هل ينظر تنظيم «الدولة» لأقباط مصر كما ينظر لشيعة العراق؟

حجم الخط
3

يريد تنظيم الدولة إيجاد موطئ قدم له في ساحة جديدة، وسيكون هذا صعبا دون الاتكاء على نزاعات محلية وانقسامات مجتمعية، ينخرط فيها التنظيم كممثل لأحد أطرافها، ولن يتحقق له هذا الأمر في مصر دون اللعب على تناقضات الأزمة الراهنة، التي تشير بوضوح لاحتقان طيف واسع من المجتمع المحافظ المصري من نظام السيسي ومن يقف معه.
ولأن عددا من رموز الأقباط الدينية والسياسية أعلنوا تأييدهم للسيسي، فان التنظيم الأصولي بتوجيه ضرباته الدموية للأقباط، يهدف لتحقيق غايتين في الوقت نفسه: اولهما ضرب الهيبة والقبضة الأمنية لنظام السيسي. وثانيهما وهو الأخطر يتمثل في تجييش المشاعر الطائفية للمسلمين ضد جيرانهم الاقباط، باعتباره النزاع العقدي الاكثر ترشيحا للاثارة في وادي النيل، بالنظر إلى الانسجام النسبي بين المجتمع المسلم المصري، عدا حالة سيناء التي كانت معقلا للجهاديين وما زالت. للسبب نفسه الذي نتحدث عنه وهو التوترات المحلية البينية بين سكان سيناء القبليين والقاهرة.
وبتقديم نفسه مدافعا عن الاسلاميين السنة، لا يمكن لتنظيم كهذا أن ينشط في بيئة منسجمة أو تسودها روابط الانتماءات القطرية، لذلك فإن قدرته على الولوج والامتداد في المجتمعات المستهدفة تتناسب طرديا مع قدرته على إذكاء الانتماءات العقدية ودفع جمهوره المستهدف لإعادة تعريف أنفسهم هوياتيا، من خلال إظهار التناقض مع شركاء الوطن غير المسلمين في مصر.
كانت هذه المسألة أكثر سهولة في العراق وسوريا، حيث طفح النزاع الطائفي بين السنة ونظرائهم الشيعة والعلويين، بينما مسلمو مصر أكثر انسجاما مذهبيا وقبليا. ومن ناحية أخرى فإن التوترات بين الأقباط والمسلمين لم تصل لمرحلة الحرب الاهلية، كما في العراق وسوريا ولبنان.. وهنا تبرز حقيقة أن مهاجمة التنظيم للتجمعات المدنية في العراق وسوريا كان يستهدف الشيعة والعلويين بالدرجة الأولى، ونادرا ما استهدف المدنيين المسيحيين، كما في حادثة كنيسة النجاة ببغداد، وقال التنطيم وقتها إنه قام به ردا على حادثة  في مصر بين الاقباط والمسلمين، لكنه لم يكن نهجا ثابتا، كما هي الحال مع سياساته الثابتة باستهداف مناطق الشيعة والعلويين، لأنه ينظر لهم كطرف النزاع مع السنة في المشرق وليس المسيحيين، مستغلا الاحتقان السني الهائل ضد هذه الطوائف، التي ينظر لها كدعامات انظمة بغداد ودمشق وميليشاتها التي تمارس القتل الطائفي والتهجير بحق المدنيين السنة منذ سنوات.
اما المسيحيون بالعراق وسوريا وبحكم انهم لم ينخرطوا بعمق الصراع ولم يشكلوا عناوينه، ظلوا بعيدين عن عين العاصفة، بينما يريد التنظيم زجهم فيها في مصر، وهكذا فبينما تم قتل مسيحيي الاقباط  بتفجيرات دموية في مصر، فان التنظيم المتشدد لم يتعرض لحياة مسيحي واحد في الموصل، رغم تهجيرهم، وكذلك سمح لمسيحيي القريتين بحمص الاقامة دون اي مضايقات تذكر، بل أطلق العشرات من المعتقلين المسيحيين  في أقضية شمال سوريا الكردية، وكل التفسيرات الشرعية التي يسوقها انصار التنظيم لذلك تبقى تأويلات مطاطة، يستحضرها حسب اولوية اجنداته السياسية في النزاع، بحيث يصبح في العراق وسوريا اكثر عداء للقوى الشيعية والعلوية والكردية، رغم انها سنية، من المكون المسيحي، وهو ما يشبه الى حد ما خريطة الاطراف المتخاصمة مع العرب السنة في هذه الحرب الاهلية المستعرة منذ سنوات، ومن بين هذه الاطراف قوى لمسلمين سنة كالاكراد، لكن انتماءهم القومي حوّل النزاع كأنه قومي هنا بين العرب والكرد، وطائفي هناك بين العرب سنة وشيعة وعلويين.
