■ اعتبر الرئيس بشار الاسد ان نسبة المشاركة العالية في الانتخابات الرئاسية «تشكّل رسالة قوية للغرب وللدول المتورطة بالحرب على سوريا».
حليفتا سوريا، روسيا وايران، امتدحتا شفافيتها وشرعيتها. المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكافيتش قال: «نعتبر التصويت حدثا مهما بشأن استمرار عمل مؤسسات الدولة، عملا بدستور البلد ذي السيادة. لا يمكن تجاهل رأي ملايين السوريين الذين توجهوا الى صناديق الاقتراع، على الرغم من التهديد الارهابي، واختاروا مستقبل البلاد».
وزارة الخارجية الايرانية رحّبت بالطابع التعددي للانتخابات واحترامها المبادئ الديمقراطية. اكدت «ان ايران ترى في هذه الانتخابات اشارة الى عصر افضل من الاستقرار والوحدة الوطنية في سوريا».
في المقابل، رفض «الائتلاف الوطني» السوري المعارض في الخارج الانتخابات، معتبرا انها «انتخابات الدم.. والشعب مستمر في ثورته». وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ قال: «هذه الانتخابات ليس لها علاقة بالديمقراطية الحقيقية». وزير الخارجية الامريكي جون كيري وصف الانتخابات بانها «صفر من دون معنى».
هل هي فعلا من دون معنى؟
كلا، بل مترعة بالمعاني والتداعيات، ابرزها في المرحلة الراهنة ثلاثة:
تبدّى اول تداعيات الانتخابات السورية في مسارعة كيري الى قطع مشاركته في جولة رئيسه باراك اوباما الاوروبية التي بدأت في فرنسا، حيث جرى الاحتفال بالذكرى السبعين للانزال الذي نفذه الحلفاء في النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، طائرا الى بيروت ليلتقي رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.
في ختام زيارته الخاطفة التي دامت اربع ساعات، صدر عن كيري، لاول مرة، موقف لافت يفيد الاعتراف بحزب الله قوةً اقليمية فاعلة. فقد دعا خلال مؤتمر صحافي في السراي الحكومية، كلا من روسيا وايران وحزب الله الى «العمل معا لوضع حدٍّ للحرب في سوريا». اللافت في اشارته الى حزب الله ليس الاعتراف به فحسب، بل عدم توصيفه بتنظيم «ارهابي»، كما يفعل المسـؤولون الامريكيون دائما، وموازاته ايضا بايران وروسيا من حيث التأثير في مجريات الازمـة السورية، ثم ان دعوة كيري الموجهة الى حلفاء سوريا الثلاثة من بيروت غداة الانتخابات الرئاسية السورية تدلّ على وجود هاجس لديه من تداعيات نتيجتها على دول الجوار، ولاسيما لبنان والاردن، فهرع الى بيروت ليحتويها ويؤكد دعمه لحكومة تمام سلام التي باتت، بعد خلو سدة الرئاسة، السلطة التي تتولى وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية.
الى ذلك، تكشّفت زيارة كيري الخاطفة لبيروت عن هاجس اخر يتصل بنتيجة الانتخابات السورية. فقد اوحى في محادثاته مع المسؤولين، كما في مؤتمره الصحافي، بوجود مخاوف لدى واشنطن من ان يؤدي شعور الاسد بالانتصار الى مضاعفة نفوذ حلفائه في لبنان، وبالتالي الى تزايد نفوذ دمشق على نحوٍ يؤدي تاليا الى اضعاف حلفاء الولايات المتحدة المحليين. فوق ذلك، تخَوّف كيري من التأثيرات السلبية لشغور سدة الرئاسة على استجابة الجيش وقوى الامن اللبنانية لأي طارئ في غياب رئيس للدولة.
غير ان هاجس كيري الاكبر هو حساسيته ازاء مئات الاف النازحين السوريين والانعكاسات الاقتصادية والامنية لوجودهم في لبنان والمنطقة. فقد ناهز تعداد هؤلاء النازحين في لبنان المليون ونصف المليون، اي ما يساوي ربع عدد السكان اللبنانيين، وهم ما زالوا يتدفقون. واذ شاطر كيري المسؤولين اللبنانيين مخاوفهم من عدم قدرة البلاد اقتصاديا على تحمّل اعباء هذه الكتلة البشرية المتعاظمة، وقدّم لهم دعما ماليا بقيمة 51 مليون دولار، فانه لم يتوانَ عن ابداء مخاوف اكبر من ان يتحوّل عشرات الاف السوريين النازحين الى لبنان قوة امنية بيد دمشق تحركها في الداخل لخدمة سياستها وسياسة حلفائها المحليين.
