■ في خضم جلبة وضجيج مهرجان الطبل والزمر الزاعق في جنون، الذي نعيش فيه، ثمة أصواتٌ لها وزنها بدأت تعلو معلنةً عدم رضاها عن مجرى الأحداث، بل وانزعاجها وقلقها من مسارها المؤذن بكارثة.
لا أتحدث هنا عن أولئك المعارضين منذ البداية، سواء بسبب انتمائهم للإخوان، أو بسبب أي انحيازٍ اجتماعي أو سياسي معارضٍ لمجمل مجريات الأمور منذ البداية، وإنما أولئك الذين تحمسوا للسيسي في لحظةٍ ما ورأوا فيه امتداداً لعبد الناصر، ولتقليدٍ ما للمؤسسة العسكرية في مصر في الحفاظ على الدولة من السقوط وانتصاراً للمصريين. أغلبهم محسوبٌ على التيار الناصري، لكن المشكلة تكمن في أن أصواتهم تلك التي بدأت تعلو لا تعدو أن تكون همهمةً يغرقها الصياح المصم في الخلفية. هم يرون تلك الشقوق في الرواية الرسمية وتفتت الدولة من الناحية الفعلية، لكنها ليست أول مرةٍ في التاريخ لا يستطيع أولئك الذين أسهموا في تغيير الوضع، أو خلق وضعٍ جديدٍ وقاموا بدور القابلة عكس مجرى الأحداث، يفزعون مما استولدوا، لكن القطار يبدو ماضياً لمصيره المحتوم، بغض النظر عن تحذيراتهم ومراجعاتهم لمواقفهم، التي لا يلتفت لها في حقيقة الأمر إلا أقل القليل.
للحق، يبدو فعلاً أن الناس في مصر تعيش مؤامرة، لكنها ليست خارجيةً هذه المرة وإنما داخلية صميمة، مؤامرة صمتٍ رهيبة، توافق فيها الكثير من الناس مع النظام، لعبة يلعبونها، النظام يبيع الوهم والأحلام والأكاذيب والمنجزات والأعلام الخفاقة بالنصر والمشاريع العملاقة والناس تشتريها، الكل يتظاهر بالتصديق، المحرك الحقيقي هو الخوف، الخوف البدائي. لقد نجح النظام في استغلال نماذج الفشل الإقليمي وتفتت الدول المجاورة ليثير الخوف من محاولات التغيير، التي ترسخت في يقين الناس، عبر حملة تدليسٍ وتشويهٍ، أنها لم تعدُ أن تكون مؤامرات خارجية محضة، تسببت في كل هذه الكوارث والمآسي الإنسانية، متجاهلةً الظروف الموضوعية الدامغة وبطش الأنظمة الرهيب. لذا فقد رضي السواد الأعظم بلعب هذه اللعبة مع النظام، التظاهر بالتصديق، لن يسألوا أسئلةً من قبيل: لماذا مازال الإرهاب مستمراً في سيناء رغم كل الوعود بإنهائه؟ وإذا كان كل هؤلاء يسقطون قتلى من «التكفيريين» الذين لا يعلم أحدٌ كيفية تعريفهم فكم عددهم الأصلي؟ أين هي نتائج المؤتمر الاقتصادي وتلك الاستثمارات التي ستتدفق، وذلك الرخاء العميم الذي سيغمر الناس؟ وتلك التفريعة الجديدة لقناة السويس أين مردودها المادي؟ في ظل أخبارٍ تتناثر هنا وهناك عن استدانة الشركةٍ لسد التزاماتها في الحفر وتراجع الإيرادات؟ ما حال المختفين قسرياً؟ كل هذه أسئلة مزعجة للغاية وتفتح الطريق لهوة مخيفة من انهيار الدولة، التي يضحي الناس استماتةً في الدفاع عن كيانها، خاصةً وهم يرونها تكافئ الشرائح الاجتماعية العليا في هيكلها، من عسكر وقضاة وبيروقراطية، ناهيك عن انحيازها الذي لم يتغير ولم يفتر للاقتصاد النيوليبرالي بأكثر صوره انحطاطاً.
لكن الناس والنظام يختاران الاستمرار في اللعبة، وعلى ذلك تتواتر المحطات على طريق الفشل المحقق، ففي سعي النظام وتركيبته الحاكمة، التي احتلت صدارة المشهد عقب 30 يونيو، للحصول على المشروعية وإبعاد ذكرى الدبابة التي أتوا عليها، أجريت انتخابات برلمانية قاطعتها الكثير من القوى السياسية، لا أتحدث عن الذين يتآكلون في سجون النظام، وجيء بمجلس. إلا أنه يعِد بأن يكون مسخرة السنين، فالحديث عن التدخل الأمني الصارخ والممجوج والمهين في تشكيلته وفي اختيار أعضاء قوائمه يصيب بالغثيان. والناس بعد إقبالٍ ضعيفٍ في الانتخابات (يشي بشعورٍ بعدم الجدوى) لا يكترثون، لكنهم مستمرون في اللعبة، اعتماداً وتوكلاً على ستر الحال من خالق العباد، وربما لأنهم تعبوا وقرروا الاستسلام لدعة الأحلام، فلا يمكن أن تكون كل تلك الأرقام وتلال الحكايا التي يصبها فوق رأسهم الإعلام كذباً كلها.