اما في مصر فإن خريطة النزاع تخلو من هذا الاشتباك، بقدر ما أن هناك نظاما حاكما يراد ربطه بمعاداة الاسلام والتحالف مع اعدائه ومع غير المسلمين، وسعي حثيث لنبش توترات طائفية قديمة بين اقباط مصر ومسلميها، لعلها تشكل ارضية لتدخل تنظيم «الدولة» في وادي النيل، كما فعل في سيناء بتجاذباتها المحلية الخاصة بها، لذلك بات المسيحيون الاقباط ضحايا هذه العملية.
يقول كاتب جهادي يدعى الحرمسي وهو أحد الساعين لهذا النهج من المرتبطين بتنظيم «الدولة»، أنهم أصيبوا باليأس من ابتعاد المصريين عن الجهاد، حتى انه هاجم في كتاباته الطبيعة المصرية المهادنة ووصفهم بـ»الدواب»، ويفسر الجهادي الحرمسي سبب ذلك برأيه، أن المصريين «بعيدين عن حقيقة الصراع»، ولا يرى حلا لذلك إلا بقتل المسيحيين من أجل إشعال المناطق الريفية بوادي النيل، وبالتالي إذكاء المشاعر الدينية بين المسلمين والاقباط، ويكرر المتطرف الحرمسي عبارته أكثر من مرة في كتاباته «لا تتركوا أي مسيحي دون تهديده».
هذا الاهتمام المتزايد بالساحة المصرية، يهدف بالحقيقة الى ضم ساحة جديدة للتنظيم تخفف عنه الضغط الهائل في سوريا والعراق، الذي قد يؤدي إلى إزاحته من معظم معاقله الرئيسية بنهاية هذا العام، وهو مشابه لما حصل معه عندما اضطر للانكفاء في العراق في الثلاث السنوات السابقة للثورة السورية، قبل ان تمنحه الساحة السورية الجديدة أرضا ومتنفسا، وسعت من نفوذه بين سنة المشرق العربي، قبل ان يتراجع من جديد بفعل الحرب التي شنت عليه، وهو يسعى لربط ساحته المهددة في العراق وسوريا بساحات جديدة بين السعودية ومصر، لعدة اعتبارات.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

هل ينظر تنظيم «الدولة» لأقباط مصر كما ينظر لشيعة العراق؟

وائل عصام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    داعش مخترقة من مخابرات المنطقة, لذلك فسياساتها تُملى عليها !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول .الحرحشي _المفرق -الاردن:

    المنظم الاول ل 30 يونيو هو الكنيسة القبطية وهذا يحسب لغير صالحهم ومستقبل التعايش في مصر وخصوصا ان من تجليات ذلك الانقلاب مجزرة رابعة وما تبعها وما زال من ارهاب بحق كل من يعارض الانقلاب. نعم قد ينظر اليهم كشركاء لما يتكبدة الشعب المصري من تعسف وارهاب فالارهاب له اشكاله واسوءه ارهاب الدول. الي بحكي الحقيقية طاقيتة مخزوقة بقول المثل الشعبي. اللهم الف بين القلوب في الديمقراطية لا الدكتاتورية والارهاب.

  3. يقول سامح:

    داعش لم تستهدف الشيعة فقط بل استهدفت الجميع في العراق وغيره الا ان كنتم تعتقدون ان شاحنات داعش المفخخة التي فجرت في الاسواق والمدن تفرق بين الشيعة وغيرهم

إشترك في قائمتنا البريدية