أو السياسية، فإن الهجرة عندئذ تصبح من مبررات الترك والمغادرة حتى، والهجرة إلى خارج فلسطين كلها، وليس من القدس فقط.
هكذا أفاد مكتب الاحصاء المركزي الإسرائيلي، فيما يتعلق بالهجرة الداخلية داخل الكيان الصهيوني في العام 2014. صحيح أن ذاك العام شهد عدوانا حربيا إسرائيليا على قطاع غزة، ذهب ضحيته آلاف الشهداء والجرحى، وتم تدمير آلاف البيوت، إلا أن صواريخ المقاومة الفلسطينية القليلة التي وصلت إلى بعض المدن، بما فيها القدس، كانت قليلة ونادرة، وأن قتلى الجنود الإسرائيليين وغيرهم من المدنيين كانوا يعدون بالعشرات فقط.
مع ذلك فإن مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي، نشر تقريرا في نهاية شباط/فبراير من هذا العام (2016) أفاد بأن هجرة داخلية للسكان اليهود قد تمت من بعض المدن، كان اللافت فيها ما أشار إليه من حقائق تتعلق بسكان مدينة القدس من اليهود، حيث ذكر أن الهجرة من مدينة القدس، وهي حسب الادعاء الصهيوني عاصمة إسرائيل الأبدية! كانت كما وصفها «الأخطر والمثيرة للقلق».
أما فيما يتعلق بالأرقام التي بنيت عليها هذه الاستنتاجات، فإن مركز الاحصاء الاسرائيلي وتبعا لتقارير وزارة الداخلية، ذكر إن المعطيات التالية تم نشرها وبالأرقام حتى نهاية العام 2014. من ذلك «انه وصل في ذلك العام نحو 10.351 إسرائيلي للعيش في مدينة القدس مقابل 17.091 تركوا المدينة للإقامة في أماكن غيرها.
ولاحظ التقرير «أن غالبية الذين هجروا القدس في اتجاه مدن وأماكن أخرى، كانوا من بين الشباب 6.421 من الفئة العمرية ما بين 15 و29 عاما، وفي المقابل كان من بين من جاءوا للإقامة في القدس 4393 من الفئة العمرية 15 إلى 29 عاما، أي أن فئة الشباب المغادرة كانت أكثر من فئة الشباب القادمة. ويمضي التقرير ذاكرا أن 2917 من الفئة العمرية ما بين 30 ـ 64 عاما كانت من فئة القادمين للعيش في القدس».
أما فيما يتعلق بالمدن الإسرائيلية الأخرى المهمة، فإن حركة النزوح منها كانت سلبية أيضا، كما في القدس، وإن كانت الأرقام أقل هنا أو هناك. فالتقرير يشير إلى أن مدن تل أبيب ويافا وحيفا وأسدود وبئر السبع وريشون ليتسيون وبتاح تكفا، كانت فيها مؤشرات هجرة داخلية سلبية أيضا. والسؤال المهم في هذا المجال إلى أين اتجهت أعداد اليهود في هجرتهم من المدن الرئيسية، وخصوصا من المدينة المقدسة لدى بعض اليهود؟
ذكر التقرير أن الأماكن الأقل اكتظاظا هي الجهات التي توجه إليها السكان الذين غادروا المدن الرئيسية والأماكن الأقل اكتظاظا في المستوطنات، التي أقيمت وتقام على أراضي الفلسطينيين في فلسطين المحتلة في العام 1948، ومنها في النقب والأغوار والجليل والمثلث وغيرها، وأقيم بعضها على أراض تم احتلالها في العام 1967، وهي بحسب القانون الدولي أراض محتلة، لا يجوز الاستيلاء والبناء عليها كالضفة الغربية والقدس القديمة والأحياء العربية الأخرى، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أعداد المستوطنين فيها وصلت إلى نحو 600 ألف مستوطن.
وبناء على ما ذكره التقرير من كون الهجرة اليهودية من مدينة القدس هي «الأخطر ومثيرة للقلق» فكيف ستكون حال المستوطنين بعد الهبة الانتفاضية القائمة والمستمرة، والتي اشتعلت وكان انطلاقها من مدينة القدس اعتبارا من شهر تشرين الأول/ اوكتوبر من العام الماضي 2015، وما زالت مستمرة على خلفية اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى وعلى الممارسات الصهيونية الاحتلالية ضد المواطنين الفلسطينيين وأراضيهم وحياتهم.
وهجرة إلى الخارج أيضا
علاوة على كل هذا، يمكن الإشارة أيضا إلى أن عددا من اليهود الذين هجروا مدينة القدس وبعض المدن الأخرى، هاجروا كلية من فلسطين المحتلة، حيث تشير الأرقام إلى أن مليونا من الإسرائيليين هاجروا من فلسطين المحتلة إلى أمريكا وأوروبا وغيرها، وأن نحو 40 ألفا من اليهود الذين هاجروا من إسرائيل، استوطنوا في مدينة برلين، حيث وجهوا دعوات عديدة لغيرهم كي يهاجروا من الكيان الصهيوني، بسبب عدم وجود عدالة اجتماعية واستقرارا وسلاما، وعدم وجود أعمال مناسبة للكفاءات العلمية، حيث أعلن نحو 37٪ من الإسرائيليين في العام 2011، رغبتهم بالهجرة من إسرائيل، ووصلت أمور الضائقة الاقتصادية بأحد الجنود المقعدين إلى إحراق نفسه، ما وفر ظروفا مؤاتية لانطلاق تظاهرات حاشدة من قبل الإسرائيليين للاحتجاج على الظروف المعيشية وعدم وجود وظائف مناسبة، إضافة إلى الاستغناء عن كفاءات مهمة في مؤسسات وشركات عديدة وصل عددهم إلى الآلاف، ممن تم فصلهم من أعمالهم. وعلينا الأخذ بالاعتبار أن الحروب التي تم شنها ضد قطاع غزة وما ترتب عليها اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، وكذلك الهبة الانتفاضية القائمة حاليا، كل هذا يؤثر على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والأمني لجميع الإسرائيليين. كما أنه يدفع بعض اليهود الإسرائيليين للهجرة إلى خارج إسرائيل، إذا ما وجدوا ظروفا أفضل، بغض النظر عن الأيديولوجيا السياسية أو الدينية.

٭ كاتب فلسطيني

سليمان الشّيخ

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول طاهر الفلسطيني المانيا:

    انهم لم يهاجروا الى اوروبا، بل رجعوا الى بلادهم الأصلية من دول اوروبية شرقية وغربية، وسوف يرجع اكثر من نصف الشعب الصهيوني إن لم يكن كله الا بلاده الاصليه لانه لا يوجد لديهم اي إنتماء وطني لفلسطين، ولم تكن هجرتهم الى فلسطين الا من كذب الاعلام الصهيوني الذي اوهمهم بأن فلسطين
    هي بلاد السمن والعسل، وانها خالية من السكان، كما اوهمهم ان فلسطين هي
    اصلا بلادهم، وعندما هاجروا اليها وجدوا العكس تماماً. وكل ذلك نابع من
    المقاومة الفلسطينية المستمرة، التي اصابتهم بالرعب ومن ثم الهروب الى بلادهم
    الأصلية التي تُأمن لهم السلام الذي لم ولن يجدوه في بلادنا فلسطين الفلسطينية.

إشترك في قائمتنا البريدية