يبدو أن انتهاء عام وابتداء آخر لا يغير من حجم الألم العراقي وطعمه، فقد ودع العراقيون عاما بعملية إرهابية سبقت نهاية اليوم الأخير من السنة بساعات، بتفجير انتحاري وسط سوق شعبي في منطقة السنك في مركز مدينة بغداد، ليحصد العشرات بين شهيد وجريح.
وليبدأ عام العراقيين الجديد بهجوم انتحاري في مدينة النجف الذي حصد العشرات ايضا، بينما خلفية مشاهد معارك تحرير الموصل تزداد ضراوة مع انطلاق المرحلة الثانية من تحرير المدينة قبل ايام. يبدو أن دماء العراقيين عصية على أن تصان لتتحقق امنياتنا بعام خال من العنف والقتل في هذا الركن المبتلى من الارض.
ومن الهموم التي تقفز بين عام مضى وآخر مقبل هي بالتأكيد هموم العمل الصحافي في العراق، حيث ما تزال قضية الصحافية العراقية المغيبة افراح شوقي يلفها الغموض، اذ ما يزال العراق منذ 2003 ولحد الان البلد الاخطر في العالم بالنسبة للعمل الصحافي، ووفقا للمرصد العراقي للحريات الصحافية – الذي يعنى بتوثيق حرية الإعلام في العراق- فإن عام 2016 شهد مقتل 14 صحافيا أثناء تغطيتهم للمعارك الدائرة بمناطق متفرقة من البلاد، في مدن تشهد حربا وصدامات مع تنظيم «داعش» الإرهابي في الفلوجة والموصل وديالى وكركوك، ليصل عدد من قتلوا من صحافيي العراق منذ عام 2003 حتى الان إلى 420 صحافيا.
افراح شوقي (43 عاما) صحافية وناشطة مدنية، متزوجة وأم لولدين بعمر 15، 13 عاما، ترأس قسما في دائرة الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة العراقية، ومسؤولة شؤون المرأة في الوزارة، تكتب في عدد من الصحف والمواقع الالكترونية، وكانت تعمل مراسلة لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية في بغداد لكنها تركت العمل قبل 6 أشهر، بحسب زملائها. ومما يجب قوله لفهم صورة المشهد انها من الطائفة السنية ولا ترتدي الحجاب الذي بات يمثل هوية اجتماعية/سياسية في عراق اليوم، حيث سطوة التيارات الاسلامية واضحة لا لبس فيها، كما أن زوجها فراس كان قد سافر او هاجر إلى فنلندا وهو يحاول اقناعها منذ مدة بالالتحاق به هي وولديهما، حيث يبدو أن هنالك تهديدات سابقة كانت قد تعرضت لها افراح شوقي نتيجة عملها الصحافي ونشاطاتها المدنية.
ذكر زوج أفراح، في تصريح لوكالات أنباء غربية، «أن زوجته تعرضت للتهديد مؤخراً من قبل مسؤول أمني كبير في الدولة» وتابع «أنه لا يعرف الجهة التي اختطفت زوجته، موضحاً أنه كان يسعى للم شمل أسرته في فنلندا التي يقيم فيها». وهذا ما دفع موقع «الحقائق» الالكتروني ذا الصبغة الشيعية الطائفية إلى أن يكتب تحليلا غريبا من لندن جاء فيه «مسرحية اختطاف الناشطة المدنية افراح شوقي (مفبركة) من أجل أن تستعجل فنلندا بمنح الموافقة لها للالتحاق بزوجها اللاجئ هناك، وبعد أن تخرج من مخبئها في الأيام القليلة المقبلة ربما ستتكفل الأمم المتحدة بنقلها إلى فنلندا، وتتكفل بدفع تذاكر السفر لها ولولديها وهنا بيت القصيد، من بغداد إلى عمان ومن ثم إلى هلسنكي، حيث يقيم زوجها فراس». واضاف موقع الحقائق بعد ايام من خطف الصحافية «وتحرش افراح شوقي بالميليشيات الشيعية من خلال نشر أخبار عنهم بالصحافة، ومن ثم اختفائها في اليوم الثاني، وأصدقاؤها في «الدولة المدنية» يبثون أخبار كاذبة بأن الميليشيات خطفتها، هذا كله سيناريو متفق عليه».