وهناك أيضاً ليس فقط أخبار وإنما مؤشرات على صراعات بين أجهزة الأمن وأجنحته في منظومةٍ تضخمت حتى لتوشك على الانفجار، وانعكاس ذلك على المرشحين- الأمنجية الذين هبطوا على المجلس «المنتخب». لزم التأكيد هنا على أنني لا أتجنى ولا أقذف أحداً فقد اعترف مرشحون وقادة أحزابٍ باتصالاتٍ مع ضباطٍ في أجهزة الأمن للتنسيق في الانتخابات. لا أحد يذكر ماء الوجه ناهيك عن محاولة الحفاظ على شيءٍ ولو بسيط منه. مهزلة بكل المعايير.
لقد صودر المجال العام منذ زمنٍ بعيد، من قبل 23 يوليو، وإن كانت صور المصادرة ازدادت قوتها بعد ذلك التاريخ، ربما لما أعقبه من نظامٍ أقوى. وكان يتم السماح بذلك المجال العام من انتخاباتٍ وما أشبه تحت الضغط وكنوعٍ من التنفيس في الأساس لامتصاص السخط، مع إدراكٍ ضمني بأن السلطة في يد الرئيس ومؤسسة الرئاسة كلية القوة، ومع السنين، جف بحر السياسية واضمحلت مؤسسة الرئاسة، انعكاساً لتضاؤل قامة الرؤساء، إذا شئنا الصراحة والأمانة، في الخط الهابط، بل المنهار، من عبد الناصر العملاق (بغض النظر عما قد يكون من آرائنا فيه واختلافاتنا) حتى مبارك، وتضخمت منظومة الأمن لحماية نظامٍ لم تنِ قاعدته الشعبية المفقرة تتضاءل، نظامٌ يزداد تفاهة ًوترهلاً، نظامٌ فرط في أوراق قوته وهمش نفسه عن دوره الذي تمليه الجغرافيا والتاريخ، وبات يستمد مشروعيته من الخارج من رهانٍ على أمريكا وإسرائيل، وفق ارتباطات مصالح مع انحيازاته الطبقية في الداخل.
ورث السيسي هذه التفاهة وضعة الحال، لكنه ليس ثورةً على أيٍ منها، كما قد يدعي في بعض الأحيان، بل هو استمرار ومحاولة نفخ روح، ومفهومه لاستعادة هيبة الدولة يعني استعادة هيبة أجهزة الأمن، التي جاء من قلبها الصلب. ذلك يفسر ازدياد الجنوح للأمن لملء فراغات البيروقراطية المترهلة، وفق اتهامٍ مبطنٍ من قبل تلك الأجهزة بأن جرعة السياسية والحريات التي يرونها كانت زائدة، هي ما أوصلت لـ25 يناير، أي أن فقر السياسة يشار به إلى عدم السياسة وتصحرها التام لحساب أمنٍ فقير الخيال منعدم الثقافة والفهم للعالم المعاصر والرؤية؛ والحاصل أن ذلك الأمن الذي كان تعامله خشناً، دائما ما نراه إلا ازداد فظاظةً ووحشيةً، لأن المعادلة أضيف إليها الآن الانتقام لكرامة جريحة من ذكرى خلعهم بذلاتهم الرسمية وركضهم في الشوارع في 25 يناير بملابسهم الداخلية.
باختصار، النظام على وضعه الحالي فقد تلك القشرة من «السياسة» في تعامله مع الناس والمعارضين، فبات يتعامل «بغشم»، وفتح خرطوم الأكاذيب على آخره لملء ذلك البحر الجاف، والناس لا يستطيعون تصديق أن مصر التي يفخرون بها رغم كل شيء وصلت إلى هذا المستوى المنهار، فهم أميل للتصديق مشيحين وجوهم عن تلك الفجوة التي يملؤها القبح بين الواقع وصورة الذات – تلك أنجع وسيلة دفاعية والنقيض التام لجلد الذات والشعور بالهزيمة والإحباط.
سيستمر مسلسل الكذب وسينسى الناس أو سيتظاهرون بالنسيان، ستستمر اللعبة، لكنها ستزداد سخفاً وثقل ظل يوماً بعد الآخر، ستزداد كآبة حتى لن يعود من الممكن الاستمرار في الكذب، وساعتها سينهار كل شيء.
٭ كاتب مصري
د. يحيى مصطفى كامل
هل أن بعض الشعب المصري إنخدع بالعسكر بمزاجه نكاية بالإخوان
أم أن العسكر قد خدع هذا البعض بإغرائهم بالإمتيازات
أم هي قوى خارجية من تدير هذا الخداع
ولا حول ولا قوة الا بالله
لن تستمر اللعبة كما أري فكثير من الشباب مهمش وفقد الثقة في الحاكم الكذاب الذي يوعد ويخلف ولم يتحقق أي شيء إيجابي علي أرض الواقع .
ناهيك عن التحدث عن شباب الثورة في السجون … لم يفعل شيء بل تآمر عليهم وجعل الشرطة تضرب في البشر وتقتل وتعذب وكأن مبارك يحكم بل أشد قسوة وإجرام هذا سيؤدي الي غليان وثورات .
هو أسد علينا ونعامة مع اثيوبيا في تفاوضه …؟
ثم أين الأموال المنهوبة وأين العدل الذي هو أساس الملك ؟؟؟
هذا الحاكم عنده تناحة مبارك وهو معتمد علي جيشه وشرطته الذين اول من سيهربون منه عندما يثور البشر وسنري .