هل يعسكر السيسي الاقتصاد المصري على حساب الحكومة والقطاع الخاص؟

حجم الخط
1

القاهرة ـ «القدس العربي»: كان الدور الاقتصادي للمؤسسة العسكرية من الجوانب الأكثر أهمية في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي التي لم تحظ لسبب أو لآخر بما تستحق من اهتمام إعلامي.
ومن الواضح ان أغلب الإنجازات الاقتصادية والخدمية التي ذكرها السيسي في خطابه لم تكن حكومية، بل انها إنجازات حققها الجيش المصري الذي يعتقد البعض انه يسيطر على نحو أربعين في المئة من الناتج القومي، وان كان السيسي أكد في حديث قبل توليه الحكم ان النسة أقل من ذلك بكثير ولا تزيد عن خمسة في المئة. ولا توجد إحصائيات رسمية معروفة بهذا الصدد، وهو ما يمثل جزءا من المشكلة في التعامل مع هذه القضية الشائكة.
إلا ان الدور الاقتصادي المتعاظم للجيش أصبح واضحا للعيان بشكل لافت، بدءا من العدد الكبير من الشركات والمعاهد والمشاريع التنموية والصناعية والإسكانية والبنى التحتية إلى جانب الاستثمار في مشاريع سياحية.
بل ان الجيش تحول إلى شريك اقتصادي رئيسي لشركات التنمية الأجنبية، خاصة بعد ان أصدر السيسي قرارا جمهوريا غير مسبوق نص على السماح للجيش بإقامة شراكات مالية مع هيئات اقتصادية وتنموية أجنبية.
ومع وجود المؤسسة العسكرية المباشر في الحكم، ضمن تأييد دولي واسع شمل الحكومات والمؤسسات الاقتصادية والشركات متعددة الجنسيات، فانها أصبحت قادرة على وضع قواعد اللعبة لإدارة اقتصاد البلاد، التي تمثل هي نفسها أحد أطرافه الرئيسية.
إلا ان الحكومة التي نجحت في تحسين الحالة الأمنية عبر تشديد الذراع الأمنية ما زالت عاجزة عن تحقيق أداء اقتصادي مرض للأغلبية الساحقة من المصريين.
ويمكن تحقيق فهم أفضل للامبراطورية الاقتصادية التي تديرها المؤسسة العسكرية بالنظر إلى التعريف الرسمي لدور هيئة الإدارة الهندسية للجيش التي قامت بانجاز أغلب المشاريع الأساسية في مصر خلال السنوات الماضية:
1 – المساهمة في مجالات التنمية وإنشاء المشروعات التنموية الكبرى.
2 – المساهمة في إزالة آثار الكوارث والأزمات المحلية.
3- مشاركتها بعض الدول في أعقاب حدوث كوارث كبرى لإزالة آثارها.
4- المشاركة في مجالات البنية الأساسية والإنشاءات والطرق والكباري.
5- المشاركة في مجال التعليم عن طريق بناء المدارس.
6- المشاركة في مجالات النسف وتطهير الأراضي من الألغام ومخلفات الحروب.
7- المشاركة في مجالات التنمية السياحية وتطوير المنشآت الرياضية.
8 – إمداد القطاع المدني بكوادر فعالة.
9 – المشاركة في مجال الإسكان الاقتصادي.
10 – التخطيط العام للمدن وإنشاء القرى البدوية والمنازل النوبية.
وعلى عكس الشركات المدنية، تمتلك المؤسسة العسكرية القدرة  على تجنيد المدنيين كأيد عاملة رخيصة. كما أن أرباحها معفاة من الضرائب، ومتطلبات الترخيص التجاري وفقاً للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل 2005.
وبالإضافة إلى ذلك تنص المادة الأولى من قانون الإعفاءات الجمركية للعام 1986 على إعفاء واردات المؤسسة العسكرية بما في ذلك وزارة الدفاع ووزارة الدولة للإنتاج الحربي من أي ضريبة. وبالطبع فان ثمة أسئلة صعبة تتعلق بالقدرة على محاسبة القائمين على تنفيذ المشاريع، تبقى دون إجابة واضحة. ومن الصعوبة بمكان الحصول على أي معلومات تتعلق بتفاصيل المشروعات بما في ذلك إقامة كوبري أو حفر طريق مع انها أعمال مدنية بحتة لا تختلف عن أي مشروعات تقوم بها الحكومة وتخضع لرقابة كاملة من الجهاز المركزي للمحاسبات.
وفي شهر ايار/مايو 2011 عدل المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يتولّى حكم البلاد آنذاك، قانون القضاء العسكري إذ أضاف مادّة تعطي النيابة والقضاة العسكريين وحدهم الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لضباط الجيش، حتى لو بدأ التحقيق بعد تقاعد الضابط. وبالتالي تجعل هذه المادة الضباط المتقاعدين بمنأى عن أي محاكمة أمام القضاء المدني. وأدى هذا التعديل إلى إثارة تساؤلات بشأن الحاجة إلى الشفافية.
وفي أعقاب إطاحة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، قام الجيش بالمزيد من المشروعات الاقتصادية وسط مؤشرات على تعاظم نفوذه، واحدها في حزيران/يونيو 2014 عندما منحت وزارات الصحة والنقل والإسكان والشباب ووزارة الدفاع عقوداً عدة تزيد قيمتها عن مليار دولار لتنفيذ مشاريع كبيرة تتراوح بين بناء الطرق السريعة الجديدة، وإسكان لذوي الدخل المنخفض، وترميم وتجديد بعض المستشفيات العامة ومراكز الشباب. وقد برّر مجلس الوزراء تفضيله القوات المسلحة على الشركات الخاصة لتنفيذ هذه المشاريع على أساس كفاءة الجيش وانضباطه في تنفيذ المشاريع بسرعة ومعايير.