ما يهمنا هنا هو ثوابت القصة حتى الان، وهي كما يلي؛ مجموعة من حوالي ثمانية مسلحين يرتدون الملابس المدنية يستعملون رتلا من ثلاث سيارات بيك آب بيضاء لا تحمل لوحات تسجيل، كانت قد داهمت بيت الصحافية افراح شوقي مساء يوم الاثنين 26 ديسمبر الماضي، وبعد تفتيش المنزل تم اختطاف الصحافية مع الاستيلاء على مصوغاتها الذهبية وكميات من النقود وسيارتها الشخصية وحواسيب الكترونية من البيت، حيث اقتادوها إلى جهة مجهولة. وقد سجلت كاميرات المراقبة لاحد المحال التجارية في منطقة السيدية التي تسكنها السيدة افراح شوقي رتل المسلحين تتقدمهم سيارة لشرطة المرور، التي تعهدت بفتح الطريق المليء بنقاط التفتيش والسيطرات امام الخاطفين. تزامن ذلك بعد يوم واحد من نشر الصحافية مقالا هاجمت فيه انفلات السلاح في العراق بعنوان «استهتار السلاح في الحرم المدرسي»، تدين فيه شخصا عسكريا اعتدى على مديرة مدرسة ابتدائية بالضرب نتيجة خلاف على شأن من شؤون ابنته الطالبة في المدرسة، وكان المقال الذي كتبته افراح شوقي يدين هذه الظواهر، وينقل الشكوى للمسؤولين في الحكومة عن الامر، ما دفع بالكثيرين إلى الاعتقاد أن جهات متنفذة في فصائل الحشد، أو القوى الامنية هي من قام بعملية الخطف، بالاضافة إلى انها كانت قد تعرضت إلى ادانات سابقة نتيجة ربطها بأزمة المقال المفبرك الذي نشرته جريدة «الشرق الاوسط» اللندنية الذي حمل الكثير من الاكاذيب والتقارير المفبركة التي نسبها تقرير الشرق الاوسط إلى منظمة الصحة العالمية، ما اثار موجة استياء شعبية ورسمية في العراق تجاه الجريدة، ما دفع بافراح شوقي إلى الاستقالة من عملها كمراسلة لهذه الجريدة.
ردود الافعال تجاه عملية تغييب أفراح كانت متباينة وبدت غريبة في بعض الحالات، فرد الفعل الشعبي في الشارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي كان سريعا وقويا، فقد نظمت وقفات احتجاجية في بغداد وعدد من المدن الاخرى تطالب بالكشف عن مصير الصحافية المختطفة، وكذلك انطلقت صفحات الفيسبوك في الدفاع عنها، بينما هاجمتها بعض صفحات الفيسبوك باعتبارها نالت ما تستحقه لانها هاجمت الحشد الشعبي ورموز وطنية تبذل دماءها في الدفاع عن العراق منطلقة من خلفيتها الطائفية. أما رد الفعل الرسمي فقد تراوح بين الشجب الذي ابدته رئاسة الجمهورية والوعد باتخاذ اجراءات رادعة، كما جاء في توجيه رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى الأجهزة الأمنية للكشف الفوري عن ملابسات تعرض الصحافية للاختطاف، وبذل أقصى الجهود من أجل إنقاذ حياتها والحفاظ على سلامتها، كما قال مكتبه في بيان رئاسة الحكومة، كما أن قيادة عمليات بغداد من جهتها أعلنت عن تشكيل فريق عمل مشترك للتحقيق في حادثة الاختطاف بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والأجهزة الاستخبارية والساندة، بينما أدانت النائبة في البرلمان العراقي سروة عبد الواحد عضو لجنة الثقافة والإعلام النيابية اختطاف الصحافية افراح شوقي من بيتها، محملة الحكومة المسؤولية الكاملة، داعية الحكومة لحصر السلاح بيد الدولة، في اشارة مبطنة توحي بأن من نفذ العملية هم من فصائل الحشد الشعبي.