تخوّف كيري من الانعكاسات السلبية لمئات الاف النازحين السوريين في دول الجوار لا يقتصر على لبنان وعلى النواحي الاقتصادية والامنية فحسب، بل يطال ايضا النواحي الديموغرافية والسياسية. فهو لم يكتم خشيته من انعكاسات هذه الظاهرة على الاردن، وقبله على لبنان، ما يؤدي الى الاخلال بتركيبتهما الاجتماعية والسياسية. وقد تساءل بعض المسؤولين اللبنانيين ممن استمع الى ملاحظاته في هذا الشأن، عمّا اذا كانت هواجسه المتزايدة ستدفع واشنطن الى اعادة النظر بسياستها تجاه سوريا لوضع حدٍّ للحرب العبثية الدائرة فيها منذ اكثر من ثلاث سنوات، بغية تدارك مفاعيلها وانعكاساتها السلبية على الدول المجاورة.
غير ان الهاجس الثالث الاقوى والاكثر مدعاة لقلق رؤساء الدول في امريكا واوروبا (وروسيا ايضا) هو «الجهاديون» والتنظيمات الارهابية في العالم، ولاسيما في سوريا والعراق واليمن وسيناء المصرية وليبيا. صحيح ان حكومات دول الحلف الاطلسي لا تعترض على ولا تكترث بما يرتكبه الارهابيون وتنظيماتهم ضد حكومات الدول الآنفة الذكر وشعوبها، لكنها بدأت تقلق مما يقومون به ضد حلفائها المحليين المعارضين في تلك الدول التي تعاني حروبا واضطرابات امنيـة منذ سنوات. غير ان قلقها الاكبر بات من الاثار المترتبة على عودة المئات من مواطنيها الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الارهابية في تلك الدول المضطربة، ولاسيما سوريا والعراق وليبيا، الى بلدانهم الام. بعض مسؤولي اجهزة الاستخبارات الاوروبية بات يخشى من ان يشكّل «الجهاديون» الاوروبيون العائدون مجموعات منظمة متصلة بتنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) للقيام بعمليات ارهابية مباشرة في دول اوروبا.
تقدّر اجهزة الاستخبارات عدد «الجهاديين» الاوروبيين بنحو 3000، تقول انهم يتوجّهون غالبا الى سوريا والعراق عبر تركيا بدعوى السياحة او بدعوى الانخراط في العمل الاجتماعي الانساني. وينسب الصحافي موسى عاصي الى استاذ العلوم السياسية في باريس بيار فيليو، الذي اقام في سوريا فترات متقطعة منذ 2011 قوله، ان تنظيم «الجهاديين» الاوروبيين يحارب تحت راية «داعش»، وان الخوف الاوروبي اليوم هو من ان يكون زعيمه ابو بكر البغدادي الذي بدأ فعلا بمزاحمة «القاعدة» على الساحة الدولية، في حاجة الى عمل ارهابي ضخم يفوق بتداعياته جميع عمليات «القاعدة» واخرها تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر/ايلول 2001، من اجل ترسيخ «داعش» كقوة «جهادية» دولية اولى.
الخوف من «الجهاديين» وتنظيماتهم الارهابية لا يقتصر على دول الحلف الاطلسي، بل يمتد ايضا الى روسيا. فقد حذّر بوتين في مقابلة مع قناة «تي افت1» الفرنسية من ان العناصر المتشددة الموجودة في سوريا ستشكل خطرا على اوروبا في المستقبل، متخوّفا من ان تتحول سوريا الى افغانستان اخرى».
ترى، هل يقرّب الخوف من «الجهاديين» بين امريكا واوروبا من جهة وروسيا من جهة اخرى، فتجد الازمة السورية حلا سياسيا سلميا لها يُنهي سفك دماء الناس بلا جدوى؟
٭ كاتب لبناني
د. عصام نعمان
رائع جدا دكتور عصام نعمان
الله كريم
تحليل منطقي غير ملوث برائحة النفط:
هواجسه المتزايدة ستدفع واشنطن الى اعادة النظر بسياستها تجاه سوريا لوضع حدٍّ للحرب العبثية الدائرة فيها منذ اكثر من ثلاث سنوات،
فتجد الازمة السورية حلا سياسيا سلميا لها يُنهي سفك دماء الناس بلا جدوى؟