ومن الواضح انه لولا مشاريع الجيش مثل شق خمسة آلاف كيلو متر من الطرق، وإقامة مساكن ومطارات وموانئ، (كان آخرها ميناء شرق التفريعة الذي افتتح الاربعاء الماضي اي في اليوم نفسه الذي ألقى فيه السيسي خطابه) لبدت الحكومة في موقف اقتصادي صعب، ولما وجد السيسي ما يمكن ذكره للمواطنين، وهو ما بدا وكأنه جردة للإنجازات ردا على انتقادات متزايدة بشأن عدم شعور المواطنين بتحسن اقتصادي رغم ما يسمعونه عن مشاريع كبرى ينفق عليها عشرات المليارات.
ومن المشاريع الهامة التي أشار اليها السيسي، وقامت المؤسسة العسكرية بدور رئيسي فيها توفير الغاز الذي شكل أزمة كبيرة في مصر العام الماضي، وقال عنه: «كان لدينا نقص في الغاز، هناك مصنعان في مكان لا أريد أن أقوله حتى نتجنب أهل الشر وحتى لا يضرنا أحد. هذان المصنعان إيجار المصنع الواحد 5 ملايين دولار في اليوم علشان نقدر نقول إن الغاز المطلوب لمصانع مصر كلها».
وبالنسبة إلى الإنشاءات التي تعد نشاطا رئيسيا للجيش قال :«حاليا نعمل في الموانئ والمطارات، وتوجد 3 موانئ نعمل فيها بشكل جيد شرق التفريعة ونحاول أن نرى آخر ما تم في المجال الذي نتكلم فيه ونحاول القيام به، نحن نبني ميناء على أرقى مستوى وتوجد 10 شركات مصرية تعمل، وكل شركة تقوم بعمل 500 متر لكي يتم الانتهاء منه خلال العامين ونكون مستعدين. في المطارات تم الانتهاء من 3 مطارات وكل ما نقوم به الآن هو تحضير العلامات الملاحية الخاصة بارشاد الطائرات، لكي تكون جاهزة وكل مطار يستقبل 1.7 مليون وهذا الكلام قد انتهى».
وبديهي ان الشبكة التجارية الضخمة للجيش جذبت شركاء عديدين من كيانات اقتصادية ضخمة في دول الخليج (خاصة الإمارات العربية المتحدة) والعالم، بالنظر إلى ان الجيش يقدم ضمانات تتعلق بمواجهة المشاكل الأمنية والتنفيذية والبيروقراطية، يسهم في تسهيل حصولها على قروض دولية لتنفيذ المشروعات، وبالتالي ضمان تحقيق أرباح مالية مجزية. أما القطاع الخاص غير القادر على توفير تلك الضمانات فيجد نفسه متراجعا في السوق التي تواجه مصاعب عديدة منذ ثورة يناير 2011.
ومن الملاحظ ان الحكومة المصرية نفسها ليست أفضل حالا من القطاع الخاص، إذ ان السيسي وجه إليها انتقادات قاسية أثناء الخطاب بانها لم تنصت إليه بشأن إنشاء ألف مصنع للشباب في دمياط (شمال مصر ومشهورة بصناعة الأثاث) قبل عام ونصف العام، وقال (كان زمانا بنسلم المصانع للشباب لو سمعتم كلامي) ثم بادر بالتراجع قائلا (أنا لا أنتقد الحكومة أنا أنتقد نفسي). إلا ان الرسالة كانت واضحة تماما، وهي ان الحكومة جادلت وفشلت في إقامة هذا المشروع الاقتصادي. أما ما لم يقله السيسي فهو أنه إذا كان أصدر أمرا للهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإقامة تلك المصانع، لكانت انتهت من إقامتها في الموعد المحدد، وربما في وقت مبكر.
ويكرس هذا الموقف مفهوما أصبح سائدا عند كثير من المصريين هو ان الجهاز الحكومي يعاني حالة من الانهيار عندما يتعلق الأمر بإقامة مشاريع أو مواجهة أزمات ناتجة عن البنية التحتية. وبالفعل اتصل عدد من المواطنين ببرامج تلفزيونية مؤخرا لمطالبة الهيئة الهندسية بإغاثتهم من مشاكل الصرف الصحي أو غرق الشوارع، ولم يطلبوا ذلك من سلطات المحافظة أو الحي الذي يفترض ان يتولى تلك المسؤولية.
وعلى الرغم من أهمية الدور الذي قام به الجيش، إلا انه لا ينفي وجود خلل اقتصادي مع استبعاد القطاع الخاص واستمرار الحاجة الماسة إلى خطة فعالة لتشغيل قوة العمل الرئيسية بالتعاون مع نقابات مستقلة، وضمان حد أدنى للأجور يكفي لمواجهة الأسعار المتضخمة، وإعادة النظر في الدعم الاقتصادي الهائل ليصل إلى مستحقيه فقط، وفرض نظام ضرائب تصاعدي يضمن مشاركة الأكثر ثراء في تحمل أعباء هذه الأزمة الخانقة.
ويبقى السؤال ان كان البرلمان الجديد سيجرؤ على طرح مقاربة شفافة لهذه القضية بما يضمن تحقيق نوع من العدالة الضرورية للدفاع عن مصلحة القطاع الخاص، ومنع الوصول إلى حالة كاملة من «عسكرة» الاقتصاد.

د. محمد علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ateya gaza:

    وهذا مربط الفرس
    انت في دولة العسكر كل وتشرب ونام و ملكش دخل في أي حاجة لأنك أقل من أن تفهم أو تتحمل أي مسؤولية ليس لأي شيء إلا لأنك مدني في دولة عسكرية

إشترك في قائمتنا البريدية