إذن نحن ازاء الكثير من الاتهامات التي وجهت صراحة أو تلميحا لجهات شيعية مسلحة، سواء كانت ضمن فصائل الحشد او القوات الامنية، ما دفع هذه الجهات للادلاء بدلوها في هذه الازمة، فها هي اهم ثلاثة فصائل شيعية مسلحة تنفي علاقتها بالموضوع، بل تعلن انها تبذل جهودها لتحرير الصحافية المختطفة، فقد دعا السيد مقتدى الصدر القائد الرسمي لكتائب سرايا السلام للعمل على تحرير أفراح شوقي وحماية الصحافيين، وبحسب معلوماته الخاصة كتب غيث التميمي الناشط والاعلامي على صفحته في فيسبوك أن الشيخ قيس الخزعلي قائد كتائب «عصائب أهل الحق» يقوم بإجراء اتصالات مستمرة في محاولة حثيثة لتحرير أفراح شوقي، وبدورها «حركة النجباء» وهي احد الفصائل المسلحة في قوات الحشد الشعبي، أكدت أنها تدين حادث اختطاف الصحافية أفراح شوقي، متعهدة بالبحث عنها وحث الجهات الأمنية على الوصول لمن يقف وراء الحادث، حيث ذكر المسؤول التنفيذي للحركة، علي الأسدي، خلال لقائه بوفد من الإعلاميين المساندين لقضية الإعلامية أفراح شوقي أن «المجتمع العراقي ووفقا لثقافته الاجتماعية لا يتجرأ على ايذاء المرأة، إضافة إلى أنه ضد سياسة تكميم الأفواه» وهنا نصل إلى السؤال الاهم ؛ اذن من الذي قام بخطف افراح شوقي؟ وما الهدف من ذلك؟ هل هي عصابات اجرامية؟ واذا كانت كذلك لماذا لم تطالب بفدية لحد الان؟ وتبقى كل تلك الاسئلة دون اجوبة واضحة، بينما الكثير من العراقيين يتمنون وهم على اعتاب سنة جديدة ألا تتحول افراح شوقي إلى اسم يلتحق بركب قاسم عبد الأمير وكامل شياع وهادي المهدي من الصحافيين والناشطين المدنيين الذين قتلوا بدم بارد دون الكشف عمن ارتكب هذه الجرائم بحقهم، الكل يتمنى أن تعود الصحافية افراح شوقي إلى حضن عائلتها بسلام، وألا يكون حادث اختطافها فتحا لصفحة جديدة من صفحات تكميم الافواه عبر موجة اغتيالات جديدة.
كاتب عراقي
صادق الطائي
هل للسيد الكاتب المحترم تفسير للتناقض الآتي: رئيس الوزراء يصف ما حدث بأنه إختطاف و يستنكره و يأمر الجهات الأمنية بالعمل على إطلاق سراحها ، ثم يتبين يوم أمس بعد أن غدت حرة أن من قام بالعمل جهات من المنظومة الرسمية العائدة للدولة ، و قد أطلق سراحها بعد تحقيق بسيط ‘!…. لا أعتقد أني أحتاج أن أسترسل بالموضوع فما أريد قوله واضح بين السطور
يا للحسرة على الدرك الذي و صلناه باعتبار الهجرة مكسبا و جائزة كبرى يتحاسد الناس عليها
اغلب شباب الامة حتى في المناطق الامنة نسبيا يتطلعون الى الهجرة. و العجيب ان نفس النسبة تكون في الميسورين او الطبقة الحاكمة و النخبة المستفيدة. الكل يريد الهجرة بل الفرار من الجحيم الي خلقوه بفسادهم او بسكوتهم